11.1.03
بدأت المعركة الانتخابية كمسيرة نصر لقيصر
روماني عائد من القتال منتصرا. يقف الإمبراطور على عربته يتمتع بهتاف الجماهير، ومن
خلفه يترنح عدد من الأسرى المكبلين بالقيود، وهم زعماء حزب العمل.
غير أن هذه المسيرة
المهيبة قد غرقت في الوحل، ومع كل خطوة غرقت اكثر فأكثر. ولأول مرة تظهر إمكانية
يمكن للأسرى فيها قلب الأمور رأسا على عقب والانتصار على القيصر.
بدأت هذه المسيرة في
الانتخابات التمهيدية لحزب الليكود، والتي تمت على خلفية تجارية صرفة، لان
استطلاعات الرأي وعدت الليكود بثلث مقاعد الكنيست على الأقل، و كان من المجدي
استثمار المال في ذلك. دفع السياسيون المال لمتعهدي الأصوات، ومن بينهم مجرمين
معروفين، وقاموا هؤلاء بشرا "أعضاء جدد" لقاء المال. لقد عينوهم أعضاء في مركز
الليكود. لقد عزم أعضاء مركز الحزب، الذين دفعوا أموالا كثيرة، على طلب أسعار باهظة
لقاء دعمهم لهذا الزعيم أو ذاك. كل هذا على أساس تجاري.
كان هذا الموضوع سيمر
بهدوء لولا الكشف عن العلاقة المباشرة بين بعض المرشحين وأفراد الجريمة المنظمة.
فُضح الأمر واضطرت الشرطة إلى فتح تحقيق في الأمر.
إن دخول عالم الجريمة المنظمة إلى
قائمة الليكود للكنيست أنسى الجمهور ظاهرة اكثر خطورة، فبين المرشحين في القائمة
يظهر اسم أحد رؤساء الشاباك سابقا، وقد اعترف انه قد قتل بنفسه، طرقا بالحجارة،
معتقلا فلسطينيا مكبلا بالقيود. في ذلك الحين اصدر رئيس الدولة آنذاك حاييم هرتسوغ
عفوا مستعجلا بحقه، وقد حظي اليوم بمكان مؤكد في القائمة بفضل هذا العمل
بالأساس.
أما المكان الثالث (بعد شارون ونتانياهو) فقد وصل
إليه تساحي هنغبي، الذي بدأ مستقبله السياسي بمجزرة ضد طلاب جامعيين عرب في
الجامعة. وبهدف الحصول على الأصوات، نشر على الملأ قائمة بأسماء 80 من منتفعي
الليكود، الذين قام بإسناد الوظائف اليهم في وزارة جودة البيئة.
إن تنصيب الوصوليين
الحزبيين في مراكز خاصة بالأجهزة الرسمية وفي الشركات الحكومية، يعتبر انتهاكا
للأمانة وانتهاكا لثقة الجمهور. فالجمهور الذي يدفع الضرائب ليس مجبر على تأمين
معيشة هؤلاء الوصوليين فحسب، بل إن تفضيل وصوليين غير مؤهلين على خبراء ذوي طاقات،
تتسبب في إلحاق ضرر جسيم بالجمهور.
(لم يكن محض صدفة أن يفوز هنغبي بهذا المكان
الرفيع، فمن منا لا يذكر الصيحات المدوية "نعم" التي تلقتها ليمور ليفنات عندما
سألت في مركز الليكود "هل وصلنا إلى السلطة لنوزع الوظائف على
الأصدقاء؟")
إن رائحة العفن بدأت تفوح من قائمة الليكود، غير
أن للمخلصين لهذا الحزب كان هناك عزاء ما، فان الشخص الذي يتصدر هذه القائمة لا
تشوبه شائبة، فارس نزيه وعصامي.
وعندها انكشفت فضيحة فاقت في نتانتها ما قد سبقها،
وقد كان في مركزها جلالة القيصر شخصيا.
بدأ هذا عند الكشف عن المستند القانوني، فقد تبين
أن وزارة الخارجية كانت قد طلبت بان تسمح حكومة جنوب إفريقيا لأفراد الشرطة
الإسرائيلية بالتحقيق مع مليونير من جنوب أفريقيا لوجود شبهات جزائية ضد شارون. من
قام بتسريب المستند؟ يشك الكثيرون بوزارة الخارجية التي يترأسها الآن بنيامين
نتانياهو، خصم شارون وأكثر مبغضيه، وقد تدخل الشاباك في الموضوع.
وتروي القصة باختصار،
أن شاورن قد تلقى في الانتخابات السابقة تبرعا ضخما غير قانوني من شركات يكتنفها
الغموض، ولا يعرف مالكوها. لقد طالبه مراقب الدولة بإعادة الأموال، واضطر شارون إلى
تنفيذ ذلك، لأنه لو لم يفعل، لكان عليه دفع غرامة تصل إلى أربعة أضعاف المبلغ،
ولهذا الهدف، حصل شارون على قرض ضخم من مصدر غامض، ويُظن بأنه قد حصل عليه من
المليونير الإفريقي الجنوبي. تم تنفيذ هذه الأمور بطريقة غامضة وغريبة، وتحويل
الأموال عن طريق عدة دول. يرفض المليونير التعقيب على هذا الموضوع رفضا باتا، وكأنه
قام بمخالفة جزائية. عندما تم التحقيق مع شارون بشأن هذا الموضوع في الشرطة، دحرج
الموضوع باتجاه ولديه، عومري وغلعاد، واكتفى بأجوبة مثل "لم أعلم بالأمر"، "إنني
غير متأكد" وما شابه ذلك. وكأن أحدا يمكن أن يصدق بأنه لم يسأل ولديه قبل مثوله
للتحقيق. بهدف فهم هذه الرواية، علينا فهم الخلفية التي تقف من ورائها. لم تكن هذه
هي المرة الأولى التي أيقظت علاقة شارون بالأثرياء من اليهود في دولة مختلفة، العجب
في أذهان ذوي العلاقة، رغم انه لم يتم البت في هذه الأمور بشكل علني.
