|
ما بين الخطابين .. الحرية تنتصر على الامن في فرنسا
رشا رمزي
الحوار المتمدن-العدد: 4994 - 2015 / 11 / 23 - 20:13
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
ما أشبه اليوم بالبارحه فبعد أكثر من 14 عاما تمر فرنسا بنفس الموقف المرعب الذي مرت به الولايات المتحدة الامريكية بسبب التعرض لهجمات أطاحت بالعديد من المواطنين المدنيين في عمق اراضيها، مما تسبب في سيادة حالة من الرعب و الهلع بين مواطني كلا الدولتين. من هنا وجد الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند في نفس الموقف الذي مر به الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن بعد هجمات سبتمبر 2001. فبعد ثلاثة أيام من الهجمات القاتلة في العاصمة باريس التي قتل فيها 129 وجرح 352 في باريس وسانت دينيس، ألقى فرانسوا هولاند في 16 نوفمبر أمام البرلمان الفرنسي، خطابا سادت فيه نغمات الدفاع عن النفس والمطالبة بتشديد السياسة الأمنية. هذه النغمات التي سادت خطاب بوش الابن يوم 20 سبتمبر أمام الكونجرس الأميركي بعد مقتل 2985 شخص. الملاحظ أن خطاب فرانسوا هولاند صنع من نفس القالب الوطني الذي ميز خطاب بوش الابن في ذلك الوقت، حتى في تحليله لدوافع الإرهابيين "الجهاديون يقاتلوننا لأن فرنسا بلد الحرية، لأننا وطن حقوق الإنسان" و هو نفس ما ورد في الخطاب الامريكي الذي ورد فيه "هاجموا أمريكا لأننا المدافعين عن الحرية ". تميز الخطاب كلا الرئيسين الرؤساء الفرنسي والأمريكي بكثرة استخدام كلمة "الحرب"؛ فقد وردت كلمة "الحرب" في الخطاب الامريكي أربعة عشر مرة، وكما ذكرت عبارة "نحن في حالة حرب ضد الإرهاب" و التي كان علامة فارقة. و بعد مرور أكثر من 14 عاما، عادت نفس الكلمة ثلاث عشرة مرة لتخرج من فم الرئيس الفرنسي "فرنسا في حالة حرب". من أوجه التشابه أيضا الاجراءات الامنية التي احتواها كلا الخطابين، فبينما طالب أولاند البرلمان الفرنسي بسن تشريعات أمنية مقيدة للحريات بدافع محاربة الارهاب منها على سبيل المثال نزع الجنسية و المطالبة بزيادة ميزانية الشرطة و المخابرات و زيادة القوى البشرية لكليهما؛ أتى خطاب بوش بشكل كامل لمشروعا تشريعيا واسعا لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك على وجه الخصوص إنشاء مكتب الأمن الداخلي، واضاف "اننا سوف نجمع قوانا لتعزيز قدراتنا الاستخباراتية لمعرفة خطط الإرهابيين قبل أن يتصرفوا وللعثور عليهم قبل أن الإضراب". اما الفرق بين الخطابين فكان في توقيت رد الفعل فبينما جاء رد الفعل الامريكي بعد 9 أيام من الهجمات حيث أعلن بوش الابن يوم 20 سبتمبر 2001 انه حشد جيشه، و في 7 أكتوبر، بعد أقل من شهر من هجمات سبتمبر، قصفت القوات الامريكية والبريطانية أفغانستان. وفي المقابل لم ينتظر هولاند فجاء رد فعله سريعا، ففي عشية خطابه، أمر بالفعل بقصف المخيمات العسكرية للدولة الإسلامية في الرقة في سوريا. من الفروق الجوهرية ايضا بين الحالة الفرنسية و الحالة الامريكية هو مدى استعداد كلا الشعبين للتخلي عن بعض الحريات مقابل الوعود الامنية؛ فبينما تنازل الشعب الامريكي بعد هجمات سبتمبر عن بعض حرياته فيما يخص حرمة الاتصالات الشخصية و السماح لل CIA و FBI بالتصنت و المراقبة دون إذن بموجب القانون الذي عرف بقانون "باتريوت أكت" و الذي مرر بأغلبية الكونجرس الامريكي، جاءت الحالة الفرنسية (حتى الان) مخالفة حيث سنجد الخطاب الفرنسي فيه التزام واضح من قبل اولاند بالتقيد بنصوص القانون و الدستور و خاصة في مسألة نزع الجنسية، هذا علاوة على انتقادات الرأي العام من صحف و منظمات المجتمع المدني للمدني نظرا لطبيعته القاسية. الملاحظ هنا ان العامل الذي أدى الى هذه الاختلافات الجوهرية في ردود الفعل ما بين الحالة الامريكية و الحالة الفرنسية يرجع بالأساس الي الخبرة التاريخية لكلا المجتمعين علاوة على اختلافهما من حيث الثقافة، فبينما تسود الحرية الشخصية للفرد كقيمة عليا المجتمع الفرنسي حيث تصدرت الشعار الفرنسي الذي يعبر عن الهوية الفرنسية (الحرية-المساواة- الاخاء)، كان الامان اولا و ضرورة التفوق هي القيم التي تسود المجتمع الامريكي و هو ما ضربه الارهاب في مقتل فكان التنازل عن الحرية مقابل تحقيق و الوصول لكليهما، الامر الذي جعل الولايات المتحدة لم تتحرج من كشف سنودن عن قيام الحكومة الامريكية بالتجسس على المواطنين الامريكيين و الاوربيين ايضا. علاوة ايضا على قوة اليسار الفرنسي مقارنة بالولايات المتحدة التي لا تتميز بتعدد الوان الطيف السياسي، مما يمكن ان يعوق اي قوانين حادة من الحريات في فرنسا. فبالرغم من الموافقة على مد قانون الطوارئ من قبل البرلمان الفرنسي؛ الا انه من المتوقع الا تستمر هذه الحالة و الا يعاد مده، كما ان دعوات اولاند بضرورة احداث تعديل في الدستور من المتوقع الا تلقى صدى كبير.
#رشا_رمزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحلم الديمقراطي المستحيل .. من بوش لعز
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|