|
إزدواجية الغرب مع الإرهاب
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4968 - 2015 / 10 / 27 - 14:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما ننتقد الغرب على تعامله المزدوج مع الإرهاب الذي يفتك بالشعبين العراقي والسوري، يتهمنا البعض بنظرية المؤامرة، ونكران الجميل. في الحقيقة لا هذا ولا ذاك، فنحن مدينون للغرب بحضارته، وديمقراطيته، وعلومه، وقيمه الاجتماعية والإنسانية الراقية وغيرها كثير، ولكن انتقادنا لبعض الحكومات الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا، هو نتاج نفس الثقافة الغربية التي تأثرنا بها، وتعلمنا منها التفكير النقدي المستقل(Critical thinking)، الذي هو أهم سبب من أسباب التقدم. لذلك، فانتقادنا لسلوك الغرب المزدوج نحو الإرهاب لا يعني عداؤنا له، أو نكراننا لجميله، إذ كما تفيد الحكمة: (صديقك من صدقك وليس من صدَّقك).
نعم، لم يعد خافياً على أحد أن الغرب اتبع لعبة مزدوجة مع التنظيمات الإرهابية. ففي سوريا استخدم الإرهاب للتخلص من نظام بشار الأسد، لا لإقامة النظام الديمقراطي البديل كما يدعي، بل لتدمير مؤسسات الدولة الشرعية ونشر الفوضى الهدامة في سوريا خدمة لإسرائيل، وكسب رضا حليفاتها من الحكومات الطائفية في المنطقة مثل السعودية وقطر وتركيا، لأن بشار الأسد علوي وله علاقة مع روسيا وإيران ويدعم المقاومة الفلسطينية. ولنفس السبب تعاملوا مع العراق في عهد المالكي لأنه رفض معاداة إيران والمشاركة في إسقاط حكومة بشار الأسد، فجلبوا داعش، وسلموه المحافظات الغربية السنية بذريعة تهميش السنة العرب والكُرد ...الخ. ولإبعاد تهمة دعم الغرب للإرهاب في سوريا والعراق، تم تشكيل تحالف دولي بقيادة أمريكا لضرب داعش، ولكن بعد أكثر من عام لم تحقق هذه الضربات أية نتيجة لأنه وكما تبين أن هذا التحالف هو من أجل الإعلام فقط، لذلك فلما تدخلت روسيا بضرباتها الماحقة ضد منظمات الإرهاب في سوريا، جن جنون الغرب، وراحوا يدَّعون أن الطيران الروسي يضرب المدنيين والمعارضين المعتدلين، في الوقت الذي أثبتت دراسات غربية أنه لا توجد في سوريا معارضة معتدلة، فعلى حد قول الرئيس بوتين: (في رأي الغرب هناك ذبّاح معتدل وذبّاح غير معتدل...، وأنهم يحاربون بعض "الإرهابيين" ويستخدمون البعض الآخر لمصالحهم). كذلك ليس صحيحاً وصف ما يجري في سوريا بالحرب الأهلية، لأنه كما كتبت صحيفة “النيويورك تايمز″-;- في عددها الصادر في ٢-;-٧-;- أيلول الماضي تتساءل “أين هي الحرب الأهليّة مع تدفّق ٣-;-٠-;-٠-;-٠-;-٠-;- عنصر أجنبي من أكثر من مئة دولة في غضون بضعة أشهر، منهم ٢-;-٥-;-٠-;- أميركي؟”(1)
طبعاً لم يكن ممكناً تدفق عشرات الألوف من الإرهابيين الأجانب إلى سوريا والعراق من شتى أنحاء العالم بدون التمويل من قطر والسعودية وغيرهما، وتوفير لوجستي من تركيا، ولا يمكن هذا الدعم بدون مباركة أمريكا. فهذا هو وزير خارجية قطر عندما رأى التنظيمات الإرهابية التي يمولها مهددة بالانهيار من الضربات الروسية، راح يهدد بالتدخل المباشر في سوريا كما عملوا في اليمن، ليقول بكل صفاقة: "سنتدخل عسكريا في سوريا مع تركيا والسعودية إن تطلب الأمر"؟(2) فبأي قانون دولي يحق للسعودية وقطر وتركيا تدمير سوريا وتشريد شعبه علناً وإسقاط حكومة بشار الأسد؟ هل حقاً من أجل الديمقراطية، أم لأسباب طائفية بحتة ولخدمة إسرائيل؟ الجواب واضح لكل ذي عقل سليم وضمير حي. وأخيراً جاء الإنزال الجوي الأمريكي السري فجر الخميس 22/10 الجاري، على أحد سجون داعش في الحويجة، وبدعم من البيشمركة بتخطيط من المخابرات المركزية الأمريكية(CIA)، وبدون علم وتنسيق مع الحكومة العراقية الإتحادية، بل وحتى بدون علم الرئيس الأمريكي أوباما. والأغراض المعلنة من هذا الإنزال هو إطلاق سراح 69 أسيراً من الكُرد، وأن الدواعش قد خططوا لقتلهم بعد صلاة الصبح من ذلك اليوم، لذلك باغتهم الأمريكان بهذا الإنزال، وأطلقوا سراح الأسرى، وقتلوا نحو عشرين من الإرهابيين، وأسروا 6 آخرين، وقُتِل جندي أمريكي واحد، وجرح 3 من البيشمركة. ولكن الغريب أن مجلس أمن إقليم كوردستان أصدر بياناً جاء فيه: "لا يوجد أي كوردي ضمن الرهائن المحررين بالحويجة"(3). إذن من هم الذين تم "تحريرهم"؟
إن هذه السرية وعدم إعلام الحكومة العراقية بالعملية، وتضارب الأنباء عن الذين تم تحريرهم من سجن داعش، يفتح الباب على مصراعيه لإثارة الشكوك والتساؤلات: لماذا لم تستشر أمريكا الحكومة الفيدرالية، ولم تنسق مع وزارة الدفاع العراقية لهذه العملية الخطيرة، خاصة وأن أمريكا أكدت مراراً أن ليس لها قوات برية قتالية في العراق، وإنما هناك استشاريون فقط لتدريب القوات العراقية والبيشمركة. ثم العملية كانت لتحرير أسرى كرد كما أعلنوا، بينما أكد بيان أمن الإقليم أنه لا يوجد أي أسير كوردي بين من تم تحريرهم. ثم أين ذهب هؤلاء الأسرى الستة الدواعش، وقيل عشرين داعشياً نقلوا إلى أمريكا؟ والله أعلم!!
لذلك، فهناك غموض وراء هذه العملية مما فسح المجال أمام تأويلات وتفسيرات منها، أن أمريكا قامت بهذه العملية لرد الاعتبار لها أمام النجاحات الباهرة التي حققها الطيران الروسي في ضرب الدواعش في سوريا، مما أكسب روسيا ورئيسها بوتين عطف وثناء الرأي العام العراقي والسوري، وأن هناك ضغوطاً من القوى السياسية العراقية على حكومة العبادي لطلب المساعدة من روسيا لضرب الإرهاب. والأخطر في هذه التأويلات هو ما قيل أن الغرض الآخر من هذا الانزال هو إنقاذ قياديين كبار في داعش من بينهم أبو بكر البغدادي، كانوا محاصرين في الحويجة، خاصة وأن قوات الحشد حررت بيجي والصينية وجبال مكحول خلال ثلاثة ايام، واقتربت كثيرا من الحويجة، فتم إنقاذ قادة داعش خوفاً من سقوطهم أسرى لدى الحشد الشعبي، أو قتلهم، كما حصل للمجرم عزت الدوري وحمايته قبل أشهر.
بالطبع ليس هناك أي دليل مادي يؤكد لنا صواب أو خطأ هذه التأويلات والتفسيرات لأنها لم توثَّق ولم تفنَّد بعد، لذلك أرى أنه على الحكومة العراقية مطالبة أمريكا بتقديم تفسير واضح عن هذه العملية، ولماذا لم تخبر القائد العام للقوات المسلحة، ولم تنسق مع وزارة الدفاع العراقية؟ ومن هم الذين تم تحريرهم، أو أسرهم من قبل الأمريكان؟ وإلى أية جهة تم نقلهم وما مصيرهم؟ وبدون الإجابة الواضحة والمقنعة على هذه التساؤلات، فإن الرأي العام العراقي يزداد شكوكاً بموقف أمريكا خاصة، والغرب عامة، مما يجري من إرهاب مدمر في المنطقة، وهذا ليس في مصلحة العلاقة التي نتمنى أن تكون جيدة ونزيهة بين الغرب ودول المنطقة. وربما الأيام القادمة ستكشف الكثير من المفاجآت. [email protected] http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ ــــــــــــــــ روابط ذات صلة 1- د. داود خيرالله : أبعاد التصعيد العسكري الروسي في سوريا http://www.raialyoum.com/?p=332021
2- الدوحة: سنتدخل عسكريا في سوريا مع تركيا والسعودية إن تطلب الأمر https://arabic.rt.com/news/797595-%D9%82%D8%B7%D8%B1-
3- مجلس امن إقليم كوردستان: لا يوجد أي كوردي ضمن الرهائن المحررين بالحويجة http://www.ara.shafaaq.com/34975
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محنة العراق بين أمريكا وإيران في مواجهة الإرهاب
-
إلى متى يسكت الغرب عن جرائم السعودية؟
-
الشعب التركي يدفع ثمن إرهاب أردوغان
-
الضربات الروسية لداعش تثير هستيريا الغرب
-
الإرهاب هو الجزء الرئيسي من حروب الجيل الرابع
-
في وداع الدكتور محمد المشاط
-
السعودية ترفض اللاجئين لكنها تبني لهم 200 مسجد في ألمانيا
-
حول القرار البرلماني بحجب المواقع الإباحية
-
فوز كوربين زلزال سياسي في بريطانيا
-
معضلة الفساد في العراق
-
من المسؤول عن مأساة السوريين الفارين إلى الغرب؟
-
البديل عن حكومة الطوارئ
-
مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ
-
حذار من تحريف التظاهرات عن أغراضها المشروعة
-
حوار مع القراء حول سقوط الموصل
-
هل حقاً المالكي هو السبب في سقوط الموصل؟
-
معوقات الإصلاح السياسي والإداري
-
مرحى لقرارات العبادي الإصلاحية
-
أزمة كهرباء، أم أزمة أخلاق؟
-
لعبة حكومة الإقليم مع العراق و تركيا
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|