بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4997 - 2015 / 11 / 26 - 20:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لعل القاريء قد لاحظ كيف كرث الأشرار حياتهم كلها لقلب الحقائق وتشويهها بالأكاذيب والأباطيل, يبغونها عوجاً حتى يبقون في غيهم وفسادهم وفي نفس الوقت يتخلصون من الشعور بالدونية والخزي والضياع عند مقارنة حالهم بحال المعتدلين الصالحين, لذا تراهم حريصون على إستشراء وتعميم الفساد والإفساد حتى يستوي الكل معهم فيتخلصون بذلك من عقدة النقص وفي نفس الوقت يحتفظون لأنفسهم بالحياة التافهة المنحطة التي وطنوا أنفسهم عليها.
لذا نجد عادل العمري قد توسع في تنقيبه المضني عن ثغرات ينفذ منها لتحطيم المرآة العامسة التي تكشف سترهم وتفضع أمرهم وتبين عورهم وخورهم وزورهم,,, وعليه نراه قد ركز– هذه المرة - كل مجهوده في ملاحقة أصل النبي صلى الله عليه وسلم ليوصمه بالقبلية أو العرقية لعله يجد ثغرة ما بعد أن عجز عن إيجادها في بحثه وتنقيبه السابق, فتحدث عن القبائل العربية البائدة, ثم العرب العاربة وهم الذين يتكلمون العربية منذ بداية نشأتهم, ثم العرب المستعربة الذين من أصل غير عربي وإنما إكتسبوا اللغة العربية وهم أبناء نبي الله إسماعيل كل ذلك ليقول بأنهم (... هم الذين انحدرت منهم قريش ونبي الإسلام ...).
ثم ها هو ذا - في خلاصة هذه الفقرة التي أسهب في ذكر الأنساب والقبائل العربية بأقسامها ما يهمه ويسعى إليه منذ البداية – فنراه يقول: (... والتمييز هنا لغوي بشكل أساسي وبدون أفضلية لعربي على الآخر بل إن الرسول وفقا لهذه النظرية منحدر من أصل مستعرب ...). وهكذا بعبقريته الفذة إستطاع بسهولة ويسر إسقاط العروبة عن النبي وقريش وجدهم إسماعيل عليه السلام. وهذا إنجاز كبير غير مسبوق بالنسبة له كونه يصل إلى الزعم بأن النبي محمد "مستعرب" وليس عربي.
إذاً ما المقصد والمستهدف من كل هذه اللفة الطويلة يا عادل؟؟؟ فالنبي محمد,,, حتى إن كان "مستعرباً" كما قلت, فقد تميز بأبلغ لسان عربي عرف بين العرب وهو أفضل من نطق "بالضاد" على الإطلاق. فإن قصدت الحديث عنه "نسباً" فهو من أعرق القبائل العربية وأكرمها,, ولكن هذا لا يهم بالنظر إلى مقاصد الإسلام. أما إن كانت عربيته مكتسبة فقد فاق أهلها فيها, وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم, فإنه لم يذكر القبائل ولا الأنساب وإنما ذكر "اللسان العربي" وعليه يكون النبي قد إختصه الله بهذا اللسان فكانت شهادته ودليله هذا القرآن الكريم الذي أعجز أهل اللغة أنفسهم ولا يزال.
ثم نراه هنا يقول تحت عنوان: (لغة العرب والزعم بتفوقها) ما يلي:
(تميز اللغة العربية بين العرب وبقية الشعوب، التي تسمي ب ”العجم”. وكما ذهب نصر أبو زيد “هو من قبيل التصنيف القيمي الذي يعطي العرب مكانة التفوق، كما يعطي للغتهم مكانة ((اللغة)) بألف ولام العهد، كأن ما سواها من اللغات ليس كذلك، وكأن من يتحدثون بلغة غيرها هم بمثابة العجماوات التي لا تبين ولا تنطق).
نقول له, حسبك!!! هذا تحليل عنصري ساذج وقاصر منك ومن نصر أبو زيد, ليس له حظ من الحقيقة بمعاييرها الصحيحة. لأنه يقف عند الظواهر ولا يتعمق في الأصول والحقائق حتى يكون تحليلكم عادلاً ومنصفاً ومبنياً على معطيات قياسية منطقية وموضوعية تقود إلى تقييم سليم يؤدي إلى ترتيب المقارنات وفقاً لذلك, بعيداً عن التعصب والظن والتحامل الذي نراه المحرك الأساسي لتقييمكم الإثني الذميم هذا.
إن عدم القدرة على التفريق ما بين العصبية الإثنية والقومية وبين اللغة كـ "لسان" بجانب تحكيم هوى النفس والشنآن "في غياب الحس الثقافي الحر وإختلال الأمانة العلمية والبعد الأخلاقي النزيه,,, هي من أسباب إخفاقاتكم في التقييم السليم والحكم العادل في قضية التميز والتفضيل, مما أدى إلى سوء فهم معنى كلمة "العجمة" المنطقية فجعلتم منها قضية عنصرية لا أصل لها إلَّا في نفوسكم وأفكاركم وإرادتكم غير الحرة,, وتريدون أن تعمموها على الناس لتوتروا حياتهم وتعقدوها بالتشنج والتعصب الإثني والقبلي الأعمى المصطنع.
أولاً: كلمة عربي أو أعجمي في الأساس لا تُطلق على الشخص بذاته عرقياً إما لنقص فيه أو حقارة وتدني قيمي,,, وإنما تُذكر لتميزه وفق "منطوق لسانه". فإن إستطاع أن ينطق بكل تدرجات الأصوات التي يمكن للسان البشري أن ينطق بها كاملة كان لسانه "مبيناً غير ذي عوج" بغض النظر عن عرقه أو جهته أو قبيلته,,, ولكن إن تعذر عليه نطق بعضها كما ينبغي فهو فيها "أعجمي" قياساً باللغة العربية كلسان شامل واسع المدى الصوتي, وهذا وذاك ليس له علاقة بقيمته الإنسانية أو بقدراته الذهنية ومستوى تفكيره.
ولكي نستوعب هذه المعانى علينا أن نضرب لذلك بعض الأمثال العملية التطبيقية المباشرة وذلك بعمل مقارنة ما بين اللسان العربي وبعض الألسُن الأخرى,,, فلتكن مثلاً "اللغة الإنجليزية",, ومن ثم يتضح لنا الآتي:
1. في اللسان العربي هناك فرق كبير بين حرفي "الحَآء" و "الهَآء", فمثلاً الناطق بالعربية يفرق ما بين كلمتي (حبوب) و (هبوب), وبين كلمتي "حُرُوْبٍ" و "هُرُوْبٍ" بينما نجد - في الإنجليزية - كلتا المفردتين تنطقان (هبوب) و (هروب), لأن الحرف (h), يستخدم بدل (الحاء) التي لا يستطيع نطقها فيقول (هـآء), لذا فهو في حرف (الحَآء) أعجمي بإمتياز ما دام أنه لم يستطع أن ينطقها كما ينبغي,
2. في اللسان العربي هناك فرق كبير ما بين حرفي (الخَآء), و (الكَآف), وفي الإنجليزية لا يوجد ما يقابل الحرف (خَآء), لذا يستعمل الحرف (كَآف) فقط, مثلاً الناطق بالعربية يفرق ما بين كلمتي (خَلَّفَ) و (كَلَّفَ), وما بين كلمتي (خَبِيْر) و (كَبِيْر) أما الناطق بالإنجليزية ونحوها لن يستطيع نطق حرف الخَآء وإنما سينطق المفردتين الكَآف هكذا (كَلَّفَ) و (كَبِيْر). وهذا العجز يخدش في قدرته نطق عشرات الآلاف من الكلمات العربية, فلك أن تسمى هذا بما تشاء, وفي النهاية فإن التسمية التي سترتضيها هي ما يسميها القرآن الكريم "عجمة", فأين تكمن المشكلة في ذلك؟؟؟
3. في اللسان العربي هناك فرق كبير ما بين حرفي (السِّين) و (الصَّاد), فينطق اللسان العربي كلمتي (سَار) و (صَار), وكلمتي (سَادَ) و (صَادَ), ولكن الناطق بالإنجليزية لن يستطيع نطق الحرف (صاد), بل سينطقها (سين), وبالتالي تستوي عنده الكلمتين في النطق. وهذه بلا شك "عجمة" قياساً باللسان العربي, والذي يعجز عن نطق عشرات الآلاف من الكلمات التي تتضمن حرف "الصاد" يعتبر "أعجمي",
4. في العربية هناك فرق كبير ما بين حرفي (الدال) و (الضاد), فيميز اللسان العربي ما بين نطق كلمتي (وَدَاعَة) و (وَضَاعَة), وما بين كلمتي (دَفَّة) و (ضَفَّة), ولكن الناطق بالإنجليزية لن يستطيع نطق الحرف (ضاد), فينطق الكلمتين بالدال (وَدَاعَة) و (دَفَّة). وبالتالي فهو – عند أهل اللسان العربي المبين - يعتبر "أعجمي" في نطق هذا الحرف وبالتالي سينسحب ذلك على عشرات الآلاف من المفردات المتضمنة هذا الحرف وأصواته,
5. في العربية هناك فرق كبير ما بين حرفي (القَآف) و (الكَآف), فهو يميز ما بين نطق كلمتي (قَلْبْ) و (كَلْبْ), وما بين كلمتي (أكْبَرَ) و (أقْبَرَ), ولكن الناطق بالإنجليزية سيعجز عن نطق الحرف (قَآف), وسينطق الكلمتين بالكاف هكذا (كَلْبْ) و (أكْبَرَ). وبالتالي فإن لسانه – قياساً باللسان العربي – يعتبر, بل واقعه وحقيقته "غير مبين" (أعجمي).
