أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها - 1 *















المزيد.....


مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها - 1 *


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 19:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تنبيه
====
هذا ليس مقالا، بل هو دراسة تشكل جزءا من الفصل الأول (الجزء الثاني من هذا الفصل ينشر غدا) من كتاب جديد لي بعنوان: نحو مفهوم جديد للاستراتيحية - "الاستراتيجية في نهاية مطافها". وأنا أعمل على هذا الكتاب منذ عام 1992 ، حيث أعدت صياغته أكثر من مرة، وانا أحاول الان انجاز صياغته الرابعة والأخيرة لغايات نشره كتابا في العام القادم. وقد تكون فصول الكتاب التي ستنشر هنا على دفعات، طويلة. لكني أرجو أن يعذرني القارىء عن الاطالة في فصوله. فالكتاب يشكل دراسة علمية شبه أكاديمية تحاول الغوص في الأعاصير والحروب التي تنجم عن قرارات استراتيجية متسرعة من بعض الدول، وخصوصا الدولة الأميركية
**************************
كلمة " استراتيجـية " كما وردت في " الموسوعة العالمية " GLOBAL) ENCYCLOPEDIA ) تعني التخطيط العسكري. وأصلها كلمة يونانية هي "ستراتيجوس" (STRATEGOS ) ، وتعني " فـنّ الجنرال "، بمعنى الـفـن في تخطيط الجنرال أو القائد العسكري (THE ART OF THE GENERAL ). فالاستراتـيجـية تعني "التخطيط ، التـنسيق ، والتوجـيـه العام للعمليات العسكرية ، بهدف الالتـقاء مع الأهداف العامة السياسية والعسكرية " .

ولكن مع بـدايـة القرن التاسع عشر، ومع ظهور الأيدولوجـيات، [السياسية والعسكرية] والجيوش الكبـيرة، والتحالـفـات العالمية، والتغيّرات التكنولوجـية السريعة، " فـقـد بات من الصعب تميـيز الاستراتـيجـية العسكرية من الاستراتـيجـية الكبرى، أي التـخطيط السليم الذي يجـنّد كافة المصادر في المجتمع : عسكرية ، تـكنـولوجية ، اقـتـصادية وسياسية " لبلوغ هدف ما .

وتدريـجـياً ، أَصبحت كلمة " استراتيـجـية " ، ترتبط بالتخطيط السياسي للـدولـة. وبات المعنى المتبادر لكلمة " استراتيـجـية " لدى سماعها، يـنـصرِف فوراً إلى التخطيط السياسي، قبل انصرافها نحو التخطيط العسكري، رغم جذورها في البنية العسكرية. فالاستراتـيجـية السياسية قـد باتـت هي الأَصل، وهي المصدر، وهي الأم . وأصبح التخطيط العسكري هو مجرد وسيلة لتنفيذ مقتضيات التخطيط السياسي، اي متطلبات استراتيجية الدولة المعنية الساعية لتنفيذ استراتيجيتها تلك.

ولكل دولة بشكل عام ، استراتيجية أساسية قد تتفرع عنها عدة استراتيجيات كلها تدخل في وسائل وأساليب تنفيذ وتحقيق الاستراتيجة العامة والأساسية. فهي القانون الأساسي لكل استراتيجياتها الفرعية الساعية، في نهاية المطاف، لتحقيق الاستراتيجية الأساسية. فكما للدولة قانون أساسي هو الدستور الذي يحدد هوية الدولة وانتمائها القومي وطبيعتها السياسية، كما ينظم حدود سلطات المسؤول في السلطة والتزامته، اضافة الى حقوق المواطن وواجباته، فان الاستراتيجية الأساسية للدولة، هي قانونها الأساسي في كييفية تنفيذ تلك الاستراتيجية الرئيسية الأساسية والعامة للدولة.

واخترت أن أسمي تلك الاستراتيجية الأساسية والكبرى بالنسبة للدولة، بالاستراتيجية في نهاية مطافها، لما قد يتداخل معها وفي سبيل تنفيذها، من استراتيجيات أخرى فرعية وتكتيكات مختلفة تحدد كيفية تنفيذ تلك الاستراتيجية.

ولقد اخترت أيضا تسميتها باستراتيجية نهاية المطاف لسبب آخر، وهو وجوب أن يتدارس راسم تلك الاستراتيجية، الى أين ستقود استراتيجيته البلاد في نهاية مطافها وليس في بداياتها الذي يتمثل بالأثر المباشر والفوري الذي يريد المخطط تحقيقه. فالكثيرون من المخططين، وخصوصا الأميركيين منهم، يكتفون بتقييم النتائج الأولية والمبدئية التي يتوقعون أن تحققها استراتيجيتهم، ويتناسون احتمال حدوث تطورات غير متوقعة تنحرف بتلك الاستراتيجية عن مسارها، وبالتالي عن الهدف المباشر لها، فلا تكتفي به، بل تؤدي الى تحقيق نتائج أخرى تنحرف بالهدف الفوري والمباشر عن مسيرته التي اختارها وتوقعها المخطط الاستراتيجي. ومن هنا بات يتوجب على المخطط السياسي ألا يكتفي بدراسة الأثر المباشر الذي يريد تحقيقه، بل يتدارس احتمالات الانحراف المتوقع في مسيرته لتحقيق تلك الأهداف. وهذا ما يقتضي أيضا تسميتها بالاستراتيجية في نهاية مطافها وليس فحسب في بداياته أو أولوياته المتوقعة.

ولكن الاستراتيجية الأساسية غير قادرة أو قابلة للتنفيذ دون الاستعانة باستراتيجيات فرعية وتكتيكية، وهي استراتيجيات وتكتيكات لا ينبغي أن تتضارب مع الاستراتيجية الأساسية، الا اذا اقتضت التضارب عمدا لغايات التمويه والتضليل على المتضرر من تنفيذ تلك الاستراتيجية.. فهي في مجملها عامل مساعد على تحقيقها وتنفيذها سعيا للوصول بها الى بر الأمان.

ويهمّني ، قـبـل الدخول في الموضوع ، أنّ أميـّز بـين تسميات أو أوصاف متعدّدة لأنواع من الاستراتـيجـيات التي قـد تـتداخل في بعضها. ولغايات التـبـسـيـط ، فإنّي لن أستخدم التسميات أو المصطلحات العلمية والأكاديـمـيـة، بل سأستخدم الأوصاف العالـقـة بتلك الاستراتيجيات ، كتسميات تبسيطية لها . وعلى ضوء ذلك فإنّ هناك :

ا) الاستراتـيجـية الأساسية العليا السابق ذكرها ، وهي ذروة الاستراتـيجـية. فهي التي أسميها باستراتـيجـية نهايـة المطاف. إذ أنّها تـمـثـّل الغاية الكبرى التي تسعى إليها كل نـشاطات الدولة السياسية والعسكرية والاستخباراتـية والاقـتصاديـة والـفـكريـة .

ب) الاستراتـيجـية المرحلية الأساسية. وهي تـشكّل مرحلة من مراحل الاستراتـيجـية الأساسية العليا المتكاملة . فكما تجزّئ الدولة تـنـفـيـذ خططها الاقتصادية بعيدة المدى إلى خطّة سنويـة ، أو خطّة ثلاثية ، أو خطّة خماسية ، فهي أيضاً قـد تجزّئ عملية تحقـيـق استراتيـجـيتها العليا إلى مراحل ومحطّات صغيرة. فإذا اعتمدت الولايات المتحدة ، مثلاً، سياسة بسط نـفـوذها على جميع دول منطقة الخليج والشرق الأوسط ، فإنّها قـد لا تحاول فرض هذا النفوذ دفعة واحدة ، وفي آن واحد ، على جميع تلك الدول. بل قـد تلجأ إلى تـثبـيته في دولة تـلـو الأخرى. فإذا ما اختارت إيران مثلاً ، لتكون البلد الأول الذي تسعى للهيـمنة عليه ، فإنّ اختيارها ذاك ، هو اعتماد لاستراتـيجـية مرحلية أساسية. أما عملية الهيمنة على كامل منطـقـة الخليج مثلا ، فهي اعتماد لاستراتـيجـية أساسية عليا .

ج) الاستراتـيجـية المؤقّـتـة. التي تعكس الأسلوب أو الوسيلة المستخدمة للوصول إلى الاستراتـيجـية الأساسية ، سواء كانـت مرحلية ، أو عليا . فـهـي محض وسيلة ، أو مجرّد أسلوب للتـنـفـيـذ . وبما أنّها مجرّد وسيلة ، فـإنّـه لا يتوجّب أن تكون ثـابتـة أو نهائية أو قطعـية، فهي متغيرة حسب مقتضيات الحال. ومن أجل ذلك توصف "بالمؤقّـتـة"، بمـعـنى أنّها تـظـلّ قـابلة للتـغيـير أو التـبديل ، حسب مقـتـضيات الحال . فإذا كان إثارة الاضطراب في إيران مثلاً كاستراتـيجـية أميركية مؤقـتـة ، قـد عجز عن إيصالها إلى بسط نـفـوذها على إيران ، فإنّ الولايات المتحدة عندئذٍ، قـد تلجأ إلى وسيلة أخرى بديلة، كإثارة الحرب بـين العراق وإيران ، باعتبارها استراتيجـية مؤقّـتـة أكثر فاعلية في إيصالها إلى مبتـغاها .

د) أمّا " التـكتيك " ، وهو مصطلح غالباً ما يرد في التعليـقـات السياسية، فإنّه يعنى تلك الخطوات التـفصيلية (ركز على التفصيلية) التـنـفيذيـة للاستراتـيجـية المؤقّـتة. فهذه "الجزيئيات" ، هي فـصول ومشاهد من سيناريو الاستراتـيجـية المؤقّـتة. فعلى سبـيل المثال ، إذا اعتمدت فكرة إشعال الحرب بـين العراق وإيران كاستراتيجـيـة مؤقـتّـة ، فإنّ "التكتيك" هو مراحل تـنـفـيـذ تلك الخطّة، من إشعال الضغينة بـين الطرفـيـن المتـنـازعـيـن، والمساعدة على تأزيم الموقف بـينهما ، ثم الـقـيـام بتـزويدهما بالسلاح . فإشعال الضغينة في هذه الحالة، لا يـبتـغى لـذاتـه ، بل يـبتـغى كخطوة تمهيـديـة لإشعال الحرب . وإشعال الحرب ، لا يـبتـغى لذاته ، بل يـبتـغى لغاية إضعاف الدولتـيـن تمهيداً لزيادة النـفوذ الأميركي فيهما .

ولا بـدّ من التـنويه الى أنّ الاستراتـيجـيات الأساسية ، أو المرحلية ، أو المؤقـتّة ، أو التـكتيكات ، تـندرج من حيث الأهمية في شكل هرمي . فـفي قـمّة الهرم ، تـقبع استراتـيجـية نهاية المطاف ، أي الاستراتـيجـية الأساسية العليا . وتـليـهـا مرتبة ، الاستراتـيجـية المرحلية . ثم الاستراتـيجـية المؤقـتّة ، فالتـكتيكات.

واستراتيـجـية نهايـة المطاف بالنسبة لأيـة دولة في العالم ، تعني قـمّـة الهرم في مجموعة استراتـيـجـيـاتها السياسية . فَهِيَ " أُمّ الاستراتيـجـيات " التي تحلم بها الدولـة ، ثم تحمل بها تـخـطـيـطـاً ، حتى تـلدها تـنـفـيـذاً . ولـقـد وصفتها بهذا الاسم، ( أي أم الاستراتيجيات) لأنّها تـمـثّـل خُلاصَة ما تصبو إِلـيـه الـدولـة في نهاية مطاف نـشـاطها وتـخطـيـطها .

واذا اردنا أنّ نبحث هنا استراتيـجـية نهاية المطاف بالنسبة لدولةٍ معينة هي الولايات المتحدة الأميركية، يكون من الطبـيعي أَلاّ يقـتـضينا فكراً عميقاً أن نعلم بأنّ ذروة حلمها ، أي نهاية المطاف لكلِّ استراتيـجـياتها، يصبّ في رؤية أميركا قوية، مزدهرة ، ومسيـطرة على العالم كلّه أو على الجزء الأكبر منه. .

ولكنّ ذلك هو "الحُلم العام" للولايات المتحدة. انه الحلم الأميركي الذي تعمل على خدمته مجموعة مـن الاستراتيـجـيات الأساسـيـة بعـيـدة المدى، كل منها معني بالتخطيط لتحديد ماتريده الولايات المتحدة من منطقة ما من المناطق في العالم. فهناك استراتيـجـية أَساسيَّة لتعاملها مع أُوروبا، وأُخرى لتعاملها مع شرق آسيا، وثالثة لأَفريقـيا ، ورابعة لأميركا اللاتينية ، وخامسة للاتحاد السوفياتي ، أو ما آل إليه الاتحاد السوفياتي - أي روسيا الاتحادية، وسادسة للشرق الأوسط بشكل عام ، ولمنطـقـة الخليج بشكل خاص .

وما يعنـيـنا هنا، هو استراتيجية نهايـة المطاف الخاصة بالشرق الأوسط. فعلى ضوئها نستطيع أنّ نقـيِّم الأَسباب والدوافع التي قـد تحمل الولايات المتحدة على خوض حرب ضدّ العراق ، والأسباب والدوافع التي قـد تردعها عن الـقـيـام بذلك، والأسباب والدوافع التي تحملها على المساعدة على اشعال حرب أهلية في سوريا...وفي العراق، وفي اليمن ، وفي ليبيا والبحرين، والأسباب والدوافع التي تحملها الآن على القبول بحل سلمي للنزاع .. وهو ما كانت تعارضه سابقا وتضع العراقيل في طريق تحقيقه.

ويهمني قبلَ الخوض في التفاصيل، أنّ أنوّه بأنّ استراتيجـية نهاية المطاف كاستراتيجـية أَساسية بعـيـدة المدى، إذا ما اعتمدت من قبل مُخَطِّطي استراتيجـية الدولـة، فإنّها لا تـتأَثَّر بعد ذلك بتغيـّر الحكومات أو الـرّؤساء، بل تـبـقـى ثابتة ومعتمدة لفـترةٍ طويـلـة مِنَ الزمان .

وتجنّبا لاختلاط الأمر ، فلا بدَّ من الـتـنـويه بأنّ " ثباتَها "لا يعني بالضرورة " تَصلُّبها" أو "تَـشَنُّجها". فـثـبـاتها يـتّـسم بـبعض المرونة. وتـتمثّل المرونة بوجود "حدّ أَعلى" و "حدّ أَدنى" لتلك الاستراتـيجـية، بحيث يمكن تذبذبها بـين الحدّين الأعلى والأدنى ، دون أن يمس ذلك من " ثباتها " .

فإذا كانـت استراتـيجـية نهاية المطاف الفلسطينية، على سبيل المثال، هي المطالبة بكامل الأراضي الفلسطينية ، وهي الأراضي التي احتلّت منذ عام 1948، أي من النهر الى البحر ، فإنّ ذلك يمـثّـل الحدّ الأعلى والطبيعي لاستراتيـجـيتها. أمّا الحدّ الأدنى الذي قد تضطرها الأوضاع الدولية مرغمة لتقبله، فهو الـقـبـول بجزء أقـلّ، وهو الأراضي التي حدّدها مشروع تـقسيم فلسطين في القرار 181 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. أو كحلّ بديل آخر، الـقـبـول بالأراضي التي احتلّتها إسرائيل منـذ عام 1967. فاستراتيـجـيتها المطالبة باستعادة " الأراضي" ، هي استراتيـجـية ثابتـة . ولكن مساحة أو حجم الأراضي المطالب بها ، فهي الـقـابلة للتعامل معها ولو مؤقتا، بمرونة تـتذبذب بـين الحدّين الأعلى والأدنى، انتظارا منها لتبدل مراكز القوي الحالية بين دول العالم.

ولا بـدّ من التـنويه الى أنّ الاستراتـيجـيات الأساسية ، أو المرحلية ، أو المؤقـتّة ، أو التـكتيكات ، تـندرج من حيث الأهمية في شكل هرمي. فـفي قـمّة الهرم ، تـقبع استراتـيجـية نهاية المطاف، أي الاستراتـيجـية الأساسية العليا. وتـليـهـا مرتبة،الاستراتـيجـية المرحلية، ثم الاستراتـيجـية المؤقـتّة، فالتـكتيكات التي تـشكّل "جزيئيات" الاستراتـيجـية المؤقّـتـة وتعمل على خدمتها .

وأهـمّيـة استيعاب الشكل الهرمي ، تبرز في نـقـطتين هامتين :

الأولى : أنّ أي تـناقض أو تعارض بـين استراتـيجـية واستراتـيجـية أعلى مرتبة منها ، إنّما يؤدّي إلى ترجيح الاستراتـيجـية الأعلى مرتـبـة بـينهما .

والثانّية : هي أنّ التحليل السياسي الصحيح ، هو التحليل الذي يـنـطلق من قمة الهرم ، وليس من مرتبة أدنى. فالتـقيـيم السياسي الذي ينطلق من " التـكتـيـك " (الذي يكون عادة هو الظاهر للعيان) ، غالباً ما يصل إلى نـتـائج خاطئة أو مضلّـلة . ومثله التحليل الذي يـنـطلق من الاستراتـيجـية المؤقّـتة . أما التـقيـيم الذي يـنـطلق من استراتـيجـية أساسية مرحلية ، فيصل إلى نـتـائج أفضل في التـقيـيم. ولكن إذا انطلق المحلّل من قـمـة هرم الاستراتجيات ، أي من استراتـيجـية نهاية المطاف ، أو أم الاستراتيجيات، فـإنّـه يصل عندئذ إلى النـتائج الصحيحة والمؤكّدة .

ورغم التصنيف الهرمي لتـلـك الاستراتيجيات، فإنّ مراكزها التدرّجـية قـد تصبح عرضة لتغيـير نسبـي في مواقعها، إذا نظر إليها كعنصر ضمن مجموع الاستراتـيجـيات المرسومة لمناطق مختـلـفـة في العالم . فما هو استراتـيجـية أساسية عليا لهذه المنطـقـة، قـد يصبح ( بشكل نسبـي ) استراتـيجـية أساسية مرحلية ، أو مجرّد استراتـيجـية مؤقّـتـة ، قـيـاساً بالاستراتـيجـيات الأخرى المرسومة لمناطق أخرى في العالم .

فمن المعروف جـيّداً، أنّ الولايات المتحدة تـريد السيطرة على الشرق الأوسط ، لا بسبـب موقعه الاستراتـيجي فحسب ، بل بسبـب نـفطه أيضاً الذي يشكّل احتياطي العالم الاستراتـيـجـي، وذلك لتستطيع التحكّم في السياسة النـفـطية العالمية، وعن طريـقـها في اقـتـصاديات العالم عموماً، وفي اقـتصاديات أوروبا بما فيها ألمانيا وكذلك اليابان خصوصا.. ذلك أنّ المانيا واليابان المتـقـدمتين اقـتـصادياً ، تـشكّلان الخطر الأكبر والمنافـس الأشـدّ والأشرس للصناعة الأميركية. ولا بد أن نلاحظ هنا، أننا قد بتنا نتعامل مع استراتيجة موضوعها أهداف اقتصادية بشكل مباشر، لكنها أهداف سياسية في المدى البعيد، لأن التغلب والتفوق على الاقتصادين الياباني والألماني (حليفتي الأمس في الحرب العالمية الثانية)، انما هو تأكيد لهيمنة سياسية أميركية أيضا على مقدرة هاتين الدولتين في صناعة القرار السياسي المتعارض مع القرار السياسي كما تريده الولايات المتحدة أن يكون.

ومن هنا يـتّـضح لنا التـفـاوت النسبـي في تحديد مراكز الاستراتـيجـيات. فاهتمام الولايات المتحدة بالسيطرة على الـشرق الأوسط بشكل عام، وعلى الخليج بشكل خاص، لا يشكّل هدفاً يـبتـغى لـذاتـه ، بل هو وسيلة لأهداف أكثر بعداً وأهمية للاستراتـيجـية الأميركية .

فإذا كانـت الهيمنة على إيران كمرحلة أو محطة هي استراتـيجـية أميركية مرحلية، في وقـت كانـت فـيـه الهيمنة على كامل الخليج هي استراتـيجـية أساسية عليا، فإنّ الهـيـمنة على كامل الخليج ، قـد لا تـكون بالضرورة هو الاستراتـيجـية العليا الـقـصوى بـين الاستراتيجـيات .

فالاستراتـيجـية الـقـصوى، أي الاستراتيجية في أعلى درجاتها من الأهمية، هي الهيمنة على النـفط المتواجد في الخليج وفي ايران ان أمكن، باعتـبـاره ثـروة وطاقـة ومحرّكاً للاقـتصاد العالمي. وبـذا تصبح عملية الهيمنة على الخليج ،أو ايران أيضا، التي كانـت استراتـيجـية أساسية عليا، مجرّد استراتـيجـية مرحلية ، بل وربما مؤقــتّـة ؛ فهي تـتحوّل عندئـذٍ ، استـناداّ إلى النسبـية في المراكز والتـقيـيم ، إلى جسر تعـبر عليه الولايات المتحدة، ساعية من ورائه، لبلوغ استراتـيجـية أكثر علوّاً (أو قصواً) ، وهي الهيمنة على النـفط ، وبالتالي على الاقتصاد العالمي.

