محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4984 - 2015 / 11 / 13 - 08:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الحيوان منذ أن يوجد حتي يفني .. يعيش يزاول وظائف اساسية تجعلة يستمر لدقيقة أخرى ..الاكل و الشرب و التنفس و التكاثر و الاخراج .. وهو يسعي .. تدفعة غريزته .. لتجعله في أمان فيجد المأوى المناسب .. و يتعامل مع إختلافات الطقس بإجراءات مناسبة (منها النوم او الكمون الشتوى ).. و هو في غالب الاحيان ينتهز الفرصة عندما يجدها سانحة ..إما ليصبح معتد علي الغير إذا نجح أو ضحية له إذا فشل.
نحن كبشر لا نختلف من حيث المبدأ عن هذه السلوكيات .. فلقد جئنا من نفس شجرة الحياة الوارفة الممتدة عبر ملايين السنين .
الانسان .. أغلب وقته يمضيه مثل أى حيوان او حشرة او طفيل او جرثومة .. يصارع في سبيل التواجد و مقاومة الفناء ..
الانسان بذلك دابة لا تخرج بعيدا عن المسار مهما إرتفع شأنها علوا أو تدهور إنخفاضا .
الاسماء المضيئة و المخزية في التاريخ البشرى كلها قامت بنفس السلوك .. طعام وشراب و إخراج و تكاثر الفارق أن الانسان كان سلاحة للتواجد بين الكائنات و الضوارى .. هو العقل .. و تخزين التجربة و إستعادتها .. وترتيب الاحداث منطقيا .. فيما يسمي بالوعي .
هذه المقدمة الطويلة التي نعرفها جميعا .. وننساها دائما .. من أجل أن أقول أننا نصبح بشرا .. كلما كنا قادرين علي رؤية ما حولنا بصورة صحيحة و إستيعاب التجربة السابقة ..أى عندما نواجه معضلات الحاضر و نخطط للمستقبل .. ونعود لحيوانيتنا عندما نستسلم لغرائزنا توجهنا .. و ننقض علي الفرص لنصبح معتدين او ضحايا .
الفرصة كانت لدى الانسان لا تأتي بالصدفة ..إنما تأتي بترتيب مسبق من قوى خارجية شديدة البأس و الحكمة .. و هي طيبه حانية .. متفهمة عندما نكون الرابحين .. و شريره عادية متوحشة عنيفة سادية عندما نكون ضحايا .
الانسان البدائي عندما وعي ..أن هناك أمس و اليوم وباكر ..وان هناك تواجد وفناء .. و أن هناك فرص سعيدة و اخرى تعسة بغيضة ..أرجعها بأن كل هذه الظواهر تتصل بقوى فوق الطبيعة (ميتافيزيك )وظل .. لالاف السنين متمسكا بأن قدرة بيد مجهولة تمنح و تكف تسعد فتعطي بدون حدود .. و تغضب فتؤلم أيضا بدون حدود .. وأن الانسان أمامها قاصر ..عبد مغلوب علي أمره.. ضعيف .. مستسلم .. عليه أن يرشيها إما بالقرابين ..او بالتذلل و الدعاء .. و إظهار مدى خضوعة لمشيئتها .. وإطاعته لارادتها .
ولكن كيف سيتعرف البشر علي الارادة الساحقة الماحقة .. المانحة بدون حدود .. إنه ساحر القبيلة و المتنبيء بارادة القوى العظمي .. ورسولها الكريم للبشر يعلمهم ماذا تريد ارباب الاولمب .. و شياطين منف و طيبه .. وملهمي بابل و اشور.
الانسان البدائي .. ينتظر من القوى غير المعروفة الغامضة أن تمنحه الفرصة ..ليجد طعامة و طعام قبيلته وأهله .. و تنصره علي من يعادية و يخطط لتحويلة إلي فريسة هو و قبيلته و اهله و عشيرته .
فكرة الحظ الحسن و المؤامرة المضادة عاشت مع الانسان البدائي لا تفارقه أبدا و تجعله عبدا .. للقوى الخارجية .. و الداخلية التي إمتلكت روحه وعقلة وإرادته توجهها حسب اوامر غامضة قادمة من كائنات أكثر غموضا.
لو أن هذا السلوك إستمر طويلا لدى البشر لظلوا بدائيين .. مستسلمين .. لقدر أعمي .. كباقي حيوانات و كائنات شجرة الحياة .. مثل أبطال ملايين القصص و الروايات و الحواديت و الحكايات التي تنتهي بسعيد الحظ أن يتزوج بنت السلطان و يعيشا في تبات و نبات (منطقتين في الجنة الاوزيرسية ) هانئين بممارسة الجنس دون توقف فيخلفا صبيان و بنات .. لا يمسسهم مرض و لا عجز و لا تترصد بهم الضوارى تفترسهم .. حيث الطعام متوفر بكثرة و الشراب طاهر نظيف .. و الجو لا حر و لا برد .. ويا بختك يا عم .
