أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بنعيسى احسينات - الانتخابات في المغرب بين الدولة والأعيان / أذ. بنعيسى احسينات - المغرب















المزيد.....


الانتخابات في المغرب بين الدولة والأعيان / أذ. بنعيسى احسينات - المغرب


بنعيسى احسينات

الحوار المتمدن-العدد: 4982 - 2015 / 11 / 11 - 15:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الانتخابات في المغرب بين الدولة والأعيان

أذ. بنعيسى احسينات - المغرب

كان المخزن أو نظام الحكم في المغرب، قبل الاستعمار وأثنائه، بسياسته أو بسياسة الحماية والاستعمار، يحكم البلاد بالأعيان بما يسمى ب"النظام القائدي أو القايدي" système caidal (أعوان السلطة المتمثلة في قواد القبائل بالقرى وباشوات بالمدن الكبرى وحاشيتهما)، وكذا نظام الجماعة التقليدي المعروف ب "نظام اجماعة"، القائم في الغالب على العرف، وشرفاء الزوايا وعلماؤها باسم الدين (الإسلام طبعا).
وفي عام 1956، عند استقلال المغرب، كان الأعيان هم النخبة المحلية والوطنية من أهل العلم والتجار والحرفيين الكبار وأصحاب النفوذ؛ كالوزراء والباشوات والقياد والشيوخ. ومع دخول المغرب في أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، في الثمانينات والتسعينات، مع تسارع وثيرة العولمة، عرفت فئة الأعيان تحولا جوهريا. فلم يعد أهل العلم والتجار التقليديين والفلاحين الكبار، ممن يكونون فئة الأعيان، بل أصبحت تركيبة هذه الفئة تتمثل أساسا من ذوي النفوذ المالي، بتواطؤ مع المخزن المركزي والمحلي، ممن بنو ثرواتهم من خلال المضاربات العقارية والسمسرة أو التهريب بأشكاله المتعددة والمختلفة، والاتجار في الممنوعات والمواد الفاسدة وغيرها خارج القانون، قبل أن يصبحوا اليوم من أعيان المجتمع ووجهائه، يتحكمون في اقتصاده وتوجهاته السياسية ومصيره.
ولقد أدى تحالف الملكية مع الأعيان الجدد للمناطق القروية إبان الاستقلال، في إطار صراعه على السلطة مع الأحزاب المنبثقة من الحركة الوطنية، وبخاصة حزب الاستقلال، إلى هيمنتها على العالم القروي، التي كانت تشكل أكثرية الساكنة المغربية حينها. هذا الأمر أدى لاحقا إلى فوز مسترسل لمناصرين للنظام، على رأسهم حزب الحركة الشعبية، الشيء الذي أدى بالباحث "ريمي لوفو" في سنة 1976 إلى ترجمة ذلك الواقع في كتابه: "الفلاح المغربي المدافع عن العرش".
وبعد الاستقلال، عمَدَت الدولة المركزية أو المخزن، إلى إنشاء مجموعة من الأحزاب المُسمّاة إدارية أو موالية، لا تتوفّرُ على مشروع آخر غيْرَ المشروع الذي سطّره لها النظام القائم، ولا تتوفّر على مرجعية وأجهزة تنظيمية، وينحصرُ هدفها فقط في الحدّ من نفوذ أحزاب الحركة الوطنيّة بتلويناتها المختلفة، ولاحقا لمواجهة اليساريين في أول الأمر، ثم الإسلاميين اليوم. لكن التراجع النسبي لنفوذ الأعيان مؤخرا، أبانَ عن فشل إستراتيجية استعمالهم لمواجهة الإسلاميين في الحواضر على الخصوص. وإن كان بجميع بلدان العالم أعيان يترشحون للانتخابات، إلا أنّهم في المغرب يتمتّعون بوضعية خاصّة، إذ يستمدّون نفوذهم من ارتباطهم بالآلية التي تمّ صنعها لمحاربة الحركة الوطنية ثم اليساريين وبعد ذلك الإسلاميين اليوم، وذلك بقربهم من السلطة وامتلاكهم للنفوذ والمال. وهذه الانتخابات أصلا تساعد الأعيانَ، القدماء منهم والجدد، على تعميق العلاقة مع السلطة، لتبادل الخدمات والبحث عن مسالك جديدة لتنمية الثروات واكتساب النفوذ، وذلك باستخدام كل الوسائل المتاحة والغير المتاحة، والمشروعة منها وغير المشروعة.
