فريد حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1361 - 2005 / 10 / 28 - 12:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أتى أعلان دمشق للتغيير الديمقراطي , كخطوة نوعية متقدمة , أقدمت عليها فصائل المعارضة السورية المتعددة المشارب والمنشأ والأيديولوجيات , لتؤكد باعلانها ذاك عن مدى القلق الكبير الذي ينتابها بسبب الأخطار التي تعاني منها البلاد , كنتيجة لسياسة الفساد والأستبداد وما نجم عنها من تهميش للمجتمع وقواه الحية , ومن نهب للثروات الوطنية , وتكريس للتقسيم الفئوي في المجتمع . تلك السياسة المُنتهجة منذ انقلاب 1970 وحتى يومنا هذا . والتي انهكت المجتمع , ودمرت الدولة ككيان سياسي , وحولتهم الى فريسة ترى القوى الدولية والأقليمية ذات المصلحة بانها أصبحت جاهزة للأفتراس . كما يضع الأعلان جملة من المبادئ والأسس للشروع في بناء مجتمع ديمقراطي , اساسه حق المواطنة والفصل بين السلطات , والتداول السلمي للسلطة , والأحتكام لصناديق الأقتراع . كما ويؤكد ذلك الأعلان استعداد القوى الموقعة عليه لبذل التضحيات اللازمة لأنقاذ البلاد من تلك المخاطر التي اوصلها النظام اليها . والسير بطريق التغيير الديمقراطي .
وتأتي أهمية هذا الأعلان للأسباب الثلاثة التالية .
1 – توقيت الأعلان . حيث أتى في وقت كاد الناس ان يفقدوا ثقتهم بامكانية المعارضة على اعلان مشترك يتضمن الأتفاق على الحدود الدنيا لضرورات العمل المشترك في سبيل التغيير الديمقراطي . كما في وقت اصبحت فيه سورية في مرمى الهدف للأعداء الدوليين والأقليميين المتربصين المنتظرين لتقرير ميليس الذي صدر بالفعل فوضعوا اصابعهم على الزناد . ولهذا جاء الأعلان بمثابة رسالة موجهة للداخل والخارج .
للداخل حيث يتوجه للشعب ليعيد بعث الأمل بتشكيل قطب سياسي يمثل طيف واسع من القوى السياسية , الذي سيعمل على دحر الأستبداد وتحصين الوطن في وجه المخاطر الخارجية بمشاركة ابناء الشعب جميعاً وذلك بجعل هذا القطب اطاراً ليوحد الجميع جهودهم من خلاله . كما كان رسالة للخارج وكما عبّر عنها الرفيق جورج صبرة عضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري , بان سورية ليست ( قوقعة فارغة سياسياً ) فالنظام الديكتاتوري الُمكلف منذ عام 1970 , لم يتمكن حتى الأن من اخماد أمل الناس بالحرية والتقدم والحياة الكريمة , وبالتالي فان كان هناك من قوى دولية , دعمت النظام الديكتاتوري لعقود طويلة , وكانت تأمل منه في تفريغ سورية من قواها الحية لتسهل السيطرة عليها , فان مبتغاهم مازال بعيداً عن التحقيق . ومازال ابناء سورية قادرون على النهوض لحماية استقلال بلدهم وبناء مستقبلهم .
2 – جاء الأعلان كتعبير عن نهاية زمن التقسيم والشرزمة التي اتبعها النظام الحاكم خلال 35 سنة الماضية , تلك السياسة التي ساعدته على ترسيخ سلطانه من ناحية وتدمير للمجتمع من ناحية ثانية . فلقد كان الأعلان وما تلاه من انضمام احزاب ومنظمات ومنتديات وشخصيات سورية في الداخل والخارج اليه , بمثابة تأكيد عل عزم السوريين على تدعيم وحدتهم الوطنية في وجه الأستبداد المدّمر للوطن والمجتمع , وعزمهم على وضع اسس نظام ديمقراطي يضمن حقوق الجميع في الوجود والمشاركة والتطور
3 – الوحدة العربية – الكردية التي تجلت في هذا الأعلان وقبول الجميع بمبدأ الأنتماء الى سورية كوطن للجميع والعمل المشترك لايجاد الحلول لمشاكله المتشعبة عبر الحوار وصناديق الأقتراع .
وعلى الرغم من اهمية هذا الأعلان , فلا بد لنا من رؤية ثغراته , التي اتت برأيي كارضاء لأطراف معينة , بأكثر مما تعبر عن رأي أكثرية المشاركين في اصدار هذا الأعلان .
1 - نقرأ في الأعلان , وفي أدبيات القوى الموقعة عليه , بأن سياسة النظام الحاكم في دمشق هي التي قادت البلاد الى أزمات كثيرة ومتعددة , وهي التي جلبت العديد من الكوارث على البلاد . وبالتالي فمن المنطقي بعد خمس سنوات من حكم بشار الأسد وما تخللها من نداءات كثيرة موجهة من كل الطيف السياسي المعارض وبعض الموالي , الداخلي والخارجي , الى اركان النظام حول ضرورة اجراء تغيير جذري في اسلوب حكم البلاد , مازال هذا النظام يتمترس في خندقه , مخوناً الجميع , ومعطيا لنفسه الحق بالتحكم بالبلاد والعباد . وهذا يعني ان السلطة الحاكمة هي الطرف الوحيد الذي يرفض اجراء اي تغيير ديمقراطي في حياة البلاد , لابل تستخدم القوة العارية التي تملكها , لقمع اي حراك اجتماعي . ومن اجل حصول ذلك التغيير فلا بد من اجبار السلطة على اجرائه , او ازاحتها باعتبارها حجر عثرة وممانعة , للمضي في طريق التغيير . وعندما يقول الأعلان (أن عملية التغيير قد بدأت ، بما هي فعل ضرورة لاتقبل التأجيل نظراً لحاجة البلاد اليها, وهي ليست موجهة ضد احد) . ولا يستثني السلطة الأستبدادية , فان الأعلان سيفقد مضمونه وضرورته , لأنه حتماً موجه بالأساس ضد السلطة التي تقف بوجه اي تغيير . اني أرى بان المهمة الأولى لأعلان دمشق وللقوى الموقعة عليه هو تدمير تلك السلطة الفاسدة الأستبدادية واعادة المظالم الى أهلها , واولى تلك المظالم , هي السلطة السياسية المُغتصبة منذ عقود , والدولة , وذلك لكي يصبح طريق التغيير الديمقراطي سالكاً . اما رجال السلطة الذين لم تتلوث اياديهم بدم السوريين , وعلى استعداد ليرّدوا المال الذي نهبوه الى الشعب ويساهموا في عملية التغيير , فلا بد لهؤلاء من ان يكون لهم مكانهم بين الجميع , والا فالتعامل معهم كالتعامل مع المجرمين .
2 – يقول البيان في نهاية مقدمته : ( فقد اجتمعت إرادتهم بالتوافق على الأسس التالية ) ويستعرض تلك الأسس المُتوافق عليها , والتي لا يصلح اي تحول ديمقراطي بدونها . وضمن سرد التوافقات تأتي فقرة ملتبسة هذا جزء منها (الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب . تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه ، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك ، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء . ) . فالأسلام هو دين الأكثرية هذا صحيح , وهو دين تسامح , ايضاً صحيح . وهذا لايحتاج الى توافق بين اي طرفين للأقرار بحقيقة عددية وحقيقة ايمانية . ويُعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب , مسألة قد يختلف فيها رجال الثقافة , فقد يكون الأسلام بذاته هو نتاج الثقافة العربية أو هو الشكل الأكمل او الأكثر تطوراً للثقافة العربية , التي هي بحد ذاتها نتيجة تفاعل عوامل داخلية وخارجية كثيرة . ولكن ما هو المهم هنا ؟
ما جاء بالفقرة السابقة , لم يكن , ولن يكون نقطة خلاف بين اي من فصائل المعارضة السورية , وبالتالي فان ادخالها بالصيغة التي اتت فيها , لم تكن أكثر من ارضاء , او , تلبية لطلب من فصائل اسلامية , لتأكيد الذات في ذاك الأعلان , وبانها كانت فاعلة فيه . كان يمكن ان يكون لتلك الجملة معنى افضل فيما لو اتت في سياق مختلف . مثلاً ان تأتي كرد على واقع الأسلام الرسمي في سورية الآن المُصنّع في فروع الأمن , الذي يتصف بالأنبطاحية , والنفاق , للنظام الحاكم , وباستخدامه كاداة تطويع , واخضاع , بيد النظام , ورجال الدين . للشعب المتدين .
على كلٍ يبقى معنى الجملة السابقة ايجابي حتى النقطة الواردة بعد كلمة ( والأقصاء ). تلك النقطة التي تنهي معنى الجملة السابقة , الذي هو وصفي , وسردي , ومعطوف على الزمن الماضي , ويبدأ جملة جديدة لها صيغة المستقبل , المستدل عليها من تعبير ( الحرص الشديد ) والجملة الكاملة هي (.مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة. ) فهذه الجملة , لايكتمل معناها , الا اذا كانت أطراف الأعلان تعمل على ايصال حزب اسلامي بالتحديد الى السلطة , عندها يصح القول بان هذه السلطة ستحترم عقائد الآخرين , والآخرين هنا , هم كل الغير مسلمين , وقد يكون جزء من المسلمين ايضاً . اما اذا كان التحالف الموقع على الأعلان , لا ينضوي تحت جناح الأسلاميين وليس جزء منهم , - وهذا مضمون معرفتي وعلمي – بل ان الأسلاميين هم جزء من التحالف وينضون تحت جناحه , فعندها لايصح ان نقول باحترام عقائد الآخرين , لأن هؤلاء الآخرين هم جزء من ( نحن ) قوى التغيير , فلا أحد يرضى بان يكون الغير مسلم ( آخر ) في الوطن , لأننا بذلك نكون قد قمنا بالتغيير الى عصور الأنحطاط , وليس تغييرا ديمقراطياً .
3 – على الرغم من ان الأكراد يشكلون القومية الثانية من ناحية الحجم في البلاد , الا ان ذلك يجب ان لا يمنعنا من الأهتمام بحقوق القوميات الصغيرة , ومن هنا فان الحديث عن اعطاء الأكراد حقوقهم يُظهر وكأن هناك اهمال لحقوق القوميات الأخرى , ولذلك فاني ارى بان الصياغات الأصح هي تلك التي تتحدث عن حقوق الأقليات القومية بالمجمل وليست الحقوق الكردية منفردة .
اني ارى , بان اعلان دمشق للتغيير الديمقراطي , كونه اعلان جمع اطراف المعارضة باغلبيتها هو عمل عظيم سوف يسجل التاريخ لمن عمل من اجله بانهم رجال شجعان تقدموا الصفوف في أخطر لحظة تواجهها سورية , كما اعتقد بانه وكاي بداية لعمل جديد , سيكون متضمن للكثير من الهفوات , ولكنه يبقى الأساس الذي لابد منه للتحرك الى الأمام , الى الأفضل والأكمل . كما سيجل التاريخ بان اعلان 16 تشرين الأول 2005 كان بداية لوقف الأنهيار والدمار الذي سببه 16 تشرين الثاني 1970 .
فتحية لكم يا رجال الأعلان ونحن معكم والى الأمام .
#فريد_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