6. في العربية هناك فرق كبير ما بين حرفي (ألألف) و (العين), فيميز العربي ما بين نطق كلمتي (تَعَلَّم) و (تَألَّم), وما بين كلمتي (عَيْنَ) و (أَيْنَ), ولكن الناطق بالإنجليزية ونحوها سيعجز تماماً عن نطق الحرف (عين), ومن ثم سينطق الكلمتين بالألف, هكذا (تَألَّم) و (أَيْنَ),,, وهكذا.
معنى هذا أن الناطق بالإنجليزية ونحوها أعجمي في 6 حروف هجائية عربية مع أصواتها التي لا تقل عن سنة عشر صوتاً لكل حرف منها, وهي: ( "الحاء", و"الخاء", و "الصاد", و "الضاد", و "القاف" و "العين"). وتتداخل وتشترك مع 6 حروف هجائية عربية أخرى مع أصواتها هي: ("الهاء " و "السين " و "الدال " و "الكاف", و"ألألف"),
مع ملاحظة أن (الكاف) في الإنجليزية ونحوها تحل محل ثلاث عروف عربية هي ("القاف", و "الخاء", و "الكاف"),
الآن,, يا عمري,, دعك من قول القرآن في تمييز هذا التباين بين الألسن بالمفردة الوحيدة التي يمكن أن تنطبق على هذا الواقع "أعجمي",, وهب أنك "تعرف جيداً" معنى المفردة "عجمة", وكنت عضواً في لجنة للمقارنة بين الألسن وطُلب منك تمييز هذا التباين بإختيار مفردة مناسبة تصف بها لسان من عجز عن نطق عدد من أهم الأحرف الهجائية العربية وأصواتها - بالنظر إلى اللسان العربي وليس "للعرب" كفصيل من البشر - فبماذا ستسميهم أنت؟. خاصة إذا إستحضرت المعنى اللغوي الصحيح للمفردة "عجمة". هل ستجد في إستخدامها حرجاً يقلل من شأن العاجزين عن مجاراة اللسان العربي "عرقياً"؟؟؟
بمعنى آخر, هل حقيقةً في علمك وأدبياتك أن كلمة "أعجمي" المقصود بها الشخص نفسه "عرقياً" وليس المقصود بها هو "لسانه" قياساً باللسان الذي يقارن به دون المساس بقيمته الإنسانية والبشرية سمواً أو وضاعة؟؟؟
ولو طلب منك أن تسمي أحد الألسن المقارنة بعبارة "مبين" أو "غير ذي عوج",,, فأي الألسن ستختار؟؟؟ ..... والذي لم تختره, بماذا ستسميه "بدون عنصرية أو هوى أو شنآن"؟؟؟
أما إذا كان هناك مرضى وجهلاء يبغونها عوجاً بإثارة النعرات العرقية والإثنية بالبحث والتنقيب عن المفاهيم الخاطئة وجعلها حقيقة لتأييد توجهات عنصرية خبيثة لديهم فيجب على العقلاء من الناس بيان الحق والحقيقة لقتل الفتنة في مهدها. هكذا أدَّبَنا القرآن الكريم وحذَّرنا من أن يكون "حتى" للشنآن تأثير على التعامل بالعدل في أكثر من آية في القرآن الكريم, من ذلك:
قوله تعالى صراحةً في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا « وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا » « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » «« وَاتَّقُوا اللَّهَ »» إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 2).
