|
تأجج نار الاحتجاج بقطاع التعليم بالمغرب في مواجهة اللامبالاة والتجاهل الحكومي
خالد جلال
الحوار المتمدن-العدد: 1363 - 2005 / 10 / 30 - 12:40
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
إن المتتبع لما يطرأ على الساحة التعليمية ببلادنا منذ سنوات وما يعرفه نظامنا التعليمي من اختلالات بنيوية تكاد تمس مختلف جوانبه، يكاد لا يصاب بالاندهاش لما آلت إليه أوضاع قطاع التعليم كنتيجة حتمية لذلك من جراء السياسات التعليمية الفاشلة والحلول الترقيعية والمناسباتية التي اعتمدتها الوزارة لتفرز لنا في نهاية المطاف تعليما رديئا ومستوى متدني بالرغم من المحاولات الإصلاحية التي ما زالت تنفرد بها الجهات الحكومية أو تقحم الموالين لها لإضفاء الشرعية للقرارات المتخذة في تدبير الشأن التعليمي. فعوض أن يلمس المواطنون والفاعلون التربويون والفرقاء الاجتماعيون تحولا ولو نسبيا وتطورا ولو بطيئا في اتجاه الرقي بالمنظومة التربوية إلى أعلى المستويات وجعلها تواكب القرن الواحد والعشرين، تتفاقم المشاكل وتتجذر وتزداد بالتالي الأمور سوءا سنة بعد أخرى لأن التوجهات الأساسية للحكومة مبنية أساسا على ضرب المدرسة العمومية المغربية وعلى تسليع التعليم وجعله بضاعة رخيصة والعمل على خوصصته وفتحه لطبقة معينة للاستثمار فيه كباقي القطاعات الأخرى. لقد كان من المتوقع أن يعرف بداية الموسم الدراسي الحالي تعثرات خطيرة وفوضى عارمة شملت مختلف نواحي نظامنا التعليمي نتيجة تراكم وتفاقم المشاكل منذ السنوات الفارطة نظرا: أولا لعدم التعاطي الإيجابي للوزارة الوصية معها وكذا مع الملف المطلبي لنساء ورجال التعليم، وذلك بنهجها أسلوب التماطل والتجاهل والاستخفاف. ثانيا، نظرا لما كان متوقعا أن تخلفه عملية "المغادرة الطوعية" من خصاص وارتباك وما ترتب عنه من ارتجالية وعشوائية في حل المشاكل المرتبطة بهذه العملية. فكانت النتيجة بأن لازال العديد من التلاميذ بدون مدرسين في مواد مختلفة بجميع الأسلاك ومدرسون تسند لهم مواد دراسية بعيدة عن تخصصهم وأقسام مكتظة في المجالين الحضري والقروي وأقسام مشتركة يضطر معها المدرس إلى إعطاء دروس لمستويات الثالث والرابع والخامس والسادس ابتدائي لمادتي العربية والفرنسية (ما يسميه البعض بـ "سلسلة" ) والتخفيض غير المبرر لعدد الحصص الدراسية للعديد من المواد بالإعدادي والثانوي قصد تفيييض بعض المدرسين وسد الخصاص بهم بمؤسسات أخرى لا يهم أين تقع على الخريطة دون مراعاة الجوانب الاجتماعية والنفسية لهؤلاء المدرسين ودون مراعاة الجانب التربوي المتعلق بضرورة الالتزام بعدد الحصص الأسبوعية للمتعلم في كل مادة حتى يتسنى له بلوغ مستوى معين بها يمكنه من ولوج مستويات أعلى . ونتيجة لكل هذا، وبعد تأكدها القاطع من فشل الوزارة وحتى الحكومة في تدبير الشأن التعليمي ببلادنا وأمام الاستمرار في تجاهل المطالب العادلة للشغيلة التعليمية، دشنت أغلبية النقابات التعليمية الموسم الحالي بإضرابات وطنية واحتجاجات واسعة بمختلف الجهات والنيابات للتعبير عن سخطهم وتذمرهم لما آالت إليه أوضاع قطاع التعليم والعاملين به من جهة، ولثني المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي على الجلوس إلى طاولات الحوار للخروج من الأزمة الخانقة التي أصبح التعليم يعيشها منذ سنوات ولإيجاد حلول منصفة وعاجلة للملفات العالقة التي ما فتأت الوزارة تؤجلها معتمدة في ذلك على إطلاق الوعود الشفوية لحلها سواء لربح مزيد من الوقت وبعض الملايين من الدراهم من مستحقات المالية لنساء ورجال التعليم أو لتوظيف هذه الملفات في حملات انتخابية كما حصل في السابق. لقد توسم نساء ورجال التعليم خيرا عندما قررت النقابات التعليمية (الجامعة الوطنية للتعليم –إ م ش- الجامعة الحرة للتعليم –إ ع ش م- الجامعة الوطنية لموظفي التعليم –إ و ش م- النقابة الوطنية للتعليم –ف د ش- ) خوض الإضراب الوطني ليوم 7 أكتوبر 2005 رغم ما قيل عنه في أوساط الشغيلة التعليمية ومتتبعي الشأن التعليمي بأنه إضراب "المخزن" أو إضراب دفعت به الوزارة لغرض في نفس يعقوب
وغير ذلك من التأويلات. لكن ورغم كل ذلك، اعتبر العديد من نساء ورجال التعليم أن اتخاذ قرار الإضراب من طرف أربع نقابات قرار صائب وفي وقت جد مناسب لضرب ناقوس الخطر بقطاع التعليم بسبب التدهور الملحوظ لمنظومتنا التربوية والعشوائية المقصودة أحيانا في حل مشاكل القطاع والعاملين به. كما يعكس قرار الإضراب مدى حجم المشاكل المتراكمة والعدد الهائل من الملفات العالقة (ملفات التسويات المادية للترقية الداخلية والرتب، ملفات الالتحاق بالزوج للأسر التعليمية المضربة عن الطعام ... ) ومشاكل العديد من الفئات التعليمية المتضررة (أساتذة الإعدادي، المجازون، العاملون بالعالم القروي، المكلفون بالإدارة التربوية، موظفات وموظفو القطاع المشترك، الأعوان والإداريون، هيئة التفتيش، هيئة الاقتصاد، المبرزون، المدمجون . . .) التي أصبحنا نحفطها عن ظهر قلب من جراء تداولها وتناولها بصفة متكررة ودائمة في مختلف بيانات وبلاغات مختلف الهيئات النقابية. أضف إلى ذلك أن قرار الإضراب جاء نتيجة للامبالاة التي أصبحت الوزارة تتعامل بها مع هذه النقابات، وذلك بعقد لقاءات متكررة وصورية واجتماعات ماراطونية وشكلية وحوارات مغشوشة لا تفضي إلى نتائج ملموسة واتفاقات ملزمة لكافة الأطراف من شأنها أن تذيب الجليد وتساهم بشكل فعال في تجاوز الأزمة وفتح قنوات تواصلية مبنية على التشاور وفلسفة تشاركية بين مختلف المتدخلين في قطاع التعليم من أجل بناء نظام تعليمي يرقى لطموحات المواطن المغربي. لكن الوزارة، وللأسف الشديد، لم تكن لها رؤية واضحة واسترتيجية معينة للنهوض بقطاع التعليم بالرغم من التطبيل للميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ساهم في تأزيم القطاع وبالرغم من التهليل لمنتديات الإصلاح عبر إطلاق شعار الجودة التي لن تتحقق في ظل الظروف التي يعرفها القاصي والداني التي يتخبط فيها قطاع التعليم والعاملين به. فبعد النجاح الكبير الذي عرفه إضراب 7 أكتوبر وأمام استمرار نفس التعامل الحكومي الذي يتسم بالتجاهل والتماطل في تسوية مختلف الملفات العالقة وعدم استعداد الوزارة الوصية لحل المشاكل المتراكمة، قررت نفس النقابات التعليمية خوض إضراب ثاني يوم 25 أكتوير 2005 من أجل الضغط على الجهات المسؤولة للجلوس إلى طاولة الحوار لإيجاد حلول عاجلة وعادلة للملفات العالقة. لكن ثلاث نقابات تعليمية قررت تعليق الإضراب قبل يومين فقط من تاريخه دون التوصل إلى أي اتفاق مع الوزارة الوصية حول الملف المطلبي لنساء ورجال التعليم، بينما تمسكت الجامعة الوطنية للتعليم التابعة للإتحاد المغربي للشغل بقرار الإضراب بعدما تبين لها بعد عقد اجتماع مع وزير التربية الوطنية يوم 20 أكتوبر أن هذا الاجتماع كان اجتماعا شكليا ومغشوشا وكان مناسبة أخرى للتماطل والاكتفاء بإطلاق وعود شفوية محاولة منه إطفاء نارالاحتجاج التي أصبحت تتسع دائرتها مع مرور الوقت. لكن اللافت للنظر الدور التعتيمي والتمويهي الذي لعبته القناتين التلفزيتين في مغالطة نساء ورجال التعليم من خلال الخبر الذي أذاعته يوم الأحد 23 أكتوبر والذي مفاده أن النقابات التعليمية قررت تعليق إضراب 25 أكتوبر دون الإشارة إلى التمسك به من طرف الجامعة الوطنية للتعليم (إ م ش)، الشيئ الذي اعتبرته الجامعة تشويشا على الإضراب ومسا خطيرا لممارسة هذا الحق الدستوري وكذا انتقاما منها لرفضها تزكية الحواررات المغشوشة والدخول في الحسابات السياسية والانتخابية للنقابات الحزبية. وبالرغم من تكالب مختلف الأطراف، الحكومية منها وغير الحكومية، ومحاولتها محاصرة الجامعة الوطنية للتعليم وتسخير مختلف الوسائل المتاحة لإرغامها على التخلي عن الدفاع عن الحقوق العادلة والمشروعة للشغيلة التعليمية، فقد عرف إضراب 25 أكتوبر 2005 نجاحا كبيرا عكس ما توقعه أعداء الأسرة التعليمية بل وشارك فيه منخرطون من النقابات المنسحبة من الإضراب معبرين بذلك عن قناعتهم بالموقف الإيجابي والسديد للجامعة الوطنية للتعليم التي ما زالت متمسكة بالخط النضالي الذي رسمته منذ عقود في سبيل الوقوف بجانب نساء ورجال التعليم في مختلف المحطات صونا لكرامتهم وحفاظا عن مكتسباتهم وانتزاع المزيد من الحقوق.
#خالد_جلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقابة الصحفيين الفلسطينيين تطلق حملة صحفيات بزمن الحرب
-
الحكومة الجزائرية : حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر
...
-
تأكيد المواقف الديمقراطية من الممارسة المهنية وعزم على النهو
...
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|