|
حول مؤتمر التطوير التربوي، والعملية التربوية التعليمية ما بين الانتقادات والطرح التقدمي، والأصوات الرجعية
مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)
الحوار المتمدن-العدد: 4981 - 2015 / 11 / 10 - 22:48
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
انعقد مؤتمر التطوير التربوي في 1-اب الماضي، وصدر عنه مجموعة توصيات مهمة. وهنا سنتعرض للنقاشات التي دارت حول المناهج والعملية التعليمية منذ انعقاد المؤتمر الى اليوم. ان أفضل من قام بنقد المناهج التعليمية المعدلة بعد المؤتمر التربوي الأستاذ ذوقان عبيدات، وساهمت كذلك التربوية دلال سلامة وغيرها. ولن نتعرض للتفاصيل التي تعرض لها الأستاذ عبيدات، لأنه يمكن الرجوع اليها في جريدة الغد، لكننا سنقف عند بعض المسائل التي يمكن أن تؤطر هذا النقد، والتي نعتقد أنها ذات طابع شمولي فيما يتعلق بالمناهج وعملية التربية والتعليم، وسنأخذ عددأ من الأمثلة التي ذكرها الأستاذ عبيدات. في مقالاته يشير عبيدات الى تراجعات في عدد من المناهج، منها كتب اللغة العربية، والتربية الوطنية والمدنية الجديدة، وفي هذه الكتب، تم الحديث عن فلسفة التربية في الأردن، المنبثقة من (الدستور الأردني، والحضارة العربية الاسلامية، ومبادئ الثورة العربية الكبرى والتجربة الوطنية الأردنية) ولكن وحدات هذه الكتب لم ترتبط بوضوح بهذه الفلسفة ومشتقاتها، وخلت هذه الكتب ايضاً من موضوعات حقوق الانسان والديمقراطية وحقوق المرأة والطفل، واحتلت مشكلات المرور في كتاب التربية الوطنية للصف السادس وحدة كاملة، اي شهرا ونصف الشهر تقريبا من الفصل الدراسي. وفي هذا الكتاب أفردوا ايات تتحدث عن (الأسرة، الكرم، التسامح، التعاون، الحوار للدعوة الى الله) كقيم تتعلق بالمسلمين وحدهم، وهذه تلغي الاخرين ومن يعتنقون ديانات أخرى من الأردنيين تماماً. وفي كتاب اللغة العربية للصف السادس، يتحدث الدكتور عبيدات عن المضمون الديني البحت لكتاب (لغة عربية)، وتحدث ايضاً عن احتوائه على جمل غير مفيدة ولا تعطي اي معنى وأي توجه للطالب، فمثلاً يورد عبيدات انه في درس التعبير (ص 13)، يطلب من التلميذ كتابة فقرتين مسترشداً بجمل معينة، حيث وضع الكتاب سبع جمل منها خمس دينية، مثل: الإيمان بالله تعالى، المحافظة على الصلوات، الأمر بالمعروف، طاعة الوالدين ما لم يأمراك بشرك، ويكتب عبيدات عن حق: (لو يرشدني أحد، لماذا سيأمر والدان ابنهما في الصف السادس بالشرك؟) عدا ايضاً عن الأدوار الذكورية والأنثوية المفصلة بشكل نمطي في الكتب المدرسية، والتي يفصلها عبيدات في مقالاته. ويتعدى هذا ايضاً محاولة ربط الدين بالعلم، عبر الايات القرانية الموجودة في كتب الكيمياء والفيزياء. وسنلخص هنا وبشكل موجز وسريع، العقبات التي تقف أمام تطوير المناهج التعليمية في الأردن، والتي نستمدها مما قاله الدكتور ذوقان عبيدات: ان وزارة التربية والتعليم تحاول دائماً ان تقوم بتطوير المناهج التعليمية، ولكن ما يعيب هذه المحاولات هو ان بعض من قادوا مؤتمر التطوير التربوي الأخير لم يسهموا طوال حياتهم المهنية ولو بورقة عمل قصيرة، في أي مجال. وتقحم الوزارة الدلالات الأسلامية كأسس لعملية تطوير التربية، وأن رفض هذه الأسس يأتي كرفض لتلك الدلالات نفسها، بالتالي، فهي تحاول أن تضع هالة من القدسية حول الفلسفة التربوية، تمنع اي جهة من نقدها، وتقف عقبة ايضاً في وجهة تطوير المناهج، وتأتي الثقافة التقليدية للوزارة، وثقافة المعلمين المحافظة، والتي تعج بكل ما هو أصولي. وأن مجلس التربية –وهو المنوط به مراقبة ما في داخل الكتب وبشكل حرفي– ليس في وضع يمكنه من مراقبة محتواها، فأعضاؤه وزراء أو شخصيات تمثيلية غير مهتمة، ولم يختاروا بأسلوب مهني. من وجهة نظرنا، فان المشكلة المتجذرة في مدارسنا تتجلى في تدني التحصيل المعرفي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية لدى المتعلمين، اما منشأ هذه الأزمة فيعود، برأينا، الى (طغيان النزعة الكمية "كم المعلومات" على المناهج المدرسية) في زمن صارت فيه المدرسة عاجزة عن أن تحتكر المعارف لوحدها، يقول عبيدات إن مناهجنا "ثقيلة وطويلة، لا يمتلك المعلمون وقتًا لمناقشتها مع طلابهم"، لافتا إلى دراسات تقول إن المنهاج الدراسي الأردني "بحاجة إلى 16 شهرا للإحاطة الصحيحة به، وليس إلى 9 أشهر كما هو الآن".. اصبح سؤال التعليم ليس توصيل المعلومات بشكل كفؤ، وانما كيف نحشو ادمغة الطلاب في اثني عشرة سنة بمعلومات، وهو ينسى في كل سنة ما تعلمه في السنة التي سبقتها، ولا يتخرج الا وهو لا يعرف الا مبادئ القراءة والكتابة والحساب ونتفاً من المعلومات، وهذه تسمى امية وظيفية بالمناسبة. في عملية التعلم الخطي هذه تصبح الكتب الدراسية واساليب التعليم مملة ورتيبة، تخنق روح الابتكار والابداع بين الطلبة. وما يهمنا، ان هذه المعلومات تظهر في وعي الطالب منفصلةً عن بعضها البعض بحيث لا تسطيع ان تفسر، لا الطبيعة ولا المجتمع. وفي هذه الحالة، وفي مناهجنا، تقدم المعلومات للطلاب بشكل تجزيئي حسب صعوبتها، كل في مرحلتها، على اعتبار، ان تقديم هذه المعارف التجزيئية بعد انهاء المراحل التعليمية، يعني اكتمال المعارف بشكل نهائي، وبالمناسبة نشير، الى أن هذا النهج، هو نهج علم التربية السلوكي الذي انتشر بالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدايات القرن العشرين، وحتى نهاية منتصفه، طبعاً يختلط هذا النهج في الأردن بتزويده بحقنة دينية كبيرة. وهنا نطالب بجعل المناهج المدرسية أقل كثافةً من حيث المحتويات المعرفية، وأكثر تركيزاً على الأنشطة والطرق التي تسمح للمتعلم بالوصول الى المعلومة بمساعدة المدرس، لا العبور اليها من خلال ما أملاه المدرس، عبر منهاج ملئ بالتساؤلات والدعوة الى البحث، وبالتالي مكتبة مدرسية تسنده لكي يبحث. يتطلب اعتماداً على منهج تربوي مماثل (كمي)، وضع نمط معين من الامتحانات تقوم على قياس (التحصيل الكمي-الكلي) لما تم حفظه. يقول التربوي ذوقان عبيدات انه حين تفكر الوزارة بإصلاح التعليم، فإنها تفكر في الاختبارات التحصيلية التي تقيس المعلومات، والوزارة لا تجرؤ على وضع سؤال من خارج الكتاب، لأنها دربت معلميها على التلقين، ودرب