هكذا يوصي الله المؤمنين بالعدل حتى مع أعدائهم وأعدائه الذين يكرههونهم, بأن لا يجعلوا هذه الكراهية جحةً لمعاملتهم دون العدل, وهذه موازنة صعبة على النفس البشرية ولكن الله لا يكلف نفساً إلَّا وسعها, فإن لم يعلم بأن نفس المؤمن مؤهلة ومدربة على أن تقبل وتستسيغ هذا التوازن الصعب ما طلبه منهم ولا كلفهم به, ولكن بالمقابل أجزل للموفقين الجزاء وضاعفه لهم أضعافاً كثيرة.
فأنظر إلى قوله تعالى في سورة فصلت: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ - ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ - «« فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ »» 34), فهذه الدرجة من التوازن النفسي والعقدي عالية غالية, ليست في مقدور أحد ضعيف الإيمان وقليل الصبر نوالها والقدرة عليها, لذا قال: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35).
فإذا علمت أن اللسان العربي أو أي لسان آخر أعجمي هو متاح لكل من أراد إستعماله من البشر عموماً دون أدنى تمييز إثني أو قبلي أو عرقي, إن قصد إجادته - فأنه في حالة نجاحه - سيكون عربياً بلسانه هذا, بغض النظر عن التمييز ما بين العاربة والمستعربة التي نراكم مغرمون بها لتأصيل العنصرية والتفرقة والتباغض والتدابر بين الناس.
على أية حال,, لم أجد من بين معاني لفظة (عجم) أنها تعني الإبهام وعدم التفصيل بالمعنى الدرامي الذي قصدتموه, وربطتموه بعجمة البهيمة لبث مزيد من الإثارة والحساسية والوجد والغبن والضغينة بين الناس "تبغونها عوجاً". ويكفي أن ننظر إلى ما قاله الله تعالى في غير العربية عن كتاب موسى الذي جاء بالعبرانية التي هي لغة قومه, وذلك في سورة إبراهيم "في خطابه للِسَانَيْنِ مختلفين:
أولاً: مخاطباً الرسول الخاتم محمد مخبراً إياه عن القرآن الكريم, قائلا له بلسان قومه: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ « لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ » بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 1). ذلك هو: (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ 2), أما أولئك الضالون: (الَّذِينَ - « يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ » « وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا » - أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ 3). نلاحظ هنا في هذه الآيات ما يلي:
1. إن السورة عُنْوِنَتْ بإسم نبي الله إبراهيم الخليل – أبو الأنبياء, ولسانه بالطبع ليس عربياً,
2. ثم بدأ الله تعالى السورة بالخطاب المباشر للرسول الخاتم محمد بن عبد الله, مبيناً له الغاية من إنزال القرآن الكريم له وهو إخراج الناس "كل الناس" من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان والتوحيد وصراطه المستقيم, وذلك بإذن ربهم, وتوعد الكافرين بالعذاب الشديد,
3. ثم بين غاية الكافرين وهي حب الحياة الدنيا على الآخرة, ولكنهم لم يقفوا عند هذا الحد بإختيارهم لأنفسهم بكامل حريتهم, بل تعدوا حدودهم وقصدوا غيرهم بالشر والتدخل في حرية إختيارهم وذلك بصدهم عن سبل الإستقامة لأنهم يبغونها عوجاً حتى يكون لهم التميز والتفرد والتعالي عليهم,
ثانياً: بيَّن الله حكمته في إرسال الرسل بلسان قومهم حتى يبين كل رسول لهم الحق والباطل ليقيم عليهم الحجة, قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ « إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ » فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 4). فمن الطبيعي إذاً أن يرسل موسى بلسان قومه العبرانيين لنفس الغاية, قال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 5).
وهو – بلا شك - نفس المنهج الذي أرسل الله به رسوله الخاتم محمد فأنزل عليه القرآن بلسان قومه ولنفس الغاية فالإختلاف فقط في اللسان لا غير ولكن المنهج واحد والتباين فقط في التطبيق وفق إحتياجات المرسل إليهم والبيئة التي هم فيها ودرجة الثقافة والخبرة العملية التي بلغوها, والقدر من المخالفات والضلالات التي كانوا عليها.
