أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - طفلٌ أصمّ في الجوار














المزيد.....


طفلٌ أصمّ في الجوار


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 16:18
المحور: حقوق الانسان
    


أخبرني صديقي طبيب العيون الشهير عن زيارته الأولى لهارڤ-;-ارد الأمريكية لاستكمال دراسته بعد تخرجه في الجامعة المصرية. لاحظ على ناصية أحد الشوارع لافتة تقول: “يوجد طفلٌ أصمّ في هذا الشارع" Deaf Child on the Street. ولم يفهم صديقنا ما دلالة هذا، وبعدها اعتاد على رؤية لافتات مثل هذه تحذّر المارة وسائقي السيارات من وجود شخص لا يسمع يمر بهذا الطريق، حتى ينتبه من يقود السيارة أن آلة التنبيه "الكلاكس" لن تكفي لتنبيهه لخطر ما، أو وجود آخر لا يبصر يقطن في هذا الحي، لكي نتعامل مع الأمور بالحذر الذي يؤمّن سلامته. لكن الاهتمام بحق الحياة لم يتوقف عند بني الإنسان، لدى الغرب الذي نلعنه في سرائرنا بعين، ونرميه بسهم الحسد بالعين الأخرى، بل تجاوز ذلك الاهتمام منطقة الإنسان إلى منطقة الحيوان والطير والنبات، وكذلك الأثر. فمن سافر إلى بلاد الله الأوروبية والأمريكية والآسيوية، لا شك لاحظ على الطرق السريعة لافتات مرسومًا عليها غزال، تحته تحذير بوجود غزالات شاردة تعبر نهر الطريق بين الحين والحين، أو صورة بطة يسير خلفها سربٌ من صغار البط، حتى لا تدهس عجلات السيارة هذا الموكب البطيّ الصغير وهو يعبر من ضفة الطريق إلى الضفة الأخرى بحثًا عن الماء والقوت. إنهم يدركون قداسة الروح ويحترمونها.
من عاش في تلك البلاد فترة من الزمن سوف يعتاد على مشاهدة أمور مثل تلك لم تعد مدهشة إلا لنا نحن الذين مازلنا نتعلم أن للروح قداسة عند خالقها، حتى وإن كانت روح عصفور صغير يفتح منقاره الدقيق لقطرة ندى أو حبّة قمح يحملها منقار أمه العصفورة، أتت بها من سنبلة بعيدة لتُطعم صغارها. سيقول قائل إن بلادنا تدهس عجلاتُ قطاراتها الأطفال دون أن تطرف للمجتمع عينٌ. وسيقولون إن معدلات حوادث الطرق في بلادنا، وصرعى الأسفلت أكثر من صرعى الحروب، لأن بلاد العرب لا تحترم الإنسان، بل تنظر إليه باعتباره زائدًا عن الحاجة. وسأتفق مع الجميع في هذا الطرح، وأزيد أن تركيبتنا النفسية لم تنشأ منذ الطفولة ليس على عدم احترام الإنسان، وحسب، بل على عدم احترام "الطبيعة" بكاملها من شمس وخضرة وحيوان وطير وغيرها مما خلقه الله في توازن دقيق من أجل رفاهية هذا الكوكب الذي أنهكناه بالحروب والأمراض والأوبئة والتصحّر ومحاربة الجمال فيه وقتل البراءة.
الطفل في الغرب يتعلّم أن كل كائن حيّ هو صديقٌ للإنسان بشكل أو بآخر. حتى الزواحف التي نطأها بأحذيتنا في تقزز، لها احترامها في بلاد الغرب. شاهدتُ بنفسي إحدى المدارس في كاليفورنيا موجودة في منطقة جبلية تكثر بها الثعابين. ويعلّم المعلمون تلاميذهم كيف يتعاملون بتحضر، وأمان، ورحمة مع تلك الزواحف التي تتسلّل إلى فصولهم بين الحين والحين، دون فزع، ولا قسوة، فينشأ الطفل مدركًا أن لتلك الكائنات حقًا في الحياة مثله تمامًا، وعليه احترام فكرة أن تلك الأم التي زحفت من جحرها لضرورة ما، من حقها العودة إلى صغارها الزواحف آمنةً، مادامت لم تؤذ أحدًا. تمامًا كما يتعلّم الطفلُ أن شعاع الشمس شيء ثمين يجب احترامه والنهل من خيراته، وأن النهر منحة سماوية من الله لا يجوز تلويثها بمخلفاتنا، وأن النبتة الخضراء ثروة قومية على الجميع احترامها، وغيرها من مفردات الطبيعة التي نهينها كل نهار، فتمتلئ أجسادُنا بالأمراض والأوبئة، وتمتلئ أرواحُنا بالغلاظة والفظاظة.
تعامل الإنسان الأول مع الطبيعة باعتبارها عدوًّا شرسًا يجب ترويضه لصالح الإنسان، وحين ارتقى الإنسانُ وتحضّر واستنار عقلُه، أدرك أن الله لم يخلق أعداء لأبناء الأرض، بل أصدقاء لو أنصت إلى إيقاعهم وقرأ كتالوجاتهم، لأحبهم، وعرف أن الكون كله ليس إلا أوركسترا هائلة، مضبوطة النغم مدوزنة الأوتار.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هَدْرُه علَّمَ الجشَع
- أصل الحدوته
- مصر زعلانة منك
- شاهدْ الهرم... ثم مُتْ
- مَن كان منكم بلا إرهاب، فليضربنا بحجر
- محاضرة من القرون الوسطى
- تعليم خفيف الظل
- أيوا مصر بتحبك
- السيسي وحده لا يكفي!
- رحلة جمال الغيطاني الأخيرة
- لماذا تسمونها: معركة انتخابية؟
- المُغنّي والزعيم... وشعبٌ مثقف
- عسل أسود
- المال مقابل الكرسي
- جمال الغيطاني... خذلتني
- قانون مكافحة التجهيل العمدي
- هكذا الحُسنُ قد أمر
- ما العلمانية؟
- سجينة طهران
- السلطان قابوس والاستنارة


المزيد.....




- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...
- مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري ...
- مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - طفلٌ أصمّ في الجوار