هؤلاء طلابهم على التلقين وهو يؤكد ان إصلاح التعليم القائم على زيادة الامتحانات، لا يعكس أي افق تربوي. وبالتأكيد هذا ينبثق عن تعريف الوزارة الطالب (الناجح) بأنه: من استطاع إعادة المعلومات، التي قرأها إلى ورقة الامتحان. وتعرف من لا يستطيع بالطالب الراسب، وربما المهمل، وفي أفضل الأحوال من لم يحالفهم الحظ. وهذا تعبير شبه رسمي من الوزارة، كما يقول عبيدات. يجب أن نشير الى أن هذا النوع من الامتحانات الذي يقيس (المحصلة النهائية) لدرجة الطالب: 1- لا تعكس بحق حتى مستوى حفظ الطلاب، لأن كثيراً من الامتحانات تأتي بعدد معين من الأسئلة التي لا تشمل كل المنهاج، بالتالي، فانه يمكن أن يحالف الحظ عدداً من الطلاب الذين حفظوا جزءاً من المنهاج في الاجابة عليه، اما جزء اخر منهم فلن يحالفهم الحظ في حفظ (كل شيء). وهنا يجب أن تطبق الوزارة (بعد تغيير منهجية وضع المناهج) استخدام أنواع مختلفة من الامتحانات، وتشمل الامتحانات الشمولية، والتي تفحص فهم الطلاب للمنهاج ككل، وتفحص مدى قدرتهم الاستيعابية والتفكيرية والقدرات التحليلية، على مستويين، يهدف المستوى الأول الكشف عن حجم المساعدة التي يحتاج إليها المفحوص لحل المسائل والمشكلات التي يتضمنها الامتحان، أما الثانية فتخصص لدراسة قدرات المفحوص على حل نفس المسائل والمشكلات بصورة مستقلة وبدون مساعدة من أي طرف، وهكذا يصبح الامتحان (جزء من مسار التعليم والتعلم)، وليس هدفاً في حد ذاته، كما هو حاصل. 2- تعمل على بروز النزعة الفردية لدى التلاميذ، وتفشي ظاهرة الغش والمنافسة السلبية. ومن هنا فان الامتحانات برأينا، التي تعتمد عليها مدارسنا، ليست مجدية، دون مراعاة مستوى التطور الذي وصل إليه التلاميذ. ولذا فإن هذا المستوى ينبغي أن يكون القاعدة التي يُبنى عليها التعليم. ومن نمط المناهج (الكمية) هذه، ونمط الامتحانات، والثقافة السائدة، ينبثق التلقين. يقول التربوي عبيدات: (ان تفكير الوزارة الحالي-كما السابق-هو في تحسين تحصيل الطالب من خلال معلومات مؤقتة، يتركها بعد الامتحان). ونحن نشير الى أن اسلوب التلقين يشجع الاتكالية والسلبية، وبعيداً عن تقديم المعلومات بالفهم والتطبيق والتجريب، والربط بينها وبين مشكلات التلميذ، يؤدي الى تقليل ميل التلاميذ نحو المادة المدروسة. ويساعد هذا الأسلوب على اضعاف قدرة التلاميذ على الفهم والتحليل وحل المشكلات والاستنتاج والتفكير الناقد ويشجع القبول الأعمى للمادة، ويحصر دور المتعلم في الاستماع ويحرمه من المشاركة في المواقف التعليمية ويقلل من فرصة التفاعل بينه وبين المعلم من ناحية، وبينه وبين المادة الدراسية التي تصبح غاية، من جهة أخرى. ونقول بهذا الصدد أن التلميذ ليس (لوحةً بيضاء) يكتب عليها ما نشاء، وليس (موضوع) للعملية التعليمية، بل يجب أن يكون مشاركاً اساسياً في هذه العملية. يهمل التلقين حاجات الطلاب واهتماماتهم ولا يراعى الفروق الفردية بينهم، وهنا نشير ايضاً، انطلاقاً من تعريف القدرات بأنها الخصائص النفسية الفردية التي يرتبط بها اكتساب المعارف والمهارات وتؤدي إلى التفاوت بين