|
نظرة في تقرير ميليس وتداعياته
محمود زعرور
الحوار المتمدن-العدد: 1365 - 2005 / 11 / 1 - 15:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يبدو أن القاضي الآلماني ديتليف ميليس ، رئيس اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري واثنين وعشرين شخصا أخرين ، لم يفاجئ أحدا في تقريره المنتظر . لقد نهض التقرير نتيجة عمليات بحث متعددة ، دفعت مجموعات عمل اللجنة إلى السعي خلف مختلف العناصر والجزئيات والتفاصيل ، كما أتى في / التقرير- ملخص تنقيذي-4 / : ( ركزت خطوط تحقيق اللجنة الآساسية على موقع الجريمة ، وجوانب الجريمة التقنية ، وتحليل الاتصالات الهاتفية المراقبة ، وشهادة أكثر من 500 شاهد ومصدر ، وكذلك من السياق المؤسسي الذي حدثت فيه الجريمة . ) . ومن خلاصة كل ذلك تبين لدى اللجنة وعلى أساس الآدلة المادية مسؤولية لبنانية وسورية ، حسبما ورد في / التقرير - 8 / : ( بناء على ما توصلت إليه اللجنة حتى الآن ، وعلى أساس الآدلة المادية والوثائق المجموعة ، والقرائن التي أمكن الحصول عليها حتى الآن ، ثمة أدلة تتفق على أن ثمة تورط لبناني وسوري في هذا العمل الإرهابي . ) . من هنا أتت الإشارة المنتظرة والحاسمة في التقرير ، والتي ، بنفس الوقت ، لم تفاجئ أحدا ، عندما حددت بأن الجريمة قد تمت نتيجة تورط أمني لبناني وسوري ، أو ، لنقل ، بان التقرير لم يفعل شيئا أكثر من تأكيد الشبهات القوية التي كانت تحوم فوق رؤوس أركان النظام الآمني اللبناني السوري المشترك ، في ظل هيمنة سورية شاملة ، سياسية وعسكرية وأمنية ، على لبنان ، استمرت أكثر من عقدين ، وطبعت الوضع اللبناني العام بطابعها المعروف . وبينما ارتاحت للتقرير ونتائجه قوى وأطراف وشخصيات عديدة ، سياسية وإعلامية واجتماعية ، إذ أكد لها صحة انتقاداتها لعهد الوصاية السوري على لبنان ، وما ولده من أثار سلبية ، طالت مختلف جوانب الحياة العامة ، قوبل التقرير من قبل النظام السوري ( وزارة الخارجية ، وزارة الإعلام ، نقابة المحامين ...الخ ) ومن فئات مرتبطة به ، بالرفض حينا ، وبالتشكيك في نزاهته حينا ثانيا ، ثم بلصق تهمة ( التسييس ) لجهة أهدافه ودوافعه حينا ثالثا ، في مسعى للالتفاف على النتائج التي تم التوصل إليها ، وكذلك للتنصل من المسؤولية التي تم تحديدها ، وهي طرائق وأساليب تذكر بالكيفية التي تم التعامل بها مع متطلبات والتزامات مختلفة ، مثل القرار الدولي رقم 1559 الذي نص في أحد بنوده على ضرورة الانسحاب السوري ، العسكري والاستخباراتي ، من لبنان ( القرار دعى القوات الآجنبية ، وقد عنى بذلك القوات السورية ) ، وأيضا مع لجنة التحقيق الدولية التي تم إنشاؤها في 7 نيسان / ابريل 2005 بقرار من مجلس الآمن الدولي رقم 1595 . يظهر من ردود ومواقف النظام السوري على الالتزامات الدولية ، أنها تتسم بالتقلب ، من الرفض المطلق في البداية ، إلى التشكيك ، ثم إلى القبول والإذعان ، تحت الضغط اللبناني والعربي والدولي ، وقد تمت ملاحظة ذلك ، على الآقل ، في الكيفية التي تم التعامل بها مع مسألة الانسحاب من لبنان ، بفعل القرار 1559 . من اعتراضات السوريين ، القول بأن التقرير استند إلى شهادات سياسيين وإعلاميين لبنانيين ( معادين ) لسوريا ، غير أن هذا الزعم لا يثبت عند أول فحص له ، لآن