اديب نعمه
الحوار المتمدن-العدد: 368 - 2003 / 1 / 14 - 04:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
وقت للكلام..، ووقت لنسيانه.
تتمثل احدى
ابرز مظاهر ازمة الحزب في ذاك الانفصام القائم بين زمان المؤتمر والزمان الحزبي
اليومي. فكأنما المؤتمر حدث مستقل تماما عن سياق حياة الحزب، لا يبقى له من اثر الا
في القيادة المنتجة خلاله. اما المضامين والمحصلات التي يتوصل اليها العقل الجماعي
للحزب خلال التحضير للمؤتمر واثناء انعقاده، فلا تتحول فعليا الى موضوع عمل
الحزب.
فقد توصل الحزب في مؤتمراته الثلاثة الاخيرة الى محصلات
فكرية، وسياسية، وتنظيمية، موضوعة في نصوص رسمية متوافق عليها، وهي تشكل قاعدة
انطلاق مقبولة لتفعيل دور الحزب راهنا ومستقبلا، كما لتحريك الحياة السياسية
الاجتماعية في البلاد بشكل عام. كما ان هناك اقتناع عام بان الاساسي من الشروط
الموضوعية والذاتية لتفعيل دور الحزب كجزء من تنشيط حركة التغيير والاصلاح في
البلاد، متوفر. مع ذلك، ثمة احساس واسع الانتشار عند قواعد الحزب وكوادره الوسطية
وقيادته المركزية، ان فعالية الحزب واداءه وحضوره السياسي والشعبي، هي دون
القدرات الواقعية الممكنة في الوقت الراهن.
اننا نستند في تحليل اسباب
هذه الحالة، الى مجمل تراث الحزب النضالي العريق، والى تجربته التجديدية المتراكمة،
منذ تاسيسه حزبا وطنيا اصيلا راسخا في نسيج المجتمع في العشرينات من هذا القرن، الى
محطة التجديد الثانية في المؤتمر الثاني عام 1968، وصولا الى المحطة الحالية
المستمرة منذ المؤتمر السادس عام 1993. كما اننا نستند الى المحصلات التي توصل
اليها المؤتمر الثامن، والتي يفترض ان تشكل نقطة الانطلاق العملية في الممارسة
السياسية والتنظيمية، نقطة انطلاق لا بد ان يدرك جميع اعضاء القيادة مضمونها،
ومتطلبات الالتزام بهذا المضمون، وان يجري تعميم هذا الفهم على كوادر الحزب واعضائه
بما يشكل المادة الاساسية للحمة الحزب الايديولوجية والسياسية
والتنظيمية.
تشوهات في الفهم والممارسة.
حسب اعتقادنا، ان الحزب في
وضعه الحالي، لا يوظف فعليا تراثه النضالي والتجديدي العريق بالقدر الكافي، من اجل
بناء صورة جذابة لحزب تغييري وطني يساري معاصر في لبنان. وتتكشف امام التحليل، انه
في سياق الممارسة اليومية، تبرز ثلاثة انواع من التشوهات المتعلقة بمضمون العمل
السياسي والتنظيمي للحزب، في فهم وترجمة توجهات المؤتمر الثامن، كما المؤتمرات التي
سبقته:
- التشوه الاول، هو ظاهرة التباس مضمون المحصلات
التي تم التوصل اليها في المؤتمر حيث ان انصباب الاهتمام على الجوانب التنظيمية، بل
الانتخابية، تؤدي احيانا الى التصويت على الوثائق المكتوبة والتقارير والمضامين،
دون معرفة حقيقية لمحتواها. والاغلب ان بعض الرفاق يعتقدون ان لا خلاف حقيقيا على
هذا المستوى، وبالتالي مهما اختلفت الاراء، فهذا الامر اقل اهمية من العملية
الانتخابية ومن اختيار القيادة. وفي خلفية هذا الموقف، يكمن الشعور الواعي او غير
الواعي، ان اشخاص القيادة هم صورة الحزب والمرجع، وليس النص. وينتج عن هذا التشوه،
سوء تفاهم داخل القيادة نفسها، او بين القيادة والقاعدة يلعب الكادر الوسطي دورا
حاسما في تجاوزه او تغذيته، ويؤدي الى اعادة طرح الاستنتاجات الاساسية التي اتفق
عليها الحزب، دائما على بساط النقاش، واعادة طرح الاسئلة والقضايا نفسها بشكل مكرر
ومكرر ومكرر.
- التشوه الثاني، هو الفهم المبسط لمضمون الوثائق.
وهذا الفهم يعزل النص عن خلفياته والسياق الذي اتى فيه، كما انه لا يرى ارتباط النص
الحالي باعتباره محصلة تطور النصوص والمضامين التي انتجت في المؤتمرات السابقة، وفي
المواقف والممارسة السياسية والتنظيمية السابقة للحزب. وتكمن المشكلة في هذا الفهم،
في ان الموافقة على مضمون المحصلات التي صاغها المؤتمر، لا يتجاوز التوجه العام، او
القضايا شبه المجمع عليها. الا ان الخلاف يبرز عند كل محاولة للانتقال من الموقف
النظري او العام، الى العملي والملموس، أي الى الممارسة. فهنا يبرز الخلاف في وضع
الخطط، وصياغة المواقف، وفي فهم الموجبات التي يتطلبها هذا الموفق المجمع عليه
شكليا. وبالتالي ينتج عن ذلك اعاقة هامة على مستوى العمل القيادي، فيما يتصل بقيام
القيادة بدورها في التحليل والتوقع، وانتاج خطة عمل بمستوى ما يتطلبة تنفيذ
المهام.
