زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4971 - 2015 / 10 / 31 - 22:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يزل أردوغان يُسلط أجهزته الامنية عشية الانتخابات البرلمانية المُبكرة في تركيا لقمع الصحافة الحرة والاجهزة الاعلامية التي تُعارضه أو لا تتفق معه أو حتى لا تمتدحه . فهو يُصر في هذه الانتخابات التي ستجري في الاول من تشرين الثاني نوفمبر على تحقيق أحلامه كرئيس للجمهورية وتحويل نظام الحكم في تركيا الى نظام رئاسي . وهو حلم لم يزل يتحكم به ويُسيطر على طموحه السياسي من أجل إحكام قبضته السياسية على تركيا, ومن ثم بسط نفوذ تركيا بزعامته على دول الجوار العربي والشرق أوسطي من خلال الاسلام السياسي الطائفي وتنظيماته الاخوانية والتكفيرية المُسلحة ....لذا فهو ما يزال يدعم بقوة هذه التنظيمات في كافة المجالات , كما سعى لتوحيدها بمشاركة وإشراف استخبارات الدول الرئيسية المُتآمرة من غربية وخليجية وصهيونية تحت مجموعات رئيسية من أهمها جيش الفتح والجبهة الشامية وجيش المجاهدين وكتائب نور الدين زنكي والمجموعات التركمانية في ألوية السلطان محمد الفاتح وعبد الحميد خان ..., لتعمل وتتحرك جميعها تحت أمرة غرفة العمليات المركزية في تركيا من أجل توحيد جهودها وحشدها طاقاتها لاسقاط النظام السوري , وهو النظام الذي يقف عقبة ليس فقط في طريق أحلام أردوغان الاخوانية والعثمانية والطائفية , بل يُهدد بصموده وتماسك مؤسساته السياسية والعسكرية وعلى رأسها الجيش العربي السوري , المشروع الطائفي الذي يُحاك لتدمير سوريا والمنطقة بكاملها وإغراقها بالقتل والمجازر والدمار والفوضى الامنية الشاملة, والذي تُشكل فيه قيادة أردوغان الحلقة المركزية . ومع أن أردوغان وحزبه قد تلقى صفعة مؤلمة في الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت قبل بضعة شهور, عندما فقد حزب العدالة والتنمية حتى ألاكثرية البرلمانية التي تُؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده . ومع ذلك لم يزل جنون العظمة العثمانية وشراهة الدكتاتورية والسلطة المُطلقة تُسيطر على أردوغان , مما دفعه لعرقلة تشكيل حكومة إئتلافية ودفع البلاد نحو انتخابات برلمانية ُمبكرة على أمل أن تتحقق في هذه الانتخابات أحلامه المرضية في العظمة .
وهنا يُمكننا أن نلخص العوامل الرئيسية التي قد تتحكم في نتائج هذه الانتخابات, وهي إنتخابات تُشير معظم استطلاعات الرأي العام التركي بأنها ستُبدد بالتأكيد أحلام أردوغان في السلطة المُطلقة الى غير رجعة :
أولاً : تُعتبر تفاعلات الازمة السورية من أهم العوامل المُؤثرة في الانتخابات البرلمانية التركية والتي ظهرت أولى نتائجها في الخسارة النسبية التي مُني حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البؤلمانية الاخيرة التي جرت في شهر حزيران يونيو الماضي, فبعد مضي أكثر من أربع سنوات على التدخل والتصعيد السياسي والتآمري التركي المُكثف بقيادة أردوغان في الازمة السورية , ودخول أعداد هائلة من الجماعات التكفيرية المسلحة عبر الحدود التركية وتدهور خطير للاوضاع الامنية ودمار المدن والارياف والبنى التحتية وانتشار القتل والعنف الطائفي والتزايد الهائل في أعداد اللاجئين السوريين الى دول الجوار , بدأ الناخب التركي يقتنع أكثر فأكثر بأن التدخل التركي في الازمة السورية لم يكن لدعم الديمقراطية وما يُسمى بالثورة السورية كما تدعي الابواق الاعلامية المؤيدة لسياسة أردوغان , بل كان لخدمة مطامع أردوغان في إسقاط النظام السوري بأي وسيلة كانت وبأي ثمن كان من أجل السيطرة على سوريا, ومن ثم بسط نفوذه على دول المشرق العربي الاخرى ولاسيما ولبنان والاردن ومصر والعراق . وما ساهم في تزايد القناعة لدى الناخب التركي هو إصرار أردوغان وزمرته في حزب العدالة والتنمية على المضي في الجهود الهستيرية لاسقاط النظام السوري رغم الفشل الذريع الذي مُنيت به خلال السنوات الاربعة ونصف التي مضت . كما أن الناخب التركي لم يعد يقتنع بالنفاق الاعلامي للقيادة التركية بمحاربة الارهاب أو حتى تنظيم داعش, فغرفة العمليات المركزية في تركيا أظهرت تنسيقاً واضحاً على الصعيد الميداني حتى مع مقاتلي داعش (الدولة الاسلامية) وانتشارهم في ريف حلب الشمالي ولاسيما مع بدء التدخل العسكري الروسي في الوقت الذي لم يزل هذا التنظيم يتلقى الى الآن الدعم الرئيسي من تركيا وقطر . كما أن السياسة التركية المُدمرة تجاه سورية قد ألقت بظلالها السلبية على الاوضاع الامنية في تركيا بسبب تواجد المجموعات الارهابية على الاراضي التركية وعلى طول الحدود المشتركة بين البلدين . كما ساهم وجود أعداد هائلة من اللاجئين السوريين في تركيا في الاضرار بسوق العمالة وبارتفاع معدلات البطالة بسبب توفر اليد العاملة الرخيصة للاجئين السوريين في تركيا , هذا اضافة الى الاضرار الاقتصادية الناجمة عن توقف تجارة الترانزيت بالكامل بين البلدين بسبب العقوبات الاقتصادية وإغلاق الحدود بوجه مئات الشاحنات الناقلة للبضائع من والى سوريا .
ثانياً : شهد الاقتصاد التركي منذ عام 2012 أرتفاعاً ملحوظاً في نسب البطالة وتباطؤ واضح في معدلات النمو الاقتصادي التي وصلت الى نسب مُتدنية لا تتجاوز %3 بعد أن شهد هذا الاقتصاد إزدهاراً كبيراً ونمواً سريعاً في القطاع الخاص وأجتذاب رؤوس الاموال الخارجية لتصل مؤشرات النمو الاقتصادي الى معدل قياسي تجاوز %8 خلال السنوات التي سبقت هذا التراجع . كما تدهورت قيمة الليرة التركية بنسب تراوحت بين % 35-30 من قيمتها تجاه الدولار الامريكي , مما ساهم في زيادة التضخم وتراجع معدل الدخل العام للمواطن التركي . كما زاد تدهور الليرة التركية من صعوبة سداد ديون شركات الاستثمار التركية بالعملة الصعبة , وهذا ما قاد بدوره الى المزيد من الاشكالات والصعوبات لنمو الاقتصاد التركي في الوقت الذي وصلت فيه هذه الديون الى مستوى قياسي تجاوز % 32 من الناتج الاجمالي المحلي , حيث شكلت فيه الديون قصيرة الاجل ما يقرب من %10 من إجمالي هذا الناتج والتي يعتقد الخبراء الاقتصاديون أنها الاصعب ( أي الديون القصيرة) من حيث اعادة جدولتها أو تمويلها . وهنا يحاول الاعلام التركي الموالي لأردوغان وحزب العدالة والتنمية طمأنة الناخب التركي من خلال التلاعب بأرقام المؤشرات الاقتصادية ولاسيما نسب البطالة ومعدلات النمو الاقتصادي والتضخم والدخل العام للفرد وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية التي تُظهر تراجع الاقتصاد التركي في السنوات الاخيرة والتي تُظهر أيضاً الحاجة المُلحة لاصلاح جذري في الاقتصاد التركي في الوقت الذي يبدو فيه أن المسار الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية في ظل قيادة رجب طيب أردوغان آخذ في التدهور المُتواصل, نتيجة لسياساته المُغامرة وانغماسه الجنوني في دعم الارهاب والازمة السورية وتورطه في العديد من قضايا الفساد وحماية الوزراء والمسؤولين المتورطين في قضايا فساد رئيسية .
