الانتخابات النيابية والمشاركة السياسية في مصر

المصطفي عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 1364 - 2005 / 10 / 31 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تشهد مصر خلال أسابيع قليلة قادمة انتخابات مجلس الشعب ليحتل فيها الفائزون مقاعد البرلمان لخمس سنوات، وتنعقد هذه الانتخابات في مناخ سياسي محمل بالتوتر والصدام بين قوى النظام الحاكم من جهة وأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى وذلك بعد أقل من شهرين من انعقاد الانتخابات الرئاسية في سبتمبر الماضي.
وفي واقع الأمر تعد الانتخابات التشريعية أكثر أهمية للمواطن في حياته اليومية من الانتخابات الرئاسية، حيث إنه يرى في عضو مجلس الشعب وسيطاً مباشراً بينه وبين جهاز الدولة فيحاول أن يصل لمطالبه من خلال تعاملات فردية مع عضو مجلس الشعب عن دائرته، ولذلك يوليها الفلاحون وغيرهم من الفئات الاجتماعية اهتماماً أكثر من الانتخابات الرئاسية، وترتفع فيها نسبة المشاركة.
بالإضافة لذلك، تعد الانتخابات البرلمانية القادمة تجربة هامة في مسار عملية التحول الديمقراطي في مصر واختباراً لمدى استمرار هيمنة الحزب الحاكم على السلطة السياسية،حيث يقوم الحزب الحاكم بتجديد ثيابه وطرح بدائل جديدة لإعادة الهيمنة في حين لا زالت قوى المعارضة تحاول تجميع صفوفها في مواجهته.
وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات الرئاسية لم تبعث على الأمل في التغيير، حيث شابها بعض التجاوزات مما جعلها أقرب لاستفتاء مُقنع منها لانتخابات حقيقية، فاز فيها "مبارك" بما يزيد عن 6 ملايين صوت في مقابل ما يقرب من نصف المليون لأيمن نور مرشح حزب الغد وحوالي ربع المليون لنعمان جمعة مرشح حزب الوفد .
إلا أنها لاشك ساعدت في دعوة قوى المعارضة وتنظيمات المجتمع المدني لحشد جهودها وتوحيد صفوفها لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة .
وفي الإطار تقول د. دينا شحاته – باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام – أن انتخابات الرئاسة في سبتمبر الماضي قد ساعدت على تغيير كثير من المعتقدات والقيم الراسخة لدي الناخب المصري ومهدت الطريق أمام ارتفاع نسب المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية في نوفمبر القادم ،إلى جانب أنها أشارت إلى أن هناك ثلاث متغيرات رئيسية ساعدت على تحريك الأوضاع السياسية في مصر بل وفي العالم العربي ومنها :
1- المتغير الدولي ...فقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية هدف دمقرطة دول الشرق الأوسط ومنها مصر منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فقد ربطت الولايات المتحدة الأمريكية بين ظاهرة الإرهاب والتطرف من جهة وبين الاستبداد وغياب قنوات المشاركة السياسية في الدول العربية من جهة أخرى، وأصبح هدف نشر الديمقراطية والحرية في المنطقة العربية جزء من الحرب الأمريكية على الإرهاب .
2- المتغير الثاني وهو الدور الذي قامت به القوى والأحزاب السياسية والمجتمع المدني المصري في الشهور الأخيرة ، فقد شهدت الساحة المصرية في الفترة الأخيرة ظهور قوى سياسية جديدة مثل حركة كفاية وحزب الغد والتجمع الوطني من اجل الديمقراطية نجحت في تحريك المياه الراكدة وفي فرض أجندة الإصلاح السياسي والدستوري بقوة على الساحة السياسية ، كما ظهر إجماع كامل بين جميع القوى السياسية المصرية القديمة والجديدة حول أولوية الإصلاح السياسي والدستوري وبدأت هذه القوى تنظم المؤتمرات والمظاهرات بهدف حشد الدعم الشعبي والضغط على الدولة من اجل الاستجابة لتلك المطالب .
