مروان عبد الرزاق
كاتب
(Marwan)
الحوار المتمدن-العدد: 1362 - 2005 / 10 / 29 - 12:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال السنوات الخمس الماضية , كان محور سياسة المعارضة السورية يستند إلى الدعوات المتلاحقة للسلطة من أجل أن تقيم مؤتمراً وطنياً يشمل كافة أطياف ورموز الحركة السياسية في سوريا, بقصد الانتقال من النظام الشمولي إلى الدولة الوطنية الديمقراطية. بمعنى آخر , كان المطلوب من السلطة أن تقوم بالإصلاح السياسي "الجذري", وتقيم دولة ديمقراطية. باعتبار أن السلطة هي الأقوى, والمهيمنة, وصاحبة القرار في البلاد. وكانت هذه الدعوات تعبر عن رؤية, وهي صحيحة بالتأكيد, بأن الإصلاح السياسي هو المدخل الحقيقي لكل الإصلاحات الأخرى, رغم أهمية هذه الإصلاحات وضرورتها على الصعيد الاقتصادي والإداري والثقافي ومكافحة الفساد.وان المصالحة الوطنية الداخلية هي المقدمة الضرورية لقيام دولة وطنية ديمقراطية تمثل الجميع. إلا أن ضعف المعارضة وعدم قدرتها بقواها السياسية والمجتمعية أن تفرض على السلطة مؤتمراً كهذا, أو إصلاحاً جذرياً. وشعورها بالمسؤولية تجاه ضرورة طرحها لمشروع إنقاذي للبلاد. دفعها لأن تلعب دور " المثقف الناصح " للسلطة.
وتبين فيما بعد أن السلطة ليست بحاجة للنصيحة.فهي تملك الكثير من الناصحين والمستشارين الذين يعملون على الإصلاح وتجديد ركائز السلطة. وهي ليست بحاجة لأن تعقد المؤتمر الوطني. ولن تقوم بالإصلاح السياسي المنشود كما تراه المعارضة وهي حديثة التشكل. وقد لاحظ د.برهان غليون بحق أن المعارضة قدمت خدمة كبيرة للسلطة بدعوتها لقيادة وعقد المؤتمر الوطني خلال السنوات الماضية.
* * *
ويأتي " إعلان دمشق " في 16/10/2005/ الذي أعلنه " التجمع الوطني الديمقراطي,ولجان إحياء المجتمع المدني, وحزب المستقبل( الشيخ نواف ) ومجموعة من الأحزاب الكردية, وتسعة شخصيات وطنية." ليعلن:
أولا:
( أن عملية التغيير قد بدأت, بما هي ضرورة لا تقبل التأجيل نظرا لحاجة البلاد إليها. وهي ليست موجهة ضد أحد, بل تتطلب جهود الجميع, وندعو جميع أبناء وطننا البعثيين, وإخوتنا من أبناء مختلف الفئات السياسية والثقافية والدينية والمذهبية إلى المشاركة وعدم التردد..)
وثانياً :
يدعو إلى (( فتح قنوات لحوار وطني شامل..لضرورة التغيير "الجذري" في البلاد, ورفض كل أشكال الإصلاحات الترقيعية, أو الجزئية, أو الالتفافية " التي يمكن أن تقوم بها السلطة ".. ورفض التغيير الذي يأتي محمولا من الخارج.. وتشجيع المبادرات للعودة بالمجتمع إلى السياسة..وتشكيل اللجان والمجالس والمنتديات, لتنظيم الحراك العام الثقافي والاجتماعي والسياسي ومساعدتها على لعب دور هام في إنهاض الوعي الوطني.. والتوافق الوطني الشامل على برنامج مشترك ومستقل لقوى المعارضة يرسم خطوات مرحلة التحول, ومعالم سوريا الديمقراطية في المستقبل..وتمهيد الطريق لعقد مؤتمر وطني تشارك فيه جميع القوى الطامحة في التغيير..ثم انتخاب جمعية تأسيسية, وانتخابات تشريعية تنتج نظاما وطنيا كامل الشرعية يحكم وفق دستور جديد للبلاد. ))
وثالثاً :
يتطلع إلى تشكيل (( خط ثالث, يقوم على إمكان تقدم شعبنا ليأخذ مصيره بيديه )) وهذا يعني الدعوة إلى تشكيل قوة ثالثة سياسية ومجتمعية, مقابلة للاستبداد, وبديلة عنه, وعن القوة الأمريكية الضاغطة على النظام والهادفة إلى تغييره (دون أن يوضح ذلك الإعلان).
انه "الخطاب الديمقراطي " القديم ذاته. لكن الإعلان يحمل مسائل جديدة وهامة:
أولها:
تجاوز المراهنة على السلطة, والانتقال للمراهنة على المجتمع وهو صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير. مع رفض الاستئصال أو "اجتثاث " البعث على الطريقة العراقية, إنما ترك الباب مفتوحاً أمامهم للانضمام إلى عملية التغيير. وهذه الايجابية الأولى.
