بدو السماء يهاجمون فرنسا

محمد ليلو كريم

الحوار المتمدن-العدد: 4988 - 2015 / 11 / 17 - 19:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

جرى ما جرى في فرنسا , وأزهقت ارواح , وحصل تخريب , وحدثت حالة من التوتر والتوجس والحزن بين المواطنين الفرنسيين , وانتهى المشهد بصور حية تلطخت بالدماء والصرخات والذعر والدموع , وقد تبنى المعسكر الإرهابي وبكل وضوح العملية وزاد من التحدي حين اعلن فتحا" ونصرا" مبين وراح يتوعد بعمليات أخرى في بقاع أخرى من العالم , فتأهبت روسيا وامريكا ودول غيرها فاستنفرت قواتها استعدادا" لأي عمل ارهابي لا نعلم أين ومتى سيقع وكم سيخطف من الارواح وما حجم التخريب الذي سيسببه .
هناك اصوات ما زالت تردد أن الارهاب لا دين له , وكأن ما وقع ويقع من اعمال اجرامية تقوم بها تنظيمات دينية حدث بفعل غزو قام به بدو المريخ لكوكبنا , فجاء غزاة فضائيون معبأين بفكر متطرف دفعهم لضرب مناطق في كوكب الأرض يوسوس لهم نص مقدس نزل على كوكبهم المثيولوجي , فلا تربطهم بسكان كوكبنا أي روابط , فهم من عالم ونحن من عالم , وقد تقدمت تكنولوجيا التنقل في الفضاء عندهم فاستطاعوا الوصول لأرضنا وتوجيه ضربات مروعة , فما هي السبل التي يجب اتباعها من قبل فرنسا وغيرها من الدول لصد الغزو النازل لا سيما وأن تهديدات متواصلة تصلنا منهم تبث نحونا عبر الفضاء !!!!!!
هراء ...
هراء ...
بدو الفضاء كناية مجازية عن بدو السماء , فللسماء بدو !!!!!
كل من فجر نفسه وقتل غيره , أو ذبح بسكين , أو طعن , أو احتجز رهائن , أو طبق شريعة الخنق والإغراق والحرق والسلق , أو نفذ هجوم فتك بالبشر والمصالح ؛ ارهابي مجرم حامل لعقلية لا تحترم ما تحقق من انجازات واكتشافات وتطور على كوكبنا , فهذا الارهابي يتطلع للسماء وما تخبئ له من جنان لا تكنولوجيا فيها ولا كهرباء , إنها فردوس خالٍ من الفلسفة وفيزياء الكم والمختبرات العلمية , وفيها لن يجد جهاز تلفاز أو عطور فرنسية أو مقاهي باريسية , سيجد الفواكه فقط واللبن والخمر والنساء المولعات بالنكاح وأولاد يغرون الزبائن , وسرير ووسادة ونوم طويل , ولسان حال المؤمن الارهابي يردد : بسم الله الرحمن الرحيم , طز بدنيا العالمين ...
لم تكن العمليات الارهابية انتقاما" من استعمار انتهى منذ عقود , ولا هي ردة فعل بدوافع وطنية , وعناوين وشعارات ومبادئ الارهاب معلنة للقاصي والداني , أن الغلو المكابر الذي يتهم نفس الدول المتضررة من الارهاب بجرم الارهاب فهو ما لا يخطر في عقل ولا يعقله عاقل , ففرنسا وامريكا واستراليا لا تحتاج لذرائع مفتعلة لضرب العدو الصائل , وأن اجهزة المخابرات الاوربية والامريكية لا تتحرك بدوافع فلسفة سارتر , وفكر ديموقراطي , وثقافة التحضر, فالأجهزة الأمنية مؤسسات ضاربة وليست اكاديميات علمية أو فكرية , وفي ربوع بلادنا المتأخرة تختلط المسائل وتشتبك القضايا وتتداخل الألوان فتجد أن بعض الأقاويل والتحليلات تخرج لنا بقناعة ونتائج مضحكة : يتحول السوربون وكرا" للشيطان , وسارتر قائد حملة صليبية , وتوم وجيري انبياء كذبة , وكارل ماركس رئيس جهاز الموساد . منطق فاشل . عمى مزمن . تملق مخبول ...
ما وقع في فرنسا ليس فتح اسلامي بقيادة فرنسية , لنصحو من هكذا ترهات سخيفة .. الأولى أن يعترف عالمنا الثالث بتخلفه عن العوالم المتقدمة , ويصار الى اعادة قراءة النص المقدس والقبول بتاريخيتيه , وطرحه للجدل والنقد والفرز لندشن مرحلة تاريخية جديدة نحترم فيها الانسان , ومنجزات الانسان , وعقل الانسان , فالانسان كائن له وجوده , ووجوده مسؤلية وليس عبث , والارهاب والتطرف والثيولوجيا المقدسة تسافل وفشل عكس ما تطلبه الحضارة من سعي حثيث للرقي والصعود , والذين يؤخرون التطور والصعود الحضاري هم بدو السماء الناقمين على كل تقدم وإرتقاء , انهم يريدون افساد التقدم والارتقاء , انهم متشبثين بشرع السكين والنكاح والجهل .
الارهاب ضرب الجزائر كما ضرب فرنسا , وضرب العراق كما ضرب امريكا , وضرب استراليا كما ضرب سوريا , ومن المؤكد أن المستعمر الارهابي لن يحمل معه في غزوته لفرنسا أي فكر وعلم نافع , ولن ينشر في تلك البلاد فلسفة أو معارف وأجهزة متطورة , ولن يستخدم في فتوحاته الاقمار الصناعية .
الارهاب جهل وهمجية ونبذ للتضحية والعطاء , فلا يتوقع أي عاقل من الارهابيين أي شيء نافع يخدم الانسانية .
نعزي الإنسانية بهذه الفاجعة المؤلمة , ونُذكر أن من وقعوا ضحية الاعمال الارهابية في فرنسا كانوا مطمئنين في بلادهم يتنعمون بالحرية والتطور والتحضر ولكن يد الارهاب سلبتهم النعمة التي هي نتاج عمل انساني متراكم عبر تاريخ حافل بالعطاء والمثابرة والإبداع .. كما ندين ونستنكر الهمجية البدائية والتخلف المقيت والجهل الأسود وكل عمل وتصور بائس معادي للرقي الحضاري والتقدم الاجتماعي والإرتقاء ...
(((قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ-;- يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ -- القرآن , سورة التوبة , الآية 29 )) .............

#محمد_ليلو_كريم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات