|
الندم.. مدخل سيكولوجي لمحنة الذات
اسعد الاماره
الحوار المتمدن-العدد: 4997 - 2015 / 11 / 26 - 11:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مما لا شك فيه أن تتفاوت التأثيرات والانفعالات بشتى درجات الشدة، وهي عاديه للغاية وتتناسب بصورة معقولة مع استجابة الموضوع والحالة الداخلية للذات، كما عبر استاذ الاجيال البروفيسور مصطفى زيور عن ذلك، ولو نقلنا تلك الفكرة على موضوع الندم، حيث نجد أننا بأزاء منظومة كاملة من التكوين النفسي الذي يمتد جذوره للمنظومة بأكملها وهي قوة الأنا وحفزات الهو وترنح الأنا الأعلى، فيحدث الفعل وانعكاساته وشدته على بقايا الضمير الذي سقط بقوة الفعل الذي خلق الندم!! أنه المبدأ القائم على اللذة وقوتها، والآلم الناجم عنها بشدته. أن الدوافع التي تغدو، بل تُحفز هذا الفعل ليكون بعد ذلك فعلا قويا يقود إلى الندم، هو أن بعض الناس التناسليون في الاخص مفعمون حقًا حنانًا وحبًا، وهذا يتطلب أن يمضي الفعل أبعد من المسموح به في المجتمعات المحافظة، فيكون كسر القيد بحفزات بها من اللذة، أكثر من استدعاء الآلم، سواء كان في الفعل الجنسي، أو قبول السرقة وفعلها، أو التحايل على القانون، أو الحصول على مكاسب غير شرعية، أو الخيانة الزوجية، أو كل ما يتقارب من فكرة استبعاد الضمير الحي، النشط، أو سلطة الأنا الأعلى بكل ما احتوت من مكونات أخرى، التربية الاسرية، التنشئة الاجتماعية، قوة الضبط الديني، قوة الضمير، قوة القيم السائدة في مجتمع محافظ..الخ. أن سيكولوجية الندم ترتبط اساسا بمجموعة معقدة من الموضوعات النفسية الداخلية، فضلا عن وجود ميكانزمات خاصة بها، أولها الاسقاط، لذا تعد العلاقة بالموضوع، أيًا كان هذا الموضوع، السرقة، الخيانة الزوجية، الفعل الذي لا يتناسب مع قيم المجتمع، أو المحاولة لفعل يؤدي إلى الندم هو في الاساس نكوص عند مستوى قبلتناسلي يقوم على أعتماد وثيق من الآنا على الموضوع، ممزوج بعنف التأثيرات والانفعالات وخلوها من الاعتدال، فهو حب آسر ومدمر لموضوعات تتعلق بالضمير، أو بالاحرى بكل منظومة الآنا الاعلى، وممارسته، هو ارتشاح إسقاط يصاغ على صورة الذات، ويشوه الواقع، مع استبقاء قدر من إدراك الواقع مقابل ثمن هو الندم، الذي يستطيع الشخص به أن يلجأ إلى ميكانزم دفاعي يستعين لتخفيف شدة الآلم من الندم، بالإسقاط اللاشعوري وحينها يحقق بعدًا كافيًا بين الذات والموضوع الذي فعله، للإبقاء على التوازن الزائف. أن الندم هو نتيجة لفعل أخذ تكوينه الفرضي في دماغ الفاعل، قبل أن يتحول إلى سلوك في الواقع، ويأخذ في منحاه بالنتيجة النهائية الندم .. وهو في كل الأحوال طاقة غريزية استطاعت أن توجه الذات"الآنا" في عدة مواقف سواء كانت سلبية أم إيجابية، فإذا كانت سلبية يكون محتواها ذات طاقة محملة باللبيدو. إن الندم ينطلق في بداية البلوغ وليس قبله، لأنه ذو أبعاد رمزية مثل الشرف، والعفة، والأمانة، والاخلاص..الخ، ولكنه يتكون في السنوات الاولى من حياة الفرد عبر عملية تعلم سلوكي من الاب أو الأم، ويرجح في إدراكه إلى إختلال التوازن بين الدوافع الغريزية والإشباعات التي تحظى بها، مهما كان نوعها في حياة الفرد، فالجائع إلى المال يلجأ إلى اشباع ذاته من خلال السرقة، والجائع إلى المنصب يلجأ إلى التحايل وشراء الذمم من أجل الوصول إلى الكرسي، والجائع إلى الجنس يلجأ إلى عدة أساليب منها الخيانة، أو الإقناع في الحصول عليه، أو حتى إلى الاغتصاب أن استدعى الأمر لذلك. يرى الدكتور عبد السلام