نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1361 - 2005 / 10 / 28 - 12:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إذا كان ما أسره لي أحد المعارضين,بأن شيوخ المعارضة ,وعجائزها المعمرين قد رفضوا ,وبشدة,إطلاع أحد ممن ينتمون لـ"طيف" سوري بارز ومعروف على نبأ إشهار توليفة "إعلان قندهار للتكريس الطائفي" ,والإفصاح عن أي من بنود مضمونه بشكل مسبق مخافة أن يقوم هذا "المشبوه" سياسيا ودينيا برغم استضافة المعتقلات له على نفقتها الخاصة لسنين طويلة,بنقل فحوى هذا الإعلان إلى مصادر أمنية وإفشاء هذا السر العظيم ,إذا كان هذا صحيحا وفي ظل عدم صدور أي تفسير وتوضيح ,أو نفي وتكذيب من هذه المرجعية الديمقراطية الوحيدة هذه الأيام ,لهذا السر واللغز الديمقراطي الإعرابي العجيب, فنحن فعلا أمام نمط ديمقراطي فريد , ومخيف يحمل عقلية إقصائية لاتوازيها ربما عقلية البعث برغم تعسفها ,واستئصاليتها الشديدتين.
تقضي الدساتير المحترمة في البلاد المتحضرة أن المواطنين متساوون أمام القانون دون تمييز وتفضيل لعرق ,أو للون ,أو لدين,وأما التركيز على سمات وخصائص تفضيلية مميزة لهذا الجنس ,أو ذاك الفصيل ما هو إلا محاولة قاتلة للتنصل من هذا الشكل الحضاري والإنساني العظيم.ستفضي ولا شك إلى نوع من الاحتكارية السياسية ,والعصمة المطلقة التي تعني شيئا واحدا وهو البدائية السياسية والاستبداد والبقاء في ذاك المحيط المتلاطم الذي يحاول الجميع الآن الخروج منهم بأية أثمان.
لقد حاول الإعلان بطريقة غير مباشرة تقديم نفسه كبديل"شرعي" لما هو قائم, في حال حدوث أية مفاجآت سياسية مرتقبة من النوع الثقيل .ولكن مازال الطريق طويلا أمامه لبلوغ هذا الهدف المنشود.وأنه ما يزال هناك الكثيرمن المستلزمات الأساسية لأي كان لاكتسابها لارتداء ذاك الثوب الذي بدا فضفاضا نوعا ما على هذا الإعلان بشكله الحالي. رغم التاريخ المرعب,وغير المريح , لبعض الموقعين والذي لا يتوافق عليهم الجميع.
فهل من أجل إعلان توافقي عائم كهذا سجن آلاف المعارضين ,ودفعوا قسطا من أعمارهم في غياهب الزنازين ؟وما الذي يجمع المعمم الماركسي,مع الرفيق الأصولي,والسندباد الانتهازي,مع الفاشي العروبي ,والشيخ المستقل سوى ذاك "السر الكبير" الذي حاول البيان إخفاءه وراء عباراته الطنانة,ولكنه ظهر جليا في ما بين سطوره ,ولم يعد بحاجة لأية بلاغة للإعلان عنه,وهلل له المطبلون والمزمرون رغم توجس كثيرين ,وتحفظاتهم عليه.وطالما شدد الإعلان,وكرر عشرات المرات تلك التعددية المذهبية ,والدينية,والعرقية,والطائفية ,فلم استكبر وأبى أن يشير للعلمانية كخيار ,مفترض, في مثل هذه الحالة,لإرضاء شريحة واسعة ايضا من العلمانيين , من مختلف الطوائف والتيارات والناس الآدميين ؟ولماذا يتم تجاهل العلمانيين كتيار موضوعي وحل ناجع ,وإرضاءهم على الأقل كما أرضوا أصحابنا السلفيين والقومجيين إن كانوا حقا بالديمقراطية مومنين؟ ألا يعني هذا انصياعا لتيار بعينه ينفي عن الإعلان صبغة الديمقراطية التي رفع لواءها عاليا,هدفه اليتيم هو استفزاز السلطة بشكل رئيس؟ أم لم يسمع معدو البرنامج بشيء اسمه العلمانية كخيار نهائي وحيد دون المرور بكوارث التجريب في بلاد قوس قزحية ,وفسيفسائية التكوين؟ولم تجاهلوا وجود وطنيين مخلصين من أبناء الوطن الأخرين ممن دفعوا الغالي والنفيس للوطن ,ولهم فيه تاريخ عريق ,وحجبوا عنهم حتى شرف الاطلاع على منشور سياسي , بسبب تسلحهم بثقافة التخوين التي برزت في سلوك من هذا القبيل ,وتدثروا بهذه الباطنية الديمقراطية حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا؟
ومابين المادة الثامنة في الدستور السوري الذي يأخذه الموقعون وصمة عار على السلطة واحتكارا للنشاط السياسي,والفقرة الثالثة من "إعلان قندهار للتكفير السياسي" تشابه كبير ربما يصل حد التطابق. فهل كتب على هذا السوري البقاء تحت نير الفكر الشمولي الاستبدادي إلى أبد الآبدين,وأن تتقاذفه صروف الدهر ويلعب به كل اللاعبين. وألا يقيض الله له أبدا طليعة واعية متسامحة تكبر على كل شيء,ولا تفضح نفسها في أول امتحان ,وتفشل بالتأهل الوطني ,وتخرج من السباق بالأدوار التمهيدية لهذا السباق الوطني المرير والعسير. وهل عانى ما عاناه السوريين من أجل إعلان يقصي مواطنين دون مواطنين ويميّز آخرين ,ويشعل معارك فكرية ,وصراعات وحساسيات معينة,بدل أن يتسامى على الماضي الأليم الذي لفح الجميع ,واستمر بتأجيج نار الثأر والترصد, والانتقام.