وثانيها:
الدعوة للعمل على ترجمة فكرة تشكيل خط ثالث. أو الدعوة إلى تشكيل " قوة ثالثة ", أو قطب ديمقراطي وهذه نقلة إيجابية هامة وخطوة إلى الأمام, وكان من الضروري العمل عليها منذ سنوات.
* * *
لكن مع هذه الإيجابيات الهامة, يمكن إيراد بعض الملاحظات التالية :
أولاً :
من الذي سيقوم بتنفيذ " البرنامج الجذري الديمقراطي ", أو بمهمة التغيير الإنقاذية؟ باعتبار أنه تمَّ استبعاد السلطة, وفي الوقت الذي لم تتشكل فيه المعارضة بعد كقوة فعلية على الأرض. ويعتبر الإعلان مقدمة, من ضمن مقدمات ومحاولات عديدة أخرى موجودة على الارض, للانتقال من واقع المعارضة كمشروع, إلى معارضة حقيقية تشكل قوة وطنية وديمقراطية في وجه الاستبداد. وإن تشكيل القوة الثالثة واستنهاض المجتمع بحاجة إلى وقت طويل. بمعنى آخر: الداخل السوري مازال غير قادر على التغيير الديمقراطي الجذري. فهل يندرج الإعلان ضمن اطار الدعاية والتعبئة للمجتمع لتنفيذ المهمة الإنقاذية ؟! لان مسالة تشكيل قوة ثالثة ليست سحرية بالتأكيد.
ولأن الإعلان لم يقدم موقفاً واضحاً من الضغوط الأمريكية الراهنة, إنما يقدم موقفاً غامضاً ينتقل من الإشارة إلى رفض التغيير القادم من الخارج, إلى" التفاهم مع القوى العربية والدولية التي تتقاطع مصالحها مع مصالح شعبنا وحركة التغيير في سوريا ". ولأنه لا يوجد في المرحلة الراهنة قوة قادرة على تغيير النظام سوى أمريكا. وهي تعد السيناريو المناسب لذلك. والجميع ينتظر تقرير " ميليس " بفارغ الصبر, باعتباره سيحدد نقطة الصفر الأمريكية لتغيير النظام!
وتقدير أصحاب الإعلان بان أمريكا ستقوم بتغيير النظام حتما, هي التي دفعت للإعلان عن ضرورة التغيير الإنقاذي .- مثل بيان الإخوان المسلمين الإنقاذي الذي صدر في آذار/2005/,وكل بيانات الإنقاذ التي صدرت منذ اغتيال الحريري - وضرورة إظهار "إعلان دمشق" قبل ظهور تقرير" ميليس", ليقول لأمريكا, (وللرأي العام الخارجي, بأن سوريا ليست قوقعة فارغة سياسيا.. وتتمتع اليوم بوجود قوى شعبية لها تاريخ طويل في النضال الديمقراطي..). ولكن الرأي العام الخارجي – أمريكا- يعرف عكس ذلك. فهل نضلل أمريكا أم نضلل أنفسنا ؟
هذه " التعمية " المقصودة, تؤشر إلى الانتقال للمراهنة على أمريكا بدلا من المراهنة على السلطة. فأمريكا على الأبواب, والمطلوب موقف واضح,وليس الاختباء وراء السطور ( مثل من يختبئ وراء جيجانة,كما يقول المثل السوري).
ان الانتقال للمراهنة على أمريكا من اجل التغيير الديمقراطي, يشكل منعطفا خطيرا في مسار المعارضة الوطنية الديمقراطية. لأن التدخل الأمريكي في سوريا في المرحلة الراهنة, في ظل غياب المجتمع وقواه الديمقراطية, فإننا سنواجه الدمار والانهيار,والطائفية المقيتة..الخ وليس الديمقراطية, كما حصل في العراق.
من جهة أخرى, فان توقيت الإعلان, وترافقه مع الضغوط المتزايدة على سوريا, يجعل منه داعما لهذه الضغوط التي تهدد الوطن وليس النظام فقط.وبالتالي كان من الأفضل تأجيل الإعلان بصيغته " الجذرية الإنقاذية " إلى ما بعد "ميليس" وما بعد الضغوط الراهنة. إضافة إلى ضرورة أن تعمل المعارضة ضد هذه الضغوط الأمريكية, لا أن تكون محايدة, أو أداة بيدها.
