|
من السهروردي الى أشرف فياض
ماجد ع محمد
الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 15:07
المحور:
حقوق الانسان
"وهل من أمةٍ في الأرض إلا نحن نغتال القصيدة" نزار قباني يبدو أن الأحداث التاريخية المتماثلة لا تنقطع سلاسلها في بلادنا باختلاف الزمان والمكان، إذ أن ما جرى منذ ألف سنة قد يُعاد إنتاج بعض فصوله أو كاملاً من جديد، وقد تظهر وقائع جديدة ولكنها لا تختلف عما يشابهها من الأحداث التي جرت قبل مئات السنين في هذه الديار، فها هو التأويل نفسه الذي أودى بحياة شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي عام 587 هـ/ 1191 م في مدينة حلب السورية، سيودى ربما بحياة الشاعر الفلسطيني أشرف فياض في السعودية، هذا إن لم يتوقف العمل بماكينة التأويل في المحاكم الشرعية في المملكة. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أنه حتى في زمن العولمة ورغم التأثير الذي قد تحدثه النخب الفكرية والثقافية في المجتمع، ورغم سطوة حضور أقطاب الحكم من الأمراء والسلاطين وتحكمهم بكل مفاصل الدولة ووسائل الإعلام، إلا أنه في الكثير من الأحيان تشير المجريات بأن أسباب الارتكاس والتقهقر لا تزال قائمة، وفي بعض المفارق قد يصبح القائد منقاداً مِن قِبل مَن كان عليه أن يقودهم، وقد ترى الرأي العام هو الذي يسوق وسائل الإعلام بدلاً من انسياقهم وراءه كما هي العادة، وظهر بأنه بمقدور الشارع إجبار الحكام على القيام بما لا يؤمنون به. وقد لاحظ أغلب المتابعين بأن العامة في الدول التي شملها الربيع العربي كثيراً ما أجبرت النخبة على اتخاذ مواقف بعينها رغماً عن قناعاتها وقناعات المهيمنين على وسائل الاعلام، أو سوقوا لأشياء راحت النخبة تقتدي بها، ليس بالضرورة بسبب صحتها، إنما لأنها شكلت رأياً عاماً طاغياً مَثَل نبض الشارع بقوة العاطفة التي كثيراً ما ناهضت العدل والحق والمنطق، أي أن الآراء التي كان مصدرها الشارع فرضت نفسها على أقطاب السياسة والفكر من خلال الحشد المؤيد لها وكمية الناطقين بها، وليس من خلال صوابية محتوى المطروح أو المشاع من الأحداث والمواقف. ويبدو أنه في الكثير من الأحيان بمقدور رهط من الثيوقراطيين أن يجبروا قادة الفكر في المجتمع أو حتى حض الحكام على القيام بما لا يؤمنون به، ومنها على سبيل الذكر ما يتعلق بالحكم الصادر مؤخراً عن محكمةٍ سعودية أفتت بوجوب إعدام الشاعر الفلسطيني أشرف فياض بتهمة تتعلق بكتاباته، وذلك بناءً على ما جاء في ديوانه "التعليمات.. بالداخل" الصادر عن دار الفارابي في لبنان عام 2008، والادعاء بأنه يروج لأفكار إلحادية وسب الذات الإلهية، وهنا تحضرنا حادثة تاريخية مماثلة، وهي حادثة مقتل أحد كبار المتصوفة، ألا وهو شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي، إذ تقول المصادر بأنه بناءً على طلبٍ وإلحاحٍ من الفقهاء والأئمة طلب صلاح الدين الايوبي من ابنه الملك الظاهر بضرورة التخلص من السهروردي نزولاً عند رغبة العامة ومن ورائهم من الفقهاء الذين خضع السلطان لضغوطاتهم ودسائسهم، وحسب المصادر التاريخية فإن الخشية من غضب الشارع هو الذي أجبر السلطان على اتخاذ هذا القرار المصيري بحق السهروردي، بالرغم من أن تلك الحادثة المؤسفة لا تتوافق مع السيرة السمحة لمحرر بيت المقدس، باعتبار أن أغلب كتب التاريخ المؤيدة منها والمناهضة لحكمه تتحدث عنه كقائد متسامح وودود وبعيد جداً عن العقلية الدموية التي تتلذذ بالضحية، وذلك وفق حتى ألد أعدائه آنذاك أي ملك انكلترا ريتشارد الأول الملقب بـ: ريتشارد قلب الاسد. ولكن وبالرغم من الأخبار السيئة التي نسمع بها عن السعودية بين الفينة والأخرى، إلا أني لا زلت متصوراً بأن ما يمارسه المطاوعة والأئمة والفقهاء في المملكة بحق الناس لا يمثل أفكار وقناعات أهل الحكم، ولا هم ربما مقتنعون بكل ما يقوم به مشرعو الأحكام المستنبطة من النصوص الدينية في المملكة، وذلك باعتبار أن آل سعود هم أقرب الى العلمانية من هكذا أحكام وتصورات، وخير مثال هو أن اعلامهم الرسمي قناة العربية التي لا تمت للتطرف الديني