|
في الفساد الإداري: ثلاثية الأهداف – الصلاحيات – السياقات
إقدام محمد رضا
الحوار المتمدن-العدد: 1361 - 2005 / 10 / 28 - 12:33
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تتطلب عملية التغيير الإداري ، أو التطهير الإداري على الأقل ، إعادة النظر في بعض المفاهيم التي تقوم عليها الإدارة في المؤسسات الحكومية العراقية ، و لكوني موظفاً يعيش ضمن البيئة الحكومية فقد جعلني ذلك طرفاً (متلقياً قي اغلب الأحيان) في بعض النقاشات حول مفاهيم تهم من هم حولي . وقد اخترت ثلاثة مفاهيم أراها مترابطة وذلك لأهميتها وعلاقتها بالفساد الإداري والمالي الذي لا يكفي أن نواجهه بالإجراءات التثقيفية والتدقيقية والقضائية بل يجب تأسيس تلك الإجراءات على حزمة تغييرات في البيئة الوظيفية المتردية التي توفر له تربة خصبة وتوجه كل مواردها لخدمته والدفاع عنه . هذه المفاهيم هي (الأهداف – الصلاحيات – السياقات)وقد أسست اختياري على الحركية الزائدة التي تميز هذه المفاهيم اليوم مما يجعلها خارج السيطرة ويزيد من الخطورة المتوقعة منها ففي مجال الأهداف يتصاعد التداول بين مفهومي (الربحية الاقتصادية – الأهداف الاجتماعية ) الذي يحكم الجدال بين أنصار الخصخصة وخصومها ،وفي مجال الصلاحيات فالجدل الدائر حول مستوى اللامركزية الإدارية هو في جوهره جدل حول طبيعة توزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف ولم يبرد بعد ما حصل بين السيدين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكان في لبه كما أعلن اختلافاً في وجهات النظر حول الصلاحيات وكذلك ما حصل بين السيدين الناطق باسم رئيس الوزراء وأحد المحافظين إضافة إلى النقاش الحاد حول صلاحيات الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم ، كما إن البيئة الوظيفية تتعرض لاهتزازات يومية بسبب الانتقادات المعلنة للسياقات ( القوانين والتعليمات) السائدة وعدم وجود ما يدل على إنها ستستبدل بغيرها قريبا ً، إن هذا كله إن لم يحسم بوضوح بالسرعة اللازمة فقد يؤدي إلى اضطراب مضاف إلى البيئة الحكومية يجعلها مؤهلة لتمرير الفساد الإداري والمالي . ولتوضيح المقصد فانه يفترض أن يكون لكل مؤسسة حكومية (أهدافاً) تبرر وجودها من خلال إنجازها ، ومن اجل ذلك وبالتواؤم معه تمنح مستويات المؤسسة المختلفة (صلاحيات ) توجبها الضرورة التي يفرضها الإنجاز المطلوب ، ويتم تخويل هذه الصلاحيات بحيث تجري ممارستها ضمن (سياقات )معينة تشمل القوانين والتعليمات والأعراف الوظيفية ولضمان ذلك وجب أن يتحلى كل مستوى وظيفي بالمؤهلات (معارف ،مهارات، خبرات ...الخ) التي تمنحه القدرة على إنجاز الأهداف من خلال ممارسة الصلاحيات ضمن السياقات المرعية . ولكي يتم تحصين المستويات الوظيفية المختلفة وجب وضع تعريفات محددة قانونياً ووظيفياً Functional لكل ما تعمدنا وضعه بين الأقواس في أعلاه وبما يضمن التناغم بينها فان تعرضها للاهتزاز يجعلها منفذا مرشحا لمرور الفساد . وإذا كنا قد سعينا في السطور السابقة إلى إثبات ذلك نظريا فان الواقع العملي يعطي إثباتات اكثر بلاغة بكثير مما توصلنا إليه نظريا . فقد وفر عدم وضوح ( الأهداف ) مدخلاً هاماً في العديد من المؤسسات لهدر المال العام على أهداف وهمية أو ثانوية فيما تترك الأهداف الرئيسية جانباً أما بسبب الفشل في إدارة الموارد باتجاهها او التعمد في إدارة هذه الموارد إلى وجهات أخرى ( غالبا جيوب المنتفعين) .و على الرغم من إن ديوان الرقابة المالية قد دأب على أن يتضمن تقريره عن الدوائر الحكومية بيانا عن مدى انطباق أهدافها على واقع عملها وكذا عن نسبة المنجز إلى المخطط إلا إن ذلك قد يكون شكلياً فقط ، ويصعب التأكد من كون المقارنة حقيقية أو شكلية كلما كانت (الأهداف ) مضببة وغير محددة و/ أو غير قابلة للتنفيذ او للقياس . ولا تقف حدود المشكلة عند ذلك فقط بل قد تتعداه لتصبح مبررا لمزيد من الاضطراب في منظومة (الأهداف- الصلاحيات – السياقات) فيبدأ المسؤول بتبرير القصور في تحقيق الأهداف بعدم كفاية الصلاحيات الممنوحة له و إذا نجح في ابتزاز الحلقات الأعلى (بسبب جهلها او ضعفها او تواطؤها معه .....) وحصل على صلاحيات اكبر فانه سيضاعف من استغلالها لصالحه والتذرع هذه المرة بان السياقات المعمول بها لا تمنحه الفرصة لاستثمار الصلاحيات باتجاه الإنجاز ، وإذا كرت السبحة فإنها قصة تبدأ ولا تنتهي لا جدوى وراءها إلا تحقيق المآرب الشخصية للانتفاعيين. إن الصلاحيات المعرفة بدقة والمصاغة بحيث تتلاءم مع طبيعة العمل وحجمه ولا تتقاطع مع متطلباته والمخولة إلى المؤهلين لاستخدامها تشكل إحدى أهم الضمانات لنجاح العملية الإدارية وإغلاق الأبواب أمام الفساد الإداري الذي يتمثل في بعض أشكاله بإساءة استخدام الصلاحيات او التجاوز عليها . وقد لوحظ أن بعض الدوائر تبتز مراجعيها تحت ذريعة عدم كفاية الصلاحيات (المالية خصوصاً) ويضطر المواطن الكريم تحت ضغط الحاجة أن يستجيب لهذا الابتزاز بتقديم الرشوة تحت مسمى (توفير مستلزمات العمل) وإذا ثبت لدينا إن تبرير الرشوة والاختلاس بضعف المستوى المعاشي للموظفين هو تبرير فارغ لا ينطوي على مصداقية (فكلاهما مستمر بالرغم من التحسن الملحوظ في المستوى المعاشي للموظفين) فان ذلك ينطبق أيضا على الحالة التي أشرنا إليها . أما الصلاحيات الزائدة فإنها دعوة للمسؤول إلى الانزلاق نحو الاستخدام الجائر للموارد المتاحة له مالية كانت او بشرية لتدفعه إلى الفساد و/أو التجبر. ويفترض إن السياقات الوظيفية توفر البيئة الملائمة التي يتحرك ضمنها الموظف الحكومي وتوفر كذلك معايير يمكن الاستناد إليها عندما يتطلب الأمر وضع الحدود أو الأساليب المعتمدة في التنفيذ وترسم المعالم الواضحة لخط سير العملية المطلوبة ، وقد عانت المؤسسات الحكومية العراقية من تراكم السياقات بحيث يصبح من السهولة تضييع معالم أي فعل غير مقبول بالنفوذ من هذه الثغرة وخصوصاً في النواحي التدقيقية والتنظيمية حيث يتمكن المسؤول بقليل من الحرفية أن يستل التعليمات الملائمة لما يريد تمريره من بين الركام ويبرر فعله بها و يسهل ذلك إذا علمنا إن دولتنا كانت (وما زالت إلى إشعار آخر ) دولة قرارات و أوامر اكثر منها دولة قوانين (والشائع بين الموظفين إن أقوى التعليمات لا تصمد في التنفيذ اكثر من أسبوعين). كما إن هذا الركام يوفر متاهة يضيع في خضمها المواطن العادي مما يجعله يتعرض إلى الابتزاز السريع لعدم إمكانه تمييز حقوقه في هذه المتاهة . وأخيراً (وليس آخرا) فإن التعريف المحدد وضمان التناغم بين الأهداف وواقعيتها وقابليتها للقياس والصلاحيات ومدى ضرورتها لإنجاز العمل هي إحدى مميزات الإدارة الصحيحة وضمان نجاحها وتظل السياقات الوظيفية باباً لضمان استخدام الصلاحيات من اجل الصالح العام ومقياساً مهماً لكفاءة وفاعلية ونزاهة المسؤول وجمودها أ ومرونتها المفرطة يجعلها باباً مشرعة لتمرير الفساد .
#إقدام_محمد_رضا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إجتثات ألممارسة
-
بين الديمقراطية والفساد
المزيد.....
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
-
انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ
...
-
مصر.. ارتفاع أرصدة الذهب بالبنك المركزي
-
مصر.. توجيهات من السيسي بشأن محطة الضبعة النووية
-
الموازنة المالية تخضع لتعديلات سياسية واقتصادية في جلسة البر
...
-
شبح ترامب يهدد الاقتصاد الألماني ويعرضه لمخاطر تجارية
-
فايننشال تايمز: الدولار القوي يضغط على ديون الأسواق الناشئة
...
-
وزير الاقتصاد الايراني يشارك في مؤتمر الاستثمار العالمي بالس
...
-
بلومبيرغ: ماليزيا تقدم نموذجا للصين لتحقيق نمو مستدام بنسبة
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|