مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 06:22
المحور:
الصحافة والاعلام
"لا يمكن لأمة أن تنهض إلا بعقول وطاقات وقلوب أهلها" , هكذا يبدأ الرجل مقاله الأخير في القدس العربي , لا شيء جديد هنا , لقد قيل هذا الكلام مرارا من قبل حتى أصبح محفوظا عن ظهر قلب لأجيال طويلة , إنها تكاد تكون الجملة الأكثر ترديدا في "تاريخنا المعاصر" , الذي بدأ بحملة نابليون على مصر , قاله من قبل أشخاص كعبد الحميد الثاني كشفاء محتمل لرجل أوروبا المريض , ثم عبد الناصر و تلامذته , بدءا بالقذافي و صدام و الأسد الأب انتهاءا بالأسد الابن , حتى وصلنا إلى تميم و فيصل القاسم : هو خطاب واحد عمليا يستخدم نفس المفردات و المنطق : إسرائيل , الغرب , الحكام العملاء , و الأوطان المغدورة , و أخيرا : "المنقذ" أو المخلص .. لأسباب كثيرة , واضحة إلى حد ما , فإن هذا الخطاب هو الأكثر شعبية في "الشارع العربي" المهتم بالسياسة , الذي يتشكل أساسا من الطبقة الوسطى , ثم ينتقل بطريقة التشرب أو التسرب كحقيقة ثابتة و بديهية إلى الطبقات المهمشة نصف الأمية أو المنشغلة بلقمة عيشها .. أما "الجديد" في كلام الرجل فهو "اكتشافه" أن النظام السوري هو أيضا "عميل" .. بشكل من الأشكال , هذه ليست إلا بضاعة النظام السوري نفسها و قد "ردت إليه" , أو عليه .. يبدو أن المسألة هنا ليس في من يقول هذا الكلام أو ضد من , كل القضية في أن "يصدق الجمهور" ما يقال , ليحصل قائلها على "التصفيق" الحار .. كان هذا التصفيق الحار في الماضي من نصيب أشخاص كأحمد سعيد و محمد سعيد الصحاف , اللذين يشبهان الرجل جدا , حتى أنه يمكننا القول أننا أمام أحمد سعيد أو صحاف "قطري" أو "تميمي" : يردد نفس عبارات "إلقاء اليهود إلى البحر" أو إرسال الأمريكان العلوج إلى جهنم , لكن بعد "تعديلها" إلى "إلقاء الشيعة ( و العلويين أحيانا ) في البحر" ... و طبيعي جدا أن نجاح هذا الخطاب اليوم يقوم على طائفيته و على الزخم الذي ما تزال المشاعر الطائفية تتمتع به بين جمهور المشاهدين , من هنا جاءت ضرورة النيو لوك للرجل لإثبات "تسننه" إن لم يكن دعوشته , تماما كما جرى بين صدام حسين و "المسيحي" ميشيل عفلق .. قد يمكن فهم دوافع بكباشي كعبد الناصر أو عبد الكريم قاسم في تبني مثل هذا الخطاب , لكن من الصعب بالفعل تحديد دوافع شخص كتميم أو والده حمد لتبنيهم إياه .. هناك العديد من الموانع الكبرى التي تجعل صدور مثل هذا الخطاب عن هذه الأسرة بالتحديد ضربا من الفانتازيا الكوميدية : عدم حاجتهم أصلا لمثل هذا الخطاب ليبقوا على كراسيهم , و حجم "مزرعتهم" الخاصة المتواضع جدا , و اعتمادها الكامل على الغرب الكافر و الاستعماري في كل تفاصيل حياتها و وجودها , خاصة حمايتها من جيرانها الطامعين , سواء إيران أم الجارة السعودية .. كما أن الأب و ابنه ينتميان في الواقع إلى ظاهرة بشار الأسد نفسها , التي ضمت فيما ضمت ذات يوم : جمال مبارك , سيف الإسلام القذافي , ملك الأردن عبد الله بن الحسين , أحمد علي عبد الله صالح , و آخرين .. لدرجة أن العلاقات الشخصية بين هؤلاء , الذين كانوا نجوم المستقبل المفترضين , كانت قد تطورت و توثقت لدرجة كبيرة قبل الربيع العربي باستثناء قصي و عدي صدام حسين .. هناك عدة نظريات تتعلق بدوافع تميم و والده , و أمه أيضا في بعض الأحيان , لتبني مثل هذا الخطاب , منها التخمة المالية التي يعانون منها , مضافا إليها ما تسببه مثل هذه التخمة من تشوش في الرؤية السياسية و الاستراتيجية , هناك من يشبه ما قاموا به بشراء شخص فاحش الثراء لنادي كرة قدم , كشراء بيرلوسكوني لنادي إي سي ميلان مثلا , قيامهم بتبني أو شراء فريق الإسلام السياسي بنسختيه الإخوانية و النصف قاعدية نصف داعشية ( النصرة ) ليشاركوا به في لعبة أو دوري الصراعات السياسية في المنطقة , و هناك نظرية البلاي ستيشن التي تعتبر أن حمد و والده يرغبان أساسا في متعة اللعبة لذاتها , كونها تكسر رتابة السياسة الداخلية الخالية من أية متعة و تمنحهم شعورا خاصا باللعب مع الكبار , كما كان الرومان يستمتعون بمشاهدة المقاتلين - العبيد يتقاتلون حتى الموت أو بمشاهد إعدام المسيحيين الأوائل و التهامهم من قبل الأسود الجائعة مع فواصل من بعض المسرحيات أحيانا على سبيل التغيير , و إذا كانت نظرية البلاي ستيشين صحيحة فإن فيصل قاسم و بعض زملائه يحققون على ما يبدو أكبر متعة ممكنة لسادتهم : أكبر عدد من اللايكات , و أيضا إذا كانت نظرية البلاي ستيشين صحيحة فإن اللاعب لا يملك أية خطة مسبقة و لا أي تصور عن اللعبة أو عن قواعدها أو أية أهداف بعيدة المدى أكثر من متعة اللعب لأطول فترة ممكنة , تحدد كل مرحلة في اللعبة للاعب مستوى أعلى من الخطورة و الجوائز و من "الأهداف" .. لنفس هذه الأسباب مارس حمد , والد تميم , نفس لعبة بشار الأسد لسنين : "دعم" حزب الله و حماس إلى جانب ممانعة إعلامية "متشددة" , تجسد هذا يومها بعلاقات استثنائية قوية بالديكتاتور السوري الصغير و بتركيا إردوغان , رؤوس المثلث "الممانع" يومها .. استمرت هذه اللعبة ( المرحلة ) حتى انفجار الربيع العربي , بعدها تغيرت قواعد اللعبة , و انتقل اللعب إلى مستوى جديد .. أصبح انتقاد ديكتاتور دمشق و حزب الله مدخلا للمرحلة الجديدة , طبعا بنفس طائفي تحديدا , كان ذلك تحولا من شعار الممانعة بصورته التقليدية , التي شارك فيها حمد يومها أصدقاءه الأسد ونصر الله و خامنئي , إلى شعار إلقاء الشيعة في البحر .. و طبيعي أن ينطبق هذا أيضا على ذراع البلاي ستيشين الخاصة بالنظام : أي الأستاذ فيصل القاسم و زملاءه , الذين اضطروا لأن يتدعوشوا بسرعة بعد أن كانوا على وشك التشيع في وقت سابق .. أما عن "دعم" حمد و تميم للمعارضة السورية بشقيها المسلح و السياسي فهو لا يختلف كثيرا عن "دعم" نظام الأسد لحزب الله و حماس : تلاقي سوريا اليوم نفس مصير لبنان في "حروب" حزب الله - إسرائيل : حرب عناقيد الغضب في أواسط التسعينيات و حرب 2006 , إنها نفس الممانعة بكل تفاصيلها , بأدق تفاصيلها , نفس الدمار و نفس "الانتصار" , الذي لا يختلف هنا أيضا عن "انتصار" لبنان أو حزب الله و حلفائه في دمشق و طهران في تلك الحروب , و "تضحيات" الممانع ( أو الداعم أو الصديق ) الأكبر هي نفسها في الحالتين ( التي لا تتجاوز بعض صواريخ كاتيوشا و تاو و كونكورس , عدا طبعا عن الدعم الإعلامي و الدبلوماسي والمعنوي الهائل و غير المحدود ) .. لكن حتى عندما يرغب شخص كتميم بلعب البلاي ستيشين بشعوب الشرق الأوسط فإن له حدودا لا يمكنه تجاوزها .. حتى اللحظة ما تزال حماس مضطرة لمغازلة الشيطان الشيعي , إيران , رغم مراهنتها هي أيضا على تحويل الربيع العربي إلى ربيع إسلامي سني , لا شيعي كما أراده نظام الملالي في طهران , لأن إيران هي الوحيدة التي تستطيع إرسال أسلحة إلى قطاع غزة , بينما لا تستطيع لا قطر و لا السعودية أن تفعل هذا و لا أن تتحمل ثمن مثل هذا العمل .. لا شك أنه هناك على الطرف الآخر فيصل قاسم , "أحمد سعيد" أو صحاف آخر , أسدي أو إيراني ( إيراني خامنئي بالتحديد منعا للالتباس ) , و لا شك أن هؤلاء لا يقلون "مهارة" و إبداعا عن الرجل و لا شهرة بين جمهورهم الخاص : كتبة مقالات و مقدمين لبرامج تجمع بين برنامج "ما يطلبه الأمير أو الرئيس أو الملك أو الملا" و "ما يطلبه الجمهور" , "الجمهور" الطائفي أو المهووس بالطائفية في هذا الوقت و حتى انتهاء هذه الموضة بعد إغراقها الشرق بالدماء و القبور و الجثث , "الجمهور" المستعد للقتل و الموت في سبيل "طائفته" أو التصفيق للموت و القتل في سبيلها .. أخيرا لكي نعطي الرجل حقه يجب أن نذكر هنا سلفيه : أحمد سعيد و محمد سعيد الصحاف , كان الأول ينادي بإلقاء اليهود في البحر بينما كان آلاف الفلاحين المصريين الفقراء يدفنون في رمال سيناء دون أن يتمكنوا حتى من إطلاق رصاصة واحدة دفاعا عن أنفسهم أو "أوطانهم" .. و نعرف جيدا مؤتمرات الصحاف المثيرة و نهايتها الحزينة .. إن أسلوب الرجل , و "مهارته" التحليلية , دقته , و علميته , قدرته على تفسير الأحداث , و بصيرته القريبة و البعيدة , كل ذلك لا يختلف أبدا عن سابقيه , إنه يرى بعيون سادته , يرى ما يريدونه أن يرى , و يريدنا أن نصدق ما يرى أو ما يرون , لكن من يدري , إننا لا ندري حظ الرجل بعد , لعله يكون أفضل من حظ سابقيه ...
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