فالهـيـمنة على النـفط ، قـد لا يكون أيضاً بالضرورة ، هو الاستراتـيجـية الـقـصوى الحقـيـقـية أو الأكثر علوّاً في الهرم . ذلك أنّه لا يـبتـغى لـذاتـه ، بل يـبتـغى لهدف أكثر أهمية ، وهو كما سبق وذكرت السيطرة على مقـدرات الاقـتصاد العالمي، وخصوصاً الاقـتصادين الألماني والياباني. فهذه قـد تـكون هي الاستراتـيجـية الأكثر علوّاً في قـمـة الهرم ، وذلك تحقـيـقـاً " للحلم الأميركي" . فـذاك " الحلم " هو الهدف الـقـابع في ذروة قـمـة الـهـرم.

وهكذا قـد يمكنـنا الـقـول أنّ استراتـيجـية نهاية المطاف الأميركية، الأكثر حقـيـقـيـة وثباتـاً في مركزها، هي "الحلم العام " للولايات المتحدة بالسيطرة على العالم كله. تماما كما كان ذلك هو الحلم الذي حرك الفتوحات الرومانية في الماضي البعيد، مما أدى الى سيطرتها على مساحات واسعة في أوروبا وفي الشرق الأوسط أيضا. فذلك "الحلم" الآن هو الذروة الحقـيـقـيـة للاستراتـيجيـة الأميركية. فجميع الاستراتـيجـيات الأخرى ، إن هي إلاّ مرحلة أو محطّة من محطّات أو مراحل ذلك "الحلم العام" . فهي بالتالي مجرد تكتيكات في خدمة ذاك " الحلم العام " - الخحلم الأميركي ، الذي يشكّل نهاية مطاف كل " نهايات المطاف " الأخرى مجتمعة .

ومن هنا تـبدو أهمية استيعاب " الحلم العام" للولايات المتحدة لدى إجراء التـقيـيم السياسي. فإذا أردنا التحليل انطلاقـاً من الـقـمّـة، تـظل كل قـمّـة، هي قمّة أدنى من " الحلم العام" الأميركي. ومع ذلك، وتجنـباً للتـعـقيد، ونظراً لصعوبة الرجوع دائماً إلى "الحلم الأميركي العام"، سوف أركّز في التحليل على رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على الخليج ونـفـطـه، باعتباره استراتـيجـية نهاية المطاف المقصودة ولو مرحليا، دون التعرّض "للحلم العام"، مع إبـقـائه في مؤخّرة الذاكرة لدى الـقـيـام بالتحليل أو التـقيـيم السياسي.

ومن أجل السيطرة على مناطق النفط في المنطقة سواء في دول الخليج، أو في العراق وفي ليبيا، وربما في الجزائر في وقت لاحق، اضافة الى بناء الأساس لحماية الدولة الدخيلة على المنطقة وهي اسرائيل، التي قدمت كل المساعدات الممكنة لظهورها واستقوائها باعتبارها القاعدة الأساسية والمتقدمة القادرة على مساعدة الدولة الأميركية في الهيمنة على المنطقة، فقد شرعت الولايات المتحدة منذ تسعينات القرن الماضي، كخطة بديلة أو معززة للخطة السابقة، في اتباع استراتيجية جديدة معززة لاستراتيجية حماية اسرائيل، حامية المصالح الأميركية، وذلك بالتوجه نحو اعادة تشكيل دول المنطقة بما يسمى الشرق الأوسط الجديد، (منهية تقسيمات سايكس بيكو)، وذلك بتفكيك دوله المفككة الحالمة بالوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج... الى دويلات صغيرة، (تماما كما فكك من قبل الاتحاد السوفياتي الى دول ضعيفة، ومثله يوغوسلافيا القوية الى ست دول صغيرة).

ولتحقيق آخر ما بلوره الحلم الأميركي، وقعت حرب العراق في عام 1991، والتي لم تكن قط بسبب غزو صدام حسين للكويت الذي شجعته عليه الولايات المتحدة، لا عبر مجرد تلميحات شيطانية من السفيرة جلاسبي فحسب للرئيس صدام حسين قبل مغادرتها العراق الى غير عودة،، بل كان نتيجة (ما كشف عنه مؤخرا مصدر روسي هو آخر سفير للعراق قبل غزوه) ، تشجيع صريح ومباشر من قبل الولايات المتحدة، دفع الرئيس صدام حسين لغزو العراق مطمئنا بأن ذلك يتم بمباركة أميركية.

فغزو العراق للكويت، وما تلاه من حرب ضروص ضده، شكل الخطوة الأولى الحقيقية والمباشرة لتشكيل الشرق الأوسط الجديد. وما تلاه رغم ذلك في التأخير في التنفيذ، كان نتيجة صفقة الدبلوماسية السرية بين صدام حسين وجورج بوش الأب (بوساطة سوفياتية) التي أدت الى بقاء الرئيس صدام في السلطة لاثني عشر عاما أعاقت المضي بتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد..

أما الخطوة الثانية، فتمثلت بغزو آخر للعراق في عام 2003، نفذه جورج بوش الابن بتشجيع من نائبه ديك تشيني وزمرة الثمانية المسماة باليمين الأميركي المتطرف، التي شكلت مصدر النصيحة والتوجيه للرئيس جورج دبليو بوش الغارق في أحلامه التوراتية وأوهامه حول شياطين (هاجوج وماجوج) المتجمعين بيا أطلال بابل الأثرية. فغزو العراق في عام ، 2003 قد شكل على وجه يقيني، الخطوة الثانية والمباشرة والحاسمة نحو تأسيس الشرق الأوسط الجديد، التي تبعها خطوات كثيرةو تمثلت بحرب داخلية في العراق، وأخرى في سوريا مرتدية ثوب الربيع العربي، وثالثة في ليبيا،ـ وبعدها في اليمن السعيد الذي لم يعد سعيدا على الاطلاق.

ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية (THINK TANK (
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية
عضو في منتدى فلسطين للفكر والرأي الحر
عضو في مجموعة شام بوك
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعات أخرى عديدة.



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تعطل الحرب بالوكالة على الأرض السورية، منجزات مؤتمر فيينا ...
- متى يبق نتانياهو البحصة التي في فمه ويعلن عن مطالبه الحقيقية ...
- هل تخلى صانع الحلم العربي عن الحلم العربي وتوجه نحو الحلم ال ...
- تحذير للمسافرين بالطائرة عبر الأجواء الاسرائيلية: استخدموا ا ...
- مفاجأة المشاركة الأردنية لروسيا في مكافحة الارهاب، قد لا تكو ...
- هل تمنع سلطات اسرائيل الطائرات ألأجنبية من استخدام مراحيضها ...
- نحو انتفاضة فلسطينية على الطراز الجزائري
- هل سقط مخطط اسرائيل باستخدام الربيع العربي لانهاء الحلم الفل ...
- هل أقام في البيت الأبيض يوما ما، رئيس كنيرون.. قيصر روما الذ ...
- جولة في البرجين، وتمثال الحرية، وسور البيت الأبيض، ثم جراند ...
- متى يلتقي القطبان ليقررا كيفية حل النزاعات الدولية قبل انقضا ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لهجمات 11 ايلول 2001، يبقى الغموض حول ...
- تعظيم سلام لميركل، وتعظيم سلام أشد وأقوى للأردن
- عشية لقاء سلمان بأوباما: هل سيكون اغتيال الانسانية أحد الموض ...
- هل بتنا نقترب من حرب دولية على الأرض السورية، أم على الباغي ...
- هل حلت حرب المعلومات في سوريا، محل حرب الأسلحة التقليدية وال ...
- تطوير مشروع الحل الوسطي للأزمة المتفاقمة في سوريا، ليصبح أكث ...
- مشروع وسطي لحل النزاع في سوريا، قد يرضي معظم الأطراف ويضع حد ...
- علامات الاستفهام التي رافقت ظهور الدولة الاسلامية في بغداد
- الاحتفال الوطني بالعيد القومي في بلاد العالم الا فلسطين


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - مدخل إلى مفهوم الاستراتيجية في نهاية مطافها - 1 *