أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - دور الثقافة السياسية في تعثّر الديمقراطية في الفضاء المغاربي















المزيد.....

دور الثقافة السياسية في تعثّر الديمقراطية في الفضاء المغاربي


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 4997 - 2015 / 11 / 26 - 21:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دور الثقافة السياسية في تعثُّر الديمقراطية في الفضاء المغاربي (*) (1 - 2)
منذ حصولها على الاستقلال، عاشت الدول المغاربية على إيقاع التنافس السياسي الذي اتخذ في بعض الأحيان طابعاً عنفياً، وارتكبت خلاله مظاهر مختلفة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما أثر سلباً في استقرارها وفي مسارها السياسي والتنموي، وأفرز إشكالات سياسية واجتماعية عقّدت الانتقال نحو الديمقراطية .
ولكنّ رياح ربيع الثورات العربية أثرت بشكل كبير على المنطقة المغاربية: سقوط نظامي بن علي ومعمر القذافي بكل من تونس وليبيا، وإصلاح دستوري مهم في المغرب، وحالة من الحراك الاجتماعي والسياسي بموريتانيا والجزائر أيضاً. إلا أنّ التحولات السياسية في الفضاء المغاربي هي اليوم في حال من التعثر والارتباك، يوشك أن يقضي على كل الآمال والوعود التي أوجدتها لدى انطلاقها، إذ أظهرت سياسات الدمقرطة والإصلاح مخاطر التنافس السياسي وعواقبه على انسجام السير العام للمجتمعات والدول المغاربية.
خصائص الثقافة السياسية الديمقراطية الحديثة
الديموقراطية ليست ممارسة سياسية فحسب، وإنما هي أسلوب حياة، وسلوك اجتماعي معين مؤطر بأركان لا تستقيم الممارسة الديموقراطية دونها: الثقافة والتعليم والمأسسة والقانون. فبدون ثقافة ديموقراطية، وتفكير نقدي، ونظام تعليمي يزرع القيم في النفوس قبل العقول، ومجتمع مدني فاعل، ونظام قانوني يؤطر التفاعل بين وحدات المجتمع ويحمي حركتها واستقلاليتها، فإنه لا يمكن الحديث عن ديموقراطية، حتى لو كان هناك صندوق اقتراع، أو كان هناك أحزاب وانتخابات دورية.
وتبدو الحاجة ماسة إلى التحديث السياسي بمعناه الشامل وتطوير الثقافة السياسية السائدة وإعادة صياغتها في الفضاء المغاربي، مع كل ما يعنيه ذلك من تشييد صرح الديمقراطية وتدعيم أركانها. مما يتطلب المشاركة الشعبية الكاملة في ديناميات العملية السياسية كلها، بما يحوّل الناس من مجرد رعايا تابعين غير مبالين إلى مواطنين نشطاء فاعلين بإمكانهم التأثير في ديناميات اتخاذ القرار السياسي، فضلاً عن مشاركتهم في اختيار الحكام وتحديد الأهداف الكبرى.
كما أنّ التعددية السياسية توجب الالتزام بعدم استخدام العنف أو الدعوة إليه أو التهديد به في العمل السياسي، كما توجب عدم القيام بأية محاولة للوصول إلى السلطة بغير الوسائل الديمقراطية، سواء عن طريق العنف الفردي أو الجماعي أو الانقلابات العسكرية بهدف اغتصاب السلطة وانتهاك الشرعية الدستورية. ولضمان ذلك يجب التعهد بممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب، من خلال علنية نشاطها وعقد مؤتمراتها الدورية وانتخاب هيئاتها القيادية، وذلك إيماناً منها بأنّ من لا يمارس الديمقراطية في نشاطه الداخلي لا يمكن أن يمارسها في علاقاته مع غيره في المجتمع .
وتتميز الثقافة السياسية الحديثة بأنها:
- إنسانية، من حيث اتجاهها إلى توعية الإنسان بحقوقه وواجباته، بهدف ما يحقق له ماهيته وجوهره.
- تنويرية وعقلانية، من حيث تأسيسها على مفاهيم الحرية والتسامح والاختلاف والكرامة والمساواة والديمقراطية، بقصد تنوير الأفكار والأذهان والسلوكات والعلاقات.
- نقدية، من حيث نزوعها إلى إعادة النظر في مختلف القيم والمبادئ والسلوكات التي تتنافى مع قيم العصر.
- عصرية، من حيث ضمانها تفتح شخصية المواطن على المحيط الذي يعيش فيه، أفراد ومؤسسات وقوانين، والتفاعل الإيجابي معه.
