|
احداث باريس وشهية المسلمين
عبدالعزيز عبدالله القناعي
الحوار المتمدن-العدد: 4986 - 2015 / 11 / 15 - 10:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
احداث باريس وشهية المسلمين
ها قد عاد الإسلام مرة أخرى متصدرا المشهد السياسي والاجتماعي في كل أنحاء العالم ، ليس بسبب تفوق بعض أبنائه علميا أو تكنولوجيا، وليس بسبب اكتشاف بعض علمائه المسلمين لطفرات جينية أو مستحدثات كونية، بل عاد إلينا مع صيحات الله أكبر لبعض أبنائه ليقتلون ويذبحون ويرهنون البشر كضحايا لإجرام لا ينتهي، ولن ينتهي بالتأكيد كما هو واضح من تواتر قيام العمليات الإرهابية بحصد الأرواح بين فترة واخرى، لأن حلول المسلمين، أفراد وحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، لمواجهة الإرهاب الإسلامي لا تتعدى الاستنكار والشجب والإدانة دون أي ردة فعل حضارية أو إنسانية أو عملية تتوافق مع حجم الكارثة التي صنعوها حين جعلوا من الدين مصدرا للحكم، وحين استمدوا قوانينهم من الشريعة الإسلامية، متناسين أن الأديان لم تكن إلا مجرد حالات إيمانية فردية ولا يمكن أن تكون دولة وقانون ابدا ابدا، فهكذا تحدثت صيرورة التاريخ، وهكذا تقدمت الأمم المحترمة. إن ما حصل في باريس وغيرها من الدول الغربية أو العربية من عمليات إرهابية إسلامية كان الضحية فيها الإنسان، وهو الإنسان الذي يدعي المسلمون بأنه خليفة الله في الأرض ليعمرها ويبنيها، لكن ما حدث هو العكس تماما، حيث مورس ضد الإنسان أشد أنواع التنكيل والتعذيب والقتل بوحشية لمجرد اختلاف الدين أو المذهب أو الرأي، ولم يمارس هذا النوع من القتل سوى المسلمون في تاريخهم القديم والحديث، فإن كانت الأديان الأخرى قد تم أنسنتها وتقليم أظافر نصوصها الداعية الي العنف والقسوة، وإرجاع كهنتها الي الأديرة والمعابد، بعد مخاضات وويلات وحروب عاشتها الشعوب الغربية، إلا أن الفكر الإسلامي ظل الي اليوم حرا طليقا يمارس شتى أصناف العداء والكراهية والتمييز، بدءا من المجتمع المغروس فيه، ووصولا الي دول العالم لنشر أفكاره وإقامة الخلافة على اجساد الضحايا وجماجم الشعوب الكافرة. والطامة الكبرى أن يتم نشر هذه المفاهيم وهذا الفقه وهذه الكراهية، في التعليم ومن فوق المنابر وعلى شاشات التلفزيون والقنوات الفضائية، لنحصد كشعوب أسوأ أنواع التسويق الديني، وأفشل أنواع البشر الراغبين في التقدم والتطور. تحت ظل هذه الأفكار الدينية، ومن خلال الآلة الإعلامية الجبارة، وعبر دعم الأنظمة العربية الفاسدة للكهنوت الإسلامي، علينا أن نتساءل، أو يتساءل من يريد أن يعيش حرا في مجتمع يكون فيه الإنسان أولوية .. علينا أن نطلق السؤال الأكثر جرأة وصراحة، علينا أن نعترف بسبب الأزمة، بل علينا أن نقول بأن هناك أمرا ما يقف خلف ويدعم الإرهاب الإسلامي .. هذه الصراحة والمكاشفة هي من تعجل بانطلاق الحلول الحقيقية وتقف بالمرصاد ضد من يحاول الكذب والنفاق والاستفادة من تمييع الأزمة والبكاء عليها ليحصد هو الثمن عاليا في البنوك او الحظوة السلطانية، وهو ما يمارسه كهنة الدين وغالبية النخب الثقافية والعلمانية حين عجزوا عن مواجهة الحقيقة وآثروا الصمت أو استخدام لعبة تجميل القبيح. في كل عملية ارهابية تقوم بها داعش أو غيرها من التيارات والأحزاب الإسلامية، تبدأ وتنطلق الغزوة من ديباجة دينية يتم فيها استخدام النصوص الدينية والأحاديث الفقهية لدعم شرعية العملية الجهادية. هنا نحن أمام دافع ومؤمن وفكرة، إذن نحن بالتالي أمام جريمة متكاملة الأضلاع، فلا يمكن أن يمارس أي متهم جريمته دون وجود دافع حقيقي وإلا لأصبح شخصا معتوها.. وهنا أيضا فلت من يدعم عمليات الارهاب الاسلامي من العقاب لانهم وبكل بساطة لا يتم اتهامهم بتشجيع بعضهم البعض على قيام غيرهم بالعمليات الارهابية، فالأفكار الدينية موجودة في كتبهم الدينية وفي مناهجهم التعليمية وفي معابدهم الدينية، وهو ما يعني وجود الدافع والمؤمن والجريمة، وهو ما يعني اننا أمام جريمة متكاملة الأركان، يكون فيها الكتاب الديني احد المتهمين الرئيسيين في أي عملية ارهابية. فالأيديولوجية الدينية، والدين نفسه بما أنهما، في العقل العربي المسلم نسقا واحدا، استطاعت بكل اندماج بالدولة والسياسة والتعليم، من بناء أشد الموانع لتحرير الإنسان العربي من ربقة الغيب