البشر، وتجعلنا نميز إنساناً عن إنسان آخر، وهي ليست مجموع ما يتمتع به الإنسان من معارف ومهارات. فالقدرة هي الإمكانية، والمعارف والمهارات هي الواقع. ووجود القدرات عند المرء ليس كافياً ليكون في المستقبل ماهراً في المجال الذي يتطلب تلك القدرات. فليس بوسعنا أن نجزم بأن التلميذ الذي يتمتع بقدرات فنية، مثلاً، سيكون بالضرورة فناناً في المستقبل. ولكي يصبح كذلك لابد من تعليمه قواعد الفن وأصوله وتشجيعه، وتوفير كافة الشروط المادية والاجتماعية والنفسية اللازمة للاستمرار في ممارسته هذا اللون من النشاط. وفي مدارسنا، لا تراعى الفروق في القدرات، ويأتي التلقين، كأسلوب متجذر، ليعتبر الجميع في سوية واحدة من تلك القدرة. وقد يعيب علينا بعض التربويين انتقادنا الدائم لمبدء (الحفظ، الاستظهار)، وهنا يجب أن نشير الى نقطتين اساسيتين: 1- هناك فرق شاسع بين الحفظ والاستظهار لمواد الدراسة التي تنقطع عنها نهائياً المعالجة المنطقية والتحليلية-وهذا ما نعيبه- وبين الحفظ والاستظهار المرافق لعملية التحليل المنطقية والتساؤل والتعمق في الموضوع. 2- والاستظهار (الحفظ)-كمرحلة ضرورية من مراحل التحليل-يجب أن تصاحب وسائط معينة (اللعب، التجربة، النقاش المثير)-وهو ما يغيب على الأغلب في مدارسنا-تساعدهم على التذكر اثناء النشاط، وهنا تكتسي المعلومات المحفوظة طابعاً ثقافياً، وتظل قدرة التلميذ على التذكر محدودة في غياب التفاعل مع ذوي الخبرة والقدرة العالية. ونشير أنه في مدارسنا (في حصص وقت الفراغ) يترك الطلبة للعب لوحدهم، دون اشراف منهجي من قبل اساتذتهم، مما يحول هذا اللعب (المفيد تربوياً، وتعليمياً) الى فوضى وعراك. وهنا نقول بأن التلاميذ الصغار يحتاجون (بما هم أطفال) الى اللعب، وتربوياً يطور اللعب باشراف الأساتذة المختصين، التفكير المجرد، وضبط الذات، وهو كنشاط (رائد) لا (زائد) يعتمد على الخيال ويخلق النمو بأفعال تفوق ما يستطيع القيام به في الواقع، ويخلق قاعدة أوسع للتغيير في الحاجات والوعي، ويؤدي- اثناء اداء أدوار (شرطي المرور، سائق حافلة، فلاح)- إلى تشكی-;-ل خطط أكثر تعقی-;-دا لحل المشكلات. في مناهجنا تغيب ايضاً حصص التربية المهنية، وتعتبر حصص وقت فراغ ولا تحسب من (المنهاج)، و نحن نشير الى انها مناهج غنية، وتحتوي على قدر كبير من امكانية تطوير قدرات الطلاب الذهنية واليدوية. ويغيب ايضاً وبنفس الطريقة مادة الرسم، كحصة (فراغ)، ويبدو أنه يغيب عن أذهان القائمين على عملية التعليم في الأردن بأنه عدا عن أن الرسم يطور الملكات الجمالية عند التلاميذ، الا أنه (ايضاً) ومن الناحية المعرفية و(النمائية) يساعد التلاميذ من سن السادسة والسابعة والأكبر سناً على تذكر المادة (الكلمات)، عبر اتخاذ الرسم وسيطاً لحفظ الكلمات واسترجاعها، على اساس أن التذكر في المراحل العمرية الصغيرة تكون في البداية خارجية ومباشرة، وأن الوظائف النفسية العليا كلها، بصورة عامة، تتشكل وتتطور على هذا النحو. حيث تبدأ من الخارج ومع الموضوعات المادية، وتتحول تدريجياً إلى الداخل بمساعدة الرموز والإشارات، عند الأكبر سناَ.
