|
الانسان والرقي
حسن محمد الصمادي
الحوار المتمدن-العدد: 1362 - 2005 / 10 / 29 - 09:51
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
أليس الإنسان هو الكائن الأرقى بيولوجياً على سطح هذا الكوكب، وهو الوحيد المتمتع بالوعي بذاته، وهو الكائن القوي بقدرته على الفعل؟!
تعودنا في الشرق – وفي الغرب أيضاً - أن نطلق اسم الأراضي المقدسة على المناطق التي تشرفت ببعث الأنبياء، وتلك التي تحتضن بيوت العبادة، وهي لا شك تسمية جديرة، فهذه المناطق بمثابة همزة الوصل بين الأرض والسماء، ومركز انطلاق شعلة هداية وتنوير البشرية إلى باقي أنحاء المعمورة، وهذا مبعث فخر لنا نحن أهل الشرق لا يطاوله فخر. لكن الغرب ومنذ اجتيازه لعصوره الوسطى، والتي نلقبها بالمظلمة، رغم أن من رحمها خرج دعاة التنوير وجماهيره التي بدلت مصير البشرية، عكس ما ندعيه نحن عن عصور زاهرة، لم تخلف لنا غير العبودية والجهل، المهم أن الغرب عرف نوعا آخر من القداسة مصدره الإنسان، يتوازى مع - ولا ينفي - القداسة التقليدية ومصدرها السماء. أليس الإنسان هو الكائن الأرقى بيولوجياً على سطح هذا الكوكب، وهو الوحيد المتمتع بالوعي بذاته، وهو الكائن القوي بقدرته على الفعل؟! إذا كانت الإجابة: بلى، فليس كثيراً عليه أن يكون في حد ذاته مصدراً للقداسة والتقديس!! والآن ما هي أمريكا، وماذا تمثل للإنسان حتى نصدم قارئنا الشرقي بهذا العنوان المستفز؟! أمريكا يا سادتي هي الفردوس الأرضي للإنسان، الأرض التي تحقق ويتحقق عليها إنسانية الإنسان، وإذا فعلنا مثل أجدادنا وتوجهنا إلى "جحا المعاصر" نسأله: أين أرضك المقدسة يا حجا؟ لأجاب: الأرض التي فيها أحقق ذاتي، وتتفجر ملكاتي، الأرض التي تعطيني بقدر ما تأخذ مني، والتي لا يعلو فيها رأس على رأسي!! هل أتينا بجديد؟ ألم يهاجر المبدعون والعباقرة من كل أنحاء العالم إلى أمريكا، ليحققوا كل ما حققوا لخير البشرية وتقدمها؟! أليست كل بقاع العالم تسكنها أجناس بشرية محددة، سواء استأثر كل جنس بدولة، أو جمعت دولة أكثر من جنس، إلا أمريكا يسكنها الجنس البشري كله، بحيث يصدق أن نقول كلنا أمريكا؟! قد يستحي الفرنسي الوطني أن يطلب العون من الوطني الإنجليزي أو الألماني، مدفوعاً بكرامة جنسه ووطنه، وربما نجد نوعاً من المنطقية في موقفه، لكن هل يصح أن يتخذ الوطني ذات الموقف من أمريكا وهي ما هي، المنتخب الوطني للإنسانية؟! حقاً أوروبا هي مبدعة الحداثة والعلم والحرية والمساواة وكل القيم الإنسانية الرفيعة، لكن ما معنى هجرة أنبغ عقولها ومبتكريها إلى أمريكا لتحقيق إنجازاتهم، أليس لهذا إلا معنى واحداً، هو أن أوروبا قد شاخت، وأنجزت أقصى ما تستطيع، ولم يعد في جعبتها ولا في مقدورها المزيد، وأن أمل الإنسانية الآن معلق بالأراضي الأمريكية المقدسة؟! لا يمكن أن يحدث في أمريكا ما حدث مثلاً في إيطاليا وألمانيا، من قيام حزب نازي أو فاشي يدعي أن الجنس الأمريكي أرقى الأجناس، وأنه جدير باستعباد باقي البشر، ستكون نكتة سخيفة لو حدث، ذلك أن الجنس الأمريكي هو الجنس الإنساني، خطابي بالدرجة الأولى موجه لأصحاب الحقد الأسود والكراهية العمياء لأمريكا، والمتحدثون دوماً عن الهيمنة الأمريكية على العالم من منطق القوة، ذلك أنهم بخطابهم لا يوصِّفون الواقع أو يستدلون على نوايا أمريكا إلا من خلال نفوسهم ونواياهم هم، إذا امتلكوا ما يكفي من القوة لتدمير العالم، ولم لا يكونون كذلك وهم يستمرئون العنف ويوغلون فيه، فيما لا يمتلكون من القوة إلا ما يكفي لتدمير أنفسهم وتفجير شبابهم، على أمل أن تطال بعض الشظايا أعداء الله والوطن!! لا بأس من التساؤل: هل امتلاك القوة وحده كفيل بتحويل القوي إلى طاغية؟ تعودنا في الشرق أن يعزِّي الضعيف نفسه بإدانة القوة والأقوياء، كما يصبِّر الفقير نفسه على فقره بإدانة الغنى والأغنياء، وإذا طرحنا جانباً الأمراض النفسية التي تندرج تحت بند عقدة الدونية، فسنتفق بسهولة أن الضعف ليس دليل إدانة أو براءة، كذلك القوة، ومثلهما الغنى والفقر، وإن كان الغنى والقوة أدعى لوقاية مالكهما من أمراض الكراهية والحقد والنذالة الناجمة عن الشعور بالنقص والحرمان، وأوضح دليل على هذا أن المتشبث بأهداب العنف حالياً هو الجانب الأضعف بجميع المعايير. لكن دعنا لا نمر على الأمر بسهولة، لنتساءل: ألا يغري انفراد دولة مثل الولايات المتحدة بالقوة والغنى على الاستبداد بالعالم وسحق الضعفاء؟ على المستوى النظري، الإجابة هي نعم، لكن لكي يحدث هذا، ينبغي بجانب القوة أن تتوفر حالة من حالتين: الأولى أن يحكم تلك الدولة حاكم طاغية رتب أموره أن يحكم مدى الحياة، بلا رقيب من الشعب، الذي من المفترض أن يكون هذا الحاكم خادماً له، وساعياً لمصالحه، لا لبناء إمبراطورية تزيد الزعيم الأوحد انتفاخاً على انتفاخه. الحالة الثانية أن تكون الدولة تسير وفق إرادة الشعب، لكن هذا الشعب يكن كراهية مجانية وعنصرية لشعب أو لشعوب أخرى. وفي حالة الولايات المتحدة لا تتوفر الحالة الأولى لأنها دولة ديموقراطية، يحاسب رئيسها حساب الملكين كما يقولون، ولا تتوفر الحالة الثانية لما سبق وأوضحنا عن طبيعة تكوين الشعب الأمريكي. يتبقى على طرف لسان فاشيو العروبة أمران، أولهما رغبة أمريكا في استغلال ثرواتنا، وهذه نكتة سخيفة، ربما تصلح لتضليل السذج، كما تصلح أيضاً لتدبيج الخطب والمقالات الحنجورية النضالية، والثاني هو: إن كانت أمريكا الملاك الطاهر كما يكاد يقول هذا المقال، فما الذي تفعله في أفغانستان والعراق؟! ربما هذا الاعتراض أقل سخافة، ومع ذلك فهو جدير بوصف سخيف، على الأقل لأننا نعرف إجابته، ومع ذلك لدينا ما يكفي من جسارة – لا نقول وقاحة – لنتساءل، فليكن، الإجابة يا سادتي أن أمريكا تجري لنا عملية جراحية تستأصل من جسدنا سرطان الإرهاب، وهذا لصالحنا أولاً، ولصالح الطبيب الذي أصابته شرورنا في عقر داره ثانياً!! لم نتعرض لأيادي أمريكا البيضاء على العالم أجمع، بداية من هزيمة النازية وإنهاء الحرب العالمية الثانية، ثم مشروع مارشال لإعادة تعمير ما دمرته الحرب في أوروبا، وأخذها بيد اليابان حتى صارت ما هي علية الآن، مروراً بمليارات الدولارات معونة لدول يتقن أغلبها وصف أمريكا بالكفر والاستكبار، نهاية بما تبذل الآن من دماء أبنائها وثرواتها لإخراج الشرق الأوسط الكبير من كهوف التخلف الأزلية إلى القرن الواحد والعشرين. أتحدث بالطبع عن الخطوط العريضة لمسيرة البشرية الواحدة، أما التفصيلات، فهنالك الخلاف والاختلاف، كأمر طبيعي ووارد، داخل العالم الواحد والوطن الواحد، بل والأسرة الواحدة، فحتى في الاختلاف تضرب لنا الممارسات الديموقراطية الأمريكية المثل والقدوة، في محاسبة الرئيس، وتباين المواقف، وفي ذات الوقت وحدة الأمة حين يجدر بأمة أن تتوحد. لكل هذا هاجرت ابنتي فور زواجها إلى الأراضي الأمريكية المقدسة، ويتطلع ابني للحاق بها، لأبقى وزوجتي وحدنا بالشرق، نتطلع لأنوار فجر جديد، ربما لن يمتد بنا العمر حتى تكتحل عيوننا بتباشيره.
#حسن_محمد_الصمادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ظل غياب القضاء العادل؟؟
-
من يحكم من... في الجبهة الوطنية التقدمية وما سر الصراعات الد
...
المزيد.....
-
-أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س
...
-
فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر
...
-
الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
-
تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
-
مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن
...
-
-فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات
...
-
مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني
...
-
بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب
...
-
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
-
كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|