والقدر والعنف، فغالبية الشعوب العربية والاسلامية ألغت العقل في مقابل أن تعبث بها ثقافة الغيبيات والقدريات والشموليات الدينية والمذهبية. ففي مقابل التعلق بأوهام الخلافة الإسلامية، وفي مقابل التغنّي بأحلام الأمة الإسلامية، وفي مقابل السعي لتطبيق الشريعة الإسلامية، لم يتم الاعتراف بالإنسان كائناً حرا صانعاً لوجوده واختياره وقراره وحريته، بل أرادته الايديولوجية الدينية حطاماً تتفرد به السلطة الدينية ورجال الدين والفقهاء ليفترسونه بتعاليمهم وباعتقاداتهم وبيقينياتهم وبتوجيهاتهم وبشمولياتهم، وذلك مقابل القفز على القانون المدني لأنه بشري وأرضي وقاصر عن الإلمام بكل شيء. إن من يرى في الأدلجة الدينية قوةً وبريقاً وجمالاً أرفع من العقل وأثمن من الإنسان وأكبر من الوطن، سيرى نماذجَ بشرية دينية أصولية ارهابية، تستفرغ في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي مناخات التعصب الطائفي والديني والقومي والماضوي، وسيرى في النهاية أن عقله وإنسانيته قد تلطخا في أوحال الطائفية والموت الخراب. يقبع تخلف العرب والمسلمين في مدارات العقل نفسه، في طريقة التفكير واتخاذ الرأي والقرار، في مجموعة العادات والتقاليد والدين، في تاريخ من الكراهية والتعصب والانتقام الذي لم ينتهي منذ عصر دولة الخلافة الأولي. لقد أصبحت محددات التفكير ومنهجية التعاطي مع القضايا والأزمات في عصر اليوم نابعة من أزمات سابقة وليست منفصلة عنها، فمن يود أن ينطلق الي التقدم لا ينظر الي الماضي، ولا ينظر الي أفراد عاصروا أزمانا لم تعد صالحة للتعاطي مع أزماننا الحالية، بل ينظر الي الأمام، ينظر الي تجارب التقدم بدون حساسية مفرطة من الاختلاف في الدين واللغة والعرق، فإذا لم نفعل ذلك، فستتوالد دول الخلافة ويتكاثر اولاد وأحفاد أبو بكر البغدادي، وحينها لن نسأل سؤال الأمير شكيب أرسلان لماذا تخلفنا، بل سنعيش في الكهوف لنصبح فرجة للأمم المتحضرة في الكون الفسيح. فحين يصبح الدين دولة، لا يمكن أن نصوغ في الأزمنة الحديثة دولة من العلم والفلسفة. إن مشكلتنا مع الدين ليست مشكلة إيمان، ولكن المشكلة تبدأ حين يبدأ الخلط بين الدين والدولة، وننشئ أجيالا وأجيالا تحارب طواحين الهواء وتقتل على الهوية الدينية، كما تم قتل الأبرياء في باريس وفي سوريا والعراق واليمن وليبيا. إن المواجهة الآن مع داعش على الأرض، ولكل لنتأمل في كتب المسلمين ومصادرهم ورسائلهم العمليّة ستجد التكفير وأحكام الحرب وأحكام أهل الكتاب هي ذاتها التي يمارسها داعش على الأرض. هذه معضلةٌ فريدة نلمسها واقعاً في بنية الخطاب الديني داخل المؤسسات الدينية، سواء في الأزهر، أو في السعودية أو في إيران. فتشابه المؤسسات الدينية في تلك الدول من ناحية آلية الفتاوى ومنهجية النقل والتقليد والتكفير، أفرزت الصراعات وغياب الإصلاحات الدينية المؤطرة للنهضة وتصحيح المسار. إن الخطوة الصحيحة والأساسية في مواجهة الإرهاب الاسلامي تتمثل في إنتقاد المنظومة الدينية بكاملها، في نقد مصادرها، في تغيير أولوياتها، في تجميد بعض نصوصها الدالة على العنف والكراهية وقتل الآخر، في إلغاء كلّ ما هو خرافيّ ووحشيّ وعنصريّ وتمييزي من النصوص، في تقديم رؤية علمانية جديدة توافق العصر والحريّة وحقوق الإنسان والديمقراطية، حتى لا تكون شهية المسلمون مفتوحة دائما للقتل والدماء.
#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية مصدر الحياة
-
الخوف من نقد المقدسات الدينية
-
المواطن الكويتي والإرهاب الإسلامي
-
أزمة لا يمثلون الإسلام بالعقل العربي
-
دعوة الي التنوير
-
بناء الإنسان العربي الحر
-
العلمانية .. دليل الثورات العربية التي لم تكتمل
-
معلمة كافرة وسيد يغتصب الأطفال
-
التعليم المختطف من الدين والقبلية
-
الإسلام لن يكون الحل أبدا
-
اسلام البحيري والأزهر وأكذوبة الإصلاح الديني
-
العلمانية والدين الاسلامي
-
اليمن ومأزق التاريخ والدين
-
ربع الشريعة وأصدقاء إعدام المسيىء للرموز الدينية
-
التيار المدني العلماني الديمقراطي في الكويت
-
الجاهلية الإسلامية
-
الجبان والعميل والمندس في الكويت
-
صناعة الوعي العلماني قبل إسقاط الأنظمة العربية
-
100 ألف نفر
-
الأيديولوجية الاسلامية وصناعة الإرهاب
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|