وليس اخراً، أود أن اتعرض لبعض ما قاله علي العتوم في مقالاته في السبيل حول المناهج رداً على التربوي ذوقان عبيدات. طبعاً لن نناقش دفاعه المستميت عن مفاهيم الجهاد والقتال في المناهج الأردنية، لأن هذه المفاهيم هي جزء لا يتجزأ من طبيعة تفكيره، ولكننا سنناقش مسائل (قد) تختلط على قارئ مقالات العتوم، لكي نوضحها، من وجهة نظرنا. يقول ذوقان عبيدات، بأن (وزارة التربية تمتلك ثقافة تقليدية، لا تستطيع دائما، التعبير عنها بصراحة، فلا تستطيع نشر كتب ومناهج مخالفة للمنطق والتفكير والعلم، فهذا هو المصدر الأول للمنهج الخفي، انه يظهر في زلات اللسان والسهوات، واستخدام الدرك والدعوة الى تعليم الستينيات، وربما الكتاتيب والتعليم العثماني التركي)، وهو هنا-كما نعتقد- يقوم بتشبيه، الثقافة السائدة لوزارة التربية والتعليم، كمن يدعو الى التعليم العثماني. ويعترض على العتوم عليه فيقول: (ومما يرجح ذلك غمزه تعليم الكتاتيب والتعليم العثماني اللذين كانا يركزان على تعليم القرآن ودروس اللغة العربية والحساب . وهما - وإن كانا مما يغيظه – اللذان كان لهما الفضل في التخفيف من حدة الأمية بين الناس والمرحلة التي انتقلنا فيها من التعليم القديم إلى الحديث . أما التعليم العثماني خاصة فهو الذي حفظ علينا - رغم أنوف المغيظين – مبادئ ديننا ولغتنا وحدود أوطاننا). لا شك، في أن العتوم يدافع هنا، وبشكل شرس عن الامبراطورية العثمانية التي أغرقت منطقتنا العربية بالجهل والأمية، ولنفترض (جدلاً) بأن عمليات التعليم التي سادت في زمن العثمانيين قد ساهمت في القضاء على نسبة من الأمية في ذلك الوقت. الا أنه-من وجهة نظرنا- فان الطامة الكبرى، هو أن مناهجنا، تعتمد على تعليم المبادئ التي ذكرت وحسب، الا وهي القراءة والكتابة والحساب، وبما أن النتائج الدراسية لمعظم طلابنا لا تتعدى هذا الاطار (اي الجهل الوظيفي)، فان السيد العتوم يطالبنا بالبقاء في هذه (العثمانية)، (القراءة، الكتابة، الحساب)، وهو لا يدري، بأن التعليم (الحقيقي) يهدف إلى إكساب المتعلمين التجربة الاجتماعية التي تتضمن الأدوات –الإشارات (اللغة، الرموز، الجداول، المخططات...) والمعلومات والمهارات. وبصورة محددة وواضحة فإن التعليم يسعى إلى تزويد الدارسين بما حصلت عليه البشرية من معلومات حول الظواهر الطبيعية والاجتماعية، وإكسابهم ما عرفته من مهارات (الكتابة، القراءة، العد، استخدام الأجهزة والآلات..)، وتكوين القدرات العقلية لديهم عن طريق استيعابهم لما أوجدته من لغة ورموز ومخططات وعلاقة مركباته وعناصره بالواقع. لذلك، فاننا نرى، بأن مأخذ ذوقان عبيدات على وزارة التربية في البقاء داخل اطار (العثمانية: القراءة، الكتابة والحساب)، هو مأخذ صحيح ولا تشوبه اية شائبة. وفي مكان اخر، يقول العتوم، اعتراضاً على ما يطالب به ذوقان عبيدات من اعطاء مزيد من الحرية للطلاب: (إنه ليس صحيحاً ما يقوله بأن الطالب لا يُعطى حرية في المدارس ، بل لقد أُعطِيَ حرية زائدة فانفلت التعليم وضاعت سلطة المعلم وتمرد عليه الطلاب، ويكمل لاحقاً: (إنّ ما