- التشوه الثالث، وهو الذي يتمثل في الموافقة
الظاهرية على مضمون المحصلات التي توصل اليها المؤتمر، والعمل في الممارسة الواقعية
على نشر قناعات مخالفة للمؤتمر، او انتاج ممارسات متعارضة مع ما توصل اليه الفكر
الحزبي الجماعي. ان مخالفة المؤتمر على هذا النحو امر ممكن استنادا الى التشوهين
السابقين، فحيث لا معرفة بمضمون المؤتمر او معرفة ملتبسة بهذا المضمون او حيث الفهم
لا يصل الى مستوى الاستيعاب النقدي للمضمون وادراك موجباته العملية، يمكن ان تطرح
افكار مخالفة في الاساس او في التطبيق الفرعي لنتائج المؤتمر، على انها هي محصلات
المؤتمر نفسه.
وسوف نأخذ مثالا على ذلك، قراءة ابرز ما اتفقنا عليه في المؤتمر
الثامن، على صعيد تحديد ما يسمي بالهوية الفكرية للحزب.
صورة الحزب وهويته
العامة.
احتلت قضية هوية الحزب (الفكرية) مكانا بارزا في اهتمامات الرفاق على
مختلف الصعد. وقد جرى غالبا اخترال هذا البعد فيما يعرف بمسألة الهدف الاشتراكي
والانتماء الفكري للحزب الى الماركسية. ويؤدي هذا الاختزال اولا الى تغييب جوانب
اساسية اخرى في خيار الحزب الشيوعي كحزب للاشتراكية، والوطنية اللبنانية،
والديمقراطية، والوحدة العربية..الخ، كأن هذه المسائل ليست ذات علاقة بخيارات الحزب
الفكرية والسياسية الاساسية. واختزال الموضوع في مسائل نظرية واستراتيجية بالغة
التعقيد، وتبسيط الموقف منها وهي مسائل تتطلب مستوى معرفي مرتفع، هو جزء من آلية
الهروب من المواقف الحقيقية القابلة للقياس وللمحاسبة على قاعدة الفكر الماركسي
المتجلي في الممارسة العملية. كما انه في الوقت نفسه، آلية مناسبة لانزياح الحوار
الحزبي الداخلي الخلاق نحو استقطابات زائفة.
الا ان المؤتمر الثامن لا
يقصر موضوع هوية الحزب على الموقف من الاشتراكية والماركسية، بل ان النصوص
تجمع بين هذا الجانب، وبين ابعاد اخرى اساسية تطال الممارسة والمواقف المبدئية،
تشكل بمجملها صورة الحزب الشيوعي اللبناني كما يراها بنفسه. ونحن بامس الحاجة الى
التعرف الى صورة الحزب هذه، والى التعامل مع هويته بشكل اكثر شمولا وتكاملا من
اختزاله بالموقف من الاشتراكية والماركسية، وهو اختزال يخدم اهداف الصراع الداخلي
في الحزب اكثر مما هو يخدم افاق توسع الحزب في المجتمع، وزيادة فعاليته كقوة
للتغيير في البلاد.
بعد ايراد هذه الملاحظات، نشير الى ابرز عناصر هذه
الصورة المتكاملة الحية، التي تشكل هوية الحزب، كما جاءت في المؤتمر الثامن، والتي
تشكل استمرارا لنهج التجديد المستمر في مرحلته الراهنة منذ المؤتمر السادس للحزب.
وما نعرضه فيما يلي هو مقتطفات من نص وثائق المؤتمر الثامن، ونصوص اساسية صادرة عن
المكتب السياسي.
× ان اول اربعة اسطر في
وثيقة الحزب الصادرة عن المؤتمر تتحدث عن الحزب بانه "نشأ في قلب حركة تحرر شعبنا،
..متأثرا بافكار النهضة العربية، ومثل الثورة الفرنسية، ووهج ثورة اكتوبر
الاشتراكية ومبادئها، وذلك على قاعدة الالتزام بالمنهج العلمي الماركسي لفهم العالم
وآليات تطوره وسبل تغييره." (مدخل، 17).
×
وتتابع وثيقة المؤتمر الثامن قولها ان الحزب يأخذ.."بالجوهر العلمي للماركسية،
كنظرية وكمنهج،.. دون الخضوع لعبودية النص..والتحري الدائم عن الجديد في الحياة
والمجتمع لا الاكتفاء بانجازات الماضي وتجاربه، ولجهة تبين عناصر التجربة الملموسة
والخاصة..لا الخلود الى النسخ والتكرار، ولجهة ابداع الحلول لا التفتيش عنها في
الوصفات الجاهزة.." (مدخل، 18).
