عبد الله بوفيم
الحوار المتمدن-العدد: 4999 - 2015 / 11 / 28 - 21:10
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
واقع وحال كل دولة يدل على مستوى تعليمها وتعليمها يدل على مستواها ومكانتها, فالدولة التي في طور النشوء والتكون لا تهتم أكثر ببناء الجامعات ولا بلغة التعلم بقدر ما تهتم ببناء الشباب والأطر التي ستتمكن بها مستقبلا من تدبير وتسيير الجامعات.
والدولة الكسولة التي لديها الجامعات والأطر الجامعية لكن لا طموح لديها وهي راضية بمكانتها كتابع لغيرها وخادمة لها, لا تهمها جودة التعليم ولا يهمها بناء أطر عبقرية كفأة لعدم حاجتها إليهم ولعدم قدرتها على احتوائهم فهي متأكدة أن الدولة السيدة عليها ستحتضن تلك الكفاءات وتستفيد منها, لذلك فالدولة الكسولة تهتم بالشكل وفقط ولا تهمها الجودة ولا القيمة.
الدولة الكسولة التابعة لسيدتها تكون خاضعة لها ملتزمة بتعليماتها والدولة السيدة بالطبع توجه الدولة التابعة لها كما ترى هي وهي بالطبع لن تسمح لها ببناء العقول كما لن تسمح لها باسترداد عقولها الكفأة لديها.
الدولة الكسولة كالتلميذ الكسول لا يهمه النبوغ والتفوق بقدر ما يسعى لإرضاء الآخرين ممن يريدون منه أن يحضر ويساير كغيره من التلاميذ, كذلك دولتنا الكسولة لا تهتم بالنبوغ ولا النبغاء بقدر ما تهتم بمسايرة مسار غيرها من الدول الكسولة التي لا تنتظر من التعليم شيئا بقدر ما تراه عبئا عليها, تتمنى لو تتخلص من ذلك العبء.
لا يوجد في الكون نابغة في العلم يكون رقاصا أو مهرجا كذلك لا توجد دولة تهتم بالنبغاء والعلماء وتنظم كل يوم مهرجان رقص وهرج ومرج.
قبل الحديث عن استراتيجية التعليم والتربية في أي دولة, لابد أن نبحث هل الدولة نفسها لها استراتيجية شاملة تسعى لتحقيقها؟ هل الدولة تريد أن تحقق التفوق على محيطها؟ وهل تريد أن تخرج عن طوع سيدتها السابقة؟ هل لديها الارادة الكاملة والقدرة على التحدي وتحقيق التفوق؟
إن أي دولة ليست لديها استراتيجية سياسية لا يمكن أن تكون لديها استراتيجية تربوية تعليمية. الدولة التي لا طموح سياسي لديها تخاف من التعليم والتعلم بل وتحارب التعليم والتعلم وتدفع شعبها لتعليم يمزقه لا لتعليم يوحده, تعليم يقوقعه على نفسه لحين يتمزق على نفسه.
أما الدولة الواثقة من نفسها ومن استقرارها ويكون لها هدف كبير تسعى لتحقيقه فهي طبعا ترسم ذلك الهدف للشعب كل الشعب والجميع يسعى لتحقيق ذلك الهدف, ينشغل الجميع به ويتعاون الجميع عليه كل يقوم بدوره كما يجب عليه وكما يقدر.
دولة تتخبط ولا هدف لديها ولا مستقبل, دولة تنظم الف مهرجان في السنة كلها رقص ومجون وعري, دولة تزعم أنها تشجع الفن والفنانين وهي للعهر والعري مشجعة, دولة تنظم أكبر مهرجان من حيث العهر والعري والفجور والتبذير المالي في أيام الامتحانات لنهاية الموسم الدراسي, دولة تحارب التعليم وبلا شك وتحارب مستقبل أبنائها لأنها ترى فيهم أعداء لا جنودا تسعى لتقويتهم.
دولة لا تحترم دستورها وتحقر إرادة الشعب وتتحدى عقيدته ودينه لكي ترضي الدولة السيدة, دولة ما تزال في حضن سيدتها وهيهات أن تقدر على الخروج من ذلك الحضن.
نفترض جدلا أن الدولة المغربية بين عشية وضحاها حدث فيها تغير جدري في فكر وعقل وإرادة كل مسؤول مغربي فأصبحنا جميعا وفي صباح أسعد أيام المغرب, جميعا وطنيين صادقين , نفكر في خدمة وطننا نحترق جميعا من أجله لا ننهب ثرواته ولا نبيع ابناء شعبنا للآخرين كي يرضوا علينا ولا نحقر النبغاء في وطننا ومستعدين جميعا لنرتقي وجميعا لا أن يرتقي عشرة على حساب شعب كامل.
