|
عبدالجبار الكبيسي .. متى ينصفه التاريخ 5 الايديلوجية الحزبية عدوة الوطنية العراقية
عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4968 - 2015 / 10 / 27 - 19:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عبدالجبار الكبيسي .. متى ينصفه التاريخ 5 الايديلوجية الحزبية عدوة الوطنية العراقية عبدالأميرالركابي لعبت الحزبية الايديلوجية دور الكابح المناهض للحركة الوطنية العراقية، وعلى العكس من حقبتين او / مرحلتين/ كانتا قد مرتا على العراق في العصر الحديث اولاهما قبلية، والثانية دينية تجديدية، اتسمت حقبة "الوطنية الحزبية" بحلول عنصر متصادم مع حركة التشكل الوطني، ظل يستمد قوته واغراضه من خارج عملية التشكل التاريخي العراقي الحديثة التي ابتدات منذ القرن السابع عشر مع ظهور الاتحادات القبلية واولها "اتحاد قبائل المنتفك". فبينماكانت كل من الزعامة القبلية والدينية متوافقة مع الخاصيات الوطنية التكوينية، ومتفاعلة معها، وخاضعة لحقائقها والياتها، تميزت الوطنية الايديلوجية الحزبية بالتصادم مع تلك الخاصيات، وباقحام تصورات من خارجها عليها، والعمل على تطويعها وتعطيل ميكانزماتها. مع ذلك وبرغمه، عاش العراق خلال القرن المنصرم حالة استثناء محتدمة ذكرت بقوة بحضوره الكوني كمركز فعالية حضارية غير قابل للاخضاع للنموذج الكوني الاوربي السائد، ماقد تجسد من خلال ردود افعاله بما يتجاوز القدرة الاستعمارية والدولية على "الاحتواء"، الامر الذي تمثل تحديدا خلال مناسبتين تاريخيتين كبريين هما ثورة حزيران 1920 وثورة تموز 1958، ففي اللحظتين كادت الطاقة الاستعمارية والدولية تخترق وتتراجع في العراق، والاحتلال الانكليزي اوشك على ان يهزم خلال ثورة العشرين، والبريطانيون فكروا وقتها جديا بالانسحاب وحينها كانت ستسجل حالة فريدة عن "بلد غير قابل للاستعمار"، مااضطرهم كمحاولة اخيره لابتداع نموذج "الاستعمار الجديد" في اولى بواكيره، فاعتمدوا مبدا "الحكم من وراء ستار"، ومارسوا انسحابا شبه كلي من الحياة العامة في العلن، فلم يتركوا فرصة لملاحظة تدخلهم في شؤون الدولة التي اقاموها، في حين كادت الحركة الشعبية خلال ثورة 1958 تخرق القاعدة، وتقيم نظام "لادولة" في موضع غاية في الحساسية الاستراتيجية والنفطية، مااثار هلعا دوليا واقليما، واستوجب عملا دؤوبا لاقامة التدبير الثاني من تحالف الحزبين المتاقلمين دوليا والمسروقين، البعث الصدامي وحزب عزيز محمد، ليصبحا اداة قتل لمحركات الحركة الوطنية، وجهاز تدمير للخصائص التاريخية، وفي الحالتين لعب غياب الذاتية الوطنية التاريخية، والافتقارللمفهوم الوطني المطابق، الدور الاهم في منع استكمال اهداف العملية التاريخية الوطنية في الحاضر. كان عبدالجبار الكبيسي من جناح حزب البعث "اليساري" حسب التسمية الشائعة، وكنت منحدرا من تجربة الانشقاق والكفاح المسلح الخارجة على الحزب الشيوعي المسروق منذ اعتلاء عزيز محمد موقع القائد عام 1964 خلسة، ومن وراء ظهر الحزب، وبدفع من الاجهزة السوفيتية، مستغلا المناخ الذي تولد بعد الضربة القاتلة التي تلقاها الحزب على يد البعثيين في شباط 1963قبل ان ينقسموا على انفسهم، وتتعزز عملية الفرز داخلهم بين حزب سلطة )كان يسمى في حينه يمينيا(واخر يميل للحركة الشعبية ويقاربها، وفي