×
كما ان "الالتزام بالماركسية كمرجعية فكرية هو انتماء الى منهج حر في
التفكير، صارم في علميته، واسع في معارفه النظرية والعملية، حيوي في تفاعله بكل ما
تنتجه من جديد العلوم الانسانية المعاصرة، وهو نقيض أي جمود، او تعصب، او تكرار
عقيم لافكار وشعارات لا تولد من واقع الحياة وتطوراتها". (مدخل،
18).
× ويواصل الحزب "الاعتقاد بأن الاشتراكية
هي البديل، وهي نظام تنضج عوامل بلوغه تدريجيا، ويتحقق ويتكامل في بنيانه وصيغه،
ضمن جدلية حركة الموضوعي والذاتي وتطورهما في كل مجتمع". (مدخل،
18).
× "كما حدد ويحدد (الحزب) هدفه
بالتوجه نحو الاشتراكية المتوافقة مع الشروط والسمات الخاصة بتطور مجتمعنا، وخصائص
التطور التاريخي والسياسي لشعبنا، وذلك انطلاقا من مبدأ ضرورة تجاوز النظام
الرأسمالي الذي تتفاقم تناقضاته الحادة بين مراكزه والاطراف، وتشمل فيمن تشمل
لبنان، وحيت تتعمق عملية تمركز الثروة الحاد داخل كل بلد وعلى الصعيد العالمي،
ويتزايد الاستغلال الوحشي والافقار المتواصل لشعوب باسرها" (مدخل،
19).
× "ان هدف نضاله (الحزب) على المدى البعيد
هو رفض التسليم بنهائية النظام الرأسمالي، وبضرورة وامكانية تجاوز هذا النظام الى
نظام ارقى واكثر ديمقراطية وعدالة سمته اشتراكية من نوع جديد، وهي ليست التي اطلقوا
عليها اسم الاشتراكية الواقعية قبل انهيارها واضمحلالها، ولا تلك المعروفة
بالاشتراكية الديمقراطية..". (تقييم، 1-2).
× "كما اننا نفهم الاشتراكية كذلك باعتبارها طريقا للتنمية
والتحرر التدريجي يجري تحديده من مواقع الطبقات الشعبية وفي سياق عملية تكاملية مع
العالم العربي لتأمين الشروط المادية للخلاص من التخلف" (الفصل الثاني،
46).
× " ان الحزب الشيوعي اللبناني، بما هو حزب
للتغيير الديمقراطي، يعمل من اجل استبدال السلطة الحالية بسلطة جديدة قادرة على
بناء نظام سياسي ديمقراطي علماني يؤمّن في آن، اوفر الحريات الديمقراطية العامة
والخاصة، وافضل الشروط للتنمية الشاملة، والمتوازنة والمضطردة، اقتصاديا واجتماعيا
وثقافيا. وهو يؤكد ان نضاله في سبيل ذلك، ينطلق من ايمانه بتداول السلطة، بناء على
الخيار الحر للشعب، ملتزما بقواعد العمل الديمقراطي الهادف الى توعية اكثرية الشعب
اللبناني المتضررة من نهج السلطة الراهنة، وتعبئتها في النضال الديمقراطي المشروع،
الذي يكلفله الدستور لاسقاط هذه السلطة."
السؤال.
كانت هذه بعض مقتطفات
من وثيقة المؤتمر الثامن، والتقييم الصادر عن المكتب السياسي لاعمال المؤتمر. اردنا
منها تأكيد مسألتين:
السألة الاولي، ان الحزب في فهمه للاشتراكية والماركسية
بعيد كل البعد عن كل انواع الجمود والتعصب والتكرار. وان التزمت على هذه الصعيد،
مخالف للمحصلات التي توصل اليها المؤتمر، ويجب اعتبارها رأيا شخصيا له كل الحق في
الدفاع عن نفسه، لكن دون ان يعتبر بأي شكل من الاشكال، معبرا عن محصلة المؤتمر، وان
التجديد هو خروج عليه.
المسألة الثانية متعلقة بهوية الحزب، فالحزب هو
حزب الاشتراكية، والوطنية اللبنانية، والتغيير الديمقراطي، والتنمية؛ وهو حزب عالم
ثالثي، وقومي عربي وحدوي؛ وهو وريث حركة النهضة العربية، ومندمج عضويا في حركة
التحرر الوطني العربية والعالمية..الخ.[1]
وعلى هذا الاساس انتهي
الى طرح السؤال التالي:
هل هذا فعلا ما هو شائع ومعروف عن فهم المؤتمر الثامن
لهوية الحزب؟
[1]
- غني عن القول، ان وجود هذه الصفات او الابعاد كلها في تحديد هوية الحزب، لا يحتوي
على أي تناقض، ما دمنا نعتبر ان الحزب يتبنى الماركسية كمنهج واساس نظري لفهمه
وممارسته. فتعدد الابعاد والسمات لا يعني تعددا في المنهجية والاساس النظري، اللذين
لا بد ان يكونا منسجمين داخليا.
#اديب_نعمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