ثالثاً: نقل الله تعالى قول موسى لقومه بلسانهم العبراني إلى قوم محمد بلسانهم العربي, قال: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ 6). فالملاحظ هنا الآتي:
1. لم يذكر الله تعالى نبيه إبراهيم في هذه الآيات حتى الآن مع أن السورة بإسمه,
2. موسى الذي خاطب قومه (بني إسرائيل) بالعبرانية, فهموا نفس الفهم الذي فهمه قوم محمد من الآية التي أنزلها الله تعالى إليه بلسان قومه العربي المبين,
3. ترى لو أنزل الله تعالى هذه الآية لبني إسرائيل بالعربية بدلاً عن لغتهم العبرانية, أو أنه أوحاها إلى رسوله الخاتم بالعبرانية على قومة الناطقين بلسان عربي فهل يمكن أن تقام على أي من القومين حجة الإبلاغ والبيان؟؟؟
4. واضح أن مراد الله تعالى هو إفهام قوم موسى بأن ما قاله لهم عبر نبيهم ورسولهم هو نفسه الذي قاله لكل أنبيائه ورسله من أولهم,, وبالمقابل أن يفهم قوم محمد أن الذي يبلِّغهم به الآن بلسانهم هو ذاته الذي بلغه موسى لقومه بلسانهم. وهذا يفيد أن المنهج واحد مهما إختلفت ألسُنَ البشر. لذا نرى أن القرآن الكريم يضم بين دفتيه كل الشرع الذي أنزله الله على عباده منذ آدم عليه السلام وحتى محمد الخاتم بلا إستثناء, لذا قال تعالى في سورة البينة: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً 2), (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ 3). فما هي تلك الصحف المطهرة؟ وما هي تلك الكتب القيمة؟؟؟
فالقرآن الكريم إيجاز وإعجاز, فإن أردنا إيصال مقاصد هذه الآية الكريمة لقوم محمد بالعربية والتي قالها موسى لقومه بلسانهم "العبراني", لكانت صيغة الإبلاغ متضمنة التكرار الذي بالطبع سيضيع أو يضعف إمكانية الربط بين القولين الذي أراده الله تعالى, على سبيل المثال: لقال النبي محمد لقومه بلسانهم (إن أخي موسى بلَّغ قومه بلسانهم ما أمره الله به, ما معناه "... أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ",, وأنا أقول لكم نفس ما قاله وقد أمرني الله أن أبلغكم إياه ولكن بلسانكم, قال لي: "... أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ").
أو شيء من هذا القبيل (أستغفر الله إني قد ضربت هذا المثل لتقريب الفكرة) ولألفت الناس إلى قمة الإعجاز والإيجاز في هذه الآية الكريمة التي قال فيها: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 5).
ثم أنظر إلى هذه الآية التي قالها موسى بلسان قومه, ثم تلاها النبي الخاتم على قومه بلسانهم: (وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ 8).
فالسؤال هو: هل يعتبر اللسان العربي بالنسبة لبني إسرائيل "أعجمياً" كما أن اللسان العبراني بالنسبة لقوم محمد "أعجمياً" أم اللغتان تستويان عند القومين بالبلاغة ؟؟؟
السؤال الثاني: هل تعبر أو تدلل أي من اللغتين على أي نوع من الإثنية أو العرق أو القبلية أو الجهوية... على الأقل عند الله تعالى أو عند رسله الكرام؟؟؟
رابعاً: ألله تعالى قد أمر موسى بأن يذكِّر قومه بلسانهم فيقول لهم: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ 9). فأراد الله أن يذكر الناس بعد موسى وعيسى عليهما السلام على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين بنفس الذكرى ولكن بلسان قومه هل يمكن أن تختلف صيغة القول من الله تعالى بأي حال من الأحوال؟؟؟
ألم يربط الله تعالى كل أنباء الذين كفروا من الأمم التي سبقت موسى مروراً بموسى وعيسى ثم أوصلها كما هي إلى خاتم أنبيائه ورسله (وحياً يوحتى حتى تُوثق بصورة نهائية ثابتة إلى يوم القيامة في كتابه العزيز – القرآن الكريم), ثم بعد ذلك تولى حفظه بحيث لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟؟؟
فمن كان يحفظ شيئاً مما جاء به موسى وأراد أن يسترجعه ويصححه,, هل هناك مصدر يمكنه الرجوع إليه سوى ما جاء به محمد الخاتم لأنه نقل أقوال كل الأنبياء والرسل وحتى خواطرهم وأفكارهم فأوحاها إلى نبيه ورسوله الكريم محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين وإمامهم وآخر ذرية إصطفاء آل إبراهيم؟؟؟
أما عيسى عليه السلام فقد أيد وإلتزم ما جاء بالتوراة بقوله في سورة آل عمران: (وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ 50), وهذا يعني أن قومه عرفوا قول موسى في هذه الآية فتحقق الربط ما بين التوراة والقرآن في البلاغ بهذه الآية الكريمة.
