وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4966 - 2015 / 10 / 25 - 10:52
المحور:
الطب , والعلوم
المقال مكتوب بخلاصة شديدة وبتصرف من كتاب ( الاسلام والعلم :الاصولية الدينية ومعركة العقلانية )- تاليف : برويز امير علي بيود – ترجمة :محمود خيال – تصدير : محمد عبد السلام – ط1 – 2015 – تصدر باشراف الهيئة المصرية العامة للكتاب .
في عالم عربي تسوده الاصوليات بمختلف تجلياتها لاينتبه الكثيرون الى ان من اسباب تخلف مجتمعاتنا وظهور هذه الاصوليات هو امية شعوبنا , حيث يوجد اكثر من 65 مليون امي , واننا امة لاتقرا . يبلغ انتاجنا من الكتب الدينية اكثر من ثلاثة امثالها في الدول الاخرى . بالاضافةالى تقرير البنك الدولي لعام 2003 والذي يشير الى ان ثلث سكان مصر يعيشون تحت مستوى الفقر.
ان الحكومات العربية لاتهتم بالتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة . ان تطور مجتمعاتنا يستلزم من بين اسباب اخرى التخلي عن نمطية تفكيرنا وامتلاك ناصية العلم والمعرفة.
عالم نظرية الكم .. المدخل الى الحداثة الفكرية
هل دمرت الفيزياء الحديثة – فيزياء الكوانتوم العلم مثلما يزعم البعض ؟
ازدادت في الاعوام الاخيرة الاصوات المنادية باعلان وفاة العلوم التقليدية , على الاقل من الناحية الفلسفية , وان الاداة المستخدمة هو العلم نفسه .
ان نظرية الكم تقوم على مبدا الريبة والشك واللايقين . وهي تزعزع ثوابت ومسلمات وبديهيات الانسان الاعتيادي وخصوصا نمط التفكير السلفي لدى كل الايديولوجيات القائم على اليقين الثابت والحتمية التاريخية.عالم الكم يشبه الى حد كبير عالم الف ليلة وليلة وبساط الريح , عالم السحر والخيال , عالم يخترق الزمن الى الماضي والى المستقبل معا . ويخترق الجدران عبر الانفاق الكمومية .
نظرية الكم عملت على زعزعة يقينيات الدين والعلم الكلاسيكي معا .ظهرت نظرية الكم في الربع الاول من القرن العشرين . وقد نشات عن محاولة لتفسير العديد من الحقائق المرصودة مختبريا والتي تدور حول الذرة والاشعاعات . تلك الحقائق التي عجزت قوانين نيوتن عن استيعابها .
الفيزياء الكمية ثورة في مضمون فهمنا وادراكنا للعالم المادي وللمادة نفسها , حيث اثبتت التجارب ان الضوء يسلك سلوكا مزدوجا مرة بصفته موجة ومرة بصفته جسيمات مادية وذلك بحسب ظروف التربة وموقع الراصد .
ان مبدا هايزنبرغ عن الشك او اللايقين تقول بان سرعة ومكان الجسيم لايمكن تحديدهما سويا في نفس اللحظة . ان نفي هذا النوع من الحتميةكان محبطا للغاية , حيث تسبب في اطلاق اينشتاين لعبارته الشهيرة :
(ان الله لايلعب النرد مع الكون ) , وعلن معارضته للميكانيكا الكمية .
ان ميكانيك الكم اجبرت الانسان على قبوله لفكرة ان ادراكنا الحسي ساذج الى حد كبير .
لقد كان الكون بعد مولده خليطا من الحالات الكمية . ورغم وجود عدد لانهائي من الاحتمالات , الا ان منظومة فرعية , ضئيلةجدا من بين هذه الاحتمالات هي التي تحققت . اي ان الكون لم يظهر بفعل الصدفة العشوائية , بل عن طريق حساب الاحتمالات وان عناصر مادة الكون في تركيبها دون الذري قد امكنها ان تقيم علاقات تشابكية , علاقات ادت الى خلق الكون ,وهي علاقات تقوم على الضرورة وليس على الحتمية عن طريق حساب الاحتمالات .
يقول عالم الفيزياء يوجين فيجنر الحائز على جائزة نوبل :
(ان هذا لابد ان يشرك وعي الانسان , كاحد العوامل المحددة لفهمنا اليوم لحالة الكون الكمية ).
