أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم حسن - الاقليات العراقية وقانون البطاقة الوطنية الموحد















المزيد.....

الاقليات العراقية وقانون البطاقة الوطنية الموحد


إبراهيم حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 00:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعتمد الدول المتمدنة في صياغة دساتيرها والقوانين التي تنظم الاحوال الشخصية لرعيتها على مبادئ إنسانية عالمية وعلى المعاهدات والمواثيق الدولية التي تضمن حقوق كافة الافراد المنضوين تحت ذلك الدستور او القانون .. غير إن المجتمعات العربية لا زالت كعادتها تخالف المألوف ، وتسير لوحدها في طريق شائك مجهول النهاية ، اذ تعتمد المجتمعات العربية على العادات والتقاليد الإجتماعية في صياغة دساتيرها من جانب، وعلى الدين الرسمي للدولة كمصدر للتشريع من جانب آخر ، ولا اعرف كيف يفكّر العرب المسلمون في مدى إمكانية صياغة دستور ما وفق مبادئ الدين الاسلامي في الوقت ذاته سيحتفظ هذا الدستور بكافة حقوق الاديان والاقليات الاخرى ؟ ثم لنتسائل قبل ذلك : هل يمكن أن يكون للدولة دين ؟

لعل أغبى ما يرتبكه العرب اليوم، والحكومات التي تدّعي انها إسلاموية ، هي قولهم في اوّل بند في دستورهم " الدين الرسمي للدولة هو الاسلام " فهل يمكن أن يكون للدولة دين ؟ فحتى لو قلنا إفتراضاً إن الدين الرسمي للعراق هو الديانة الايزيدية ؟ فهل يصح ذلك ؟ ...

إن الذي يجب أنّ يعرفهُ السياسيون والمشرّعون العراقيون إنّ الدولة كيان إعتباري ومعنوي، ولا يمكن بأيّ حال من الاحوال أنّ يكون لها دين ، فهل يصح أن نقول إن الدين الرسمي لوزارة الخارجية العراقية هو الدين المسيحي ؟ او الدين الرسمي لنادي القوّة الجوّية هو الديانة الايزيدية ؟ بالطبع لا، فكل عاقل وكل متعلّم بسيط يُدرك جيداً مدى خطأ ذلك على مستوى مؤسسة بسيطة فكيف بدولة ؟ ولذلك فإنّ الخطأ الجسيم والفضيحة الكبرى في الدستور العراقي الحالي هو هذه العبارة الواردة في المادة الثانية " الاسلام دين الدولة الرسمي " مذيلة بعبارة أكثر ظلماً وإجحافاً " لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام " .. هذه العبارة هي مصدر الفتك والظلم الذي يتعرّض له الايزيديون والمسيحيون والكاكائيون والمندائيون وغيرهم من الاقليات الدينية في العراق ، وبرأيي إنهم ليسوا أقلية ، فكلمة الاقلية ذات دلالة قانونية واحصائية فقط لتشير إلى نسبتهم السكانية امام الاغلبية الفارغة ( المسلمون ) ، وليست ذات دلالة وطنية او اجتماعية او ثقافية ، فالمسيحيون والايزيديون ليسوا أقلية في مستوى إنجازهم الثقافي او عمق تأريخهم او وطنيتهم التي يتشرف كل إنسان ان يتحدث ويفتخر بها..
إن عبارة شديدة الظلم في دستور عراقي مثل عبارة ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ) هي بمثابة رصاصة في قلب الاقليات العراقية وإهدار لحريتهم وأقصاء لفكرهم وعقائدهم وتهميشهم بل وتصنيفهم ضمن مواطني الدرجة الثانية !! ألم يخطر ببال السادة الذين كانوا في لجنة صياغة الدستور كيف يمكن إحترام العادات والعقائد التي يعتنقها و يمارسها اصحاب الديانات الاخرى في ظل هيمنة دستورية اسلامية محضة ؟

إن بعض نصوص الدستور الصريحة " الاسلام دين الدولة الرسمي " وكذلك ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ) ، وكذلك في المادة (2) ثانيا : يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي " هي بمثابة جرس انذار او قول صريح بأن ارض الرافدين هي للمسلمين فقط، وما على بقية الاقليات الدينية إلا التهيؤ للرحيل ومغادرة هذا البلد الذين كانوا هم الاسبق تواجداً فيه واكثر عمقاً وتجذراً من الناحية التأريخية !!