تشير إليه توجهات مقالة الدكتور المحترم هو سياسة التغريب والانفلات وفقدان الهوية والتميع والضياع ، بل إن ما تدعو إليه - بطريق مباشرة أو غير مباشرة أراد هو أو لم يرد ، ولا سيما في قضية المناهج الخفية – زرع ثقافة الشك في الأساتذة والمديرين إلى درجة التجسس عليهم وإحصاء أنفاسهم وهمساتهم). وانطلاقاً من مجمل كتابات الاستاذ ذوقان عبيدات، فانه كما نرى، يطالب بأن يكون الطالب جزءاً من العملية التربوية، لا (موضوعاً) لها، وهو يطالب ايضاً بأن يكون الطالب فاعلاً في مجمل النشاطات والحوارات، لا متلقياً سلبياً للمعلومات، هذا ما يقصده الأستاذ ذوقان عبيدات. اما بالنسبة للعتوم، فهو يريد علاقة سلطوية على الطالب، فهو يقول (وضاعت سلطة المعلم وتمرد عليه الطلاب)، وهو يتصور، بأن علاقة المعلم بالطالب، هي علاقة ثنائية، اما ان يكون هذا الطرف مسيطراً أو ذاك. اننا نقول للعتوم ولكل من يتصور العملية التعليمية بهذا الشكل، أن الإنسان يعتبر مركز العملية التربوية وهدفها الأساسي، وعلى الأهداف التربوية أن تتضمن تصميماً للشخصية، واضح الأبعاد والمعالم. إن أهداف التربية تتطلب من المربي (المعلم)، فضلاً عن معرفته بخصائص التطور النفسي عند المتعلمين، اهتماماً كبيراً ومتابعة مستمرة لأفعال وتصرفات المتعلم، والوقوف على الجيد والسيء منها، والصواب والخطأ فيها ليكون بمقدوره تعيين موقع الطفل من المسار الصحيح للتطور. ان العملية التربوية، بما هي زيادة وتحسن في قدرة التلميذ على حل المشكلات التي تعترضه، تأتي نتيجة المساعدات التي يقدمها الكبار له. وتركز النظريات التربوية التقدمية، والجدلية، على دور الكبار في التطور النفسي للطفل والتلميذ، وهؤلاء الراشدين هم الذين يتولون تقديم هذا العالم له وتوجيهه فيه بواسطة اللغة، مما يعني أن المعاشرة التي تتخذ صورة النشاط المشترك بين الراشد والطفل هي شرط ضروري ليتمثل الطفل التلميذ ثقافة مجتمعه. ان المرشد، المعلم، الراشد، مدعو الى العمل على تنمية علاقات التعاون والتكاتف لدى المتعلمين، دون أن يعني ذلك انصهارهم في جسم واحد، بمعنى أن المعلم مطالب بتنمية استقلالية المتعلم التي تعني في الوقت ذاته مساعدته على تنمية شخصيته من خلال اكسابه الثقة في نفسه سواءاً عبر اثبات حضوره أو عبر التعبير عن رأيه، وايضاً من خلال اصغائه بشكل جيد الى اراء غيره من المتعلمين وتقبلها حتى وان كانت مناقضة لأفكاره، وتقديم المتعلم، الاحترام للمعلم. هذه هي العلاقة الجدلية، والمعقدة، بين المعلم والمتعلم، هذه العلاقة المبنية على الانسانية، والاعتماد، والارشاد. وليس كما يتصورها العتوم، كعلاقة سلطة أحدهما على الاخر. ان فهم هذه العلاقة يتطلب وعياً ضخماً وجدلياً للمسائل التربوية، وليس تصوراً أبوياً سلطوياً عن عملية التعليم والتعلم.
#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)
Malik_Abu_Alia#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابواق الدعاية الدينية المحافظة فيديو (قانون الأرزاق)
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|