|
الصراع ما بين الحضارة والبربرية
مهند أحمد الشرعة
الحوار المتمدن-العدد: 4982 - 2015 / 11 / 11 - 19:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يكن الاسلام سوى ثورة طبقية في الداخل المكي بشكل خاص والحجازي بشكل عام ومع مرور الوقت وامتلاكه للقوة أصبح هذا الدين عبارة عن رمز سياسي لعرب الحجاز بشكل خاص والجزيرة العربية بشكل عام وبسبب عدم امتلاك هؤلاء العربان لأسس الحضارة فلم يكونوا بالرقي الكافي للاكتفاء بمناطقهم الحدودية نضيف الى ذلك الانفجار السكاني الحاصل مع قلة وانخفاض للموارد التي تسمح لهؤلاء بالبقاء في بلادهم. عندما كانت الشام والعراق ومصر وايران وغيرها من المناطق تعيش حضارة مزدهرة سواء أكان ذلك عمرانيا أم زراعيا أم فكريا كان هؤلاء العربان لا يعرفون سوى الغزو والسبي والتجارة مع هذه المناطق الحضارية وقد استفادوا من النزاع الحاصل بين الامبراطوريتين العظيمتين آنذاك فأصبحوا شبه وسطاء في التجارة بين الدول العظمى ولا ننسى أن هذه المراكز الحضارية كانت المورد الرئيسي للسلع الاساسية التي يحتاجها هؤلاء العربان إذن فقد كان الغزو الحجازي لبلادنا غزوا قائما على الأطماع المادية كما كان مشبعا بطاقة معنوية مصدرها الاساطير الاسكاتولوجية الاسلامية التي منحت هؤلاء الأعراب حلما بالخلود في الجنة حيث الحور العين والخمور التي حرمت عليهم في الدنيا كما أن هذه الطاقة المعنوية أشبعت بروح الاضطغان والحسد وعقدة النقص والتطلع لما هو موجود بيد سكان الحضارة من خيرات ومن ازدهار حرم منه الأعراب بسبب عقليتهم البربرية الوحشية نضيف الى ذلك أن السلطة المركزية دفعت بهؤلاء للغزو الخارجي لكي لا يشكلوا خطرا عليها كما حدث في الردة. ولكن حتى مع احتلالهم لبلادنا هل قبلوا وتقبلوا الحضارة؟ بكل بساطة لا فقد اشتاقوا للبادية وسيطرت عليهم النزعة القبلية فحولوا بلادنا لساحة مواجهات قبلية كما أثقلوا كاهل السكان بالضرائب وعاملوهم معاملة العبيد لم يكتفوا بهذا فحسب بل نشروا دينهم بيننا و كأن دينهم أفضل حالا من الأديان السابقة التي لم تكن -أي هذه الاديان بالاضافة لهذا الدين- سوى مخدرا للبؤس الذي كان يعيشه الناس على يد طبقات الكهان والأرستقراطية والعسكر الذين كانوا عاملا أساسيا في تراجع تقدمنا الحضاري وعلاوة على ذلك تمت أكبر عملية غسل للعقول عرفها التاريخ ألا وهي ربط تاريخنا بالاسلام ونسف ما قبل الاسلام وكأن القاعدة: الاسلام يجب ما قبله طبقت على تاريخنا وعلى حضاراتنا التي تتحرج منها الشعوب اليوم لكونها حضارات كافرة تستحق اللعن. ولكن الحضارة والانجاز متجذران باللاوعي في مجتمعات البلاد التي قامت عليها حضارات كبرى فقد قام أبناء شعوبنا الذين خدعوا وحملوا على هذا الدين بإنشاء حضارة عرفت خطأ بالحضارة العربية الاسلامية أو الاسلامية لوحدها فقد ازدهر العمران وازدهرت بعض أنواع العلوم لفترة من الزمن قبل أن تجهضها الهجرة الغير مبشرة للبرابرة الذين اعتنقوا هذا الدين دون أن يكون لديهم أدنى مقومات الحضارة وأقصد هنا قدوم الحمقى الأتراك الغز لبلادنا ومع موروثهم البربري واعتناقهم للاسلام أصبحوا متشددين بما فيه الكفاية للعن أي فكر حديث وقد ترافق هذا الغزو نهوض لعلوم النقل وتدهور لعلوم العقل التي لو نظرنا لمرحلة ازدهارها لوجدناها ترافقت مع قيام دولة الديلم البويهيين وتقهقرت مع أفول دولتهم وظهور ما يسمى بالاعتقاد القادري الذي استقبله أمراء الدول التابعين للعباسيين بفرحة لا تضاهى ليلاحقوا كل من يريد أن ينطق بغير دين السلطة وقد رافق هذه الأمور قيام الوعاظ وعلماء الدين(إن جاز تسميتهم بالعلماء) بحملة بشعة بتلاعبهم بقلوب العوام واظهارهم للزهد الذي ترافق مع الفقر المدقع الذي عاشته الشعوب وهذا ما أدى الى اتجاهنا نحو الجمود الحضاري وقد كان للغزو الافرنجي والمغولي تأثيرا واضحا لاقبال الناس على ثقافة ما كان عليه السلف العرباني ولكن علينا أن نقارن و أن