ثانياً :
الإسلام مكون ثقافي أساسي في ثقافتنا العربية و هذا لايختلف عليه أحد. وإشارة الإعلان إلى أن الإسلام هو المكون الثقافي للثقافة العربية, لا يختلف عن الإشارة بان دمشق هي عاصمة سوريا. والإشارة كما وردت في الإعلان قد يكون موقعها الصحيح في ندوة فكرية تبحث في مكونات الثقافة العربية والإسلامية.إنما تم استخدامها هنا بقصد التعمية على الموقف من علاقة الدين مع الدولة الديمقراطية المنشودة. فالإعلان لم يوضح مرجعية الدولة:هل هي إسلامية (لان الإسلام هو دين الأكثرية وعقيدتها), أم علمانية تحترم كل الأديان وعقائدهم وطقوسهم ومذاهبهم,بالتساوي. والمقصود بهذه التعمية إرضاء " الإخوان المسلمين" الذين أعلنوا تأييدهم بعد ساعات, وإرضاء بعض الليبراليين الجدد"والمتأمركين " الجدد الذين يريدون الاختباء خلف " الإخوان " الذين تحولوا إلى ديمقراطيين برأي هؤلاء. وليس هناك داعي للقراءة ما وراء السطور. فالمطلوب في سوريا هو دولة ديمقراطية علمانية, يكون شعارها " الدين لله والوطن للجميع ", وتحترم الأديان جميعا, الأكثرية والأقلية,على نفس الدرجة من المساواة. وليس المطلوب هو أن نعمل على استبدال الاستبداد البعثي بالاستبداد الطائفي السني لأنهم الأكثرية المذهبية. لان ذلك - في حال تحققه – يعني إعادة سوريا إلى الوراء مئات السنين.
ثالثاً:
جاء إعلان دمشق نتيجة حوارات عدة بدأت منذ عدة شهور , إلا أنه عندما رأى النور , لم يعبر عن توافق واسع, سواءً بالنسبة للأحزاب القديمة ( مثل حزب العمل و الحزب السوري القومي وجمعيات حقوق الإنسان ) , أو لمشاريع الأحزاب والتجمعات الكثيرة التي ولدت في سوريا مؤخراً, أو لرموز ثقافية وسياسية مهمة, كان وجودها ضرورياً لنجاح اعلان كهذا .
مما يعبر عن استمرار عقلية "الإقصاء" للآخرين والتي تكمن وراء عقلية " الزعامة" في الأحزاب التقليدية, والتي أسست للاستبداد داخل الأحزاب السورية القديمة جميعاً هذه " الزعامة" التي تريد أن يأتي الآخرين إليها, دون أن تقبل مبدأ المساواة, وأن تكون التوافقات على مبدأ المشاركة بالتساوي.
*****
فإذا كانت الخطوة الأولى مهمة,وهي القطع مع الاستبداد, والدعوة إلى تشكيل خط ثالث. إلا أن عدم الوضوح تجاه أمريكا, أو المراهنة عليها، يجعل من هذه الخطوة ناقصة. كما يقلل كثيرا من مصداقية الدعوة إلى خط ثالث لان هذا الخط هو البديل الحقيقي عن الاستبداد وأمريكا, وليس بديلا عن الاستبداد لصالح الاستبداد والإرهاب الأمريكي في المرحلة الراهنة.
وتحتاج سورية أكثر من أي وقت مضى إلى تشكيل قطب وطني ديمقراطي, يضم كافة القوى الوطنية الديمقراطية, ويتجاوز مرحلة الشرذمة و الدكاكين " السياسية" الصغيرة القديمة والجديدة, وبعيدا عن عقلية الإقصاء والتعالي. وان تشكيل هذا القطب, يعتبر في حال تحققه, نقلة نوعية ومنعطفا مهما في تاريخ المعارضة السورية. وان يمتلك برنامج عمل مرحلي, بحيث يمكن للمعارضة إن تتشكل كقوى مجتمعية ديمقراطية, حتى تكون قادرة في المستقبل على تفكيك الاستبداد, وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية التي تمثل الجميع وليس الأكثرية المذهبية فقط, وان يكون هذا القطب قادراً على الوقوف في وجه الاحتلال الأمريكي الجديد للوطن, وقيادة العمل الوطني الديمقراطي في المستقبل.
ولان سوريا تحتاج إلى ذلك في المرحلة الراهنة, فمن الضروري بدء البحث الجدي والعملي عن الآليات الضرورية للبدء بتشكيل " خط ثالث " على الأرض, وان تصبح الديمقراطية مطلبا شعبيا وفي كافة المحافظات السورية.
ولذلك فان النقد السابق لا يعني الوقوف ضد " إعلان دمشق " بالكامل. والموقف المسؤول من الجميع في المعارضة, أحزابا, ومشاريع أحزاب, وهيئات, وإفراد, أن يتم التعامل بايجابية مع هذا الإعلان, وتطويره من خلال النقد الايجابي, والعمل معه من اجل تشكيل قطب وطني ديمقراطي, يشكل خطا ثالثا بديلا عن استبداد السلطة, والاستبداد الأمريكي القادم.أما السؤال الصعب وهو: متى يمكن للمعارضة الوطنية السورية إن تكون قادرة على انتزاع حرياتها, وان تنفذ برنامجها المرحلي, أو" الجذري " ؟ فان الإجابة عليه ستبقى متروكة للمستقبل. وربما تكون, البداية, أو الإشارة الأولى - مثلا - قدرة المعارضة في المستقبل, على تنظيم وحشد "خمسة آلاف سوري,مثلا, من أصل سبعة عشر مليون " في الساحات السورية, من اجل المطالبة بالإصلاح والخبز والحرية والديمقراطية.
#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
Marwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