عبد الغفار في حديثه أن السلوك بمختلف انواعه لا يقتصر فقط على الامراض النفسية والامراض العصبية، وإنما يتضمن أنواعا أخرى من الإنحرافات مثل الادمان على المشروبات والمخدرات، والسلوك غير الخلقي، فالسلوك غير الخلقي يقود بالنتيجة إلى الندم، وهو صحيح تماما اذا ما رأينا أنه يكمن خلفه دافع، يقوده لتحقيق هذه الحاجة ومنها الحاجات التي توفر القناعة بالنفس وهي الحاجات الشخصية ذات الإنعكاس الاجتماعي ومنها الحاجة إلى التراحم، والحاجة إلى العطاء، والحاجة إلى المسانده، والحاجة إلى العدل، والحاجة إلى التواد، والحاجة إلى الإخلاص، والحاجة إلى التعاطف، هذه كلها لا تؤدي إلى الندم، أو حتى الشعور بالإثم، أو الشعور بالدونية، أو ترك أثر سلبي في النفس، بل تعيد التوازن وتترك الآثار الإيجابية بالذات، على العكس تماما من تلك المشاعر غير المقبولة في المجتمع، فضلا عن الرفض والشعور بالنبذ من داخل النفس مما تقود إلى الندم، ومنها العديد من تلك المشاعر مثلا : الغيبة، النميمة، النفاق، الخيانة، الاغتصاب، الغيرة ، الحسد.. وغيرها من تلك المشاعر الفرديه الذاتية، وارتباطها بالندم بعد وقوع المحظور وظهور الوقائع. إن الندم هي لغة اللاشعور لدى الإنسان والتي يمكن أن تعد الطريقة التي يتوسل بها النشاط العقلي اللاشعوري للتعبير عن نفسه، ولكن اللاشعور يتحدث بأكثر من لهجة، وطريقة وأسلوب، فهو تارة بالاسقاط، وتارة اخرى بالتبرير، وهكذا لحين أن تتوفر قناعات يقبلها العقل ويفسر الدفعات تلك على وفق الشروط السيكولوجية المختلفة التي تحكم وتميز الأشكال المختلفة من الندم، وعلى ضوء شخصية صاحبها، فالسيكوباثي لا يشعر بالندم اطلاقا، وصاحب الشخصية المكتئبة لديه ميل عال لتأنيب الضمير، والشعور بالإثم، ولو عرفنا الاكتئاب تعريفا علميا لوجدنا أنه حالة من الألم النفسي يصل في عمق النفس إلى ضرب من جحيم من العذاب مصحوبًا بالإحساس بالذنب شعوري، وإنخفاض ملحوظ في تقدير النفس لذاتها، كما عرفه مصطفى زيور. يعد الضمير عاملا مهما في الاتزان النفسي وبناء الشخصية المتزنة، وبه يتم ضبط الدوافع وإشباع الحاجات التي لا تتعارض مع قيم المجتمع، ومنه يتم بناء الشخصية وتكوين الذات المعتدلة التي لا تسقط في العقاب أو النبذ. يقول د. إبراهيم ابو زيد يتحول ضمير الفرد إلى نوع من التوجيه الذاتي الشامل لسلوكه مع نمو صورة الذات للراشد، كنوع من الالزام بقيم الفرد من أجل الحفاظ على هذه الصورة في شكل مقبول.. وخلاصة القول أن الشخص الذي يتمتع بصحة نفسية لا يمر بمواقف تشعره بالندم، أو إرتكاب أفعال تمس ذاته بقسوة، بينما الشخص غير المتزن إنفعاليًا هو الذي يمارس الفعل الذي يؤدي به إلى الندم، وهو الشخص المتردد القلق صاحب الميول غير الطبيعية، المرتاب والمتقلب انفعاليًا.
#اسعد_الاماره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفس..دوامة الحياة غير المنتهية
-
المتظاهرون في العراق ليسوا جماهير ..إنهم الشعب بأسره
-
عصا الديمقراطية ستؤدب الفاسدين في العراق
-
الإفتتان الديني..مدخل لمصادرة العقل!!
-
الملل النفسي..مدخل للاكتئاب!!
-
تأملات نفسية لمحنة الفقدان
-
جدل الإنسان
-
محاولة لتفسير مطولة شعرية للشاعر الدكتور ريكان إبراهيم جلسات
...
-
أفكاري .. مزقتني؟
-
الإرادة ..السواء المطلق!!
-
الانسان والحياة..جدل دائم؟
-
الصحة النفسية ..الجمع بين الأضداد في إطار واحد
-
الاكتئاب ..هل الحياة ليس لها معنى!!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|