وأحكامه بصلة، وهذا طبعاً ليس بدفاعٍ عن آل سعود ولا لتبرئتهم مما يحدث من انتهاكات جسيمة بحق الانسان وحقوقه في السعودية، إنما ربما أن خوفهم من ضياع السلطة وتمسكهم بالبقاء على سدة الحكم هو فقط ما يدفعهم للرضوخ من حينٍ الى آخر لجهلة الدين وقبول فتاويهم القروسطية. ويبقى المشترك بين حالتي السهروردي وفياض هو ما قاله الناقد الفلسطيني حسن خضر لرويترز بقوله أن التهم الموجهة إلى فياض تستند إلى أحكام التأويل إذ "أن أشرف فياض اتهم بالإلحاد وهذه تهمة مؤولة بمعنى أنه تولى أشخاص من الجهاز القضائي أو غيره الذين نحن غير متأكدين من مدى كفاءة هؤلاء بالمعنى القضائي أو الأدبي في فهم النصوص، وهم تولوا تأويل هذه النصوص للتدليل على أن هذا الشخص ملحد وبالتالي لتبرير الحكم بإعدامه" وهي تماثل تماماً قصة اعدام السهروردي من وراء تأويل رجالات الدين آنذاك لرأيٍّ بدر منه في مناقشةٍ دارت وقائعها في مسجد في مدينة حلب السورية بين السهروردي والفقهاء على نحو علني، حيث سأله بعضهم: هل يقدر الله أن يخلق نبياً آخر بعد محمد، وطبقاً لما جاء في كتاب "البستان الجامع" لعماد الدين الأصفهاني فإن السهروردي أجاب بأن: "لا حد لقدرته" فأولوا هذه الاجابة بفهم أن السهروردي يُجيز خلق نبيًّ بعد محمد، وهو خاتم النبيين، وأعلن الفقهاء حينها بموجب ذلك أن السهروردي مارقٌ عن الدين، وكتبوا محضراً، وعدوا ما حدث كفراً وخروجا عن الشريعة المحمدية، وطالبوا بناءً على تأويلهم للقولِ المذكور بإعدام شيخ الإشراق بتهمة ترويج عقائد تتنافى مع الدين. وما نستنتجه من الغابر والحاضر هو أن الرأي العام والفقهاء الذين ضغطوا حينذاك على الملك الظاهر بن صلاح الدين ليتسبب بقتل السهروردي ويصدر الحكم الجائر بحق شيخ الاشراق، هو الموقف عينه يُعاد اليوم في المملكة العربية السعودية بحق أشرف فياض، وإذا كانت خشية صلاح الدين من تأليب الشارع عليه من جهة، وكرهه للفلاسفة والمتصوفة من جهة أخرى مع موقفه الحساس آنذاك حيث كان قد استعاد لتوه بلاد الشام من الصليبيين سبباً من أسباب هدر دم السهروردي، فهل ثمة من يكره الشعر ويكن الحقد للشعراء من حكام وأمراء السعودية على غرار كره صلاح الدين للفلاسفة والمتصوفة؟ إنما العكسُ هو ما يصح هنا، إذ يُعرف عن العائلة المالكة حبهم للأدب والفن، فمنهم الشاعر عبدالرحمن بن مساعد صاحب قصيدة "احترامي للحرامي"، كما أن للأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة مكة، أربع دواوين شعرية وقد ترجم شعره إلى الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والفارسية والأوردية والدنماركية، ثم هل كانت قصائد فياض تشكل خطراً أمنياً على المملكة التي لا تخوض أية حربٍ على غرار صلاح الدين الذي كانت تحدق به المخاطر من كل الجهات؟ وأخيراً هل سيستجيب ضمير مسؤولي المملكة للبيان الذي أصدره الأدباء والكتاب والفنانين والإعلاميين والأكاديميين والمثقفين العرب ضد محاكمة الشاعر؟ أم أن التأويل ومن ثم جور المؤولين ومكائدهم التي كانت سبباً بإعدام شيخ الاشراق عام 1191 م هو نفسه سيكون سبباً بهدر دم الشاعر الفلسطيني أشرف فياض في عصرنا الراهن؟.
#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلى زانا والقَسمُ الكردي من جديد
-
أطفال سوريا في يوم الطفل العالمي
-
المتضرر الحقيقي من الحرب لا يمتلك ثمن الوصول الى أوروبا
-
جاذبية متن الدواعش
-
عندما يستهدفك اخوانك
-
ماذا لو تغيرت قاعدة التضحية؟
-
أسرع الناس اندماجاً
-
كن مثلكْ
-
الاقتداء ببائعة الجسد أم بالمثقف؟
-
سوريا تحتاج الى سنين لكي تكون مكان آمن للعيش فيها
-
عندما يصبح المديحُ ثقافة
-
هزتين
-
الدعوة الى البهيمية
-
الكردي وشوق المحاكاة
-
بين معاداة الكلابِ ومحاباة أصحابها
-
الغرب بين الحرية والادماج القسري
-
عبداللطيف الحسيني: سوريا باتت أرضاً منخفضة يتسابق إليها المت
...
-
خطيئة مسعود البارزاني
-
حنان قره جول: التحديات التي تنتظر الشعب السوري بعد سقوط النظ
...
-
أيديولوجية تشويه البيشمركة
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|