فإذا أراد الله تعالى أن يربط التوراة والقرآن برباط وثيق لا يشوبه شك أو توجس,, هل هناك من صيغة أبلغ من أن يتلوا النبي الخاتم بلسان قومه ما تلاه أخوه وسلفه موسى بلسان قومه فيقول: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ 9)؟؟؟
إذاً ألا يعني هذا أن الدين واحد, والرب واحد, والتوجه واحد, والمصير واحد لكل البشر؟؟؟
فإذا كان الله تعالى قد لخص تجربة البشرية كلها في كتاب كامل شامل لكل ما جاءت به الأنبياء والرسل قاطبة وتجاربهم مع أقوامهم وإخفاقاتهم ونجاحاتهم ومعاناتهم,,, ثم جعل هذا الكتاب سهلاً بلغة هي أوسع اللغات حروفاً وأصواتاً وأنغاماً وإيقاعات, ثم حفظ هذا الكتاب الذي إرتضاه للناس ديناً وسطاً موحداً للبشرية كلها, طارداً للعنصرية والتعالي والتكبر والتجبر والظلم والتميز والتفاخر والتكاثر,,,
ثم قالها مدوية صادحة في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 13). فما الداعي للرجوع إلى نسخ قديمة أبلاها الزمن والناس, تلك التي أفسدها الأوَّلون بتحريفاتهم وأهوائهم ففقدت مصداقيتها وحام حولها كثير منها التشكك والإبتعاد عن المنطق والموضوعية والمعقولية, ثم أكد الخالق تحريفها فحسم أمرها بنسخها بغيرها وأنساها. فمن كان يعرف لهذا السلوك العنيد - للجري وراء السراب والسعي في الخراب ليس له أي مبرر سوى العنصرية السوداء فليدلنا عليه فمن لم يجد شيئاً من ذلك عليه أن يفكر جيداً في العواقب الوخيمة التي باتت واضحة كالشمس.
عودة إلى مفردة "أعجمي" التي حملها المرجفون أكثر مما تحتمل, نقول لهم:
هل اللسان العبراني وقف حجر عثرة في طريق الذين إعتنقوا اليهودية من الأمم الأخرى بمن فيهم يهود العرب؟؟؟ وهل لسان عيسى عليه السلام وقف حجر عثرة أما الحواريين والمصريين والأحباش وغيرهم من الذين إعتنقوا المسيحية بمن فيهم نصارى العرب؟؟؟
فما دام أن الواقع المعاش اليوم يقول بأن إختلاف اللسان ليس مانعاً من إعتناق الناس لقناعاتهم العقدية وعلى ذلك, فإن نزول القرآن باللسان العربي لن, بل لم يقف حجر عثرة في إعتناقه من لدن كل الأمم مع إختلاف ألسنتهم, حيث أصبح أتباعه من غير العرب يمثلون الأعلبية, وباتت عالمية الدين الإسلامي ليست نصاً أو إدعاءاً وإنما هي واقع معاش لدرجة أن الإحصائيات تقول بأنه من أكثر الأديان إنتشاراً حتى في البلدان المحتكرة من قبل أديان معينة, وهذا ما يزعج "عنصرياً" أتباع هذه الأديان التي باتت غير مقنعة للكثيرين منهم, الذين يخصصون مساحة كبيرة لأفكارهم وعقولهم.
إذاً,, لا نرى داعياً لما جمعه عادل من آراء ومفاهيم مسئول عنها أصحابها خاصة وأنها غير مبررة ولا مقام عليها الدليل لذا سنتجاوزها ولكن هناك عبارات ذكرت فيها أباطيل عن الإسلام تم دسها بخبث لتمريرها وسط ركام وزخم من التناقضات والإدعاءات الكثيرة سنفند بعضها فيما يلي من فقرات.
يقول الكاتب العمري: (... في الواقع لا نستطيع الكلام عن عنصرية عربية بمعنى الكلمة وبشكل مؤكد قبل الإسلام ...).
فهذه خلاصة لفقرات عديدة تاه فيها نسج الآراء والإدعاءات التي لم يتطوع أحد من أصحابها بتأكيد أو برهنة أي منها سوى التكهنات التي تنضح أباصيل وإفتراءات كما سنرى فيما يلي من فقرات هذا الموضوع المُوجَّه.