لقد استقال شارون من
الجيش عام 1973 بعد أن تأكد انه لن يتربع على عرش رئاسة الأركان في مرة من المرات.
بعد عدة أشهر أصبح صاحب اكبر مزرعة في الدولة. صحيح أن جنرالا في الجيش يتقاضى
رابتا لا بأس به (اكثر مما يتقاضى وزير في الحكومة)، ولكن كيف يمكن اقتناء مزرعة
ضخمة كهذه براتب كهذا؟ والإجابة على ذلك: الصديق وقت الضيق.
إن أحد أعز أصدقاء
شارون هو الملياردير الأمريكي الإسرائيلي سابقا مشولام ريكليس، الذي مكن
شارون من شراء المزرعة. ريكليس هو راعي الملياردير الأمريكي الإسرائيلي سابقا أرييه
غنغار، والذي يشغل اليوم المنصب غير الرسمي كمبعوث شارون إلى البيت الأبيض. محامي
غنغار في إسرائيل هو دوف فايسغلس، ويشغل الآن منصب مدير مكتب رئيس الحكومة. أما
المليونير الإفريقي الجنوبي الذي يشغل وظيفة أساسية في هذه الفضيحة فهو ريتشارد
كيرن، الذي خدم في الجيش الإسرائيلي عام 1948. كل هؤلاء الأثرياء يعرفون بعضهم
البعض.
لم يتضح هذا الأسبوع من من بين هؤلاء الأثرياء قدم
المال لشارون، ومن منهم استخدم كتغطية وما هو المصدر الأصلي للأموال، وهل كانت
أموالا بيضاء أم سوداء. كلما زاد إنكار شارون كلما بدا الأمر مثيرا
للشك.
إن العلاقة بين جنرالات معينة وأثرياء يهود في الخارج هي فصل مشوق آخر قائم بحد
ذاته. إنها صفقة ثنائية الاتجاه: الجنرالات يحصلون على مساعدة سخية من الأثرياء،
والأثرياء يحصلون على الاحترام. عادة يكونون أثرياء متعطشين إلى الاحترام، ويؤمنون
بأنهم لا يحظون بالاحترام الكافي في المجتمع غير اليهودي في بلادهم. انهم يقولون،
كلما سنحت الفرصة، "صديقي الجنرال"، ويلتقطون الصور بصحبته في المناسبات الرسمية،
ويستضيفونه ويستضيفهم. عندما كان الجنرال عيزر وايزمان رئيسا للدولة، اتضح
بأنه كان يعيش منذ عدة سنوات على حساب مليونير صديق له. لم يكن وايزمان هو الجنرال
الوحيد الذي تلقى المساعدة من مليونير معجب.
إن إعجاب الأثرياء بالجنرالات هو إعجاب
حقيقي. فمن بينهم من يخجل بهجرته البلاد وعدم خدمته في الجيش، الأمر الذي كان
يعتبر، في مرة من المرات، عارا كبيرا. لقد كنّاهم اسحاق رابين "البقية الباقية من
الضعفاء". قربهم من بطل عسكري معروف يحسن من احترامهم الضائع.
إلا أن القرب من
الجنرالات ليس للاحترام فحسب، فعندما يتحول هؤلاء الجنرالات إلى وزراء في حكومة
إسرائيل، ينتظرون منهم رد الصاع صاعين لداعميهم الأسخياء. من المؤكد أن حقيقة كون
غنغار يدخل إلى البيت الأبيض ويخرج منه بصفته مبعوث شارون لا تلحق الضرر بمنزلته
المالية في الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن حقيقة كونه معروفا كصديق شارون الحميم،
لم تحث السلطات على إبعاد شركته العملاقة "كيماويات حيفا" عن التجمع السكاني في
منطقة خليج حيفا، حيث تشكل هناك، وفق كل الاعتقادات، خطرا محدقا لعشرات الآلاف من
السكان. أن صداقة رئيس حكومة أو وزير، لن تؤذي ثريا أبدا.
هذا كله ليس جديدا.
أما الجديد فهو الضوء الساطع الذي ينير فجأة زوايا كان الظلام يكتنفها حتى الآن. إن
العلاقة، التي تنكشف الآن، بين زعامة الليكود وعالم الجريمة، تتسع دوائرها
اكثر فأكثر، وفضيحة شارون الشخصية، التي تتعقد هي أيضا يوما بعد يوم، من شأنهما أن
يفعلا ما لم تفعله الانتفاضة وسفك الدماء والأزمة الاقتصادية والانهيار الاجتماعي،
وهي زعزعة أسس سلطة الليكود. انظر الهبوط في استطلاعات الرأي من 37 إلى 27
مقعدا.
لقد اقترحت الزاوية الساخرة "دفار أحير" على الليكود شعارا جديدا للانتخابات: "كل
العالم ضدنا ما عدا عالم الجريمة".
هناك مقولة مناسبة قالها قبل 150 سنة اللورد أكطون
"يمكن للنفوذ أن يُفسد، والنفوذ المطلق يفسد إفسادا مطلقا". قليلون يعرفون أن هناك
تتمة لهذه المقولة التي وضعها اللورد: "لذلك يكون العظماء سيئون".