|
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 9
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 14:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 9 ضياء الشكرجي [email protected] www.nasmaa.org محمد باقر الحكيم والمجلس الأعلى في البداية، وبسبب أن المتدينين الذين تعرفت عليهم في العراق بعد تحولي من الإلحاد إلى الإيمان، هم من أجواء المجلس الأعلى لاحقا، (محمد باقر الحكيم، محمد الحيدري، همام حمودي)، بدأت بعد خروجي من العراق بالتواصل مع مكتب محمد باقر الحكيم، ولكني سرعان ما وجدتني أنسجم وأتفاعل مع حزب الدعوة أكثر من منافسَيه آنذاك (جماعة محمد باقر الحكيم) من جهة، ومنظمة العمل الإسلامي (الشيرازية) من جهة أخرى.
في البداية لم يكن محمد باقر الحكيم قد توجه إلى إيران بعد هروبه من العراق، بل - حسبما روي لنا - ذهب إلى سوريا هو وشقيقه عبد العزيز الحكيم، ونزعا العمامة ولبسا الغترة البيضاء [الكوفية]، وفتحا أو كانا ينويان أن يفتحا مكتبا للمقاولات في دمشق، مبتعدين عن السياسة. عندها، وحسب ما شاع، وما سمعته بشكل مباشر من حسن شبر (السيد أبو رياض)، تقرر في قيادة الحزب أن يقنعوا الحكيم للمجيء إلى إيران، والتصدي - كما يعبرون - كرمز للإسلاميين العراقيين. وبالفعل ذهب حسن شبر بسيارته التي كان قد هرب بها من العراق، وكانت على ما أتذكر فيات 124. سافر بها من إيران عن طريق تركيا إلى سوريا، والتقى بمحمد باقر الحكيم، فأقنعه بوجوب انتقاله إلى إيران، و(التصدي) للقضية العراقية، كونه ابن المرجع المعروف محسن الحكيم، وأحد أبرز تلامذة محمد باقر الصدر، فاقتنع أخيرا وجاء إلى إيران بمعية شبر وبسيارته.
لكن حزب الدعوة تورط بالحكيم، لأن الحزب أراده رمزا، بينما هو أراد لنفسه أن يكون قائدا، لا بل أن يكون القائد الأوحد، وليس قائدا من القادة. فمثلا عندما أسسوا جماعة العلماء المجاهدين، من مجموعة من علماء محسوبين على مدرسة محمد باقر الصدر، وهم مرتبين حسب الحروف الهجائية: 1. حسن فرج الله 2. حسين البشيري 3. حسين هادي الصدر 4. عبد الرحيم الشوكي 5. عبد المجيد الصيمري 6. محمد باقر الحكيم 7. محمد باقر الناصري 8. محمد مهدي الآصفي 9. محمود الهاشمي [الشاهرودي] واختاروا محمد باقر الحكيم أمينا عاما للجماعة، متصورين أن الموقع أقرب إلى أن يكون رمزيا منه كموقع قرار. فالقرار تتخذه الجماعة سوية بالأكثرية، أو بأي آلية يعتمدونها. الذي حصل أن محمد باقر الحكيم بدأ يتفرد بالقرار، وإصدار البيانات باسم الجماعة، دون الرجوع إلى أعضائها. ولذا مرت فترة تصدر فيها نوعان من البيانات عن الجماعة، بيان يصدره الأمين العام بدون الرجوع إلى أحد، وبيان تصدره الجماعة بدون محمد باقر الحكيم.