ففي يوليوز 1999 ، قام الملك محمد السادس، بعد توليه زمام الحكم، بمجموعة من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، التي أعطت نفسا جديدا للحياة السياسية بالمغرب، وإن ضلت الملكية مهيمنة على دواليب السلطة والقرارات الاستراتيجية للبلاد. كما أرسى الملك قواعد جديدة للمخزن، مكنت من تحقيق انتخابات شفافة على الأقل ظاهريا، بعيدا عن التواطؤ المكشوف الذي كان يقف ورائه هذا النظام في مراحل سابقة.
واليوم، يمرّ المغرب من مرحلة كانَ فيها الأعيانُ يتمتّعون بنفوذ متميز، إلى مرحلة بداية تراجعَ تأثيرهم، خصوصا بعد الربيع العربي وحركة 20 فبراير ودستور 2011. وهذا يجعل قراءة الفعل الانتخابي في المغربِ، يقْتضي الأخذ بعيْن الاعتبار وجُود طرف ثالث في العملية الانتخابيّة، وهُو النظام أو الدولة، عوض الاقتصار على طرفيْ العملية؛ الناخب والمرشّح، كما هُو الحال في البلدان الديمقراطية، لأنَّ الدولة ليست محايدة في هذا الصراع بشكل واضح وعلني، ولو أنها مؤخرا، تدعي الحياد إلا أنه حياد سلبي ومحتشم في غالب الأحوال. لذلك عندما نريد أن نبحث في الفعل الانتخابي، يجب أن نبحث أساسا في فعل المرشح والناخب والدولة.
تأتي نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية والإقليمية وكذا الغرفة الثانية للبرلمان، التي شهدتها المملكة مؤخرا في 2015، لتعيد إلى الأذهان الدور الذي لعبه ولا زال يلعبه الأعيان في مثل هذه المناسبات الانتخابية بالبلاد، منذ أول انتخابات محلية نظمت بالمغرب. فعلى سبيل المثال نجد فوز جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (FDIC) بالأغلبية الساحقة لمقاعد الجماعات المحلية في انتخابات 1963، بأساليب مشروعة وغير مشروعة، وهو حزب وليد اللحظة ودون جذور تاريخية، ودون برنامج مجتمعي واقتصادي ودون أيديولوجية سياسية متكاملة، متقدما بكثير على حزب الاستقلال حين ذاك. بعد ذلك جاء دور الأحزاب الإدارية وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار، ثم الحزب الوطني الديمقراطي والاتحاد الدستوري في عهد الحسن الثاني، والأصالة والمعاصرة في عهد محمد السادس. ففي جل الحالات كانت هذه الأحزاب قريبة من المخزن أو بصم على ولادتها هذا الأخير، والتي طالما نعتت ب" الأحزاب الإدارية" الموالية للنظام.
فرغم ما يقال عن حياد السلطة، وإن كان في الغالب سلبيا، منذ انتخابات 2007 إلى اليوم، تبقى السلطة المركزية ماسكة بالخيوط الرئيسة والأساسية للتو جهات الإستراتيجية العامة لنظام الدولة، حفاظا على التوازنات الداخلية والخارجية واستمرار النظام وتحقيق الاستقرار، خصوصا بإبقائها ودعمها اللامشروط للأعيان الجدد (تجار كبار في كل شيء مقاولون رجال أعمال فلاحون كبار محامون أساتذة وغيرهم)، من أجل التحكم في اللعبة السياسية في المغرب وترويضها لصالحهم.
فما توصلت إليه نتائج الانتخابات الأخيرة 2015 كان متوقعا. فالدولة لا ولم تترك مجالا للصدفة؛ فهي تعمل على السيطرة السريعة والتحكم الدقيق في أي انفلات في النتائج يمكن أن يقع خارج التحكم الدقيق. فاللعبة السياسية في المغرب مغلقة، ومتحكم فيها، إلا أنه يتم استعمال القانون في ذلك، ومنطق التزييف والتزوير ، وهذا كله غايته التحكم والعقلنة بمفهومها السلبي في المشهد السياسي. فإذا تربع حزب العدالة والتنمية على كبريات المدن ومتوسطها في الانتخابات الأخيرة، فوعاء القوة الانتخابية في المغرب لم يستنفذ بعد. فالعالم القروي الذي هو خزان القوة الانتخابية لا زال بكرا، تحقق به الدولة التوازن المرغوب فيه، وتوجيه النتائج حيث ما تريد. بهذا حقق حزب الأصالة والمعاصرة المرتبة الأولى بعدد المقاعد، بفضل ناخبي العالم القروي. هذا المجال الذي لا زال فيه التصويت الفردي والانتخابي المسيطرين والخاضعين لتحكم الأعيان ونفوذهم على المشهد السياسي قديما وحديثا.
