|
هكذا قال مدني صالح: لتسقط الكتابةُ بعدَك يا صباح
قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4985 - 2015 / 11 / 14 - 15:17
المحور:
سيرة ذاتية
كتب الصديق العزيز الدكتور قاسم أمين الهيتي بعد رحيل استاذه مدني صالح مقالا يؤبن فيه الراحل بعنوان "حين يرحل الكبار" ونشره في موقعه الفرعي بالحوار المتمدن بالعدد / 2006 في 13 / 8 /2007. - لا اريد أن اكتب عن مكانة الراحل مدني صالح فقد كُتب في ذلك الكثير، ولكني أريد أن اكتب قصة ذلك الشاب الهيتي الفقير زميل الدكتور قاسم في متوسطة هيت وأحد الذين درَّسهم مدني صالح. - يقول الدكتور قاسم:" في شتاء 1954تعين هذا الشاب الأسمر النحيف مدرساً في متوسطة هيت، وكنا نصغي إليه عندما يتكلم عن عصور ما قبل التاريخ، وعن إنسان الكهوف، وكيف انتقل لمهنة الزراعة.......الخ. نعم كنا نصغي لا نستمع فحسب. ولعدم وجود مختص باللغة الإنكليزية آنذاك فقد تبرع بتدريسنا هذا المقرر أيضا. وفي أحد الأيام طلب منا أن نكتب إنشاءً بأسلوبنا الخاص: كيف نقضي يومنا باللغة الإنكليزية محاكاة لما يقضيه "جون" في كتاب الأكسفورد الكتاب المقرر في تدريسنا..... وكيف يستيقظ "جون “على المنبه لينظف أسنانه بالفرشاة والمعجون، ويغسل وجهه بالصابون، ويرتدي قميصه المكوي المعلق بالدولاب، ويتأبط حقيبته بعد أن يصفف شعره ..........الخ. " - ويستمر الدكتور قاسم قائلا:" وبعد بضعة أيام جاء استأذنا بكراساتنا، وما كتبنا بها وكان ذلك اليوم مطيراَ هادراً معتماً قاتماً. وتمتم استأذنا كعادته بكلمات لم نفهمها أثناء توزيع كراسات الإنشاء، وبعد أن انتهى من ذلك التفت صوب الطالب صباح سرحان، وأمره بإلقاء إنشائه علينا أمام السبورة. - وبدأ هدير صباح في ذلك الصباح الهادر، ومما تبقى لي في قاع الذاكرة.... أن صباح كان يستيقظ على صوت الحمار الذي في" سيباط" دارهم، وان الماء البارد لا (يبري) حتى لو توفر لهم الصابون ليغسل به وجهه، وليس في قاموس دارهم الفرشاة ولا المعجون.... وعندما يقفز من فوق أخواته وإخوانه -كما في لعبة القفز الرياضية-المسطرين في غرفة واحدة كعلبة سردين ليصل إلى الباب- بعد أن يصرخ من دِيست إحدى يديه أو رجليه، حاملاً بنطلونه الذي يضعه تحت المخدة أثناء الليل ليكوى، فانه يرتديه على دشداشته لأنه لا يملك قميص، ثم يتناول استكانين من الشاي مع الخبز، ويتوجه إلى المدرسة، واضعاً كتبه تحت إبطه حفاظاً عليها من المطر. ويسترسل صباح في يومه بعد الدوام، وكيف يساعد أباه في جلب الماء من النهر ليبيعه للبيوت.... وكيف يقضي مساءه المظلم الذي يبدأ مبكراً في الشتاء لعدم وجود الكهرباء في بيتهم..... والويل إذا أتاهم ضيف ما، فانه سيستحوذ على الفانوس ولا يبقى له سوى أن يمدد رجليه في التنور الأرضي الواقع في (الليوان) الذي كان بابه بساطاً مهللاً لا يحمي من هواء كانون البارد. وكيف استبدل منضدة "جون" بمخدته وجلس مع أخواته على حافة التنور الأرضي ليكتب الإنشاء والإملاء والقواعد والأخلاق....." - هكذا قرأ الطالب صباح سرحان ما كتبه باللغة الإنكليزية أمام زملائه الطلاب