|
في الأحياء الشعبية..
محمد البورقادي
الحوار المتمدن-العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 21:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تجد هناك أحياء شعبية ملتصقة أزقتها ، مكدسة بناياتها كأنها أدخلت في صندوق لا يتسع لها .. مساحاتها صغيرة ودورها أصغر ومنها الأكبر لكن الغالب فيها لا يكاد يتسع إلا للقليل من الأنفس.. إذا رأيتها من مكان بعيد حسبتها متراكمة بعضها فوق بعض كالحلزون في إناء الطهو .. وإذا اقتربت منها شاهدت زحاما شديدا وتزاحما على كل المرافق ، المقاهي ملئ عن آخرها .. والأسواق مكتظة .. والشوارع لا يرى منها مكانا خاليا إلا وفيه موضع قدمين ..هناك حركة دائبة في جميع الأنحاء .. هناك حياة .. حياة ليس كالحياة ..هناك تدافع على أصحاب الأكل .. أصحاب الملابس .. الكل يريد يشتري وأن يستهلك لكن منهم من تسعفه الحال للشراء ومنهم من يكتفي بالنظر والتمني فقط.. وأنت داخل إلى حي من الأحياء يستوقف سمعك صراخ الأطفال وهم يلعبون ، ويجذب نظرك وقوف الشباب في ملتقى الطرق ..وتلمحك نظرات البنات والأمهات من شرفات المنازل.. وأنت مار من ذلك الزقاق الضيق تسمع صوت التلفاز .. وتشم رائحة الطعام .. وترى شبابيك النوافذ تشف عن ما بداخلها .. ترى الأبواب غالبها مفتوح نصفه والآخر ليس له باب من الأصل ..تلمح فتاتا من الخبز على الطريق قد ألقي به إطعاما للطير والنمل ...وتعيق منظرك من الناحية الأخرى ركام أزبال قد تناثرت في كل مكان .. وإذا كنت غريبا ، تخطفتك العيون ورصدت خطاك وأبت إلا أن تتبع ممشاك وتعرف مرادك .. لا شيئ مستور هناك .. الكل محل للنقاش ..والكل جائز الخوض فيه وإن تيقنت تماما أن الزقاق خال والموضع مستور فاعلم بأن هناك عين تطالعك من مكان خفي ..إنها عين الفضول .. العين التي لا تنام أبدا .. العين الحارسة ليلا ونهارا .. إن كنت من المقيمين الجدد هناك ، رأيت حرارة الإستقبال ورأيت أنسا لم تعهده من قبل ، أنسا نذر وجوده إلا بين ما نذر من الأخلاء.. الكل يريد كسب ودك والتعرف عليك والتقرب منك .. وأنت حديث قد تستغرب من النظرات الحادة التي تكتنفك ومن البسمات التي تأسرك ..ولكن هذا هو نوع الضيافة في هاكذا أحياء.. فضول واستغراب وشوق ملهوف إلى اكتشاف هذا القادم الجدييييد.. لكن سرعان ما قد يألف الجديد مع عائلته الكبيرة .. عائلة اجتماعية وليست بيولوجية ..الطلب على الإجتماع هنا هو مطلب واحد وعام .. ليس هناك أسرار أو خبايا ..فالكل يعرف مهنتك واسمك ويعرف زوجتك وأطفالك ..الكل يشهد دخلاتك وخرجاتك ..الكل يرقب حركاتك ..فأنت في وسط العائلة ليس لك من مهرب إلا لها ..أطفالك يلعبون مع أطفالهم ، وزوجتك تسامر مع زوجاتهم ، وأنت تلتقي مع البقية في المقهى وفي المعمل وفي السوق ..ليس لك الحق حتى في الصراخ أو الخصام مع زوجتك أو العتاب على أطفالك .. لأن العائلة مقيمة معك وليست معك.. ما أن يسترق أحدهم السمع فيسمع ما بكم حتى يُفشى الأمر بين أفراد الحي كلهم ويصير الكل عليما بأحوالكم .. هناك تضامن لا محدود بين العائلة الكبيرة وهناك تقاسم للمتلكات وتراض تام بين غالب الأطراف ..فيكفيك أن تطرق باب جارك إن احتجت لشيء ما قد نسيت إحضاره من السوق أو نفذ لك على حين غرة ..فيؤتيك سؤلك ولا يردك خائبا وإن آثرك على نفسه .. لا تحتاج الذهاب إلى محكمة الأسرة لفض النزاع بينك وزوجك .. فالمحكمة بجانبك وفضولها أكبر من حنكة الأمن في تعقب أمرك ..ماأن تعلم ما حل بكما حتى يطرق بابك نخبتها ..أشخاص ممن تعودوا على إصلاح ذات البين وممن لهم باب في الأدب والأخلاق وبث روح الإنسجام ونبذ الكره العنف.. إن كنت من ذوي الأثاث القليل وفاجأك أحد أقربائك بقدومه إليك ، فيكفيك أن تشعر جارا آخر ليمدك بما عنده من أثات مكملا بذلك قوامة منزلك ، ومساهما في مجاملتك المفضوحة وتكلفك المعهود أمام هذا القادم الجديد .. حتى أن القادم قد ألف قبول هذا التكلف حتى صار عادة وأساسا ولم يعد إحراجا .. هنا تكون العلاقات الإجتماعية وجها لوجه ..هنا معمل اجتماعي .. هنا العائلة الإجتماعية ..هنا إنتاج للإجتماعي وإعادة الإنتاج له .. هنا إفشاء السلام على الشباب الواقف ، وهنا تقديم العطف للصغار بالضحك معهم وبإعطاء المال لهم .. هنا استجابة الدعوات ..وهنا إقراض المحتاج .. وهنا مساعدة الأرملة .. وهنا حمل الأطفال لقفة مقتنيات جارتهم وإيصالها حتى داخل المنزل ...هنا الأخت عريسة لإبن الجار والأخ عريس لأخت الجار..هنا مواسات الجار وتهدئة روعه ...هنا الهموم مشتركة .. والأنفس صفية ..هنا الألفة والمحبة .. هنا الأنس والخلّة والحميمية ..
#محمد_البورقادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نضرة في العلاقات الإجتماعية في وقتنا الحاضر
-
مخالب النفس
-
الإنسان والعقيدة !!
-
في بيوت الله
-
نساء الحداثة أو النساء الحداثيون !!
-
طلبة المغرب بين الحق والواجب
-
مسألة القيم الإنسانية !!!
-
الفرد والمجتمع , أية علاقة !!
-
النزعة الفردية المتطرفة!!!
-
عن أي إصلاحات تتحدثون !!!
-
في دار العجزة
-
أهذا فن أم عفن ؟
-
في مسيرة 8 مارس
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|