|
معجزة التشهد الأخير
محمد سرتي
الحوار المتمدن-العدد: 4987 - 2015 / 11 / 16 - 10:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
معجزة التشهد الأخير بداية أتوجه بالشكر لصديقي أدهم إبراهيم بخصوص تعليقاته على مقالتي "أم المؤمنين امرأة نوح وامرأة لوط وامرأة محمد" شكراً سيدي على شعورك النبيل، على إيضاحك ووضوحك، وقراءتك الصائبة لحقيقة إيماني. أنا فعلاً أشاركك تقريباً نفس الإيمان، والهم، والشعور بالمسئولية. ولكني لا أستطيع القول بأني لاديني، فأنا مؤمن فعلاً بالبعد اللاهوتي لرسالات الأنبياء، وبالوحي كشكل من أشكال الاتصال العرفاني الأفلاطوني (الغنوصي) الذي لا يختص به الانبياء فقط بل الكثير من العرفانيين والمبدعين والملهمين والفلاسفة المصلحين. ومؤمن بأن النبي محمد ليس مجرد واحد من أولئك الفلاسفة العرفانيين المصلحين (الأنبياء) بل مؤسس لمسيرة إصلاحية عجيبة غريبة، يستحيل فهمها فقط من خلال الدراسة الموضعية لحياة النبي (السيرة النبوية) أو من خلال تعاليمه وتوصياته الزمنية. فحياته، كما وصلت إلينا، مليئة بالمتناقضات، وتعاليمه كذلك. تفاصيله الدقيقة تثير الكثير من علامات الاستفهام: هل كان نبياً بالفعل؟ هل كان يتلقى الوحي بالطريقة التي وصفوها لنا أم بطريقة أخرى؟ أم أنه كان يختلق الأشياء من عقله؟ هل هو مصلح أم طامع في ملك أم قائد سياسي أم مجرد شخص أراد أن يمزح فانقلبت مزحته إلى جد؟ هل هو سليل أسرة برجوازية ذات طموح سياسي، أم مجرد شخص يتيم فقير أراد أن يقود ثورة شيوعية ذات طابع ديني على غرار الثورة المزدكية؟ والأمر الأكثر غموضاً من سيرة حياته هو طريقة وفاته! كيف لشخص يؤمن بنبوءته اليوم أكثر من ربع سكان الكوكب؛ ولكنه حين مات اضطروا لتأخير دفنه بعدما انفض الجميع من حوله سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من أهل بيته وخاصته؟ علماً بأن من كان يؤمن –أو يدعي الإيمان- بنبوءته حينها بلغت أعدادهم عشرات الألوف! وبمجرد وفاته نشب بينهم صراع على السلطة خرج على إثره الغالبية العظمى منهم من الإسلام! إذا ما وقفنا عند هذا القدر من القصة؛ فلا يمكن للعقل البشري الطبيعي أن يصدق بوجود أي شكل من أشكال الاتصال العرفاني بين هذه الشخصية التاريخية وبين الملكوت الأعلى. شخصية ربما لم تكن موجودة من الأساس. أو ربما كان مجرد قائد سياسي أو مصلح اجتماعي، منيت حركته بفشل ذريع فحاول جماعته ترميمها دون جدوى، لذلك خرجت بهذا القدر من التشوه وضياع الملامح... ولكن....... في كل يوم وليلة؛ يردد المسلمون في صلواتهم، خمس مرات على الأقل، عبارة تسمى "الصلاة الإبراهيمية" في التشهد الذي يوصف بالتشهد الأخير، وهو ركن من أركان الصلاة، فلا تقبل الصلاة إلا به: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" هذا التشهد بقدر ما يحمله من وضوح؛ يطرح أكثر الأسئلة خطورة حول هذا الدين المسمى بالإسلام، وحول حقيقة نبوءة نبيه. فبينما يؤمن كافة المسلمون بمختلف مذاهبهم وطوائفهم بالتشهد الأخير؛ نجد معظمهم يسلكون الاتجاه المعاكس تماماً لشخوصه، بل وبعضهم يناصب تلك الشخوص العداء، رغم فشل جميع المحاولات التي كانت ولازالت تطمح لتعريف الأشخاص الذين وصفهم التشهد الأخير بآل محمد خارج مظلة الكساء! اليوم؛ هنالك أكوام من الإسلامات المختلفة والمتناقضة: إسلام عرقي صهيوني، إسلام قومي شوفيني، إسلام فاشي إقصائي، إسلام امبريالي استعبادي، إسلام إرهابي سيكوباثي، إسلام رجعي قروسطي، إسلام نيوليبرالي أوليجارخي، إسلام براجماتي انتهازي، إسلام عنتري صوتي يصلح للمهووسين بالفخر والخيلاء، إسلام بروباجاندي هوليوودي يصلح للاستهلاك الإعلامي، وإسلام آخر لا علاقة له بالحياة، إسلام الدراويش الدوغمائيين الذين هم ليسوا من هذا العالم، فقد سقطوا خطأ من ملكوت أبيهم الذي في السماء، ومهمتهم في هذه الدنيا فقط البحث عن طريق العودة. لا تجدهم يسيرون إلا بجانب الحائط بعدما أعطوا القيصر كل ما هو لله. شعارهم: إذا طلب القيصر قميصك فاعطه سروالك أيضاً، فالقيصر قضاء الله وقدره، ومن اكبر الكبائر الاعتراض على قضاء الله، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك وانتهك إستك. وإذا ما بلغ بك الألم حداً يفوق قدرتك البيولوجية على التحمل فسلاحك الوحيد للمقاومة هو خدك الآخر. ولكن جميع هذه الإسلامات لم تنجح في التعمية على المسار الحقيقي لنبوءة التشهد الأخير التي لا تشبهها نبوءة أو رسالة سماوية أخرى من جهة طبيعتها الامتدادية المتجاوزة للزمكان، فهي نبوءة أسرة نبوية تقاسمت الأدوار بحيث لا يمكن فهم رسالة الإسلام إلا من خلال المشهد الكامل. ولكن الغريب أن هذا المشهد لم ينته بعد، رغم موت البطل الأخير في كربلاء! فلنتخيل لو لم يصر المسلمون على الاحتفال بعاشوراء سنوياً بنفس الاستغراق التراجيدي العنيف والدموي؛ هل كان سيصل إلينا إسلام التشهد الأخير بهذا القدر من الوضوح؟
#محمد_سرتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أم المؤمنين امرأة نوح وامرأة لوط وامرأة محمد
-
أنطولوجيا الحسين وميثولوجيا الخلاص
-
أصل العائلة وإرادة الخلود2
-
أصل العائلة وإرادة الخلود1
-
للخروج من مأزق الرافعة... الإلحاد هو الحل
-
تحطيم الحدود...دعاية داعش الكبرى
-
هرطقات صوفية: هل القرآن كلام الله أم الشيطان؟
-
من قال إن الله لا يحب الملحدين؟!
-
قوم لوط
-
الشعب السعودي
-
التاريخ الإسلامي وصناعة الكذب
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|