ويبقى تراخيَ الدولة في مُحاربة استعمال المال في الانتخابات، بخوْفها من تنامي قوّة اليساريين بالأمس والإسلاميين اليوم. فالدولة تتغاضى الطرف في محاربة استعمال المال في الانتخابات حتى لا يصعد اليساريون والإسلاميون، وهكذا تطوّرَ الفسادُ وأصبح واقع وثقافة، وتأصَّل وتوسّعتْ دائرته لتشمل أحزابا أخرى وليس الأحزاب الإدارية فقط، وأصبح الصراع بيْن أعيانٍ الأمس وأعيانٍ اليوم، بعدما تراجعت الأحزاب الحقيقية، وانتهت السياسة، لكنّنا اليوم في طوْر الانتقال إلى مرحلة أخرى، لم يعد التراجع إلى الوراء ممكنا.
ففي الانتخابات الجماعية الأخيرة، جاء حزب حديث التأسيس وهو حزب الأصالة والمعاصرة في صدارة النتائج، كما هو الشأن في الانتخابات الجماعية التي نظمت في 2009، متبوعا بحزب الاستقلال، ثم حزب العدالة والتنمية في المرتبة الثالثة. إلا أن ما يسترعي الانتباه في التوزيع الجغرافي لنتائج الانتخابات السالفة الذكر، هو أن حزب الأصالة والمعاصرة قد حاز على جل مقاعده في المناطق القروية، في حين كانت الصدارة لحزب العدالة والتنمية في المناطق الحضرية. وهنا الأمر يدعو إلى التساؤل عن سبب فوز هذا الحزب بأكثر المقاعد الجماعية متفوقا بذلك على جميع الأحزاب ذات الثقل التاريخي والديني بالبلاد، وما إن كان للأعيان دخل في هذه النتائج الغير المنتظرة. لأن في المدن الكبرى والمتوسطة ساد فيها التصويت السياسي على البرامج والأحزاب، على عكس المدن الصغرى والقرى التي ساد فيها التصويت الانتخابي على الأفراد من الأعيان الوجهاء.
تعالوا نلقي نظرة على نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية والإقليمية ومجلس المستشارين في انتخابات 2015 ، لنتأكد من عملية التحكم عبر التدخل المباشر والغير المباشر في توجيه التحالفات والناخبين الكبار الباحثين عن من سيدفع أكثر، والخاضعين في غالبيتهم، لعملية البيع والشراء، وذلك نحو تحقيق التوازن الاستراتيجي المضمر والخفي للمشهد السياسي في البلاد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نقرأ توزيع رئاسات الجهات 12، وانتخاب رئيس الغرفة الثانية في المملكة، التي لا تخلوا من خلفيات التحكم والتوجيه الاستراتيجي للبعد السياسي المراد نهجه في البلاد:
فجهة البيضاء سطات (البيضاء): جهة اقتصادية كبرى منفتحة على العالم. وجهة طنجة الحسيمة (طنجة): جهة جيواستراتيجية وبوابة على الغرب والعالم. وجهة الشرق والريف (وجدة): جهة حدودية سياسية مع الجارة الجزائر. وجهة مراكش أسفي (مراكش): جهة سياحية عالمية وفلاحية. وجهة بني ملال خنيفرة (ابني ملال): جهة فلاحية سياحية جبلية، أريد لها جميعا أن تكون للبراليين التابعين للدولة العميقة " حزب البام".
وجهة سوس ماسة (أكدير): جهة فلاحية سياحية. وجهة كلميم وادي نون (كلميم): جهة بوابة الصحراء المسترجعة، أريد لها أن تكون للبراليين التابعين للدولة العميقة " حزب الأحرار".