وقد مر تيار محمد باقر الحكيم الحاظي بالرعاية الإيرانية بعدة مراحل. الأولى بدون اسم، أو إطار محدد المعالم، سوى ما يسمى بـ(جماعة السيد محمد باقر الحكيم)، أو تختصر بـ(جماعة سيد باقر)، وكان هناك الجناح العسكري باسم (حركة المجاهدين العراقيين) بقيادة شقيقه عبد العزيز الحكيم، المعتمد الأول من قبل الاطلاعات بما يخص الشأن العراقي. ثم أسس الإيرانيون مكتب العراق، وجعلوه تحت إمرة الحكيم. وبعد مخاضات، ووصول جماعة العلماء المجاهدين إلى ما وصلت إليه من تناقضات، وعدم نجاح مكتب العراق، جرى الاتفاق بين الإيرانيين والإسلاميين العراقيين على تأسيس ما سمي بـ(المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، بالفارسية (مجلس أعلاي انقلاب إسلامي عراق) [يلفظ بالفارسية "مجلسَ آءلايَ إنغلابَ إسلامِيَ أَراغ]. ونُصِّبَ محمود الهاشمي (الشاهرودي لاحقا) رئيسا للمجلس، ومحمد باقر الحكيم ناطقا رسميا، وكان عمليا هو الرئيس الفعلي للمجلس. ولذا جُعل من الدورة التالية، أي بعد سنة من التأسيس رئيسا، وبقي طوال حياته في ذلك الموقع. تأسيس المجلس كان عام 1982، وأسس كإطار جامع، أو جبهة لكل قوى المعارضة الإسلامية العراقية المتواجدة في إيران، وهي: 1. حزب الدعوة الإسلامية 2. حركة المجاهدين العراقيين (عبد العزيز الحكيم) 3. منظمة العمل الإسلامي (محمد الشيرازي/ محمد تقي المدرسي) 4. جند الإمام (سامي البدري) 5. الدعوة الإسلامية (بدون كلمة حزب قبلها، والتي اتخذت لاحقا اسم حركة الدعوة الإسلامية - عز الدين سليم/ عبد الزهرة عثمان) 6. الحركة الإسلامية لكردستان العراق (التنظيم الإسلامي السني الوحيد - الشيخ البرزنجي)
لكن المجلس لم يؤد دوره كإطار جامع، بل كان تكريسا لتفرد وهيمنة تيار محمد باقر الحكيم، مما كان يمثل رغبة الإيرانيين، لأنهم كانوا يبحثون عن ولاء مطلق، وهذا ما تبناه المجلس الأعلى، الذي تحول مع الوقت إلى حزب من الأحزاب الإسلامية العراقية، وليس إطارا جامعا لها. وهذا حسم الإقرار به في مؤتمرات المعارضة من بعد انتفاضة آذار 1991، كمؤتمر بيروت، ومؤتمر ڤ-;-ينا، ثم مؤتمر صلاح الدين، إذ كان المجلس يحضر كطرف من هذه الأطراف، وليس كخيمة أو إطار جامع لها. وكانت هناك فترة مارس دورا مزدوجا، تارة كإطار جامع، وأخرى بوصفه إحدى القوى الإسلامية العراقية المعارضة.
أتذكر مرة، وأنا ذاهب إلى إيران، لحضور مؤتمر من المؤتمرات التي نظمها المجلس الأعلى، وكان على ما أظن أول مؤتمر، وهو مؤتمر جرائم صدام عام 1983. عندما وصلنا أحاط بي مجموعة ينتسبون إلى تيار باقر الحكيم، أحدهم كان على ما أتذكر سعد قنديل، وأخذوا يوجهون إليّ أسئلة تشبه الاستجواب أو الاستدراج. فسألوني عن رأيي بالمجلس الأعلى، فأجبت أننا مع أطروحة المجلس من حيث المبدأ، ولكن لدينا ملاحظات. فأجاب أحدهم «لا يكفي أن تكونوا مع أطروحة المجلس، بل يجب الاندكاك في المشروع، لأنه مشروع الجمهورية الإسلامية، ومشروع الولي الفقيه الإمام الخميني، ويجب شرعا الاندكاك فيه كليا». وقبلها في نهاية عام 1982 على ما أتذكر حضرنا المؤتمر الذي كانت تنظمه (رابطة الشباب المسلم) في لندن، والتي كانت واجهة من واجهات حزب الدعوة، برئاسة موفق الربيعي، وكنا قد بدأنا في أورپا بالعمل في إطار (الاتحاد الإسلامي لطلبة العراق)، فكانت على هامش المؤتمر هناك ندوة لممثلي الاتحاد مع المعمم اللبناني علي الكوراني [كان من قياديي حزب الدعوة، ولوصول الخلاف بينه وبين مهدي الآصفي ذروته، غادر الحزب، أو انشق مع مجموعة عز الدين سليم (أبو ياسين)، ثم تحول إلى مغال في الولاء لإيران بصنمية لا حد لها]. فقال لنا فيما قال: إنكم كاتحاد إسلامي يجب أن يكون لكم غطاء شرعي لعملكم، وهذا لا يكون إلا بارتباطكم بولاية الفقيه، وبدون ذلك لا يكون عملكم شرعيا، ولا مبرئا للذمة. فلما سأله أحد المشاركين عن كيفية هذا الارتباط، فأجاب: اجعلوا لكم رابطا إما من العاملين في إحدى سفارات أو قنصليات الجمهورية الإسلامية، أو من أعضاء الاتحاد الإسلامي للطلبة الإيرانيين (الأنجمن). وبنفس السذاجة اعتلى مرة المنصة في طهران، وتحدث بحديث مشابه، اي بوجوب الارتباط بولاية الفقيه، ومن أجل توضيح الفكرة لنا نحن (البسطاء الساذجين المغفلين)، مارس وسيلة إيضاح للفكرة، فنزل من المنصة، وذهب إلى شرطي إيراني يقف بباب القاعة، وأخذ بيده وقال: هذا يمثل ولاية الفقيه. ولي كلام حول الارتباط العضوي بولاية الفقيه، الذي طرحه بعد أكثر من عشر سنوات محمد مهدي الآصفي، والذي بسبب اعتراضي على أطروحته أخرجني آنذاك من الدين.
من وسائل المزايدة على حزب الدعوة بولاية الفقيه، سمعنا أن محمد باقر الحكيم أراد مرة أن يوضح للخميني، لماذا يعتبر حزب الدعوة ضد ولاية الفقيه، فقال له إنهم يقلدون الخوئي. وكان معروفا في أوساط الإيرانيين إن من يقلد الخوئي من الإيرانيين أنفسهم، فهو بالضرورة ضد الثورة وضد ولاية الفقيه. بينما كان الكثير من الإسلاميين العراقيين ممن يلتزمون سياسيا بلوازم ولاية الفقيه، بالرغم من أنهم من مقلدي الخوئي في القضايا الشرعية غير المتعلقة بشؤون السياسة. حسبما قيل لنا آنذاك إن الخميني لم يرض عن الكلام، ورد أنه لم يقم بالثورة ليزداد مقلدوه. طبعا لا أدري مدى دقة هذه الحادثة، وهل حصلت مع شخص محمد باقر الحكيم، أم مع غيره. ولكن هذا ما كنا نسمعه في أوساط حزب الدعوة.
حزب الدعوة عموما لم يكن يعمم تعليمات حزبية تلزم أعضاءه بتقليد مرجع محدد، ففيهم لاسيما من كبار السن من كانوا باقين على تقليد محسن الحكيم، وأكثر بكثير من ذلك من هم كانوا باقين على تقليد محمد باقر الصدر، وأعداد غير قليلة كانت على تقليد الخوئي، ومنهم من قلد الخميني. وفي التسعينات وجدنا كثيرا منهم يقلدون محمد حسين فضل الله، وبعضهم قلد السيستاني.
هنا أتذكر بهذه المناسبة حادثتين. الأولى كان أحد الطلاب الإيرانيين الموالين للثورة منذ البداية، وكان من الذين انتقلوا للعمل في الممثليات الديبلوماسية، فعمل في القنصلية في هامبُرڠ-;-، فخصني مرة بسر، وهو إنه من مقلدي الخوئي، لكنه يمارس التقية - كما عبر - أمام الإيرانيين، فيقول إنه من مقلدي الإمام.
الثانية عندما حضرت مؤتمر نصرة الشعب العراقي عام 1985، وحضره عراقيون إسلاميون وعلمانيون لأول مرة برعاية إيرانية. وكان بعض الإسلاميين غير ملتحين بلحية كاملة، بل بذقن فقط [ويصطلح عليها شعبيا "سكسوكة"]. وكان يعرف إن الخوئي فقط يجوّز ذلك، بينما يوجب الخميني إطلاق كامل اللحية، وكانت القاعة مليئة بعيون الاطلاعات الإيرانية، فسألني أحدهم عن هؤلاء ذوي اللحية السكسوكة (الذقن)، ما إذا كانوا متدينين، فأجبته بالإيجاب، كون هناك رأي فقهي يعتبر هذا النوع من اللحية مجزيا من الناحية الشرعية، فبدت على وجهه علامات الريبة، عندما فهم أو خمن أنهم من مقلدي الخوئي.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 8
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 7
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 6
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 5
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 4
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 3
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 2
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 1
-
ما قلته في لقاء السفارة ب «أسبوع النزاهة؟»
-
إماطة الوشاح عن أسمائي المستعارة
-
الصدق والكذب في حياتنا
-
الاتجاهات السياسية الناقضة للديمقراطية والمواطنة
-
أن يكون المرء بشخصيتين من غير ازدواجية
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 6/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 5/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 4/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 3/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 2/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 1/6
-
ألمانيا تتحول إلى مثل أعلى للإنسانية
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|