نؤكد على أن هذه الشعوب التي قامت بدفع عجلة الحضارة ولو قليلا في الفترة الاسلامية برهنت على أنها حضارية بشكل واضح وصريح بينما لو نظرنا الى الجزيرة العربية لوجدنا أنهم عادوا بدوا كما أن بلادهم كانت عالة علينا نحن أبناء الحضارات الكبرى في الشام ومصر والعراق خاصة أنهم لم يقوموا بنقلة حضارية أو تجديد حضاري. ومع الغزو التركي العثماني والاحتلال العثماني لبلادنا بعد احتلال المماليك لها بدأت ثقافة الدروشة تظهر في أكبر صورها وتوقفت علوم العقل بشكل كبير وواضح وحاولت الظهور عند نهايات هذه الدولة أي العثمانية الا أن بلادنا أصبحت أمام خطر واضح وصريح ألا وهو الغزو الوهابي القادم من الجنوب الذي حاول غزونا عدة مرات ولكن قبائل بلاد الشام والعراق مع أهل هذه البلاد ومع مساعدات أجنبية استطاعت صد هذا التيار عسكريا ولكن ظهورهم المفاجيء كدول نفطية أصبح لها ثقل بما وفرته لهم أموال النفط أصبح يشكل خطرا داهما علينا وعلى وعينا كشعوب حضارية بعد أن استعدنا وعينا بعض الشيء بما كشفته لنا الاثار من كوننا منطقة برزت منها الحضارة وبما قامت به عقول ابناءنا من محاولات نهضة باءت بالفشل بسبب التطبيق وبسبب نفوذ الخونة. إن الخطر الخليجي الوهابي الذي يهددنا من الجنوب والتركي من الشمال هو خطر يجب النظر اليه بعين الخائف فهؤلاء استفادوا من الأموال التي ظهرت بأيديهم فجأة فأصبحوا يشترون ضمائر ابناء شعوبنا وأقصد هنا (العراق ، الشام ، مصر) وأصبحوا يجلبون لنا جميع القذرين في العالم ويلقونهم في بلادنا في غزو جديد وصريح للسيطرة علينا وعلى ما يبدو أن نفوذ هؤلاء السفلة أصبح يمتد الى الجامعات والمدارس بجعلهم الثقاقة الاسلامية هي ما نمتلكه وهم يحاولون غرزها في عقولنا بأننا لا شيء دونهم وإنني لأتسائل عندما كانت منطقتنا حضارية أين كانوا هم ؟ عندما كانت بلادنا تزخر بالحمامات وقنوات المياه من أين كانوا يشربون المياه وأين كانوا يقضون حوائجهم ؟ عندما كنا نعيش في بيوت أين كانوا يعيشون هم؟ إن ما يبدو جليا لنا وواضحا أن هؤلاء الذين تلصصوا على ما نمتلكه من مقومات حضارية يريدون أن يجعلوا أنفسهم يبدون كحضاريين بأموالهم ها هم يبنون المدن ويتنافسون بالعمران ولكن أين العقلية الحضارية إنها تبعد عنهم الآف بل ملايين السنين الضوئية في قرارة نفوسهم يعرفون أنهم بلا حضارة فلهذا يريدون احتلالنا ويريدون تدمير تاريخنا وأثارنا وكل ما ورثته لنا الأجيال السابقة من مقومات ولو معنوية تدفعنا للنهوض من جديد للقيام بنهضة جديدة. بحق الجحيم حتى مفكري ما يسمى بالنهضة العربية الحديثة من أين ظهروا ؟ لقد ظهروا من بلادنا إن الصراع بيننا وبينهم صراع تاريخي فالأتراك الذين تطفلوا على حضارتنا وعلى حضارة بيزنطة وغيرها هؤلاء لا حضارة لهم وكذلك عربان الجزيرة العربية هؤلاء بلا حضارة بلا مدنية إن بلادنا هي التي أنجبت الحضارة هي التي أظهرتها في هذا العالم لطالما كنا أشعة أنارت العالم فلماذا نسمح لرمال الجزيرة العربية بحجب أشعتنا؟ لماذا نسمح لطرابيش الأتراك بحجب أشعتنا؟ كيف نسمح لهؤلاء الهمج بأن يقولوا أنهم حملوا شعلة الحضارة الينا عندما قاموا بغزونا واستعبادنا قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة؟ ما علينا معرفته اليوم هو أن نعرف أننا في حرب فكرية واستخباراتية وعسكرية واضحة إننا أمام غزو آخر يتخذ أشكالا جديدة ببساطة إننا في حرب تحت أقنعتها يتضح أعدائنا الحقيقيون إننا في حرب اسمها حرب الحضارة- البربرية ولكن البرابرة اليوم هم أصحاب المال وصفوفهم متراصة وخلاياهم وضحاياهم الفكريين وسفلتهم بيننا. عودوا إلى رشدكم ودافعوا عن تاريخكم وعن أرضكم أمام غزو اللحى الجديد. أختم مقالي بمقولة لأنطون سعادة علما بأنني لا أتبع أي حزب ولا أي فكر: ((إن فيكم قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ)).
#مهند_أحمد_الشرعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|