وجهة لعيون الساقية الحمراء (لعيون): وجهة الداخلة وادي الذهب (الداخلة): جهتا الصحراء المسترجعة، أريد لها أن تكون لحزب الاستقلال، عنوان إعادة إنتاج لتاريخ استقلال المغرب، لتأكيد استكمال الوحدة الوطنية والاستقلال الوطني.
وجهة الرباط القنيطرة (الرباط): جهة العاصمة الإدارية وإمارة المؤمنين، وجهة درعة تافلالت (الراشدية): جهة جذور الدولة العلوية، أريد لها أن تكون للعدالة والتنمية ذات المرجعية الإسلامية.
وجهة فاس مكناس (فاس): جهة العاصمة العلمية والروحية ذات البعد العالمي وعاصمة الأدارسة أبناء السيدة كنزة ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية، وزوجة المولى إدريس الأول. كان لها دور هام في إرساء قواعد دولة الأدارسة, وقد برز وزن هذه المرأة أكثر من خلال تدبيرها لانتقال الحكم إلى ابنها إدريس الثاني وإعداده لتحمل هذه المهمة الصعبة، بعد أن مات زوجها مسموما . لقد أريد لهذه الجهة أن يكون لحزب الحركة الشعبية ذو البعد القروي الأمزيغي، عنوان التصالح مع التاريخ بين النظام الحاكم والأمزيغ.
وأخيرا انتخاب رئيس مجلس المستشارين، عن حزب الأصالة والمعاصرة، بعد أن حصل على 58 صوتا في مقابل 57 صوتا لمرشح حزب الاستقلال. وفي الدورة الثانية حصل غلى 116 صوتا في مقابل أربعة ممتنعين عن التصويت منتمين للكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
ألا نشم في كل هذا، أثر التسلط الإداري والتحكم السياسي والتواطؤ المكشوف والتخطيط المسبق، لإرضاء أعيان حزب من الأحزاب المفضلة، والمراهن عليهم قبل الربيع العربي و 20 فبراير ودستور 2011، ولا زال هذا الحزب ولا يزال يثير الجدل الكبير، ويطمح بإصرار في قيادة الحكومة مستقبلا باسم الحداثة والديمقراطية.
فمنذ تأسيس الأصالة والمعاصرة، أضحى هذا الأخير من أقوى الأحزاب السياسية من حيث عدد البرلمانيين والمستشارين الجماعيين ورؤساء الجهات المنتمين إليه. وما هو ملاحظ بأن للأعيان المنتمون للحزب، أو الذين لهم علاقات ومصالح مع أعضاء هذا الأخير، سواء في القرى أو المدن، اليد الكبرى والسلطة النافذة في هذه المكانة المتميزة للحزب في الحياة السياسية المغربية الجديدة. فهو من الأحزاب التي تم طبخها في ردهات وزارة الداخلية، حيث كان هدفه التنسيق مع السلطات الإقليمية ومع المتملصين من الضرائب وسارقي الأراضي والعقارات والمهربين والمتاجرين في المواد الفاسدة والممنوعات ما ظهر منها وما بطن، لوضع خرائط المجالس والمؤسسات المنتخبة والاستيلاء عليها. وهذا ما يفسر عددا من الظواهر السلبية التي تستشري في المغرب، كقضية الترحال من حزب لآخر، من طرف ذوي المال والنفوذ، وتدخل السلطة و رجالاتها لترجيح كفة هذه الجهة أو تلك، وكقضية العزوف عن الانتخابات لافتقارها للنزاهة والشفافية ومصداقية الأحزاب والمرشحين.. وهي ظواهر لا تزال السلطة وجل الأحزاب الإدارية وغيرها، تساهم في تفشيها واستمرارها.
وليس حزب الأصالة والمعاصرة فقط من يرتكز على الأعيان في الانتخابات. فقد غذت الكثير من الأحزاب المغربية بدورها تسارع الخطى لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأعيان، بغية الظفر بأكبر عدد من المقاعد المنتخبة، والاعتماد على هؤلاء في الانتخابات بدل الاعتماد على برامج عملية، لمعالجة المشاكل التي يطالب المواطنون بحلول لها. فنفور المواطن المغربي من السياسة نتيجة استيائه من عطاء الأحزاب وعدم ثقته بأغلبية السياسيين، دفعت الكثير من الأحزاب المغربية إلى محاولة استقطاب الأعيان في حملاتها الانتخابية.