3- المتغير الثالث وهو التغييرات التي يشهدها الحزب الحاكم والنخبة الحاكمة في مصر ، فقد شهد الحزب الوطني في السنوات الأخيرة ظهور تيار جديد بقيادة نجل الرئيس ويحاول هذا التيار فرض هيمنته على الحزب والدولة على حد سواء وأدى ذلك إلى وجود صراع داخل الحزب بين ما يعرف بالحرس القديم أو التيارات التقليدية للحزب وبين جمال مبارك وتياره.
وأوضح الدكتور أحمد ثابت – أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – أن جميع القوانين التي أصدرها المشرع المصري سواء الدستور أو القوانين العادية كلها تمنح المواطن المصري حق المشاركة السياسية ، وأشار إلى أن حق المشاركة السياسية ليس فقط منصوص علية في القوانين والدساتير الوطنية وإنما أيضا منصوص عليه في وتكفله الإعلانات الدولية ، فبعد الحرب العالمية الثانية صدرت العديد من الإعلانات التي توضح وتبين حق الشعوب في تقرير مصيرها إلى جانب إعلانات خاصة بكيفية إدارة الحياة السياسية للنخبة والجماهير وحق المواطن في الحريات المختلفة مثل حق العمل والمشاركة السياسية ، كما أكد الدكتور ثابت على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 أشار إلى حق المواطن في إدارة بلدة ومشاركته سياسيا كما أشار إلى أن المشاركة السياسية هي تعنى أي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة وإدارة الشئون العامة أو اختيار القادة السياسيين على أي مستوى حكومي أو محلى أو قومي.
وأوضح أن للمشاركة السياسية آثار إيجابية منها أنها تؤثر على الأفراد وعلى السياسة العامة للدولة ، فعلى مستوى الفرد تنمى المشاركة فيه الشعور بالكرامة والقيمة والأهمية السياسية وتنبه كلا من الحاكم والمحكوم إلى وإجاباته ومسؤولياته وتنهض بمستوى الوعي السياسي كما أنها تساعد على خلق المواطن المنتمى الذي يعد عماد قوة وعافية الجسد السياسي.
وعلى صعيد السياسة العامة تجلب المشاركة أعظم خير لأكبر عدد من الأفراد إذ أنها تدفع الحاكم إلى الاستجابة لمطالب المواطنين وتسهم في إعادة توزيع موارد المجتمع بشكل أكثر عدالة .. ومن ثم حيث يؤدى ازدياد عدد المشاركين إلى مزيد من العدل الاقتصادي والاجتماعي عن طريق قيام الحكومة بإعادة توزيع الدخل والثروة.
وأكد الأستاذ عبد الله خليل – عضو مجلس الأمناء بالجمعية المصرية لحقوق الإنسان – أن مصر صادقت على العديد من الاتفاقات والإعلانات التي تكفل ممارسة الحقوق والحريات المكفوله لأي إنسان دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين ، ومنها العهد الدولي للحقوق الدنية والسياسية ويُلزم هذا العهد الدول الأطراف بتعزيز وحماية طيف عريض من الحقوق المدنية والسياسية. حيث يلزم الدولة الطرف باحترام وضمان تمتع جميع الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية بجميع الحقوق المشمولة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من دون تمييز. وينبغي على الدول اتخاذ التدابير التشريعية أو سواها من التدابير لوضع هذه الحقوق قيد الممارسة, ويتوجب عليها ضمان الإنصاف الفعال إلى أي شخص تنتهك حقوقه أو حرياته ، وأشار إلى أن للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بروتوكولان ملحقان به ، ودخل البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيز التنفيذ في الوقت نفسه لسريان مفعول العهد الدولي وينص على إجراءات للتظلم الفردي. ودخل البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام, حيز التنفيذ عام 1991 ، ويتوجب أن تصادق الدول على البروتوكولين حتى تصبح ملزمة بأحكامهما.