وتحت عنوان "أثر الإسلام" جاء الكاتب بالفقرات التالية:
أولاً قال إنَّ: (... القرآن لم ينحاز للعرب بشكل صريح، إلا أنه أكد على تفوق لغته العربية واصفا غيرها بالأعجمية، فأقر نفس التمييز اللغوي بين العرب وغير العرب، فاللغات غير العربية تسمي أعجمية: "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ..."- فصلت: 44 - وأهم ما يعد إعجازا للقرآن هو لغته العربية البليغة. وتضاف معجزات أخرى أقل أهمية وغير جادة ...).
هذا نموذج آخر للقول أو النقل عن جهل من جهلاء يقولون بآرائهم وشطحات غيرهم لعدم وجود معايير يضبطون بها ما يقولون ويمحصون بها ما يقرءون إعتماداً على التعويم والتعميم والتشكيك. فنقول لهم في ذلك:
1. القرآن لا ينحاز لا بشكل صريح ولا مضمر أو مبهم, فلا تدَّعي ما لا تعرف, فإن كنت صادقاً أخرج لنا ولو حالة واحدة من القرآن فيها تحيز أو محاباة أو مداهنة, هذا كذب وضيق أفق ومحاولة إخفاء الجهل بحقائق الأمور,
2. تدعي بأن القرآن قد أكد على تفوق لغته العربية واصفاً غيرها بالأعجمية,, نعم أنت لم تفهم الآية وهذا أمر طبيعي أكده الله تعالى على من سعى في الإعجاز في آيات الله تعالى فخصه بالختم على كل المدارك التي توصل إلى البصيرة, وقال (... وهو عليهم عمى).
ولحسن الحظ أنك أستشهدت بالآية الكريمة التي أشكلت وعميت عليك فأبان الله تعالى خفاياك. بين الله تعال في الآية الكريمة من سورة فصلت التي بهتها بما هو ليس فيها, قال عن العرب "تحديداً" إنهم كذبوا بالقرآن مع انه أنزل بلسانهم العربي وبذلك لم يترك لهم حجة يحاجُّون بها, وحتى لو جعله الله تعالى أعجمياً عليهم وعلى فهمهم, بأي لسان آخر غير لسانهم أيضاً سيحتجون ويقولون بأن آياته غير مفصلة بالنسبة لهم وغير بينة ومفهومة.
ولقالوا بأنها لو فصلت بلسانهم لآمنوا بها. ولكن الله تعالى حرمهم من الحجة وأبطل عنهم هذا الإدعاء بقوله إنَّ القضية لديهم ليست محصورة في اللسان الذي نزل به القرآن سواءاً أكان أعجمياً أو عربياً, وإنما المشكلة في الإستعداد الفطري لديهم للإيمان, فهم لن يسمعوه أو يعقلوه لأن في آذانهم وقر, وهو عليهم عمى, فصور الله حالهم (كأنهم ينادون من مكان بعيد) – يسمعون الصوت ولكنهم لا يفصلون الكلمات.
والآن أنظر إلى الآية لعلك تدرك مقصدها, قال تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ 44).
فالآية تقول عن "جعل القرآن أعجمياً" ولم تتحدث أساساً عن العرب أو غير العرب, وليست هناك أي إشارة إلى النوع البشري كله ولا إلى أعراقه, والتي فصلت هي "آيات القرآن" باللسان الذي يفهمه هؤلاء المكذبين الضالين وليس البشر بأعراقهم, بل وليس هناك تفاضل أو تمايز بين لسان ولسان في هذه الآية المعجزة الصريحة, فالقول بالعربية يعتبر مفصل لدى الناطقين بها ومعجم بالنسبة لغيرهم, كما أن العبرية مفصلة لدى الناطقين بها ولكنها معجمة لدى العرب فأين تكمن المشكلة يا عادل؟؟؟
3. أما الإدعاء بأن (أهم ما يعد إعجازاً للقرآن هو لغته العربية البليغة), فهذا إدعاء ساقط ساذج لا معنى له, وقد بينا سبب ذلك فيما سبق, لأن إعجاز القرآن أكبر من اللغة التي ينحصر دورها في أنها الأقدر على إظهار هذا الإعجاز لآيات الله الذي تحدى الله به الإنس والجن والخلق كله.
4. أما الإدعاء بأن هناك معجزات أخرى بالقرآن أقل أهمية من اللغة العربية وغير جادة, أيضاً هذا يعتبر تخريف وهزيان ورجم بالغيب لغياب الحس الفقهي والعمق الوجداني السليم الذي لا يفرق بين المتناقضات والمتشابهات والمتطابقات,,,. إعلم يا عادل أن كل معجزات القرآن ليس من بينها ما هو غير جاد أو ضعيف, فلا تقل بما لا يبلغ مداركك التي أوبقتها بنفسك فطُمست وخُتمت.