و يتركز اهتمام الأحزاب المدعومة من لدن الأعيان على المناطق القروية أو التي تعاني من مشاكل اقتصادية. الغرض هو إغراء وإجبار الناخب من أجل التصويت سواء لأحد الأعيان أو أحد المرشحين المدعومين من أعيان منطقته. السؤال الذي يطرح نفسه في الأخير وهو إلى متى سيضل الأعيان الوجهاء يؤثرون على الانتخابات الجماعية بالمغرب وإلى متى ستضل الأحزاب، التي تعتمد على الأعيان الوجهاء، قادرة على جلب أصوات الناخبين المغاربة الذين يتوقون إلى حياة سياسية فعالة، قادرة على معالجة مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، وربح رهان التنمية الجهوية الموسعة والمحلية ؟
بالنظر إلى طريقة اشتغال الأحزاب أثناء عملية انتقاء النخب التي ستأخذ بها غمار المعارك الانتخابية، سواء الجماعية منها، أو البرلمانية، ذلك أن كثيرا من المنتخبين لا يحملون من الأحزاب التي ترشحوا باسمها إلا التزكيات التي في الغالب يشترونها، ولا يتوفرون على أي مشروع نضالي، وليس لهم أي رابط إيديولوجي بأحزابهم ومناضليهم.
وإذا ما حاولنا تقييم نتائج الانتخابات في المغرب منذ 1963 إلى اليوم، فهي متحكم فيها بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، تخضع لمقاييس محددة وعلى المقاس المرغوب فيه من جهة، وعلى حساب المواطنين من جهة أخرى. فلتبرير ما قلته، أسوق حقيقة واحدة يدركها الجميع، هو أن جل المرشحين، إن لم نقل كلهم خصوصا الأعيان، سواء في الانتخابات التشريعية أو الانتخابات الجماعية والجهوية والإقليمية، يتحولون عند نجاحهم إلى صف المخزن ومع المخزن وأصحاب سلطة كموظفي الدولة، لا كممثلي الشعب والمدافعين عن حقوقه ومصالحه، بل يصوتون، في غالب الأحيان، ضد مصالح الشعب، وضد المصلحة العامة. ويتكالبون ضد المواطنين المغلوبين على أمرهم. فأصوات المواطنون، بالنسبة لهم، مجرد وسيلة لا غاية، لتحقيق مآربهم الخاصة. فماذا ننتظر من أمثال هؤلاء؟؟ هنا تحضرني قولة مشهورة ل "أوفقير" وزير الداخلية القوي، رمز المخزن آن ذاك، قال: " ما دمت أستطيع أن أمشي في شوارع بلدي بحرية وأمن، وأتمتع باحترام الناس كرمز للنظام المخزني، فإن المغاربة لا يستحقون بعد الحرية" !! فماذا يريد أن يقول بكلامه هذا يا ترى؟ أليس هو القائل، حسب ما يروى أيضا: "إن المخزن يرى البلد بقرة حلوبا، يراد منا أن نمسكها من قرونها بقوة، حتى تتمكن طفيليات الداخل والخارج من حلبها في أمن وأمان".
لذا، فالامتحان الكبير والحاسم الذي ينتظره المغاربة والأحزاب السياسية، المتصارعة على المرتبة الأولي في الانتخابات التشريعية القادمة، هو التأكد من مدى التحكم السياسي في النتائج وفرض أمر الواقع على المواطنين بعد استعمال أصواتهم، رغم أنه لا فرق بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، فكلاهما خلقا من رحم المخزن وبتزكية منه، لتحقيق توازن استراتيجي عام للمسار السياسي في المغرب، حسب ما تقتضيه الظرفية والمناخ الدولي للتوجه العام لميزان القوى الإقليمي والعالمي.
من هنا يمكن أن نقول: إن مقياس الانتخابات ديمقراطيا، يبقى اختيار ممثلي الشعب النزهاء الأكفاء، وطنيا ومحليا، لتحقيق طموحات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي قد تنعكس عليهم ايجابيا من حيث تحقيق التنمية بأبعادها الشاملة. لكن ممارسة الانتخابات في المغرب منذ الاستقلال، لم تكن لها نتائج ملموسة على مستوى التنمية الشاملة، فلم تتراجع التبعية الاقتصادية، وظل الأداء الاقتصادي لصالح نخبة من الأعيان وأصحاب النفوذ التي تتوسع دائرتهم يوما بعد يوم، بينما ظل الفقر والأمية والبطالة والتهميش يتعمق في بلادنا في كل يوم.