- قانونية، من حيث اقتناعها بضرورة تمفصل السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية، القضائية. وضرورة انبثاق السلطة التشريعية عن انتخابات حرة ونزيهة وتعددية، تمارس دورها في تشريع القوانين ومراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية. أما السلطة القضائية، فيجدر بالثقافة السياسية العصرية أن ترسخ مفهوم استقلاليتها التامة عن أية مؤثرات خارجة عن إطار القانون والعدالة القضائية.
تجلِّيات محدودية الثقافة السياسية الحديثة في الفضاء المغاربي
(1) - ليبيا
تعيش ليبيا على وقع أزمات عديدة في ظل عدم وجود سلطة موحِّدة للدولة، وعدم قدرة المؤسسات الحالية على إدارة شؤون البلاد بأسلوب رشيد، يمكن أن ينهي المرحلة الانتقالية المتعثرة حالياً، مما يمكن أن يحوّلها إلى صومال جديد، نتيجة التناحر القبلي والجهوي، وظهور الاتجاهات الانفصالية، والإرهاب والتهريب والسلاح، وهي كلها مؤشرات على خطورة الأوضاع وتعدد جوانب الأزمة. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى استعصاءات وتداعيات الأزمة الليبية التي تحول دون الاتفاق على مساومة سياسية حول نظام حكم يتيح إدارة البلاد بصورة طبيعية.
ويعود ذلك إلى أنّ الليبيين لم يتمكنوا من إنتاج طبقة سياسية جديدة، تستطيع أن تعيد بناء الدولة الليبية على أسس جديدة، تتجاوز كافة السلبيات التي تعرضت لها هذه الدولة، في سياق حكم استمر لما يزيد على أربعين عاماً. ومما يؤسف له أنّ التوافق الذي برز مؤخراً في الصخيرات المغربية لم ينسحب على القوى السياسية، سواء في طرابلس (مقر المؤتمر الوطني) أو في طبرق (التي تستضيف مجلس النواب المعترف به دولياً). وظهرت انقسامات داخل كل من المعسكرين بسبب غياب الثقافة السياسية الحديثة التي تقتضي البحث عن الحلول الوسط، مؤشرة إلى أنّ الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة ربما بات في مهب الريح.
(2) – تونس
يلاحظ المتابع لتطورات المشهد السياسي حالة الهشاشة التي تعانيها الأحزاب السياسية، بنية وممارسة، حيث يمكن معاينة حالة غير مستقرة للعمل السياسي. ويكمن السبب الحقيقي في ضعف الثقافة السياسية لبعض الأحزاب، وغلبة الشعارات والخطابة والمناورات الفارغة، واعتماد المزايدة للهروب من المشكلات، وإنشاء حشودات ضخمة لا يقابلها عمل جدّي في وضع البرامج والمقترحات، وإفراز قيادات فهلوية كثيرة الكلام قليلة النجاعة، تضطلع بأدوار بارزة في صخب الحملات الانتخابية وعلى شاشات الفضائيات، ثم لا تقدم شيئاً إذا ما أصبحت في مواقع المسؤولية.
أي مازالت لغة العقل والإحساس بالمسؤولية الوطنية غائبة عن بعض الفاعلين السياسيين، وكذلك التوافق على التعايش المشترك، وخريطة طريق لإنقاذ تونس من مأزقها الراهن، رغم الخطاب المتكرر لكل الفرقاء السياسيين عن ضرورة الوفاق، والوصول لتفاهمات تصبُّ في مصلحة الشعب التونسي الذي يئن تحت وطأة الصراع السياسي اللامحدود، وانعكاساته المباشرة على تعثُّر مسارات التنمية ومعالجة الأزمات المستفحلة، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب التصعيد الأمني بالطبع.
وهكذا، ينطبق على الحالة التونسية مصطلح " السياسوية "، خاصة لأولئك الذين يعتقدون أنّ العمل السياسي هو قدرة على الخداع والمناورة، والاستناد إلى مقولة " الغاية تبرر الوسيلة "، إذ الهدف الأسمى لهذا الصنف من السياسيين هو الوصول إلى السلطة من أقصر الطرق وأيسرها، بقطع النظر عن مصداقية الوعود والعهود التي التزموا بها أمام ناخبيهم.
