|
التشيع العلوي والتشيع الصفوي عند علي شريعتي
منير ابراهيم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 4990 - 2015 / 11 / 19 - 08:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ماذا يقصد علي شريعتي بالتشيع العلوي والتشيع الصفوي؟ في البداية أتحدث عن شريعتي، فهو مفكر إسلامي إصلاحي بكل ما تعنيه الكلمة، وهو فيلسوف الثورة الاسلامية في إيران لقب ب"المعلم" وواحدا من القلائل الذين تجردوا عن هوى التمذهب والتشدد أو التخاصم، وسعي بكل ما أوتي من قوة إلي لملمة الصفوف تجاه الوحدة... فقد خصص كتابا يعد معلما من معالم الفكر الشيعي في العصر الحديث ألا وهو " التشيع العلوي والتشيع الصفوي". فحين نرغب بالحديث عن المشهد الفكري الايراني يصعب أن نستحضر هذا المشهد دون الحديث عن الفيلسوف الإيراني او ملهم الثورة "علي شريعتي"، هذا الفيلسوف الذي حارب الإسلام البرجوازي الطبقي، وترحم على عمر بن الخطاب، ووصفه بالعدل؛ فأغضب غلاة الشيعة، و كان على عداء مستمر مع دكتاتورية الشاه التي سجنته بسبب نشاطه السياسي، واغتالته لاحقا فكرة الكتاب قائمة على إبراز الوجه الحقيقي للمذهب الشيعي كمذهب إسلامي ذي طابع ثوري، يرفض مبادئ التوريث والفصل بين الإسلام والسياسة والتسليم لما هو واقع وغيرها من القيم السلبية التي خيمت على الواقع الإسلامي وقت كتابة الكتاب الذي لا أدري تحديدا متى كان نشره وإن كان من المؤكد في أواخر عقد الستينات أو أوئل عقد السبعينات. وقد يخيل للبعض أن الأمر منحصر في دائرة مذهب إسلامي آخر، إلا أن الكتاب فكري عام بالدرجة الأولى، ومع كل صفحة تجد الومضات تلمع في أرجائه، وهو ما سأحاول الحديث عن البعض منها: الحركة والنظام: كونه عالم في الاجتماع، ينقل لنا شريعتي مبدأ حياتيا أو سنة كونية يمكنن لمسها بالفعل، هي الحركة والنظام، وهي التي تقول أن كل النهضات الاجتماعية تبدأ بعنصر نشاط وحركة بحيث تسخر كل الإمكانات المحيطة لتحقيق هدفها، ولكن ما إن تصل إلى المنشود والمرجو حتى تبدأ تتجمد حالها حال الوضع الذي ثارت عليه وكانت تدعو لإزاحته من قبل. وبالفعل الأمثلة في التاريخ سياسيا واجتماعيا ودينيا وثقافيا أكثر من أن تعد أو تحصى.
نقطة أخرى راقت لي كثيرا في الكتاب وهي موقف شريعتي من الدولتين الصفوية والعثمانية، فأما الأولى فهو دون شك يرى أنها السبب وراء المصائب التي حلت بالمذهب الشيعي وأحالته للوضع السيء الذي جعله مذهبا تخترقه الانحرافات ويسيطر عليه الجهلة، فأصبح مذهب "نعم" بدلا من مذهب "لا" فضلا عن ذلك فقد عملت الصفوية على عزل المسلمين الشيعة عن إخوانهم السنة في العالم الإسلامي بأسره عن طريق قوقعة إيران في دائرة مغلقة وإثارة نعراتها القومية وتبديل المفاهيم الإسلامية لدى عموم شعبها. يتحدث "شريعتي" عن تسييس الدين -التشيع نموذجا - والذي تم على يد الصفويين في إيران كجزء من لعبة كبرى أرادت رفع شعار آل البيت في مواجهة المد العثماني فاللعب على الوتر القومي حسب اعتقاده كان ضروريا لعزل إيران عن بقية الأمة الإسلامية، فالهدف هنا كان تشييد حكم صفوي يواجه العثمانيين، فأحيت السلطة السنن والأعراف الإيرانية القديمة، وزرعت حسا قوميا استقلاليا عن طريق اللعب على الوتر القومي، وإضفاء صبغة دينية عليه لتخلق تشيعا جديدا، تشيعا شعوبيا يؤمن بتفوق الفرس بصورة واضحة تخالف روح الإسلام الذي حارب الطبقية... ويصل الامر بشريعتي ان يقول "بأن الاختلاف بين التشيع العلوي والتسنن المحمدي ليس أكثر من الاختلاف بين عالمين وفقيهين من مذهب واحد حول مسألة علمية... وأن التشيع العلوي والتسنن المحمدي طريقان متلاقيان من يسير في أحدهما لابد أن يأتي اليوم الذي يلتقي فيه مع صاحبه ليصبحا معا وحدة واحده" وفي المقابل فإن "المسافة بين وجهي التشيع العلوي والتشيع الصفوي هي عين المسافة بين الجمال المطلق والقبح المطلق". شريعتي الذي فضح كذلك ما سماه مونتاج الدين، والقومية الذي جعل للتشيع الإيراني نكهته المميزة، يلتف حول كثير من الأفكار، ولا يستطيع الإقدام على تقويضها مباشرة ... لكن قاريء الكتاب يجب أن يضعه في سياقه التاريخي، وهو منتصف سبعينيات القرن العشرين؛ قمة المشروع الإمبراطوري الشعوبي البهلوي؛ المعتبر امتداداً للصفويين ...
التفاصيل التي تناولها شريعتي بشأن التعديلات الدخيلة على المذهب الشيعي ودور الصفوية فيها وأثر ذلك على أسس المذهب وعقائده كالتقية والعصمة والولاية والشفاعة والإمامة وغيرها بل وعلى الواقع الإسلامي لإيران وغيرها من الدول، كانت بلا شك غاية في الأهمية...
علي شريعتي من المفكرين والسياسيين الايرانيين القلائل الذين نظروا الى الصراع العثماني الاوربي نظرة مغايرة مقارنة ليس بمعاصريه فقط ، بل وبالذين سبقوه وحتى اليوم. فقد تجاوز شريعتي الحالة المذهبية التي صبغت هذا الصراع منذ نشوء الدولة الصفوية حتى الغاء نظام الخلافة عام 1924، من خلال اعتباره الصراع العثماني الاوربي ، صراعا بين الاسلام والمسيحية. ولذا ومن خلال هذه الزاوية كان على الدولة الصفوية، حسب اعتقاد شريعتي، ان تقف الى جانب العثمانيين في ذلك الصراع، او على الأقل التزام الحياد في أسوأ الحالات من وجهة نظره . فشريعتي لم يكن يهمه كون الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة متمثلا بالدولتين الصفوية والعثمانية، قدر ما كان يهمه الصراع العثماني الاوربي الذي هو صراع بين الاسلام والمسيحية، حيث اعتبر ان الدولة العثمانية مركز الثقل الرسمي للمحور الاسلامي بينما يتركز مركز الجبهة المسيحية في اوربا ؟، فيقول:"لقد تمكنت الامبراطورية العثمانية من توحيد مختلف الاقوام والاجناس تحت راية الاسلام وشكلت منها كيانا سياسيا عسكريا منسجما، وأخذت بزمام ذلك الكيان العظيم . ولا ينبغي الشك هنا في ان الحكومة العثمانية كانت حكومة فاسدة ولم تكن تليق بحمل وسام الحكومة الاسلامية، اذا ما قارنا ممارساتها بمباديء الاسلام وقيمه الرفيعة، إلاّ اذا كان القياس والمقارنة ينطلقان من منظار كونها دولة تقف بوجه الاستعمار الغربي المسيحي الطامع بابتلاع الامة الاسلامية". حيث اعتبر مهاجمة الصفويين للعثمانيين ومباغتتهم من الخلف حين كان العثمانيون يحققون الانتصارات المتتالية لدحر القوات الغربية ، بأنها كانت (لحظة لهجوم غادر). انها محاولة مخلصة لإنصاف الدولة العثمانية من مفكر شيعي إيراني ومن ثم فهي محاولة تاريخية لإدانة الصفويين، رغم أنه لم ينجح فيها تماما لأن الميراث الصفوي أثقل من قدرته، وأكثر تجذرا من إخلاصه ... في هذا الكتاب القى المؤلف علي شريعتي الأحجار في بركة الفكر الإسلامي الآسنة، يُفرق بين التشيّع الصفوي، وذلك العلوي .. كما ترك أسئلة كثيرة بدون إجابة، لكني أشهد أن أحدا لم يجرؤ على طرح هذه الأسئلة من قبل ان الهدف من إيراد هذه القراءة المبتسرة المختصرة لطرح شريعتي هو إعادة قراءة الطائفية في المنطقة لجذورها السياسية، واعتمادها كمنطلق عوضا عن التحليل العقدي المعتاد، والذي لا ينتج عنه نتيجة سوى (نحن عقيدتنا صافية وهم مشركون مبتدعة يريدون إطفاء نور الله!) هكذا بكل سذاجة وبساطة الكتاب محاولة جيدة لردم ذلك الشق الهائل في جسد الأمة الاسلامية بين السنة والشيعة... انه شق بعمق 14 قرنا!!
#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داغستان بلدي كتاب لا يتحدث عن جغرافيا او تاريخ بلد... انه كت
...
-
عن العشق والعشاق... ثرثرة من الداخل
المزيد.....
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|