أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - حصة العرب من المستقبل تقاس بمقدار حصتهم من بناء داخل خاص بهم















المزيد.....

حصة العرب من المستقبل تقاس بمقدار حصتهم من بناء داخل خاص بهم


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 371 - 2003 / 1 / 18 - 13:58
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


أخبار الشرق - 17 كانون الثاني 2003

في مقال نشره في جريدة "الحياة" بتاريخ 11/10/2002 تساءل باتريك سيل: "ما هو مستقبل القيم الإسلامية، والكبرياء العربية والهوية العربية، والقومية العربية? هل قدر على العرب والمسلمين أن يخضعوا مرة أخرى للحكم الأجنبي، كما حدث في الحرب العالمية الأولى?". بهذه الأسئلة "الملتزمة" اختتم الكاتب الإنكليزي قراءته لحتمية الحرب الأمريكية على العراق وحال "الشارع العربي" الذي "يكثر ضجيجه ولا يفعل شيئا" كما يقول، و"تخاذل الزعماء العرب" كما يقول أيضاً.

تبدو النبرة الاستنكارية الحارة لأسئلة سيل مألوفة جداً للذائقة العربية. ولا شك أن بعض السبب في ذلك يعود إلى إلفة الرجل مع قضايا العرب وقدرته على التفهم والتعاطف. فمن عاشر القوم وقضاياهم أكثر من أربعين سنة، صار منهم بطريقة ما. ولا يتغير أمر الإلفة والعشرة كثيراً إذا تعاملنا مع أسئلته كاستفهام وكطلب كشف حساب. إذ ليست الحرب الوشيكة على العراق غير مناسبة إضافية يعيد أهل الكلمة العرب فيها صوغ وطرح الأسئلة القلقة ذاتها أو أشباهها. فقد سبق أن طرحت نظائر هذه الأسئلة عشرات المرات في منابر الكتابة والنشر ووسائل الإعلام العربية المختلفة. وقدمت لها في كل المرات إجابات تتفاوت محاور تركيزها تفاوت المتكلمين وخلفياتهم الفكرية والسياسية ونوعية و"كمية" الحدث الذي أشعل النقاش حولها. فمن الكلام عن ثقل الماضي وعسر الحداثة في بلادنا، إلى التركيز على النمط الدكتاتوري لممارسة السلطة السياسية، إلى المقاربة الاقتصادية التي تتحدث عن إخفاقات التنمية واتساع دوائر الفقر والبطالة، إلى التفسير بالعوامل الخارجية، وبالتحديد الهيمنة الأمريكية التي تستتبع معظم الأنظمة العربية وتدعم العدوانية الإسرائيلية. وتختلف الطروحات أيضاً في مستواها الفكري والرصيد المعلوماتي والوثائقي الذي تستند إليه. ورغم أن الفكر العربي المعاصر يفتقر إلى أعمال تركيبية أساسية تضيء واقع العرب في العالم الحديث، فإنه لا يشكو من ندرة ولا من تدني مستوى التحليلات التي تفسر الكثير من جوانب الواقع الذي يعيشه العرب، ومن هذه الجوانب أسباب الموقعة المحتملة في العراق وجذورها ونتائجها المتوقعة.

ليست المشكلة في فهم الواقع ومعرفته، إنها بالأحرى في العلاقة بين الفهم والمعرفة من جهة والدولة والسلطة من جهة أخرى. وبالتحديد في عدم وجود أية جسور تربط بين معرفة أهل المعرفة وعمل أهل الدولة والسياسة. ومن المعروف أن صاحب القلم الذي اهتم ببناء جسر يردم الهوة بين المثقف والأمير قد هوى به جسره وأوقعه سجيناً بين أيدي رجال الأمير بدلا من أن يجد الأمير مرحباً به عند نهاية الجسر. في هذا الشرط كل تحليلات المثقفين خاطئة كائنة ما تكون. فخطأها الأصلي هو وجودها. والمثقف الجيد هو المثقف غير الموجود في منطق السلطة العربية. لكنها لا تستغني بالطبع عن المثقف الذي تخلى عن الوظيفة النقدية وأعفى نفسه من عبء اختلافه. إنها لا تريد مثقفا يبني جسرا إليها ويبقى مختلفا ومستقلا عنها، إنها تريد مثقفا يكون جسرا، أداة لتعديها إلى ما لم تصله. السلطة في العالم العربي المعاصر هي الفعل الوحيد المتعدي، بل هي في جوهرها فعل اعتداء.

