مهند احمد الشرعة
الحوار المتمدن-العدد: 4995 - 2015 / 11 / 24 - 22:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن أي دين أو فكر يظهر هو بالمحصلة نتاج واقعه المادي والاقتصادي وهو لا يعدو أن يكون بمطالبه الثورية التي على رأسها فكرتي العدالة والمساواة سوى قناعا تختفي وراءه العوامل المادية الأيتولوجية التي هي السبب الرئيسي في تبلوره وظهوره وهذا ما يوضحه الديالكتيك بشكل واضح وصريح.
ولم يكن الاسلام -وذلك لكونه تاريخيا أوضح من غيره بعض الشيء – شاذاً عن هذه القاعدة إذ كان ثورة اجتماعية مكية داخلية على الأرستقراطية القرشية التي سيطرت على الموارد الاقتصادية بشكل كبير فاغتنت بشكل فاحش فأدى ذلك إلى حدوث شرخ كبير في المجتمع وفجوة اقتصادية بين الطبقات مما أثار حنق الطبقات الدنيا كرد فعل طبيعي على هذه الظاهرة وكنقيض طبيعي إذا عرفنا أن كل فعل أو فكر يحمل نقيضه.
هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية مهدت لقيام فكر جديد أو بالأحرى دين جديد لو أخذناه بطريقة تجريدية تفصل عنه روحه وتبقي عليه كواقع لوجدنا أنه لم يكن وليد نفسه أو أنه ظاهرة جديدة بل هو من الناحية الفكرية شميلة جمعت ما بين الأفكار اليهودية والمسيحية الشرقية -التي كانت في صراع مع المسيحية الهيللينية- مع أفكار فترة الإرهاص مع القيام بعملية توليد للنصوص لهذه الأفكار للتلائم مع الفكر العربي في الجزيرة العربية ككل وفي الحجاز بشكل خاص لهذا وجدنا أن التطور في الفكر الإسلامي في بداياته كان تطورا يحاول التكيف مع معطيات الواقع الذي يعيشه من حيث البعد الزمكاني.
إذن فقد جاء الإسلام بمنظومة أبستمولوجية تسمى الشريعة تتناسب مع أحوال قيامه في الجزيرة العربية فقد كانت الأحوال كثيرة التقلب وتحتاج إلى سياسات متفاوتة فلو نظرنا لبداية الاسلام لوجدنا المنطق السائد في القرآن وفي كتب السيرة هو منطق الضعيف الذي يعاتب أحيانا ويهجو أحيانا ويهدد مخالفيه بالجحيم الميتافيزيقي أو يهددهم بالقتل عندما تصبح موازين القوى لصالحه هذا ما تدلنا عليه كتب السير عندما تتحدث عن الفترة المكية وكذلك القرآن المكي ولكن نتفاجأ بالقرآن المدني من حيث السياسات العنيفة والتشريعات المتطرفة والغريبة وإرساء القوانين والتحدث عن بعض الأمور كذلك تدلنا كتب السيرة على التطرف والتغير الكبير الذي حدث بعد قيام دولة الرسول في المدينة فلو حللنا هذه الأحداث وهذه التشريعات لوجدنا أنها ساعدت على قيام دولة الرسول فقيام الدول يحتاج بشكل كبير إلى التطرف خاصة لو انتبهنا للمنطقة القاسية بجغرافيتها وسكانها التي ظهر فيها الاسلام ولا ننسى طبيعة تلك العصور.
ومع قيام دولة محمد لم يعد هنالك حاجة للطوبائيات فقد فرض الواقع نفسه على دولة محمد فلهذا احتاج الإسلام لفكر براغماتي يتناسب مع واقعه فلهذا تراجعت الشعارات التي طالب بها مستضعفو مكة كالعدالة والمساواة فأصبحت العدالة والمساواة هي مسألة تتعلق بالطبقة الثائرة وليس مهما إن تعدت هذه الطبقة على بقية الناس فالمهم أنهم سيحققون عدالتهم ومساواتهم هم لا المساواة والعدالة الشاملة.