فمهما ستكون النتائج التي ستترتب عن حرب المواقع، المرشحة لمزيد من المشاهد الدرامية، فالمؤكد أنّ حزب " نداء تونس " خسر جزءاً مهماً من قيمته السياسية والاعتبارية لدى جلَّ التونسيين، بما في ذلك الجزء الأكبر من النخبة الواسعة. فما حدث في اجتماع اللجنة التنفيذية في مدينة الحمامات يؤشر على أنّ البلاد قد تجد نفسها في مأزق، ربما يدفعها نحو التفكير في تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، خصوصاً بعد انقسام الكتلة البرلمانية للحزب، وهو ما سيؤدي حتماً إلى انهياره وتفككه.
لقد كشفت الأزمة في " نداء تونس " أنها ليست ناجمة عن خلافات أيديولوجية وسياسية أو خلافات في البرامج والخيارات الاقتصادية، بقدر ما هي صراعات وحرب مواقع حول التموقع المستقبلي، سواء للأفراد أو للتيارات التي تشكل هذا الحزب، لا سيما مع اقتراب موعد انعقاد أول مؤتمر للحزب.
إنّ حالة الفوضى التي يعرفها " نداء تونس " هي نتاج لغياب العقلانية السياسية في الممارسة الحزبية في تونس، فالحزب محكوم بأقلية تتصارع على المواقع، من دون تصور واضح لأهداف العملية السياسية التي هم بصددها.
كما أنّ منحنيات السلوك السياسي لـ " الجبهة الشعبية " وتراوحها بين الأدلجة المفرطة والمصلحية المبالغ فيها تكشف عن مدى التحوّل الذي لحق ببنية الأحزاب السياسية التونسية بعد الثورة، وهو أمر لا يختص به حزب، أو تيار بعينه، وإنما شمل كل القوى السياسية التي تحاول تطبيع أوضاعها مع تحولات سياسية متسارعة، لم يستطع أي طرف ضبط إيقاعها.
وكذلك عجزت الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية عن الحفاظ على وحدتها الداخلية، وأصبحت الانقسامات والصراعات الداخلية ميسماً مميّزاً لنشاطها السياسي، وهو ما أدى إلى ضعف فادح في اجتذاب المناصرين، أو إقناع الكتلة الناخبة، لمنحها أصواتاً كافية للمنافسة، في انتخابات سنة 2014.
كما يمكن الإشارة إلى ازدواجية خطاب " حركة النهضة " من خلال المهمات التي ضبطها الشيخ راشد الغنوشي في كلمته، التي سُرِّبت في عام 2013، أمام شيوخ السلفيّة " الأمن غير مضمون، الجيش غير مضمون، الإدارة غير مضمونة... الاقتصاد ليس بأيدينا، لا يمكن تطبيق الشريعة قبل إنجاز هذه المهمات ". مما ساعد السلفية، عموماً، وأنصار الشريعة تحديداً، على التمدد والتمكين، ووفر لهم الغطاء السياسي بل الأمني الذي أدى إلى استفحال ظاهرة الإرهاب وتوطينه في تونس.
وهكذا، فإنّ حالة العزوف العام عن السياسة يعود إلى المناكفة السياسية غير المنضبطة لا للقانون ولا للاخلاق، مما أدى إلى أنّ جزءاً مهماً من المجتمع التونسي أصبح غير مقتنع بالعملية السياسية برمتها، وبالطبقة السياسية بشقيها الحاكم والمعارض، ما يجعل الكثير من الشباب فريسة سهلة للمجموعات الإرهابية أو تجار المخدرات أو العصابات الإجرامية، فيما يفضل الكثير من التونسيين النأي بأنفسهم عن العمل السياسي الذي أصبح قائماً على التهريج والعنف والضحالة الفكرية.
وبالرغم من ضحالة الثقافة السياسية الحديثة، لدى العديد من الفاعلين السياسيين، لم يكن تتويج تونس بجائزة نوبل للسلام أمراً اعتباطياً، بل كان فعلاً رمزياً، دالاًّ على قدرة التونسيين على تجاوز خلافاتهم، وحلِّ أزماتهم، بالاحتكام إلى منطق الحوار، لا إلى منطق القوة وفوهات البنادق. حيث تمكَّن التفاوض حول آلية لحوار احتوائي من حماية المرحلة الانتقالية التونسية في فترة حرجة، وتمكَّن النظام التونسي من التماسك، بدلاً من الانسياق للفوضى كما في ليبيا، أو لانقلابٍ كما في مصر.
لقد مثَّل الحوار الوطني علامة فارقة في المسار الانتقالي التونسي، حيث حصل فيه العديد من التوافقات، التي خففت من حالة الاحتقان التي كانت سائدة.