على أن المثقف لا يحتكر حال عدم اللزوم، فالرأي العام أقل لزوماً كرأي عام، وهو لا يوجد إلا كركيزة لممارسة السلطة وكأحد أركان وجود دولة وحكم. وبما أنه لا يمكن الاستغناء عنه بهذا المعنى الأخير فلا بد من رده إلى "جماهير". وخلافاً لما يقوله السيد سيل فإن أبرز ما في الشارع العربي ليس كثرة الضجيج وقلة الفعل بل الشلل والغياب بل الغيبوبة.

هل يتعلق سوء الحال العربي المعاين إذاً بالدكتاتورية والتسلط؟ ليست الدكتاتورية بدعة في تاريخ معظم بلاد الأرض، لكن الدكتاتوريات الأسوأ هي التي لا هدف لها ولا رؤية ولا مشروع ولا "رسالة". يمكن للناس تحمل الدكتاتورية إذا عوضت عن حرياتهم بتحسن في أنصبتهم من الثروة الوطنية (كوريا الجنوبية حتى ثمانينات القرن السابق، والصين اليوم)، وقد يتحملون حرماناً من الحرية ومن الثروة معاً إذا صانت الدولة بلدهم من خطر داهم وحمته من أعداء خطرين ومتّنت وحدة أهله (ليس هذا حال أي من دول العرب)، وقد يتحملون نواقص في هذه الجوانب جميعاً إذا نجحوا في بناء جيوش قوية مهابة وصناعة حربية فعالة (ألمانيا النازية واليابان قبل الحرب العالمية الثانية).

ليس الغرض من هذه الإشارات الإغلاظ في هجاء نظم الحكم العربية، أو التشدد في إعلان إفلاسها، بقدر ما هو لفت النظر إلى أن جوانب القصور المتعددة هذه تشير إلى فشل بناء الدولة الوطنية الحديثة في العالم العربي. ولا شك أن نظرة سريعة إلى مصير الدساتير العربية والقيم الجمهورية ومبادئ التمثيل الشعبي تعطي فكرة عن شمول وعمق هذا الفشل. ولعل هذا الفشل الأكيد أيضاً يفسر حقيقة أن عدداً من الشعوب العربية تصرفت، وتتصرف، وكأن أمر تحول نظام الحكم فيها إلى ما قد نسميه الجمهوريات العضوض شيء لا يعنيها. ولعلنا سنرى قبل نهاية هذا العقد ارتفاع عدد نظم الحكم الجمهورية العضوض إلى خمس بعد أن تم تدشينه عربياً في بداية العقد، غير مسبوقين إليه عالمياً بغير كوريا الشمالية. هذا المؤشر يُضاف إلى شلل "الشارع" بخصوص العراق ليجسم وضع شعوب مفصولة عن ذاتها ومحرومة من الوسائل السياسية والمادية والفكرية للسيطرة على مصيرها. ومع ذلك فهي شعوب مُقالة وليست مستقيلة، ومستبعدة وليست مبتعدة.

فخلال عقود اختطفت نظم الحكم كل نظم القيم والعقائد. فكانت أكثر وطنية من الجميع، بل هي الوطن ذاته في الواقع، وأكثر قومية من القوميين، وكانت أيام الاشتراكية أكثر اشتراكية من الاشتراكيين، وهي دائماً أحسن إسلاماً من أي إسلاميين ممكنين. واحتلت على الدوام الفضاء السياسي بأكمله ساحقة منافسيها المحتملين بحروب استباقية مدمرة، واخترقت المجتمع اختراقا جهازيا عنيفا ومنعته من الانتظام الذاتي والمستقل، أي من إنتاج اجتماعيته العامة. هذا الاحتلال الكامل للمكان الاجتماعي والسياسي والقيمي لا يترك مقاما لأحد ولا لشيء، وبالتأكيد لا مكان لـ "الكبرياء العربية" ولا لـ "القيم الإسلامية" التي افتقدها السيد سيل، اللهم إلا على شكل انفجارات عدمية، غير عقلانية، ونخبوية بطبيعتها. وإذا شاء المرء أن يكون منسجما فإن عليه يعمم نقده للنسخة الأمريكية الراهنة من "الحرب على الإرهاب" على نسخ عربية، سابقة ومزامنة، تشبهها شبها عجيبا بالفعل، بما فيها غوانتانامو، وبما فيها الحرب الوقائية، وبما فيها من ليس معنا فهو ضدنا.

