|
حنا
بشرى رسوان
الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 06:26
المحور:
الادب والفن
8 مارس 2015.... السابعة و 25 دقيقة مساءً: "Tum Hi Ho"اليوتيوب لماذا تكرهنا الحياة يا أمي؟
أمام المرآة تُساورني أفكار غريبة كأن أُخرج لساني وأمده أو أُديره في كل الزوايا أَفتح عينيّ وأضغط بسباتي على أنفي أقطب حاجبي أُجَرب أن أبتسم على طراز أنجيلينا جولي ثم أَضحك بشكل صاخب ولافت كما تفعل ساندرا بلوك أُقلد صوت كاميرون دياز أو هبل جيم كاري مخطئ من يعتقد أن المرايا تعكس حركات الجسد فقط . تقول أمي إنني نسخة طبق الأصل عن حنا. عمتي فاطنة أسرَّت لي يوما وهي تُقبّل شعري: لقد أَخذتِ ملامح أمي، أنتِ تشبهينها يا فتاة٬-;- أنتِ الزوهرة بنت عمر٬-;- ربما أنا هي .... ربما أنا (الزوهرة بنت عمر)٬-;- يتربص بي وجهها أراها في عيوني السوداء وفي لون شعري البني في مزاجي الحاد وفي طباعي العروبية أورثتنني حمولتها الجينية أغدقت عليّ مورّثاتها بسخاء شديد. كانت امرأة حازمة جدا رُزقت من جدي بعشرة أولاد٬-;- بقفطانها المطرز بالسفيفة وشمارها الملفوف حول أكمامها الطويلة تروح وتجيئ عاقدة يديها خلف ظهرها٬-;- تحوم في البيت أو البستان بعد العياء تستند على الوسادة باسطة ساقيها فوق الحصير الرمادي تنام بعيون نصف مغمضة وفم مفتوح عن آخره٬-;- فاسحة المجال للسعات الذباب بين فينة وأخرى تهشه بعيدا عن أنفها يتسرب إلى أقدامها تفركها في عجل بعجالة تقمع عربدة أبناء عمومتي وتعود لإغفاءاتها المتقطعة حجرتها بسيطة جدا بُنيت بالطوب الأحمر وسقفت بالقرميد في الزاوية السحارة إلى جانب السرير فوقه الأغطية (اللعابن الخيط.. وبطاطين الشرويط.. الوسائد.. والهيادر) في الجانب الآخر للغرفة رف خشبي فوقه (الصينية والبراد والربايع ) أعلى الصوان تنتصب الأواني النحاسية عند المدخل (الخابية) يطوقها حزام من الحبق وبعض النباتات العشبية والعطرية . الخيمة بنيت على الطراز المغربي الفناء الواسع الذي يسمح بتهوية جميع الغرف تتوسطه شجرة تين حجرة كبيرة جُهزت لاستقبال الضيوف وحجرة الجلوس وأخرى جُهزت لاستقبال زوجة عمي الأصغر إضافة لبعض الغرف الصغيرة نسبيا والمطبخ على الطراز (العروبي) الطرقة الضيقة الطويلة تصل إلى الإسطبل الداخلي أمام البوابة الرئيسية للبيت باحة كبيرة متربة وخلفه (المرمدة)* إلى يمينها (السانية)* والبئر وشجرة اللوز المائلة على الأسلاك الشائكة على طرف الطريق بستان عمي سعيد بمحاذة المجرى المائي الذي يروي أشجار الرمان وأشجار الزيتون محاطة بالشوك البري لإبعاد العابثين من أمثالي بخبرة من ذاق طعم (يرني) يحفظ عمي مزروعاته شتلات المخينزة* والشيبة * النعناع.. الكرفس .... حوض البطاطس.. وحوض البصل يخزن التبن لفصل الشتاء ويدفن محصول القمح في المطمورة* جُبلت يداه على الحرث والتقليب وإزالة الحشائش متعلق بالتربة ورائحتها ببهائمه وبجواميسه الخمسة ودجاجاته يعرفها كما يعرف أولاده . بعد سنوات الجفاف التي ضربت المغرب في الثمانيات فُتحت أبواب السماء أَمطرت كما لم تمطر من قبل أَرعدت وأَبرقت أتتْ حاملة معها الخير للبلاد عمت الفرحة نفوس العباد إلا في بيت حنا بدت أكثر شحوبا من ذي قبل تسلل المرض إلى جسدها رقدت في صمت وماتت في صمت بعد أن أنهك الربو صدرها في تلك السنة أثمرت شجرة الصنوبر مخاريطَ من الخشب بشغب الأطفال تقاذفناها ككرة تنس أصبنا عيون ورؤوس بعضنا كان جدي حينها قد بدأ يفقد ذاكرته شيئا فشيئا في معظم الأحيان كان ينسى أسماءنا عندما كان يخرج يضل طريق العودة ومع مرور الأيام بدأ ينسى عدد الوجبات التي قدمتها عمتي له كان ينزلق شيئا فشيئا نحو متاهة من اللاشيء بدت عيناه خاويتين تماما تحومان حول كل شيء كان يطرح أسئلة الغريبة من قبيل.. من أنت؟ من هذا؟ ابن من هذا؟ من يكون و الده؟ أين أنا؟ يكرر ذات الأسئلة لا طائل من ورائها دائرة عقيمة استحال كائنا آخر كائن بلا ماضي مُحِيَتْ ذاكرته تماما إلا من حماره. كنت أجلس بمقربة منه أحملق فيه ببلاهة الطفولة بينما يردد باستمرار: (الحمار كال ... الحمار مربوط..)٬-;- اعتقدت دوما أن الذاكرة لا تموت إلا بعد أن تقتلنا.... كُنتُ مخطئة. بقيت عمتي رابحة برفقته إلى أن رحل إلى الأبد تحممه تسكب الماء على جسده وتفركه بالخرقة والصابون (وا با وانت زاكا ...خليني....وابا مزة كا فيك لما زكا) كطفل عنيد يرفض الاستسلام الطفل الذي لم تحظَ به أبدا عمتي رابحة من النوع الحاذق بإمكانها أن تجيئ وتغدو طيلة النهار بين البئر والمراح و(الݣ-;-اعة)* في التنظيف والغسيل والطبخ لا شيء يستعصى عليها رغم مزاجها السيء فهي امرأة نشيطة . أعتقد أن الميزة الوحيدة المتوارثة في العائلة هي مزاجنا السيء تقليد عائلي لا غنى عنه جاهزون على الدوام للتقاتل لا يمكن ترويضنا البَتَّةَ مُتحضرون ومُستعدّون لقلب العالم رأسا على عقب .
#بشرى_رسوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اساءة الورق
-
بعض من...؟
-
تصبحون على سلام
-
أي مستقبل ينتظرنا ؟
-
على خلفية الخدمة الاجبارية
-
كل محفل يصنع مفكرين على مقاسه
-
العابرون الى قلبي
-
جدار القلب
-
أنثى المطر
-
اقبضوا على أحلامكم جيداً
-
يوميات عادية
-
مزاج المطر
-
مالكة حبرشيد بين القصيدة والناي الحزين
-
سعيدة عفيف (لا أَعْرِفُ أَنْ أَكونَ أَحَدا) .. و (الإنسان نف
...
-
يونس بن عمارة... يقومون باستفزازي
-
عصافير القلب
-
أشياء قديمة
-
حافة النسيان
-
ليس هذا بزمن الأوائل
-
الحب يدوم ثلاث سنوات
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|