حينه لم يكن امام المحتجين والمعترضين على عملية سرقة الاحزاب من حضن الحركة الشعبية سوى اعتماد الوسائل الحزبية نفسها، فالاعتراض على "الحزب" يحدث من خلال "الحزب" وعن طريق اقامة حزب مقابل، اي ان"الحزب" كان في حينه هو الطريق الاجباري والقدري نحو نهاية "الحزب" وان كان طويلا بانتظار تجارب ومتغيرات ضخمة، وصولا لنهايةهذه الحقبة من التاريخ وتبلور ملامح مابعدها. كان العراق وقتها يقترب من كارثة انقلابية هي الاكبر والاكثر كارثية في تاريخه كله، فعملية صعود البعث الصدامي العائلي المدمر للخصائص البنيوية الثورية، وللاحتمالات الحداثية ان وجدت، قامت على هدف ايقاف مفاعيل الاليات الحضارية التاريخية، ولم يكن ذلك ممكنا من دون استهداف العناصر الاساسية الثابتة في التكوين العراقي، وفي ماقد منح ويمنح تاريخيا الواقع العراقي سماته الثابتة منها والمتغيرة، ويصنع حركته في الصعود او الانقطاع الحضاري المتعاقب، ومن الريع التجاري المعتاد واللازم لكافة "دول المدن الامبراطورية" العراقية، بما هو حاجة لايمكن عيش واستمرار تلك الدول من دون تامينها، سيحل الريع النفطي المحلي، ليمنح الحكم الاستقلالية اللازمة عن المجتمع الاسفل، كما ان الحزب العقائدي هو افضل وامضى وسيلة ممكنة لاختراق مجتمع اللادولة، وخطاب الحداثة المتصل ب "التنمية"، والذهاب الى العصر، والانتقال للصناعة، ودعوى التقدمية، كلها عناوين من شانها المساعدة على قتل دور الزراعة التاريخي، لا انتاجيا فقط، بل على مستوى "النمط" المجتمعي، وفي ميدان ازدواجية السلطة التاريخي، مع تحول الدولةالى رب عمل و"موظف رئيسي" اوحد تقريبا للمجتمع، الى ان تحول" العمال" في نهاية المطاف وحسب توصيف دولة صدام حسين الى "مستخدمين" وليس "طبقة عاملة"، بالضبط كما ازيلت الالقاب ليصح عبدالامير الركابي "عبدالامير عبدالواحد" وعبدالجبار الكبيسي "عبالجبار سليمان"، وبينما كان المطلوب السير نحو الحداثة والعصر، قتلت الزراعة لترسى معالم "بدونة" المجتمع العراقي عن طريق ترييعه. ولسوف يكتشف الفكر العراقي حين يوجد يوما ما، ان الطبيعة تظافرت مع جريمة الوطنية الحزبية، بحيت جعلت التاريخ يستدير في واحدة من اكثر نقاط الفعالية الحضارية اثراعلى المستوى الكوني، وبالذات مع بدء تراجع حضور النهرين العظيمين منذ تناقص الوارد من مياههما الى العراق، فما ان انتهى نظام صدام عام 2003 حتى اصبح العراق في مصادفة كارثية نادرة"بلد مابعد النهرين"، ودخل عهدا قتلت فيه روح العمل لصالح اخلاق الوظيفة والاتكال على الحكومة، وانتفى حافز الابداع وانكمش، بينما الارض فقدت اهم اسباب حضورها، عدا عن خاصياتها التاريخية، ذلك في حين ان العودة الى الماضي لم تعد ممكنة، ومشروع " اللادولة" اهتزت ركائزه بقوة، ولم تعد البلاد قابلة للاحاطة او معرفة مواطن تعريفها في اي مجال مجتمعي او اقتصادي او سياسي ثابت او يتمتع باستقرار نسبي، وكل هذا سببه المشروع الكارثي التاريخي المفروض باسم الانتقال للتحديث الاوربي، منذ ان اصبحت الاحزاب الايديلوجية ولاسباب تاريخية استثنائية هي الغالبة والسائدة في الحياة العامة. قبل ذلك الفصل من فصول تشكل العراق الراهن، كانت المرحلتان القبلية والدينية التجديدية، قد اقامتا ايام العثمانيين ازدواجية سلطة، وقيادة مقابلة لسلطة