فقد جاء في المادة الثامنة من الدستور السوري :"حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية". وجاء في الفقرة الثالثة من إعلان قندهار العجيب:"والإسلام الذي هو دين الأكثرية (السني طبعا وحصراَ ولذا من حقه القيادة والتمتع بالحصانة الأبدية) وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب . تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه ، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك ، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء . مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة."هل يعلم هؤلاء إلى أين يقود مثل هذا الخطاب؟
وهذا الاعتراض على هذه الفقرة بالذات ,لا يعني بالتأكيد رفضا لفصيل بعينه أو إقصاء له,ولكنه محاولة أخيرة لفصل الدين عن السياسة ,والأخذ بتجارب الأمم المتحضرة التي حققت سبقا في هذا المجال ,ورأت في هذا وحده ,وبعد قرون من التجريب والتخريف أن الحل العلماني هو أفضل وصفة يمكن أن يأخذها الجميع,وقد أثبتت نجاعتها في الكثير من الحالات المشابهة.
ولماذا لا تتحول أصلا كل الحركات الدينية السياسية إلى أحزاب ذات طابع اجتماعي , وسياسي كما هو الحال في تركيا,بدل تجريب المجرب والعودة للمربع الأول, وتحافظ على العلمانية كخيار للحكم وتترك ما لله لله بدل إقحام الدين في كل شيء واستفزاز الأخرين ؟والعزف على هذه الأوتار التي لن تفعل شيئا سوى تحفيز المهمشين والمبعدين على الانضواء تحت ألوية ويافطات طائفية أخرى ,وما أكثرها في هذا الوطن,ومن يستطيع أن يلجم المتطرفين والأصوليين المتشددين الموجودين في كل التيارات,والتي لا تقتصر على تيار وحيد.ألا تثير كلمات مثل العروبة ,والقومية,حفيظة بعض أبناء الوطن الذين عانوا الأمرين من جراء تطبيق عروبتكم عليها وصاروا رعايا ,بدون هوية,ولم يتمتعوا يوما بمكرمة المواطنة التي احتكرها البعثيون,ولن تستطيع تلك الإنشائية من أن تنسيهم معاناتهم ,وواقعهم الأليم ؟ولماذا في كل مرة ينبغي على أن يكون هناك أحد ما يحتكر الوطنية ويصادر قرارها ويسوق الرعية وفق هواه السياسي الوحيد وتحل المصلحة الوطنية العليا في مرتبة متدنية أمام التحزب والفئوية وأحادية التفكير؟
إنها لحظة تاريخية صعبة ومصيرية ,ونادرة ,وعلى العقلاء والمتنورين استغلالها ,ولم يعد هناك متسع من الوقت لأحد لأن يجري تجاربه ,ويكرر المآسي ,وإن أية محاولة لتغييب حقائق ,وتهميش آخرين ستؤسس ولا شك لصدام قد يكون هذا الواقع برغم سوداويته أفضل منه آلاف المرات.
ولم تفلح كل المحاولات البلاغية المتكررة للهروب من ذلك الإطار الضيق الذي وضع المعدّون أنفسهم فيه عن عمد أو غيره. وإن استبعاد ,أو إغفال,أو إقصاء وتحجيم أي طرف, وطيف أو فصيل سياسي ,كبيرا كان أم صغيرا ,من المشاركة ,والانضمام لعمل وطني معلن بهذا الحجم ,يعني ببساطة تكريسا للواقع القائم بكل سلبياته ,وتأجيلا لانفجار أكيد يتربص في نقطة ما في الطريق .وأما محاولات إنكاره,وإخضاعه فهو محاكاة لما فهله عتاولة البعث مع الآخرين ووجدوا أنفسهم في هذه اللحظة المصيرية في مأزق لا يحسدون عليه,فيما يقف الوطن برمته في فم العاصفة وفي مهب الريح.ومادام يحمل كل هذه الثغرات فهو لن يرقى لميثاق العمل الوطني الشامل والجامع ,وسيبقى بشكله الحالي منشورا سياسيا يعبر عن طيف سياسي يتيم,طالما تعود معدوه على إصداره في مراحل العمل السري,وفشل في أن يكون بوتقة وطنية تجمع ألوان الطيف السوري المتناثر هنا وهناك ,آخذة بالاعتبار تطلعات,وخصوصيات,لا بل وأهمية كل فريق على حدة.
لا حل لسورية والوضع هذا ,وهذا التنوع ,والتلون العرقي ,والديني,والطائفي ,وحتى السياسي إلا بالتسلح والأخذ بالخيار العلماني الذي يضمن حق المواطنة أولا وللجميع والانتماء للوطن السوري العظيم دون تمييز وتفضيل ,وما عدا ذلك سيبقى الجميع يلف ويدور في حلقة مفرغة من الضياع السياسي والتكهن والتخمين والتجريب ,الذي سيؤدي لكوارث شتى لن تستثني أحدا لا الصغير ولا الكبير.,قد تطال وحدة التراب العزيز.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