إنّ مستقبل الديمقراطية في تونس سوف يظل مستقبلاً غامضاً وملتبساً ما دامت هي ديمقراطية زعماء وقادة، وما لم تصبح ديمقراطية مؤسسات راسخة، تفتح الأفق أمام الطاقات الحية للشعب التونسي وتدير الموارد المادية والبشرية بعقلانية ذات مردودية إيجابية على كرامة وحرية كل التونسيين.
(3) – الجزائر
بين 1988 و 2015، نجد أنّ التاريخ يعيد نفسه في الجزائر، حيث لا رغبة حقيقية في القيام بنقلة نوعية على صعيد التفكير في المستقبل. فقد جاءت التجربة المجسدة في " الوئام المدني " سنة 1999 تحت ضغط الأحداث المرتبطة بـ " العشرية السوداء " التي أدخلت البلاد في متاهات وصراعات مسلحة خطرة، ورغبة في تعزيز الاستقرار وإدماج أعضاء الجماعات المسلحة في المجتمع. كما جاءت خطوة أخرى بالإعلان عن " ميثاق السلم والمصالحة " القاضي بإلغاء المتابعة القضائية في حق الأفراد الذين يبادرون إلى تسليم أسلحتهم، بعد الموافقة عليه في إطار استفتاء آخر نُظِّم سنة 2005.
لقد جاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة باعتباره أول حاكم مدني منتخَب، يحمل مشروع المصالحة والوئام. غير أنّ نظريته التي حققت انفراجاً في العلاقة مع الفصائل المسلحة، تعثرت أمام حملة التغيير في العلاقة بين السلطة والمعارضة. إذ أنّ الإصلاحات، التي أُعلن عنها بقيت حبراً على ورق، ولم تغيّر من الوضع شيئاً، بل تفاقم الانسداد السياسي في البلاد في سياق الرئاسة على مدى الحياة، وتعممت ظاهرة الفساد وهدر المال العام، فيما ازدادت المضايقات على حريات التعبير. وخلا المجتمع من شروط التدافع السياسي الحر والمتحرر من ثقل المال والعنف.
وهكذا، فإنّ العزوف عن النشاط السياسي تعاظم في الأوساط الشعبية الجزائرية، سواء تعلق الأمر بالانخراط في الأحزاب أو العملية السياسية أو العملية الانتخابية. والمشكلة أنّ الجزائر مريضة بعدم وجود طبقة سياسية قادرة على إعداد البلد لمرحلة ما بعد النفط والغاز.
(4) – المغرب
لقد كان الدافع في المغرب إلى اعتماد الآلية المجسدة في " هيئة الإنصاف والمصالحة " سنة 2003 هو دعم الانتقال السياسي، في إطار الاستمرارية، عبر طي صفحات قاتمة من تاريخ المغرب وإعادة الاعتبار للضحايا وإدماجهم في داخل المجتمع، حيث جاءت ولادة التجربة طبيعية وبشكل اختياري تبلورت معها إرادة المؤسسة الملكية المتوافقة مع بعض فعاليات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية والسياسية وعائلات الضحايا التي كانت تدعم هذا الخيار. وكان لاحتجاجات حركة 20 فبراير/شباط، التي عرفها المغرب سنة 2011، الأثر الكبير في الإسراع بعملية الإصلاح، من قَبِيل إقرار دستور جديد سنة 2011 وما تلاه من مواقف وأحداث، ساهم في بناء مشهد سياسي، مَنَحَتْه نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة واحدة من صِيَغِه المرتقبة، وذلك في انتظار الانتخابات التشريعية التي سَتُجْرَى سنة 2016.
لقد أبرزت الانتخابات الأخيرة تكوين قطبين سياسيين فقط، بسبب الحالة المزرية التي تعيشها معظم الأحزاب، وتهافت عدد منها على استقطاب الأعيان وتهميش الكفاءات، إضافة إلى اعتماد تحالفات شاذّة تتحكم فيها الآنية والمصالح الضيقة وضمان بقاء واستمرارية النخب المتحكمة بهذه الأحزاب، وتغييب الآليات الديمقراطية في تدبير قضاياها واختلافاتها الداخلية وتجدّدها، كما ظلت العديد منها تدبر ماليتها بانغلاق تغيب فيه الشفافية.