لقد كذب المشركون من قوم محمد الخاتم بالقرآن الكريم مع أن الله أقام عليهم الحجة بأن أنزله بلسانهم العربي المبين "مُيسَّراً للذكر", ومع ذلك أعرضوا عنه كبراً, فقال الله تعالى لنبيه في سورة الشعراء الآيات التالية موضحا عدم وجود حجة للمكذبين يستندون إليها, فقال له عن القرآن الكريم:
- (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192),
- وليس إبتداعاً من عندك, وإنما: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 193),
- فأنزله مباشرة: (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ 194),
- وحتى يقطع حجج قومك أنزله لهم: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ 195),
- ولم ينزله الله لك وحدك, بل جاء به الرسل من قبلك ومعروف لدى أهل الكتاب: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ 196).
فمن أين تأتيهم الحجة التي تؤيد إعراضهم عنه؟؟؟
وهناك حجة عليهم بالغة,, لن يستطيعوا الصمود أمامها, ألا وهي:
ما هو تفسيرهم للحقيقة الماثلة أمامهم وهي أن علماء بني إسرائيل العبرانيين يعلمون انه الحق من ربهم مع أنه ليس بلسانهم, إليست هذه تعتبر لهم آية وعليهم حجة, مع أن بني إسرائيل لسانهم غير عربي؟, قال: (أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ 197)؟؟؟.
الحجة الثانية عليهم هي أن هذا القرآن قد أنزله الله على العرب بلسانهم العربي المبين, فماذا سيكون الحال لو أنزله على أعجمين فقرأه النبي عليهم باللسان العربي المبين, هل سيفهمونه؟؟؟ ..... وكيف سيكون حالهم وقتها, هل سيؤمنون به وهم لا يفهمونه؟, قال: (وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ 198), (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ 199). هكذا جعل الله حال المجرمين حيال القرآن مع أنه بلسانهم ولكنهم لا يفقهونه أو يسمعونه, قال: (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ 200), كأن القرآن الذي يقرأ بلسانهم لا يفهمونه أو حتى يسمعونه, وإن سمعوا صوت القراءة لن يستطيعوا فهم وفرز مفرداته فضلاً عن فهمها والتأثر بها.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ 103). فمن ذلك الأعجمي الذي يدعونه, وكيف يستطيع تعليم أفضل وأبلغ من نطق بالضاد من ولد آدم قاطبة؟؟؟
لا تُعوِّم يا عادل ولا تخلط الأوراق, إفهم ما تريد الحديث عنه أو فيه أولاً قبل أن تسارع بوضع رأس القلم على منزلق الورق إذ ليس أمامه مطبات أو نتوءات تعيقه عن الرسم. تكون مخطئنا لو تصورت أن القرآن قد تحدى فقط العرب بلسانه العربي المبين, وإنما كل التحديات التي في القرآن مقصود بها كل البشر والجن وغيرهم على حد سواء (قل لو إجتمعت الجن والإنس), وليس العرب فقط,, فتريث حتى تفهم وتصحح معلوماتك المتناقضة المتعارضة فأنت في حضرة القرآن الكريم يا هذا !!!.
قال تعالى في سورة الشورى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا « لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا » وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ 7).
فالآية تقول بكل وضوع إن الله أوحى لنبيه الكريم القرآن "عربياً" لغايتين محددتين:
1. لينذر به قومه الناطقين بالعربية الذين هم في أم القرى والمتواجدون حولها.
2. ثم لينذر كل الناس "يوم الجمع", يوم القيامة الذي لا ريب فيه,, والذي سيكون فيه فريقان لا ثالث لهما "فريقٌ في الجنة" و "فريقٌ في السعير".
فليس هناك في الآية أي مقاصد أو تصريحات أو تلميحات تدل على أن الله يقصد القول بأن عربية القرآن بليغة أو تتحدى العرب أن يقلدوه (لغوياً), هذا إفك صريح لا يليق بالعقلاء من أهل العلم. أما ما فهمه الناس فهذا يفترض أن تتركه للناس وتقدم فهمك أنت لأنك ستكون مسئولاً عنه على الأقل "أدبياً" وأخلاقياً, إلَّا إذا كنت توافقهم في فهمهم على علاته.
لا يزال للموضوع بقية
تحية طيبة للقراء والقارءات
بشاراه أحمد
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