افترضنا وصدقنا افتراضنا فما العمل لوضع استراتيجية مغربية للتربية والتعليم؟ أول شيء سنقوم به هو أن نحدد هل نحن مستعدون للتوسع أو الحفاظ على ما نحن فيه اليوم أو مرغمون على الإنكماش؟
إن كانت لدينا إرادة سياسية قوية للتوسع اقتصاديا أو جغرافيا أو علميا أو دينيا فلابد لنا أن نسترد كل عباقرتنا في العالم والعبقري لا يعني دائما المتعلم بل يعني المميز فقد يكون أمي في الكتابة مميز في حرفة أو ذو موهبة خارقة في مجال ما.
هل تعرف الدولة المغربية اليوم كم عدد الدكاترة والأطر المغاربة خارج الوطن ؟ الذي أعلمه هو أن الدولة المغربية ربما تعرف جيدا عدد الراقصات المغربيات في المراقص العالمية.
والسبب بالطبع أن التوجيهات والتعليمات تعطى للعناية بتلك الراقصات زيادة على أنهن يكرمن من يفترض فيهم أن يعرفوا عدد الأطر المغاربة في الخارج.
الدولة التي تخطط للتوسع, تجيش الجنود, والجنود ليسوا فقط من المسلحين بالسلاح بل الجنود هم الدعاة وهم العلماء والأدباء والمفكرون والمخترعون وهم المهنيون وهم اللصوص والراقصات أحيانا.
أي دولة يكون أطرها مشتتون في أنحاء العالم ولا تعرف عنهم أي شيء ولا تستفيد من خبراتهم وغير مستعدة لذلك فهي دولة ذليلة وستبقى كذلك ومهما تدعي وتتشدق.
الدولة الساعية للتوسع هي من توجه جنودها وتوجههم بتخطيط وتدبير محكم ليكونوا غزاة بعلمهم أو بدينهم أو بسلاحهم أحيانا, ينتشرون غازين ساعين لبسط نفوذها وهيمنتها, لا منتشرين فارين تائهين ساعين للكرامة المفقودة في وطنهم.
هذه السنة لاحت لنا في الأفق بوادر خير, منها تشجيع وتحفيز المتفوقين دراسيا وتمييزهم عن غيرهم من الطلبة بمنح تشجيعية محفزة, لكن المنزلق الخطير هو حين تكون تلك المنح والإغراءات المالية سبيلا لظلم وتحقير المميزين من ابناء الفقراء من الشعب.
نعم نعلم جيدا أن منحة 6000درهم شهريا ستكون حافزا لظلم بعض الحقيرين التافهين لبعض النبغاء من أبناء الفقراء , بهدف حرمانهم من تلك المنحة, وسيكون الحافز وبالا على التعليم لا تشجيعا له, لأنه حينها سيكون التافهون أبناء التافهين هم المميزون زورا وبهتانا.
الجديد الآخر والمهم والذي اعطى اشارة جد مهمة على أن المغاربة ربما يتحركون بصدق وأنهم ساعون للخروج عن طوع المستعمرين السابقين وساعون لتحقيق السيادة الحقيقية والكاملة للدولة المغربية واستلهام النبوغ والعزة من المغاربة الأولين الذين كانوا سادة يتبع لهم من يسعون اليوم لنكون لهم تبع.
الجديد هو العمل الجماعي والقاعدي لمناقشة وتعميم الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي وسبل تفعيلها, استراتجية جد مهمة تقع في صفحات عدة منشورة في الرابط التالي: http://www.csefrs.ma
الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي بالمغرب قيمة ومهمة وشاملة, لكن من غير إرادة سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية وهدف كبير وتعبئة مجتمعية شاملة لا يمكن تحقيقها بل ستبقى كلمات وشعارات نرددها خلال 15 سنة المقبلة.
الدولة التي لم تعرف عدد أطرها الباحثين عن الكرامة لدى الغير, والتي لا تسعى لضمان الكرامة لتلك الأطر واستقدامها للوطن, دولة لا يمكنها أن تحيد عن مسار المستعمر, دولة ستعلم بلغة المستعمر لكي يواصل نبغاؤها تعليمهم لدى المستعمر فيستفيد منهم المستعمر أو يوجههم بعد حين لتقلد مسؤوليات في وطنهم لخدمة المستعمر.
دولة تسمح بمناقشة التعليم باللهجات وتغيب اللغة الجامعة للوطن, دولة تسير في مسار التفكك والتمزق, دولة تحدد افق تعليم ابنائها في الباكلوريا أو أقل, دولة تريد قوقعة شبابها ليدور في حلقة مفرغة ولا يطلع على ثقافات الشعوب الأخرى.