فلإنجاح العملية الانتخابية النزيهة لابد من توفر الإرادة الرسمية لدى الدولة للتفاعل الإيجابي مع مطالب القوى الحية في البلاد والمواطنين، كتعميم التصويت بالبطاقة الوطنية والتخلي عن اللوائح الانتخابية لمحاصرة العزوف الانتخابي وفتح المجال لكل المغاربة الراشدين والمسموح لهم بالتصويت في المساهمة الفعالة في الحياة السياسية والديمقراطية للبلاد، والعمل على تحقيق حلم الكتلة التاريخية التي نادى بها الراحل محمد عابد الجابري، حيث قال " يمكن للعدالة والتنمية وحزبي الإستقلال والتقدم والإشتراكية أن يحققوا أغلبية مريحة في البرلمان.."، وذلك من أجل القضاء على الفساد المستشري في البلاد، ومحاصرة التماسيح والعفاريت والذين على شاكلتهم.
فالمغرب اليوم في حاجة إلى تكتل رصين ناجح، لمواجهة التحكم واستعمال المال، وإنجاح الانتقال الديمقراطي، واستثمار التنوع السياسي الإيجابية الموجود في المشهد السياسي المغربي. وكذا توسيع مجالات حقوق الإنسان وتقويتها وتفعيلها، والعمل على تطوير وتعميق الإصلاحات الدستورية والسياسية الكفيلة ببناء الدولة الديمقراطية الحداثية، ومحاربة الفساد وتفعيل المراقبة والمحاسبة، وإعمال الآليات للتوزيع العادل للثروة الوطنية، وإنجاح الجهوية الموسعة المتقدمة والحكامة الجيدة واحترام القانون، في أفق تطبيق الحكم الذاتي، لمعالجة مشكل الوحدة الترابية، بشكل نهائي متوافق عليه من جميع الأطراف، وكحل سياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، الذي عمر كثيرا بدون موجب حق.
فعلى هذا الأساس، لابد إذن من التفكير الجاد بمساهمة جميع الأطراف، وتفعيل دولة الحق والقانون بالمراقبة الجادة والمحاسبة الصارمة، لإيجاد حل وطني وديمقراطي قبل فوات الأوان، يحفظ للمغرب وحدته وكرامته وعزته، وأمنه وسلامته واستقراره، وكذا تنميته وتطوره وتقدمه.

-------------------------------------
أذ. بنعيسى احسينات - المغرب



#بنعيسى_احسينات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيْلان كردي.. / بنعيسى احسينات - المغرب
- الأقصى يستغيث
- إيلان.. (الطفل السوري الغريق، هروبا من ويلات الحرب والدمار م ...
- مقامات انتخابية.. (سبع مقامات عن استحقاقات 2015) / أذ. بنعيس ...
- تقرير عن الانتخابات.. (لسان حال الأغلبية الصامتة في قصيدة) / ...
- المرأة.. (بين النكد والطموح)
- ماذا عن الحرية الفردية وحرية التعبير والإبداع بالمغرب؟ / أذ. ...
- وجهة نظر في الحرية الفردية وحرية التعبير والإبداع / ذ. بنعيس ...
- قصيدة: ملقبة بالضاد.. / بنعيسى احسينات
- لغة الضاد.. / / بنعيسى احسينات
- لعبة الانتخابات.. (سبع قصائد بعنوان واحد) بنعيسى احسينات - ا ...
- مارد الإرهاب.. / بنعيسى احسينات
- ما بعد الربيع العربي.. بنعيسى احسينات - المغرب
- قصيدة: سباعيات امرأة نكدية.. / بنعيسى احسينات
- مارد الإرهاب.. / بنعيسى احسينات
- ما بعد الربيع العربي.. / بنعيسى احسينات - المغرب
- غزة تستغيث.. (قصيدة قديمة بعنوان جديد)
- وضعية اللغة العربية الفصحى أمام اللهجات المحلية في العالم ال ...
- العلم المغربي واستعمالاته السيئة: وجهة نظر نقدية.. / ذ. بنعي ...
- سيدة السيدات.. / بنعيسى احسينات - المغرب


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بنعيسى احسينات - الانتخابات في المغرب بين الدولة والأعيان / أذ. بنعيسى احسينات - المغرب