الولاة الاتراك والمماليك، جسدتها اولا دولة مدينه قبلية هي "سوق الشيوخ" عاصمة اتحاد قبائل المنتفك، ثم "دولة اللادولة المدينة المقدسة" في النجف. والاخيرة ابتدعت "نظام الاجتهاد" و" التقليد" و" الحوزة"شادة اليها البحر القبائلي المشاعي، ومحولة اياه الى جيشها المقاتل، فهي ك "مدينة دولة لادولة" متطابقة بنية مع محيطها ونموذجه، لم تكن معنية بالسلطة الاكراهية، ولا باحتكار السلاح، وظلت تمارس سلطتها الروحية المعنوية، محولة البحر العشائري الجنوبي الى كتلة مسلحة شبه مستقلة خاضت عشرات العصيانات والانتفاضات، حتى انها تمكنت ايام المماليك من دخول بغداد، وتنصيب الوالي سعيدا ابن سليمان باشا الكبيرواليا،ماجعل "داود باشا" الذي اعقبه في الحكم يكتب للباب العالي من منفاه عند ال بابان في الشمال "ان سعيدا حكم العرب اهل الغشامة والجهل"، بينما كانت القبيلة تبلورذاتيتها المشاعية بما هو ممكن، كما الحال قي اسطورة حمد ال حمود وحسين الصويح، وراويتهما الشاعرة العظيمة "فدعة" التي كررت لنا في العصر الحديث، طبعة من ملحمة جلجامش الشهيرة في الدورة الحضارية العراقية الاولى، فكاننا كنا ومازلنا نقرا معركة جلجامش وانكيدو القيمية ثتبيتا لملامح شخصية ومثال شيخ مميز،لاشبه بينه وبين اي زعيم قبائلي في غير العراق الاسفل. ان فترة الاستعمار والهيمنه المفهومية الغربية خلال القرن الماضي بمختلف تدرجاتها من الدولة الاولى عام 1921 الى صدام حسين/ عزيز محمد، هي فترة قتل الخاصيات التاريخية العراقية، ومن ثم قتل واحدة من اهم مراكز الفعل والابداع الحضاري في العالم، لصالح نموذج الحضارة الغربي، ولتكريس احاديته، وذلك بلا شك هو الحدث الاخطر في التاريخ المديد لهذه المنطقة على الاطلاق، وهو يعادل عملية ابادة حضارية، انتهت لا الى التحديث وبلوغ العصر، بل الى كارثة شاملةعلى كافة الصعد.
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبدالجبار الكبيسي... متى ينصفه التاريخ 4: وطنيتان ماقبل وماب
...
-
عبدالجبار الكبيسي.. متى ينصفه التاريخ 3 الطريق المضني نحو وط
...
-
عبدالجبار الكبيسي.. متى ينصفه التاريخ 2
-
عبدالجبار الكبيسي.. متى ينصفه التاريخ 1
-
وليد جمعه: شاعر يقتل شعره وظله2/2
-
وليد جمعه: الشاعر الذي قتل شعره/1 2 /
-
امة- مابين النهرين- الامبراطورية والكونية في تاريخ العراق ال
...
-
- امة مابين النهرين- امة حصتها الغياب /12/
-
ملحق: عراق مابعد - الدولة المدنية-؟؟
-
خيار -المؤتمر التاسيسي-وانهيار تجربة الحداثة القسرية/22/
-
خيار -المؤتمر التاسيسي-و -الدولةالمدنية- المستيلة في العراق
-
يارئيس الوزراء: مقترح- المؤتمر التاسيسي- على مكتبك وفيه الحل
...
-
ماركس ومحمد يغادران ساحة التحرير
-
استدراكات على المنظور الجزئي للتاريخ لدى ماركس
-
- الاشتراكية النظرية- و - الاشتراكية التكوينية- والانقلاب ال
...
-
- الاشتراكية النظرية- و - الاشتراكية التكوينية- والانقلاب ال
...
-
البواعث - المصلاوية- لصراع - فهد- مع - ذو النون ايوب- و- داو
...
-
عراق الحقبة الرابعه
-
28 ايار: ذكرى انتفاضة الاهوار المسلحة 1967/1968 .. وحزب صدام
...
-
28 ايار: ذكرى انتفاضة الاهوار المسلحة1967/1968 وحزب صدام بري
...
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|