مواقف غالبية الشهود اللبنانيين ( المعادين ) ، إن لم نقل كلهم ، شددت دوما على السعي من أجل بناء علاقة سليمة ومتميزة مع سوريا ، لكن على أرضية احترام السيادة ، والاستقلالية ، وهي رؤية تتعارض مع ما تم ترسيخه في عهد الوصاية الآفل . كما تعتبر مطالبة القوى والشخصيات اللبنانية التي أصبحت هدفا للهجوم الإعلامي السوري ، بأن تنحصر العقوبات ، المتوقعة من قبل المجتمع الدولي ، على الفاعلين والمتورطين والذين ساهموا في جريمة الاغتيال ، وأن لا تكون عنصرا جديدا يسهم في مضاعقة معاناة الشعب السوري ، إن تم إقرار تلك العقوبات على سوريا ، بدون تمييز ، كما حدث مع العراق ، في العقد الآخير من القرن الماضي ، وهي نقطة بالغة الآهمية ، تعكس موضوعية ونزاهة اللبنانيين ، وكذا كل المطالبين ، بضرورة حصر العقاب على الفاعلين والمتواطئين . ويظهر أيضا ، من اعتراضات السوريين على التقرير ، اندراجه ، كما يقولون ، في أجندة أمريكية وغربية ، عموما ، للضغط على سوريا ، والمنطقة ، ويتم الربط بين تلك الآجندة وبين ما يتواتر من مشاريع وبرامج من أجل الإصلاح والتنمية والديمقراطية ...الخ . أعتقد أن هذا الربط ، يتفق ، على الدوام ، مع ما يعرف بنظرية المؤامرة ، التي ( تكتشفها ) الآنظمة العربية فجأة ، وبحس ( ثوري ) أو ( تاريخي )، عند اصطدامها بالمجتمع الدولي . تنتج الآنظمة الديكتاتورية الاضطرابات الاجتماعية والإثنية ، والهجرة ، والجريمة ، والإرهاب ، وهي أثار ونتائج كانت تنحصر أضرارها في بيئاتها المحلية ، وأوساطها المحددة ، لكن ، وبعد أحداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر 2001 ، تفجرت هذه الظواهر ، وبالآخص الإرهاب ، داخل حدود الغرب ، الغرب نفسه الذي رعى وحمى تلك الآنظمة بدافع من دعوي الاستقرار . إن مشاريع الغرب للإصلاح السياسي ، وتطوير التعليم ، وتمكين المرأة ، وتعزيز دور المجتمع المدني ، والتنمية ، والديمقراطية ، الموجهة إلى منطقة الشرق الآوسط ، ليست عصية على الفهم ، كما أنها ليست مقطوعة الصلة عن مصالح أو أجندة الغرب ، في رعاية نوع جديد من الاستقرار في الشرق الآوسط ، لا يكون على حساب التنمية وحقوق الإنسان والديمقراطية ، هذه المرة ، بعد أ ن طالته أثار ونتائج نوع محدد من الاستقرار تصنعه أنظمة القمع والتأخر . ختاما ، علينا القول ، بأن استحقاقات تقرير ميليس ، وتداعياته ، تتطلب من النظام السوري كيفية مغايرة ، ومختلفة ، من التعامل ، تقطع مع ما سبق ، من أجل درء معاناة جديدة لا يحتملها الشعب السوري ، الذي يدفع ثمن أخطاء نهج لم يصنعه ، ولم يستشر به .
#محمود_زعرور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغتيال جورج حاوي استهداف لخيار التغيير
-
سورية وسياسة تبديد الفرص ... انسحاب تحت الضغط
-
الانتخابات العراقية ومهام بناء عراق ديمقراطي تعددي
-
مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
...
-
اليوم العالمي لحقوق الإنسان-الاعتصام السلمي في سورية وضرورة
...
-
محمود درويش أو المطلق الأزرق متوجآ
-
المشروع الفلسطيني بعد غياب عرفات
-
نظرة في أزمة الثمانينيات في سورية / بدر الدين شنن وكتاب - ال
...
-
أمطار صيفية- قصة
-
الديمقراطية وتفكيك التوحيد
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|