وفي هذا السياق يلاحَظ أنّ بعض أحزاب اليسار، التي طالما انتقدت البنيات التقليدية، انتقلت من إطار المؤسسة إلى إطار " العشيرة السياسية " التي تعرف منطقاً واحداً تحتكم إليه، هو منطق الاستبداد والإقصاء. وتبعاً لذلك، انتعشت ثقافة المصلحة والزبونية الحزبية وعلاقات وقيم الولاء والمساومة والتسويف. ولعل من المفارقات التي تنطوي عليها مشكلة الديمقراطية داخل هذه الأحزاب أنها جعلت من إقرار نظام ديمقراطي، قائم على فصل السلطات، أحد أهم أولوياتها، بيد أنّ واقع الحال ينبئ عن تناقض رهيب بين خطابها وسلوكها.
بينما الحزب الإسلامي " العدالة والتنمية " لم يعد يمانع في تبنِّي مترشحين وكفاءات تكنوقراطية من خارج دائرة الانتساب الحزبي الضيق، وفي ذلك إشارة واضحة إلى انفتاح موازٍ على فعاليات المجتمع المدني. وكما سبق له أن غيّر توصيفه من " حزب إسلامي " إلى حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية، فإنه في طريقه إلى أن يغيّر الكثير مما يعتبره عقبات أمام دمجه الكامل في المشروع الديموقراطي، حتى أن تعاطيه لمفهوم الحرية الفردية اتسم بمرونة زائدة لم تكن معهودة في أدبياته المذهبية والسياسية.
(5) - موريتانيا
نظامها خرج من رحم انقلاب عسكري، وهو غير مستعد لأية إصلاحات تأتي بغيره إلى السلطة. لذا، بقيت موريتانيا وكأنها خارج مجال التغطية السياسية، على الرغم من الحراك السياسي لأحزاب المعارضة الذي تشهده من حين إلى آخر. فبعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب ولد الشيخ عبد الله في 6 أغسطس/آب 2008، وإرغام قائد الانقلاب الجنرال ولد عبد العزيز على القبول بإجراء انتخابات رئاسية في 18 يوليو/تموز 2009، لم يتم تأهيل وتفعيل الطبيعة الجمهورية لنظام الحكم السياسي في موريتانيا على أساس من الحكمة والانفتاح في عملية تفاعل وتكامل وتطور واعٍ ومسؤول لخدمة مصالح الشعب الموريتاني، ولم يتم بناء جسور حقيقية وجادة للحوار الديمقراطي بين مختلف الفاعلين السياسيين، بل امتدت الأزمة إلى يومنا. حيث يحاول النظام العسكري تنظيم حوار في غياب المعارضة، لا يترك مجالا للشك أنه يستهدف ترتيب النظام لأوراقه لما بعد المرحلة القادمة. وكل التغيّرات المرتقبة كنتيجة للحوار، ستؤدي إلى تحقق أسوأ مخاوف المعارضة الموريتانية وهي وضع الآلية الدستورية والقانونية لبقاء الرئيس ولد عبد العزيز في السلطة بعد مأموريته الحالية.
تونس في 24/11/2015 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية

(*) – مقاربة قُدِّمت في المؤتمر 46 لمنتدى الفكر المعاصر بتونس حول " كلفة اللاديمقراطية في الفضاء المغاربي " بدعوة من " مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات " و " مؤسسة كونراد أديناور بتونس والجزائر "، خلال يومي 26 و 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا انتصر - العدالة والتنمية - في الانتخابات التركية ؟
- الشباب وسياسات التشغيل العربية: مقاربة نقدية
- الحوار الليبي تحت ضغط السلاح
- الأمم المتحدة وتحديات الأمن والسلم الدوليين
- المسيحيون والمواطنة في المشرق العربي (3 - 3)
- المسيحيون والمواطنة في المشرق العربي (2)
- المسيحون والمواطنة في المشرق العربي
- روسيا وأقتعتها المكشوفة في الحالة السورية
- واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل
- هل ينجح ديمستورا في تغيير قواعد الحل السياسي في سوريا ؟
- حول المعطيات المستجدة لفوضى الحالة السورية
- الاستبداد في مواجهة الثورة السورية
- أي آفاق للثورة السورية ؟
- سورية مقبلة على التغيير .. ما مضمونه ؟
- جردة حساب للثورة السورية وآفاقها
- توصيف أولي لسلطة آل الأسد وتفاعلاتها
- خيار سلطة آل الأسد أم خيار الشعب السوري ؟
- سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام
- جذور الاتحاد المغاربي ومعوقاته وآفاقه
- هل تعيد الحالة الإسلامية تعريف دورها في مصر ؟


المزيد.....




- لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور ...
- -لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا ...
- -بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا ...
- متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
- العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
- مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
- وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما ...
- لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
- ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
- كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - دور الثقافة السياسية في تعثّر الديمقراطية في الفضاء المغاربي