نماذج عن البراغماتية التي تناقض طوبائية العدالة في الفكر والتاريخ والاسلامي:
يحاول بعض المتشدقين إظهار الإسلام بمظهر صاحب الحقيقة الوحيدة في العالم وأنه الطريق الصحيح الذي لا يشوبه الباطل كما يحاولون إظهاره بمظهر الدين الذي حمل فكرتي العدالة والمساواة في طياته وأن عدالته ومساواته هي شاملة لا لغو فيها هؤلاء الأشخاص المتمسكين بأصول القرون الوسطى المعتمدين على النقل الاجوف المستغلين لخطابات لا تخلو من الديموغاجيا ومن السفسطة باتوا اليوم يشكلون عائقا أبستمولوجياً بوجه المجتمع و حتى على المصلحين الاسلاميين وذلك للقيام بقطيعة أبستمولوجية مع أبستمي القرون الوسطى والقيام بإعادة قراءة للنصوص وإيقاف بعض النصوص لزمكانها و إعطاء البعض الآخر صيغة رمزية من حيث تعارضه مع أدنى القيم العلمية الحاضرة واستغلال بعض النصوص ك (لا إكراه في الدين) و (لكم دينكم ولي دين) لجعل الاسلام أكثر تحضرا وتقبلا وللانطلاق من هذه النصوص لصيغة تقترب من صيغة العلمانية و ذلك تأسيا بتجربة المسيحية في الغرب عندما وضعت أمام الأمر الواقع فانطلقت من مبدأ :(أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله).
فالفكر الديني القروسطي لا يقوم بإعطاء سوى شكل محدد من العدالة والمساواة ولا يشكل الاسلام قاعد استثنائية فقد فشل بإيجاد العدالة الكاملة الشاملة لكافة البشر حتى عدالة قريبة من المعقول فشل في ايجادها و ذلك للظروف الواقعية التي حدثت أثناء قيام الدولة الإسلامية في الجزيرة العربية وما تلا ذلك من تطورات وقد كان رد الفعل الطبيعي على انعدام العدالة واضحا في الاسلام من حيث الثورات التي ظهرت وقامت ومن حيث الأفكار التي برهنت عن نفسها على شكل فرق إسلامية ولكن ما لا يريد البعض فهمه بأن النظرية تختلف عن الواقع ولدينا نماذج تدلل على صحة كلامنا فمن هذه النماذج:
1-(فللذكر مثل حظ الأنثيين):
هذه الآية تتنافى مع أدنى مقومات العدالة لو أخذناها بعين اليوم وللآسف فإن الكثير من الدول الاسلامية لا زالت تتمسك بهذا الحق القروسطي الذكوري المجحف خاصة وأن المرأة تشكل نصف المجتمع وأن الكثير من النساء هن سيدات مجتمع وسيدات أعمال بالأحرى أصبحن معيلات لأنفسهن ولعائلاتهن ولكن البعض ما زال بعقله المتحجر يحاول أن يبرر هذه الآية الى اليوم وذلك للثقافة الاقصائية وللمتعلقات الفقهية والقانونية المستمدة من الشريعة الاسلامية التي لم تتطور لتواكب العصر الحالي فمثلا يحاولون تبرير الآية والأصول المستمدة منها بأن الرجل مسؤول عن إعالة الأنثى كأمه وأخته وزوجته وابنته وأنه يحق لهن الشكوى عليه إذا لم يعيلهن وهذا يشير أيضا لانعدام المرونة والتحقق في الأمور وهذا لا يعط حقا بإقصاء المرأة من المساواة مع الرجل بالميراث وبأمور الحياة فقد تغيرت الموازين بين زمان وزمان.
كما أن هؤلاء يتناسون الطبيعة الزمكانية التي انبثقت فيها هذه الآية فهم يتناسون أن الجزيرة العربية بنظامها الاجتماعي هو نظام قبلي يعتمد على الغزو لتحقيق مصالح ومكاسب للقبيلة وإذا انتبهنا لطبيعة الأسلحة والعقلية لوجدنا أنها تعط للرجل مكانة فوق المرأة فهو حامي القبيلة ومصدر رزقها الأساسي وهذه المكانة التي اكتسبها الرجل ليست وليدة هذه الفترة بل تحدث مع انقلاب المجتمعات في العصر الكالكوليتي من مجتمعات الأمومة الى مجتمعات الابوة.
لقد كان الرجل في مجتمع القبيلة محاربا يحمي القبيلة من الغزو كما كان فارسا يغزو القبائل الأخرى ويحقق المكاسب المادية للقبيلة هذه الأمور التي تطورت بالتدريج لتخلق نوعا من العقدة النفسية تسمى عقدة فالوس أصيبت بها مجتمعاتنا بصورة واضحة.
هذه الآية مع الأصل المتجذر بأن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل تؤدي بكل بساطة لجعل نصف المجتمع ربع المجتمع بل وادنى مرتبة لو أخذنا العقلية السائدة والعادات البالية.
#مهند_احمد_الشرعة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