وهنا في الحقيقة يكمن الفارق بين الدكتاتوريات العربية المعاصرة (والعديد من الدكتاتوريات الأمريكية اللاتينية والأفريقية والدكتاتوريات الفتية في آسيا الوسطى) وبين دكتاتوريات الصين وكوريا الجنوبية وغيرها. والتفريق الحاسم في كل هذه الحالات قوة الشعور الوطني لدى الناس ودرجة اتباطهم ببلدهم. إذ يبدو لنا من الملاحظة المباشرة أن الدكتاتوريات العربية وصلت إلى درجة قتل الشعور الوطني لدى قطاعات غير قليلة من الناس، وغرّبتهم عن قضاياهم العامة ومصيرهم المشترك. ولولا وطنية ثقافية تتمفصل على الدين، ربما لغادر البلاد كل من استطاع إلى المهجر سبيلاً (يقول تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام 2002 إن 51 في المائة من الشباب العرب يرغبون في الهجرة من بلادهم!).

* * *

هل "قدر على العرب والمسلمين أن يخضعوا مرة أخرى للحكم الأجنبي، كما حدث في الحرب العالمية الأولى؟" يتساءل الكاتب الإنكليزي. وقبله بأيام كان جورج غالوي، النائب في مجلس العموم البريطاني، قد طرح سؤالاً مشابهاً في دمشق على مسامع المشاركين في "المؤتمر القومي للجان العربية لرفع الحصار عن العراق": هل ستتفرجون على بلادكم وهي تقسم من جديد على غرار ما جرى في اتفاقية سايكس بيكو؟ ستضيع عليكم 100 عام أخرى إن وقع ذلك.

يركز المواطنان البريطانيان على دور العوامل الإقليمية والدولية في أوضاع العرب المعاصرين. وقد يقولان إن إغفال هذه العوامل في منطقة الشرق الأوسط هو بمثابة عمى حقيقي. هو كذلك بالفعل. فالشرق الأوسط مخلوق أوروبي ثم أمريكي في الأصل، وهو اسم للوزن الفريد لـ "العامل الخارجي". لكن ما أردنا قوله هو أن ثمة سياسات محلية منعت تكون داخلٍ وطني متماسك في البلدان العربية. والداخل الوطني هو الرأي العام الفاعل والمشارك والصحافة الحرة والأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية المستقلة والتمثيل الاجتماعي ووسائل الإعلام المتطورة .. الأشياء التي تضاعف من وزن البلد وعمقه واتساعه. ودون محاولة بناء هذا الداخل ستبقى المنطقة العربية شرقاً أوسط مكشوفاً، أو منطقة ضغط سلبي تجتذب الخارج وتتشكل على هواه.

__________

* كاتب سوري - دمشق

 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر تنظيمات- أمريكي؟
- المسألة العربية: دم ودموع وبترول
- وعي الذات في عالم يصنعه الغير
- نهاية نظام القطبين وانهيار توازن العالم
- نهايات الاتحاد السوفياتي العديدة
- أمريكا والعالم: أمن بلا أمن
- على ضوء التطورات-: التجمع الوطني الديمقراطي يقرر انتخاب نفسه ...
- تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط-
- التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟
- من منع الهجوم على العراق إلى تجديد الحياة السياسية العربية
- نقاش أمريكي في الشأن عراقي
- سورية في إطار الحملة على العراق
- تأملات على أعتاب شرق أوسط جديد
- نظرية الرؤوس الحامية وفلكلور الخطاب
- موقع الدول العربية على مقياس التنمية الإنسانية
- بعض جوانب إشكالية المجتمع المدني في سورية
- ازمة المعارضة السورية: لا معارض بل عدو
- خطاب الغضب العربي
- وعـي اللحظة الراهنة


المزيد.....




- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - حصة العرب من المستقبل تقاس بمقدار حصتهم من بناء داخل خاص بهم