ثالثاً : كان لتدهور الاوضاع الامنية في تركيا في الآونة الخيرة ولا سيما بعد الانفجارات الدموية في ديار بكر وأنقرة دوراً رئيسيا في القلق المُتزايد للناخب التركي حول الدور السلبي لسياسة أردوغان وحزب العدالة في التدهور الامني الذي تُعاني منه البلاد في الشهور الاخيرة , والذي نتج بشكلٍ رئيسي عن تواجد أعداداً هائلة من الجماعات الارهابية المسلحة في المناطق المُحاذية للحدود السورية التركية , وهنا قادت سياسة أردوغان المشبوهة في محاربة الارهاب الى أن يفقد الناخب التركي ثقته بحكومة العدالة والتنمية ولا سيما بعد أن وجهت الحكومة التركية بأصابع الاتهام في دعم الارهاب الى حزب الشعوب الديمقراطي , ووضعت حزب العمال الكردستاني بنفس الكفة مع داعش في الوقت الذي كان فيه أكراد تركيا في ديار بكر وأكراد سوريا في كوباني والشمال السوري ضحية للمجموعات الارهابية التي تتلقى دعماً وتسليحاً من أردوغان وحكومة العدالة والتنمية لكي تستخدمها ليس فقط لتدمير سوريا وإسقاط النظام السوري , بل أيضاً لتدمير المُدن والقرى الكردية في الشمال السوري .
رابعاً : لم يتوانى أردوغان وحكومة العدالة والتنمية في السنوات الاخيرة في قمع المظاهرات والصحافة وحرية الاعلام في تركيا . فقد أمر أردوغان باعتقالات غير مُبررة شملت المئات من الموظفين والمسؤولين والاعلاميين والصحفيين والمتظاهرين والناشطين السياسيين , هذا عدا عن إغلاق أو تدمير العديد من مقرات الصحف والاجهزة الاعلامية التي تعارض أردوغان وتنتقد سياسته في تركيا ودوره في الازمة السورية . وقد أساءت هذه الاجراءات الى أردوغان, باعتبارها تتجاوز صلاحياته الدستورية, كما ساهمت بتراجع ثقة الناخب التركي بقيادته وبحكومة العدالة والتنمية .
خامساً : كان لتصعيد الصراع المسلح مع الاكراد وخرق إتفاق المصالحة الذي تم توقيعه مع الزعيم الكردي عبدالله أوجلان أثراً سلبياً في تراجع ثقة الناخبين من الاكراد والعرب والارمن وغيرهم من الاقليات القومية بحكومة العدالة والتنمية وقيادة أردوغان . حيث تشمل الاقلية الكردية مالايقل عن 20-18 مليون كردي يتواجدون بشكلٍ رئيسي في جنوب شرق البلاد . حيث صوت العديد من هذه الاقليات في سنوات سابقة لصالح حزب العدالة والتنمية.
سادساً : سوف تلعب الخلافات بين أحزاب المعارضة التركية وعدم أتحادها في وجه حزب العدالة والتنمية وهو الحزب المرشح لنيل النصيب الاكبر من الاصوات دوراً هاماً في إلحاق هزيمة كبرى بحزب العدالة والتنمية. وهي خلافات لم تتمكن أحزاب المعارضة من تجاوزها وأخفقت حتى في التوصل الى إئتلاف حكومي فيما بينها بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