و لكن لسوء الحظ أو عكسة لم يحدث هذا .. لقد غير البشر من سلوكهم ورد فعلهم بحيث غلبوا الشك .. علي اليقين والمنطق علي المسلمات .. و غاصوا في جميع الظواهر المحيطه بهم حسنة او محبطة .. فإكتشفوا أن الكائنات الحية قد تتعرض للمرض و قد تختفي او تشفي و تعود لسيرتها الاولي .. وأن هذا يسمي مرضا يحدث لان كائنات دقيقة للغاية غير مرئية بالعين المجردة تهاجم الجسد السليم و تمرضة .. و لا دخل (لزيوس او إيزيس ) بما يحدث للمريض .. و إكتشف الانسان عبر تاريخه أنه يمكن أن يوفر طعامة و شرابه و إحتياجاته .. بالعمل و العرق .. و خلق الفرص لا إنتظارها .. ووأن بإمكانه إختراق عالم الاسرار التي تشكل منها الكون .. لا الخضوع له و لا رشوته .. و أن الفلسفة و المنطق و العلم .. هي البدائل الصحيحة .. لنبوءات .. الكهنة و السحرة و المتنبئين .
الانسان في زمنا ( نهاية القرن العشرين و بداية الحادى و العشرين ) كان قادرا علي إزاحة الغلالة السحرية التي تخفي قوانين الصراع و الوجود و العدم . بل .. و التأثير فيها و تغيرها .. و تعديل الاقدار .. و معرفة ماهية الجنين في بطن أمه و مستقبلة الجسدى .. وإمكانياته المحتملة .. بل و تعديلها جينيا ليصبح هذا الكائن السوبر القادر علي كل شيء .
الفارق بين الحيوان السارح في المراعي و الغابات منتظرا فرصته .. و الانسان الذى يخطط لحاضره و لمستقبله مستفيدا من خبرتة .. و إنجازات الاباء و الجدود .. هو الفارق بين هذا المشعث اللحي قذر الثياب كريه الرائحة السارح في مناطق إحتلها .. (كانت تزهو بحضارات سامقة في العراق و الشام واليمن و مصر) .. طالبا من قوى خارجة عن تصورة ..تجلس في البيت الابيض او في مقار الحكم باوروبا او بالسماء ( لا أعرف أين بالتحديد حيث تبين أن هذه القبة الزرقاء التي تعلونا مجرد اوهام و أضواء ) .. وبين هذا الذى يبتكر و يخترع و يصنع أسلحة الدمار و يسلمها للحيوانات البدائية إنسانية الملامح لتقتل و تدمر و تشيع الاضطراب .
نحن بشر .. ولكننا متخلفون من عصور بدائية .. كان فيها الانسان يخرج من جميع مشاكلة بزواجه من بنت السلطان .. الفرصة الذهبية السعيدة .. التي تجعلة يشبع و يرقد خاملا تحت أشجار قصر العاطي .
و هم بشر و لكنهم يصنعون الفرصة .. و يسوسون الطبيعة .. والوجود و يتسيدون علي الكائنات( بما في ذلك نحن ) يسخرونها لحياتهم و مستقبلهم .
الزواج من بنت السلطان .. أراه يوميا ..خلال مرورى في شوارع القاهرة .. إعلانات .. تتشاجر كل منها يحاول أن يلفت نظر الناخبين الذين سيزفون صاحبة لبنت السلطان تحت قبة البرلمان ..
في الشارع مجموعة من الضوارى تتصارع .. تتقاتل .. فتسقط ضحايا الصراع و تخرج من اللعبة .. اربعون مرشحا في السلام و النهضة .. و مثلهم في مصر الجديدة .. و مثلهم في مدينة نصر .. من منهم سيزف للعروس .. لا أعرف .. فكلهم لا يصلحون لان يتزوجوا بنت السلطان .
سيطرة الفكر الغيبي علي الانسان في منطقتنا تمنعة من أن يصبح إنسان عاقل مفكر مشارك في مسيرة حضارة البشر و مجدهم .. لقد بدأنا المسيرة في يوم ما منذ الاف السنين .. ولكننا توقفنا مكدودين.. ننتظر أن تسقط لنا السماء رزقنا .. في حين أن السماء (للاسف )غلالة رقيقة من الاضواء لا تستجيب ..و لاتغير و لا تضر و لا تنفع .
فإذا ما أدركنا أن قصر السلطان و إبنته المحروسة .. هي أضعاث أحلام .. لقوم من العاجزين .. و أن القصور تبني بجد البشر و عقلهم و منطقهم و خلقهم للفرص و إستغلالها . فإننا سنواجه .. بمريدى الحلم .. يقسمون أنه الحقيقة .. و الحقيقة المطلقة .. وأن كل من يدعي عكس هذا إنما هو كافر زنديق .. لا يحق له الحياة علي ارض الابرار .. صائحين .. (فلتقتلوا الكافر) ثم متسربين الي بلاد الكفار لهدايتهم و الاقتران ببنت السلطان و العيش في جنة الرحمن هناك .
و هكذا بالحق لقد أصبحنا (بالنسبة للعقلاء ) حيوانات كاسرة خطرة .. لابد من ترويضها او نفيها لصالح مسيرة الانسان المعاصر .. و هو الامر الذى لا يكف علماء الانثروبولجي .. عن الترويج له مستعينين بعلماء الجينات .. و وقعتك سودة يا للي عايز تتجوز بنت السلطان توته توته فلقد خلصت الحدوته .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