|
رغم اختلافي معها أنا ضد القرار الإسرائيلي
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 4990 - 2015 / 11 / 19 - 10:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد جاء قرار الحكومة الإسرائيلية باعلان الحركة الإسلامية الشمالية كحركة محظورة، وما تبع ذلك من خطوات قمعية بحق قادتها ومؤسساتها في عدة مدن وقرى، كخطوة تقفل عمليًا، حلقة راوح ورقص على محيطها عديدون من المحللين والسياسين منذ سنوات طوال. البعض تساءل، ربما بخبث، لماذا تأخر القرار الإسرائيلي ؟ ومنهم، من خلال هذا التساؤل الدفين، حاول أن يغمز ويشير إلى رضا إسرائيلي، دام لسنوات وغير معلن، عما كانت تقوم به الحركة الإسلامية في إسرائيل، لا سيما فيما سببته من خسائر في شعبية الأحزاب والحركات السياسية العربية الناشطة بين الجماهير في الجليل والمثلث والنقب، نشاط وصل ذروة في أواسط الثمانينيات، وأدّى، عمليًا، إلى اسقاط الجبهة الديمقراطية للسلام من رئاسة البلدية في أم الفحم، ونشوب منافسة سياسية ضارية بين الحركة الاسلامية والجبهة، في البداية، لأنها كانت القوة الأساسية التي كانت تسود وتحكم في العديد من القرى والمدن العربية. أمّا على المستوى السياسي العام، فلقد تبنت الحركة الإسلامية موقفًا سياسيًا يدعو إلى مقاطعة انتخابات الكنيست الإسرائيلية، ونجحت بعد سنوات من الدعاية والدعوة، بحسر نسبة التصويت بشكل ملموس ومؤثر، مما عزز نداءات معسكر المؤمنين بضرورة القيام بعملية إقصاء ذاتية والعزوف عن المشاركة السياسية البرلمانية واضعافها كخيار نضالي ضروري من أجل الدفاع عن مصالح المواطنين العرب في البلاد، وهم بذلك سعوا ونجحوا، الى حد بعيد، بتأسيس بديل سياسي لا يعترف بشرعية هذه الوسيلة النضالية ولا بشرعية البرلمان الصهيوني وما يمثله في الدولة وسلطات الحكم فيها. قد ينشغل الدارسون والمحللون في تمحيص ما قد حدا بالنظام الاسرائيلي لاتخاذ قراره المجحف في هذه الأيام، وقد تكون هنالك ضروره للوقوف على أسباب ذلك، خاصة والكل يعرف أن الحركة الاسلامية ناشطة منذ عقود وأنها مرّت بفترات كانت فيها أقوى مما هي عليه اليوم، لكنني وبعيدًا عن هذه الهواجس أوكد معارضتي لقرار الحكومة الاسرائيلية، على الرغم من اختلافي الكامل وشبه المطلق مع الحركة الإسلامية، وعساني أعود مستقبلًا لأشرح دواعي موقفي هذا، ولو كي أقنع من واجهني، قبل أيام وهاجمني، حين لم أقبل مثلهم أن أفرح لهذا القرار الإسرائيلي وأصفق له. لقد أنهيت زيارتي لأحد القياديين البارزين في حركة حماس، وما أن وصلت الباب الرئيسي للسجن الإسرائيلي لاحظت فرحةً بارزة على وجوه من تواجد في غرفة المراقبة المركزية، حتى أن سجّانًا، عرفته من قرية مجاروة لقريتي، بادرني محييًا و"زافًا" إلي خبر إعلان حكومة إسرائيل عن الحركة الإسلامية الشمالية كتنظيم محظور؛ تكلّم بحفاوة منتصر وكان كلامه على قدر لباسه، فأمقتني. جئت لهذه الزيارة، بناءً على طلب الأسير، ولأنني دافعت عنه في الماضي أكثر من مرّة، إلّا أنه وأسوة بالعديدين من رفاقه في الحركة، إختار، بما أحسسته كقرار حركي متعمد، أن يوكّل عنه محام آخر، على الرغم من وطادة العلاقات التي ربطتني به تاريخيًا. دخلت السجن متأهبًا وسعيدًا، فبيني ويين الشيخ ضفاف من ذكريات وسفر واحترامات عُمّدت في ذلك الزمن الجميل حين كان الوطن عروتنا الوثقى والنجاة من أعقاب البنادق همّنا. جاءني،كعادته، مبتسمًا. لم ينتظر حتى يقوم السجّان بفكاك معصميه من القيد، فأخذ الهاتف،على حين لهفة، وأنا مثله فعلت في الجهة الأخرى. أغرقني بتصبيح عربي فصيح جميل وبدعوة لم أسمعها منه منذ مدّة طويلة ، فرددت عليه بحرارة إخترقت النافذة السميكة التي لم تنجح بالفصل بيننا. أنهينا الحديث في بعض المقدّمات العامة، وكالكبار تعمّدنا ألّا نسقط في إغواء المعاتبات، إلّا بما تقتضيه المحبة، وبعضها ما زال ينبض في جنباتنا ويذكّر بما قالته، فيروزي عن المحبة والعتب والأحباب. سألني عن رأيي في قضيته، وقبل إسدائي له بأي مشورة أصررت أن أعرف السبب