الدولة التي تدرس بلغات غيرها ولا تدرس لغات غيرها دولة مغلوبة مهزومة. الدولة التي تعرف صراعا لغويا ساهمت هي في خلقه لإلهاء الشعب وشغله عن واقعه الكارثي, دولة فاشلة ولا أمل ينتظر منها.
كنت وما أزال وسابقى أقول أن المغرب لديه مؤهلات إمبراطورية اقتصادية مهيمنة, لهذا لابد أن اشارك في رسم مسار التربية والتعليم في المغرب ليكون في مستوى الامبراطورية الاقتصادية.
1- تشجيع التعليم والمتعلمين والمعلمين وتكريمهم بدل إهانتهم وتحقيرهم.
2- دولة ترى في متعلميها ومعلميها اعداء ستبقى تافهة, لذلك وجب النظر للمعلمين والمتعلمين بأنهم صفوة الشعب والتعامل معهم على أنهم راشدون عاقلون لا تصح أهانتهم وتحقيرهم وضربهم في الشوارع واقتحام الجامعات عليهم.
3- دعوة جميع الأطر التي خارج الوطن والمستعدة لبذل الوقت والجهد لترجمة مع تعلمته في الخارج ليكون في متناول ابناء الشعب.
4- بناء جامعات في كل التخصصات بهدف الاستغناء عن ارسال ابناء الشعب خارج الوطن.
5- تشجيع ودعم المبتكرين والمخترعين المغاربة واستقدامهم والاستفادة من اختراعاتهم وابتكاراتهم بدل التعامل معهم وكأنهم مجرمون غير مرغوب فيهم والسماح للأعداء بالتحكم فيهم أو قتلهم .
6- عدم الخضوع لتعليمات الدول المستعمرة في تعيين المسؤولين من خريجي جامعاتها خصوصا, واتخاذ القرار داخليا بتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب.
7- وقف العبث والعهر الذي شوه سمعة المغرب والمغاربة في العالم وقلب الصفحة مع مهرجانات العهر والعري وتعويضها بالندوات العلمية والمهرجانات الاقتصادية والاجتماعية.
8- الفن والموسيقى له مجاله ووجب أن يبقى فيه لا أن نرفع من مرتبة كل راقصة وكل راقص ليكون قدوة الشعب وفي نفس الوقت نردد التشدقات التافهة والمنومة من استراتيجيات وغيرها.
9- تشجيع تعلم اللغات الأجنبية وعدم الاقتصار على لغات المستعمرين بل تنويع اللغات باستقدام الأطر الوطنية من الخارج والتي تعرف اللغات الصينية واليابانية والهندية وغيرها من لغات العالم.
10- تشجيع الابداع الفني والأدبي ودعم الشباب لخلق شركات انتاج برامج علمية وثقافية واجتماعية ودينية بدل ترك مجال الانتاج لشركات عائلية تنتج العهر والتفاهة.
11- النظر لأي مواطن على أنه جندي من جنود الوطن وليس على أنه عدو من أعداء الوطن, متهم حتى تثبت براءته.
12- تكريم الأطر التي خرجت أفواجا من العقول النيرة ورد الاعتبار لها ورد الاعتبار لكل من احترقوا في سبيل الوطن ولم يحصلوا على شيء. (هنا لابد أن افتح قوسا خطيرا وهو تحقير دولة المغرب وربما بتعليمات المستعمرين لكل من كانوا اول البنائين للدولة المغربية) تحقير المقاومين والجنود الذين خدم بعضهم الوطن وحماه لمدة تزيد عن ثلاثين سنة ويحصل اليوم على معاش هو ربع الحد الأدنى للأجور في المغرب.
13- على الدولة المغربية أن تطبق القوانين التي تصدرها على نفسها قبل أن تطالب بتطبيقها على الخواص, عليها أن تمنح كل متقاعديها الحد الأدنى للأجور رغم أن بعضهم يستحق ضعف ذلك.
14- عندما تقوم الدولة المغربية بهذه الخطوات وأخرى متعلقة بها يمكنها أن تنجح في تنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي والتي سهر عليها وعلى أعدادها خيرة أطر المغرب والجيل الأول من بناة المغرب علميا وثقافيا والذين يستحقون منا كل التقدير والشكر وأن نقبل ايديهم عرفانا منا بجهودهم المشكورة.( هنا لا بد أن يعرف العالم أن تقبيل اليد لدينا في المغرب عادة فالولد يقبل يد كل من يكبره والمتعلم يقبل يد معلمه, كما تقبل بعض الشعوب أنف كل من تقدره).
#عبد_الله_بوفيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