طلال الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 4995 - 2015 / 11 / 24 - 02:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السرسريّة جمع لمفردة سرسري ..والسرسري مفردة تركيّة الأصل تُطلق على صاحب السلوك الرديء, وتطلق على وجه الخصوص على اللصّ ,كما جاء في المعجم ..وهذه المفردة أصبحت شعبيّة, وهي لا تزال تستخدم في العراق وسوريّا بشكل شائع تضمّنتها لهجتي البلدين ككثير من المفردات تركت عندنا منذ أيّام الهد العثماني ..ففي العراق لازال العراقيّون يستخدمون هذه المفردة "ساعة الغضب" وتستخدم أحيانًا "للتدليع" !.. ما يدلّ على عمق إرث من المتضادّات الّتي ضربت أحاسيس العراقي منذ القدم, وهنّ "المتضادّات" بالتالي من شكّلن المزاج العراقي الغريب في طريقة التخاطب كلّ حسب وضع الاستخدام..
بعد السقوط مباشرة نخى أحد الأصدقاء صديقًا له ليذهب معه للبحث "عن رفاة اخوه المعدوم" بمقبرة "محمد السكران" بمنطقة الراشدية من ريف بغداد.. قضوا النهار كله يبحثون بين أسماء الموتى المغدورين المنقوشة على شواهد القبور ,وفي النهاية عند الغروب لم يعثروا على الأخ المغدور بعدما أنهكهم التعب وتأخر عليهم الوقت ,فقرّرا العودة لبيوتهم بعد أن دخلت الشمس نطاق الغروب.. استقلّا سيّارة "كيّا"، سارت بهم الكيّا مسافة دقائق ,وفي الطريق التقطت الكيّا بعض الركّاب "السرسريّة" ,بان ذلك عليهم من طريقة صعودهم واسطة النقل هذه ومن طريقة جلوسهم وتحديقهم في وجوه الركّاب.. ما أن سارت بهم السيّارة بدقيقة واحدة إلى اثنتين ,والطريق لا زال مهجورًا ,أخرج كلّ واحد من هؤلاء "السرسريّة" مسدّسًا كان يخبّئه "والأسلحة آنذاك كانت منتشرة في الشوارع" وأشهروها على الركّاب ، وطلبوا منهم قائلين: "ذبوا فلوسكم" !.. يقول الصديق: "إحنه صرنه خوش ولد" مثلما نقول بالعراقي ,و"حبّابين", فأخرج كلانا وأخرج كلّ راكب من ركّاب السيّارة ما يحمل من نقود ، بما فيهم سائق السيّارة بكلّ ما ادّخر ذلك اليوم من عمله.. وبينما انشغل "السرسريّة" بجمع المبالغ الّتي استحصلوها من الركّاب ,وإذا بأحد الركّاب الجالسين في المقعد الخلفي من السيّارة "كشنات حوض الوره" مثلما نقول بالعراقي ,وكانت البساطة وملامح العوز واضحة على مظهره وعلى هندامه, أخذ يبكي بكاءً مرًّا.. فاستفسر اللصوص بدهشة, وباللهجة العراقيّة بالطبع : لك انت ليش تبجي ؟!
أجابهم : اني تعنيت لأخوي بالراشدية علمود أتدّاين منه فلوس إيجار بيتي ، وأنتوا أخذتوه ..مشيرًا إليهم
صفنوا بوجهه "أي تأمّلوا بوجهه"، و"كسر خاطرهم" أي حزنوا لحاله الصعب حتّى انعطفت عليه قلوبهم" ، فسألوه : "شگد إيجار بيتك ؟
فقال : 150 ألف.. أي ما يعادل 25 دولار تقريبًا آنذاك
حسبوا 150 الف وأعطوها له ، فبادروا هم يسألوه : وين بيتكم ؟
قال لهم : بأبو دشير
:عندك كروة "يعني لديك أجرة"
أجابهم : لا ما عندي
حسبوا له مقدار فلوس الأجرة الى تلك المنطقة النائية وأعطوها إليه !!...
ترى هل ساووا لصوص العراق خمس نجوم ,الملياردريّة أو المليونيريّة .. هل ساووا أولئك "السرسريّة" ..؟
#طلال_الصالحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