اي ان هنالك علاقة متبادلة بين وعي الانسان وعالم نظرية الكم ووجود الكون نفسه في العالم دون الذري يرتبط بوعي الانسان ويتاثر به مقالتنا (الغوص عميقا في عالم الكم )والمنشورة على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=369100
وهنا يثار التساؤل التالي : هل يوجد القمر حين لاينظر اليه احد ؟. على درجة اكبر من الغرابة نجد تفسير الاكوان المتعددة للفيزياء الكمية . هذا التفسير اقترحه العالم ايفيريت في عام 1957 , وفيه يؤكدعلى ان كل عملية من عمليات رصد نظام معين تؤدي بالتبعية الى خلق كون مواز يشغل نفس المكان والزمان ,كالكون الاصلي ,لكن غير قادر على التواصل معه .
لايمثل الكون الحالي الذي نشغله الا واحدا فقط من بين عدد لايحصى من الاكوان المماثلة .
من شان هذه النظرية ان تحل مسالة القياس في الفيزياء الكمية ولكن على حساب اشاء اخرى , مثلما يقول برايس ديوييت وهو من انصارنظرية الاكوان المتعددة .. ان اي تحول كمي يحدث في اي نجم من النجوم فانه يقسم عالمنا المحلي على الارض الى عدد فائق من الاشياء المتماثلة .
ان عالم الكم عالم غريب حقا . هو ضد كل ثوابت التفكير الكلاسيكي القائم علىة منطق الفلسفة اليونانية والقياس الارسطي , وضد التفكير النمطي والسلفي بمختلف تجلياتها . في عالم الكم لايجوز طرح اسئلة من نوع ماهي الحقيقة ؟ وبدلا من ذلك يمكننا ان نتساءل ماذا يمكن ان يحدث اذا فعلت كذا ؟ وتحت ظروف كذا ؟
ان الاكتشافات العلمية هي سلسلة مترابطة ومتراكمة عبر التاريخ ساهمت فيها مختلف الحضارات , حتى البدائية منها . يقول عالم الانثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس ان الحضارة السومرية نتاج لتراكم وخبرة الانسان السومري على مدار 200000 الف سنة من العمل .
ان تاريخ البشرية الحضاري لايزيد عمره عن عشرة الاف عام في حين يعود تاريخ الوعي الى بضعة ملايين من السنين على اقل تقدير .
مسك الختام :
ليس من المستبعد ان تقوم كائنات ذكية ببناء وتطوير عالم خاص بها . وسيكون دافعها هو من واقع متطلبات حب الحياة وحب البقاء . ان العقل البشري يتميز عن عقل الحيوانات بتفكيره القائم على التجريد .وهذا معناه ان تطور العلم سياتي اجلا ام عاجلا عبر مسيرة تقدم الانسان .من هنا ياتي السؤال :
( اذاكان العلم في جوهره ناتج من نواتج الذكاء فهل يرجع مولد العلم الحديث في اوربا الى تفوق في جينات الاوربيين ؟).
يرتبط ذكاء الانسان بواحد من اعمق اسئلة العصر الحديث والذي طرحه المفكر برتراند رسل ( كيف تسنى للبشر ان يعرفوا كل هذا الكم من المعرفة ؟ ).
يمكن الاجابة عن هذا التساؤل عن طريق امتلاك الانسان لميزة لايمتلكها الحيوان وهي ميزة اللغة والكتابة والتي تعكس مراة العقل والقدرة على الاستيعاب والتحليل والربط بين الاشياء .
يطرح نعوم تشومسكي عالم فلسفة اللغات المشهور رايه في هذا المجال حيث اننا نعرف كل هذا القدر من المعارف لاننا ولدنا من الاساس لنعرف .ان الانسان يولد ومعه ملكة اللغة . لقد تطور الانسان بيولوجيا وتميز عن سائر الكائنات الحية الاخرى بقدرته الفائقة على التفكير التجريدي .
ان عقل الانسان يشبه كومبيوتر عملاق جاهز للتشغيل , لكنه يختلف عن الكومبيوتر في المشاعر والاحاسيس وفي الحب والتي لايمتلكها الكومبيوتر .ان عقل الانسان ليس حاسوبا فقط . ان اكتشاف تشومسكي لعالمية قواعد اللغة يعطينا دلالة واضحة على مدى عالمية الفكر والسلوك الانساني وبذلك تتحطم كل النظريات العنصرية والعرقية المتعلقة بتطور الانسان ويتاسس يذلك مبدا تماثل البشر .
ان العلم ملكية فكرية للبشريةجمعاء وليس لشعب مختار من شعوب الارض .
مقالات ذات صلة :
مقالتنا (الله والكون في الفيزياء الحديثة – ج 1 ) والمنشورة على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=453881
مقالتنا :(تطور دماغ الانسان ) والمنشور على الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=437669).
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