الذي دفعه وبعض إخوته أن يتوقفوا عن توكيلي بقضاياهم، مع أنني كنت مستشارهم الأثير والمعتمد على مدى سنوات طوال قمت فيها بالدفاع عن مئات من كوادرهم وقياداتهم بكل تفان وإخلاص ومهنية وحماس. حاول ألّا يجيبني، لكنّه، وبعد أن استحلفته باسم المروءة والوفاء، قالها بما يشبه الخجل والتبرير: " لقد تعدّيتَ يا أستاذ على شيخنا وهاجمته في أحد مقالاتك بقسوة"، توّقف وشعرت في صوته حزنًا وغصّةً لم أتحقق إن كانت عليّ ومن أجلي أم على شيخه . هزّني ما سمعته منه، فهو يقبع وراء قضبان القهر ويواجه تهمة التحريض ضد الاحتلال وذلك بعد أن سجّلوا له خطبةً تحدّث فيها بما يجب التحدث فيه وبما يليق بالاحتلال وموبقاته. ناقشته بضراوة، ودافعت عن حقي بالتعبير عن رأيي وعن واجبه بسماع مواقفي واحترامها، حتى إذا كان غير موافق عليها، فمن غير المقبول والمعقول أن يحاربوني أو يحاربوا غيري، بلقمة العيش وبالمقاطعة بسبب رأي عبّرت فيه عن موقف ما، أو في شخص، حتى لو كان بمكانة الشيخ القرضاوي أو غيره. كان حوارنا، رغم الاختلاف، إيجابيًا، فأنا سأدافع عن حقه بالتعبير عن رأيه ومواقفه، أمام قضاة المحكمة العسكرية وبكل ما أوتيت من قوة وحجة، وذلك مع علمي، مع أنه لم يقل ذلك، بأنه لن يفعل مثلي لو كنت أنا المتهم في محكمة الديّان فيها قد يكون الشيخ القرضاوي أو من يمشي على طريقه وطريقته. وقفت أمام ثلاثة سجّانين أبدوا استغرابهم من ردة فعلي على ما أخبروني للتو، لقد سخرت من بهجتهم وقمت بشجب قرار الحكومة الإسرائيلية بكلمات قاسية، ووصفته بالقرار الفضيحة والأحمق، وبكونه قمة في الرعونة والقهر. حاولت أن أشرح لهم لماذا أدين ذلك القرار، رغم أنني أختلف بالمطلق مع الحركة الإسلامية، لكنّهم تناوبوا على مقاطعتي. كان "جاري" الأوّل الذي فاجأني متسائلًا باحتجاج وغضب وهو، هكذا أفهمني، يعرف أنني هوجمت في بلدي وفيه كُفّرت بسبب كتاباتي من قبل مجموعات شباب مسلمين، بعضهم، كما عُلم لاحقًا يُعتبرون من أتباع الحركة الإسلامية؛ وبعده اندفع، برقّة، سجّان نحيف، علت على وجهه حمرة رمّانية صافية، في وسطها غمازتين حملتا عينين بلون الشهد، قميصه كان يكشف قلادة مدلّاةً تحمل جسدين متعانقين وفي أذنه اليمنى حلقة فضية تحمل شكلًا غريبًا عني، وقداقترب مني وبصوت خافت كضوء قنديل متعب، نبهني بغمغمة وأكّد لي أنه يعرف ما كان سيكون مصيره لو عاش في ظل نظام حكم على رأسه يقف قادة يعتبرون أمثاله أكوام من قرف؛ أمّا الثالث، وكانت على رأسه "كيباه"، وقلادة نجمة داود كبيرة تملأ نصف صدره، قاطع زميله الرقيق، وتوجه إلي بعربية لكناء، وقال حازمًا: "لا يكفي ما قررته حكومتي واعلانهم كحركة محظورة، ألا ترى مايفعل إخوتهم ببعضهم البعض في العراق وليبيا"! طلبت أن يفتحوا لي باب السجن كي أخرج، فأنا أعرف انني لن أنتصر في نقاشي على جاهل، ولن أقنع عنصريًا يعيش بنشوة البسطار والعصا. وصلت بيتي. شاشة التلفزيون تنقل مشاهد الدم في فرنسا. أطفأت الصوت. عشرات الوجوه تتوالى أمامي وشفاههم تنفتح وتنطبق. أستنجد بصديقي وأطلب أن يأتيني فورًا وليصطحب معه كثيرًا مما أسمته العرب المرحة، صوابين الغم. أنتظر على كنبتي بعينين جافتين ومتعبتين، لأن العمر إذا تناهى، هكذا علّمتني الخسارة، انقطع الدمع!
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبالسكين يبنى وطن ؟!
-
فرسان يعيشون في الظل
-
محمد بركة رئيس للمتابعة أم قائد للجماهير ؟
-
صرخة من فلسطين: ليسقط الاحتلال!
-
ما بعد مظاهرة سخنين
-
اندلاعه! كفى بأكتوبر واعظًا
-
سعيد نفّاع وخيار القائد
-
كي لا يقال، هنيئًا لك يا سجّان !
-
لا يريدونها لأنها مدارس وطنية
-
قيادة في امتحان، يكاد يكفي!
-
الموت مع الكل رحمة
-
محكمة التفتيش العليا
-
سليم نخله، وداعًا
-
إما معًا أو تحت أعواد المشانق
-
معًا أو تحت أعواد المشانق
-
أور سليم أو سليم الضو
-
عندما ضاعت ساحة البلد
-
خضر عدنان ليس أسطورة!
-
ريفلين عدو أم صديق؟
-
داعش هناك داعس هنا
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|