ليس ذلك فحسب، بل الاكثر غرابة إن الدستور العراقي ليس هو الوحيد من اشهر سيف الظلم بحق الاقليات الدينية في العراق، بل الواقع السياسي والاجتماعي والامني كذلك ، فعلى مستوى تمثيلهم السياسي لا نجد لهم أيّ صوت يذكر، ولا إعتبار لوجودهم في البرلمان او الحكومة او مفاصل الدولة الاخرى، وعلى المستوى الاجتماعي فليس ثمة تواصل بين المسيحيين والايزيديين والمندائيين الخ من جانب والمسلمين من جانب آخر، بل إنّ ما يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية من افعال مشينة ( قتل وتهجير وسلب الخ ) كافية لكشف زيف كل التصريحات الرومانسية التي يتغنّى به السياسيون المسلمون والمراجع الدينية المحترمة التي تتحدّث عن سماحة الإسلام وعن ضمانهِ لحقوق الاقليات الدينية .. إنني اتسائل فحسب : أين المجتمع الدولي من كل ذلك ؟ أين المجتمع الدولي من كل الجرائم التي يتعرّض لها الإنسان العراقي عموماً والاقليات الدينية خصوصاً ؟ ماذا عن قتل وخطف وتهجير المسيحيين في بغداد عام 2006 وعام 2014 ؟ ماذا عن قتل وسلب وتهجير واغتصاب الايزيديين وتشريدهم من الموصل في 2014 ؟ ماذا عن " السبايا الايزيديات " ؟ المغتصبات في سجون داعش الارهابي؟ ماذا عن سوق النخاسة وبيع الإماء ؟ اين المنظمات الدولية الراعية لحقوق الانسان ؟ ...

مرّة اخرى يعود الدستور العراقي محاولاً تجميل الصورة ليقول : كما ويضمن ( هذا الدستور ) كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين !! ( المادة 2 ثانيا ). وفي المادة الرابعة ما نصّه ايضاً ( العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي ) . إن هذا النص هو محاولة لتجميل صورة الاسلام في عيون الآخر، ومجاملة خجولة للاقليات الدينية في العراق، فأين حقوق الايزيديين والمسيحيين والمندائيين التي كفلها الدستور منذ عام 2003 والى الآن ؟ أين حرية المعتقد وحرية الممارسة الدينية ؟ أين التساوي بين الإنسان الايزيدي والمسلم ؟ بين الصابئي والمسلم ؟ هل إنها مجرد نصوص خاوية ام إن ساسة العراق يلعبون على اكثر من وتر ؟ هل وجود هذا النص هو مصدر جذب لإبقاء الاقليات الدينية في العراق لكي تأكلها لاحقا نار الحرب والإرهاب والقاعدة وداعش ؟ وهو ما حصل فعلا ؟ هل هناك مخطط معد لذلك يعرفهُ السياسيون العراقيون ؟ كل شيء جائز من وجهة نظري ..