كما أكد الأستاذ خليل على أن التوعية الانتخابية لابد أن تقوم بها لجنة الانتخابات ووسائل الإعلام وأن تكون برامج التوعية للناخبين متاحة بشكل كافي إلى جانب حرية المعلومات فلابد من إتاحة كل المعلومات عن المرشح وحتى حالته الصحية ، كما أوضح بأن للدول دور حيوي في ظروف الانتخابات ومنها أن تعمل على تعطيل كل القوانين واللوائح التي تؤدي إلى التخويف والترهيب ومن أهمها قانون الطوارئ.
وأكد الدكتور مجدي عبد الحميد – مدير جمعية تنمية المشاركة المجتمعية – بأن مصر تعيش لحظة تاريخية وفاصلة وأن مصر على أعتاب تحول حقيقي إلى الديمقراطية وأن السنوات القادمة سوف تكون مختلفة نوعيا عن العقود السابقة حيث أنها سوف تشهد إصلاحات سياسية غير مسبوقة.
كما أوضح الدكتور مجدي بأن خطوة مراقبة الانتخابات هي أهم واخطر خطوات نجاح ونزاهة العملية الانتخابية وفي ضوء عملية المراقبة يمكن توضيح مجموعة من النقاط منها :
• الرقابة على الانتخابات نوع من أنواع تفعيل مبدأ الشفافية والتأكيد على بل وإعمال مبدأ الالتزام بالقانون وتحقيق المساواة أمامه.
• الرقابة على الانتخابات لها أهمية كبرى في التصدي لظاهرة فساد العمليات الانتخابية لأنها تساهم في كشف عمليات استغلال النفوذ وفضح استغلال الإمكانيات والموارد سواء أكانت عامة أو خاصة .
• الرقابة على الانتخابات توضح دور المؤسسات الدينية في العملية الانتخابية ومدى حيادها على أساس أنها مؤسسات لا علاقة لها بالعملية السياسية مثل ( الكنيسة – الأزهر – وزارة الأوقاف ).
• الرقابة على الانتخابات لها دور حيوي في تطوير العملية الانتخابية والإسراع بالتحول الديمقراطي وخاصة في الدول حديثة العهد بالممارسة الديمقراطية.
وأشار الدكتور مجدي عبد الحميد بأن هناك مجموعة من الشروط لنجاح الرقابة الانتخابية منها :
- اختيار من يقومون بالرقابة من داخل الدائرة التي تجرى بها الرقابة.
- المتابعة الجاد لأعمال المراقبين وإشعارهم بأنهم يقومون بعمل حقيقي وليس شكلي.
- الإشادة بدور المراقين علنا والتأكيد على أهمية دور المراقبين في التأثير على نجاح العملية الانتخابية.
وأخيرا يمكن القول بأن الطرق إلى الديمقراطية ليس مفروشا بالورود أن الصورة مازالت غير واضحة فهناك بعض المؤشرات التي تدفعنا إلى التفاؤل مثل التحركات الأخيرة التي قامت بها قوى المعارضة والتغيرات التي طرأت على خطاب الحزب الحاكم وهناك مؤشرات أخرى تدفعنا إلى الحذر وربما إلى التشاؤم ومنها ضعف قوى المعارضة وانفصالها عن الجماهير والتخوف من التغيرات التي طرأت على الحزب الحاكم كلها مرتبطة بسيناريوهات التوريث ،وكل ذلك يدعو إلى ضرورة التروي والتمهل قبل إصدار الأحكام وإلى إدراك أن عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي مازالت في بدايتها وانها تطلب لتحقيقها الكثير من العمل والنضال من طرف القوى السياسية في مصر التي يجب أن تعمل على إصلاح بيتها وتوحيد صفوفها والالتفاف حول مبادئ المواطنة والحرية ، ولاشك أن الانتخابات النيابية القادمة هي المحك الرئيسي لمختلف القوى لتوجيه البوصلة التوجيه الصحيح نحو الممارسة والحياة الديمقراطية الحقة.

#المصطفي_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات