|
دواعي تقدم الأمم..
محمد البورقادي
الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 16:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في الوقت الذي عزمت إيران على النهوض وأبانت عن طاقاتها ..كانت دول الخليج تحفر آبار النفط وتنقب على البترول وتكشف المعادن والثروات الطبيعية في باطن الأرض ..وفي الوقت نفسه كانت معضم دول الشرق الأوسط في صراع مع الحراك الإجتماعي وآليات إنتاج التنمية والرفع من قيمة الصادرات لتحسين نسبة النمو لا لتحقيق الإكتفاء الذاتي ولكن لتصريف فوائد القيمة المضافة على استيراد الأسلحة وتسديد الديون الخارجية وجلب المواد المصنعة .. إن عجلة اقتصاد هاته الدول يتحكم بها الإنتاج الفلاحي في المركز الأول ..وبالتالي فميزانية الدولة رهينة بمدى خصوبة وشساعة الأرض وكذا بمردوديته خلال السنة الفلاحية ..فهي في صراع دائما لتحقيق الإكتفاء ولتصدير ليس الفائض كما تفعل الدول الكبرى ولكن الأجود والأصلح ..فالملاحض الملي يدري أن ما يلفض من بلاده أفضل بكثير مما يصله إلى سوقه وماعساه يفعل وبلده محاصر بعقول ميتة لا تنتج إلا مما تأكل !! وحاجيات الراهن تتضاعف بكثرة العرض وبقوة الإنتاج العالمي وبوفرة الأسواق الحرة والشركات القومية .. وقد يلوم المسكين نفسه ويقول ماجدوى تعاقب الحكومات ووصول الأحزاب المنتخبة إلى الحكم وقد كانو يتشدقون من قبل بشعارات فارغة توعِد بالإصلاح ومحاربة الفساد وتسريع وثيرة الإنتاج وينادون بجودة التعليم وبالتوضيف المباشر وبإصلاح البنية التحتية لتلحق بالركب العالمي وبالنموذج الكوكبي .. وهو حين يقول بذلك لا يفقه كنه العلاقات المتشابكة وتكامل الحلقات في بينها ..فميزانية الدولة المرهونة بالمدخول الفلاحي المرهون بدوره بالتساقطات المطرية بالإضافة إلى ضرائب الملك الغابوي وأراضي الحبوس وضرائب الدخل ..لا تكاد تكفي لسد كامل النفقات المتزايدة والطلبات المتضاعفة لتنمية الإقتصاد الوطني والرفع بعجلة التنمية ..فتضحى عاجزة لقلة مواردها رغم كمّها ..والكم ليس كالكيف كما تعلمون .. ذلك أن سعر طن من الطماطم يصنع في 6 أشهر يساوي صنع هاتف ذكي في دقيقة واحدة.. ورقم معاملات شركة الفورد يفوق الدخل الوطني لجنوب إفريقيا .. فهذا هو حجم التفاوت بين فائض قيمة الفلاحة والصناعة ..وكلما زاد الإنتاج الصناعي في الدول الكبرى زادت حدة البين ..وكلما ارتفعت الجودة بخبرة العقول زاد البعد بيننا ..ولكم أن تتخيلو وثيرة النمو المتسارعة في تلك الدول والتي تحكم نسبة التسارع الإنتاجي الكوكبي بكامله ..ولاننظر أنفسنا أين نحن من تلك الرتب !! وهذا هو مايفسر ظهور الثورات بشكل شبه دائم في الشرق الأوسط ..وهذا ما يأجج النزاع وينشب الصراع ..فكلما زاد احتكاك الشرق مع الغرب في المناورات الإعلامية كلما تطبعت منطلقات الأول بالآخر.. وكلما زاد التطبع زاد الإتباع ..وفي الإتباع تكلف وافتعال ..وهذا التكلف يُرى في احتقان العقول وتضهر نتائجه في اضطراب السير.. وتحصد نتائجه مواقع المسؤولية .. وقد يقول مسكين آخر إن الحل يكمن في منظومة القيم الفاسدة وفي الأنظمة التربوية التي لا تسعى لتحقيق المبتغى من ورائها فتنتج وتعيد إنتاج آلات متشابة يزيد تراكمها حينا بعد حين ..وكلما زاد التكدس زادت الفوضى وازداد الشحن فانفجر ليس ببعيد على مبدإ الهم ومنبع الخروج ..ولام الدولة على سوء تدبيرها وانعدام مسؤوليتها وضعف حكامتها وهشاشة مؤسساتها .. وقد يقول آخر إن الإصلاح يبدأ من مسؤولية كل فرد أمام ذاته ..وهو حينما يزعم بذلك لا يلوم نفسه بالتقصير وإنما ينعت الآخر بالعجز ولا يبتدأ من نفسه فيبادرها بل يقصد الآخر ويحثه على التطوع ناس بذلك كسل نفسه وتآكلها بكثرة التمني .. وقد يقول آخر بأن السبب في هذا التخلف هو عدم تحديد النسل أو بالأحرى تقييد نسبة النسل ..زعما بأن التخفيض ينجم عنه عددا أقل ..وكلما انخفض العدد زاد الرفاه ..حيث أن تقسيم فائض الموارد على القلة لا يعدل بحال تقسيمه على الكثرة ..وهاته اليابان والصين من أكثر الدول كثافة ومن أكثرهن نموا ..فلا تعتدّ بتضييق النسل درء ا على قلة حيلتك !!
لقد أضحى اقتصاد المعرفة عصب الغنى لدى الدول ..وغدت الثروة المعلوماتية من أهم أشكال الثروة وعوامل القوة لدى الشعوب ..فالأمة التي تملك القدرة على صناعة المعرفة والمعلومة..هي الأمة القادرة على قيادة البشرية في العقود القادمة..لذلك فأي استثمار في الإقتصاد المعرفي من شأنه أن يولد الثروة ويخلق القوة ..وأي انتكاسة غير محسوبة في هذا المجال توجب الجمود والإستقرار والتخلف ..وذلك حض العالم الثالث ونصيب الدول التابعة ..لكن هذا التقهقر لم يأتي من فراغ بل نتيجة تراكمات تاريخية أنتجت تلك النتيجة ..وليس في مقدور النظام العالمي الجديد أو العولمة أن تسيطر على شعب وأن تجعله منقادا لها اقتصاديا وثقافيا إلا لوجود ثغرات فاضحة يتسلل منها ..ومن تلك الثغرات ضعف التحصين وانعدام الفكر النقذي وعدم نضوج الأبتكار وعدم وجود القوة النفسية والإرادة الفعالة .. فالقضية هي قضية تطور تاريخي ولا بد في كل تطور أن يكون هناك ضحايا... فالتاريخ يحكمه التنافس ودائما البقاء للأفضل... وليس من العدل أن يتساوى العاملون والقاعدون !!! ذلك أن الإنحسار الحضاري الذي نعاني منه هو نتاج أزمة فكر في البدأ والختام ، لأن النسق الفكري للحضارة الإسلامية قد توقف عند حدود العقول السابقة ...وكأن الله خلق عقولنا لنعطلها عن الإنتاج ونعتبر ما أنتجته العقول السابقة نهاية المطاف ...فنهوض ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية واستفاقتها جعلت منها تلتحق بركب الدول الصناعية وهي التي أنهكتها الحرب واستنزفت مواردها بالكامل ..لكنها علمت أن هناك ثروة أهم من ذهب الأرض وأقوى من شديد الحصون ..ألا وهي الإنسان ..هذا الكائن العاقل الذي حوى سر الوجود بأكمله وفيه بذرة الصعود والنجاح بداخله ..نهضت بعقول شعبها الذي أصر على العمل وأنف التآكل والإستكانة ..فشد العزم وبادر في الأخذ بالأسباب مؤمنا شديد الإيمان بأن من قدَّم لنفسه ربح الرهان ..ولو بعد حين .. وقس على ذلك ماليزيا واليابان وروسيا وهم من أفقر الدول أرضا ..وأقلهم موردا من حيث الطاقة والإستهلاك ..لكن إرادة النجاح باطنة في نفوس أهلها ..وإيمانها المطلق بالوصول والعمل الكثيف الموجه والمتواصل هو سبيلها للإرتقاء ..ومسعاها للخروج من الإستهلاك إلى الإنتاج ومن الإتهان السياسي إلى الحكم الذاتي ..ومن التبعية الإقتصادية إلى الإكتفاء الذاتي ..فالإيمان مع العمل هو سبيل النجاح ..وهذا ما يفسره الواقع الإنساني ويشهد به التاريخ ..والإرتكان والجمود هو سبيل الإنحطاط ..وهذا مثال آخر من أندونيسيا وهي أغنى بلاد الله في الأرض من حيث الموارد الطبيعية قد أخفقت في تجربتها الإقتصادية.. لاعتمادها الوحيد على التروات البدائية التي تدخل في رصيد كل بلد ..وإغفالها العامل الإنساني والقيم الفنية والفكرية التي يتمتع بها هذا الأخير إن نجح في استخراجها وتأبهب للكشف عنها ..وقس على ذلك الدول الإسلامية من المحيط إلى الخليج ..وانطلاقا من ذلك فثروة البلد ليست مقتصرة على الأرض وإن كانت قد غنيت بها قديما في العصور الماضية ..ولكن منوطة بمدى استثماراتها في الشخصية الإنسانية ونجاعة تأهيلها وشحذها لفعالية هذا الأخير لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ..والخروج من شرك الإرتهانية .. ولما كان العامل الإنساني هو داعي التقدم الأول ومسببه وجب البحث في كيفية شحذه وشحنه والنظر في آليات تمكينه والسعي إلى تحصيلها والعمل بها ..ورَشْحُ النظر يُومَئ بتزكية عدة منطلقات أساسية تقوم عليها مرحلة البناء الفعال لهذا المنجِز العضيم ..ومنها تجديد الوعي والإشاذة بمكانة العلم والمعرفة ودور ذلك في تجاوز حالة العجز والجمود ..ذلك أن التخلف الثقافي والمعرفي هو من أشد أنواع التخلف خطرا ..فلا حل لوقف الإنحدار العربي إلا بازدهار العلم والمعرفة ومؤسساتهما ..إذ هي الروافع الحقيقية التي تحدث تغييرا جذريا في مسيرة العرب والمسلمين ..وتؤهلهم لتحديد مواقفهم بشكل جدي وفعال من تحديات العولمة والنظام العالمي الجديد ..
#محمد_البورقادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوابح الإصلاح السياسي والإقتصادي في المغرب : الجزء 1
-
أناس بدون مأوى..
-
تأملات في الواقع..
-
ذم هوى المحبوب..
-
أمريكا تحتضر ..
-
قلب الأدوار ..
-
بوادر الإنتقال الديموقراطي في المغرب ..وأفق التحديات الجديدة
-
الحرب القادمة : قوى التحالف الجديدة..
-
يوم في دوار الزاوية ..
-
صور من الواقع..
-
ضريبة الحرية المطلقة
-
تأملات في الطريق..
-
في الأحياء الراقية
-
في عقوق الوالدين : قلب الأم
-
أمريكا ..المارد !!
-
نظرة في النفس والروح والجسد ..
-
في الأحياء الشعبية..
-
نضرة في العلاقات الإجتماعية في وقتنا الحاضر
-
مخالب النفس
-
الإنسان والعقيدة !!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|