لم يقع الغبن والظلم على مستوى الدستور والوضع الاجتماعي والسياسي والامني، بل وصل الامر إلى قانون الاحوال الشخصية التي حلّ بمكانهِ قانون البطاقة الوطنية الموحد الذي اقرّ في مجلس النواب العراقي مؤخراً .. وهو أتعس أشكال التعسف الاسلامي تجاه الاقليات الدينية الاخرى ، اذ ورد في هذا القانون (( وعن ديانة الشخص ورغبته بتبديل ديانته وضع القانون احكاماً فيها : منها السماح للشخص غير المسلم تبديل دينه، واتباع الاولاد القاصرين في الدين من اعتنق الدين الاسلامي )) .إذ نقرأ وبصورة صريحة في المادة 26 اولا من قانون البطاقة الوطنية الموحدة ما ياتي :
1- يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقا لهذه القانون
لنلاحظ جيدا في النص اعلاه ( السماح للشخص غير المسلم تبديل دينه ) بمعنى إنه فتح الباب لاستقبال المسيحيين والايزيديين والمندائيين لإعتناق الإسلام ، وربما في ظرف إكراه وإجبار، مثلما اراد تنظيم الدولة الاسلامية " داعش " إجبار المسيحيين والايزيديين بإعتناق الإسلام او دفع الجزية او القتل !! وبالتالي محاولة لإنهاء أي شكل من اشكال التعددية الدينية في العراق وطمس معالم التنوع الديني في العراق، تارة عن طريق القتل والتهجير وتارة عن طريق التشريع !!

بل والظلم الاكبر ، الذي ينبغي أن يقف بوجهه الجميع ، إن يرد في المادة الثانية من المادة ( 26 ) ما نصه ( يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين ) !! بمعنى آخر، لو إن سيدة مسيحية او إيزيدية او مندائية إعتنقت الدين الاسلامي تحت ايّ ظرف من الظروف، فسيتبعها اولادها القاصرون بالدين فيصبحون مسلمين !! وكذلك الحال بالنسبة للاب !! فأي تحوّل لايّ من الوالدين يستلزم تحوّل الاولاد القاصرين من دون إحترام لرأيهم او حريتهم او إنتظارهم لاكمال سن البلوغ ( 18 عاما )..!! إن هذا النص إيذان ببدء تبشير إسلامي من نوع آخر ، ومحاولة لنشر الإسلام بطريقة التشريع ، وتأييداً لذلك يرحب المسلمون والمراجع الدينية بهذا القانون من دون النظر إلى الجوانب التي يقع فيها ظلم للاقليات الدينية ..
إن المعروف للجميع، هو إن إعتماد دين ما اساس للدستور، يعني ظلم بقية الاديان الاخرى، وهو ما يحدث في العراق بعد عام 2003 . كنت اتمنى من مرجعية النجف المحترمة وبقية المراجع الدينية الدفاع عن الاقليات الدينية في العراق عبر البيانات والفتاوى وخطب الجمعة و غيرها ، ولكن يبدو إن السكوت هو النهج الافضل الذي تسلكه المراجع الدينية تجاه اصحاب الديانات الاخرى ..

لقد أعلن ممثلو الاقليات الدينية في مجلس النواب العراقي، رفضهم لهذا القانون وتعليق عضويتهم فيه، إنني أرجو منهم أن يسلكوا ايضاً طرقاً قانونية أخرى، واللجوء إلى المحاكم الدولية او المنظمات الراعية لحقوق الإنسان لتعديل الفقرة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحد وما يرتبط بها من فقرات وتفاصيل تشكل ظلماً للاقليات الدينية في العراق ..



#إبراهيم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم الحضارة العراقية 29-11-2013
- أصدقاءُ الله
- مفهوم العشق الإلهي عند المتصوفين
- الثورة على مرسي : هل ثورات الربيع العربي مؤدلجة ؟
- الانثروبولوجيا وأزمة العراق اليوم : بحث في علمية الانثروبولو ...
- الإنتظار
- إستثناءٌ من الموت
- المثقفون أفيون الشعوب
- البرلمانيون العراقيون وحقوق التقاعد
- الهوية العراقية والتبادل الاجتماعي
- مفهوم الجماعة ومفهوم المجتمع
- العنف ضد المرأة – التحرّش الجنسي انموذجاً
- العراقيون الحقيقيون
- هل الإنسان هو أفضل المخلوقات ؟
- آلهتي
- الدين أفيون الشعوب .... هل كانَ ماركس مُحقاً ؟
- فكرة المخلّص في الثقافة الاسلامية
- الاحلام : الرمز والمعنى - 1
- الإنسان الكوني - المعنى والمفهوم
- البحث عن الحقيقة - الوهم المطلق


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم حسن - الاقليات العراقية وقانون البطاقة الوطنية الموحد