في متوسطة هيت للبنين بحضور مدرس اللغة الإنكليزية (المتبرع) مدني صالح. ويصف لنا الدكتور قاسم ما جرى؛ فيقول:" وبعد أن أنهى صباح قراءته التي تخللتها بعض الضحكات من هنا أو هناك، تسمرّ الشاب الأسمر النحيف مدرس اللغة الإنكليزية، وعض شفته، وكأنه يغالب الدمع الذي تحجر في المحاجر. ومدّ يده إلى جيب سترته الزرقاء الداكنة، واستل قلم (الباندان) الأسود اللون" قلم الحبر" قائلاً: لتسقط الكتابة بعدك يا صباح..... ماذا أبقيت لهمنغواي وارسكين كالدويل.... وما حاجتي بعد إلى قلم فلقد كتبتَ بالإنكليزية ما لا أستطيع كتابته بالعربية..... ثم استدار علينا وقال طالعوا سوف لن نأخذ درساً هذا اليوم، فقد أخذنا درساً رائعاً وبليغاً." - اترك لكم قراءة ما تبقى من مقال الدكتور قاسم، واعود الى حكاية الطالب الذي قال بحقه مدني صالح ما قال وأهداه قلمه وهتف بسقوط الكتابة بعده. إنه صباح سرحان فجري الهيتي عامري الأصل ، هيتي النشأة ، جميل، أنيق، مبتسم دائما رغم عسر الحال، فقد كان والده سقاءً يبيع الماء الى الأهالي قبل أن تعرف مدينة هيت إسالة الماء، ذكي جدا، بارع في الكتابة، سريع البديهية، لامعٌ ،متنور، كان من الأوائل في دراسته، وكان يمكن له أن يكون ذا شأن اكبر مما وصل اليه، ولكن عسر الحال كان مأساته، فقد اختار اقصر الطرق للوصول الى الوظيفة، وبأقل التكاليف، فدخل اعدادية زراعة الرمادي ليستفيد من السكن والطعام المجاني في قسمها الداخلي، وتفوق صباح وكان الأول، وبسبب تفوقه عُيّن مراقبا زراعيا في مديرية الإصلاح الزراعي في الرمادي، ولأنه ذكي ، ولأن المديرية المذكورة كانت تعتمد نظام القيد المزدوج في حساباتها؛ فقد اختير صباح ليعمل في شعبة الحسابات فيها ، ثم أصبح محاسبا للمديرية المذكورة ولفروعها في الأقضية والنواحي، وقد أدى عمله على أحسن ما يكون، واستمر في المديرية المذكورة الى أن نقل الى الحلة لأسباب سياسية وهناك استقر ولا أدري هل هو اليوم حي أو ميت؟ لقد انقطعت عني أخباره التي كنت اعرف بعضها من خلال صلة القرابة التي بينه وبين أمي، فوالده من (خوالها)، ومن خلال تعيني وعملي محاسبا في المديرية بعد نقله الى الحلة. تحية تقدير لصباح وجزيل الشكر والعرفان للدكتور قاسم، والخلود لمدني صالح.
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني
-
النقطة التي قتلت رجلا
-
متى نترنى كما ترنى الترنبول ؟
-
تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي
-
(الچلبيون)
-
علم من مدينتي بديوي خلف الندا
-
علم من مدينتي شريف عبيد عبد الغني
-
منظمات المجتمع المدني ودورها في الرقابة السياسية في العراق
-
علم من مدينتي الدكتور مهدي صالح حنتوش الهيتي
-
القصيدة الزينبية
-
علم من مدينتي الشاعر والفنان سبتي الهيتي
-
اعلام من مدينتي
-
علم من مدينتي الدكتور قاسم أمين الهيتي
-
درست وتعلمت ولكن!
-
(نقطة) التحالف والتخالف
-
عَلمٌ من مدينتي الدكتور هادي نعمان الهيتي
-
عام مع الشوق
-
في مثل هذ اليوم (سقطت) هيت
-
الغُربة
-
الحنين
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|