|
توحش الأغلبية الدينية
أحمد محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1360 - 2005 / 10 / 27 - 13:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى مناسبة جامعية ، وجدت نفسى وسط شلة من أعضاء هيئة التدريس ، أساتذة فى الكيمياء ، والفيزياء ، فى الطب والاجتماع ، فى النبات والحيوان ، فى الفلسفة والميكانيكا ، فى الاداب والحاسبات ، وفوجئت ان الحديث يدور حول شرب المثلجات أو الشاى فى كأس من الزجاج حرام أم حلال ! وقال أحدهم مهموما ، وهو أستاذ فى الذرة ، ان أحد العلماء ، وهو يقصد رجال الدين أفتى ان شرب الشاى او المثلجات فى كأسا من الزجاج مكروها لأن الخمر عند الغرب والمسيحيين الكفرة تشرب فى كأس من الزجاج ، وهذا أي الشرب فى كأس الزجاج يجعل المسلم فى شبهة ! وعلقت ساخرا أننى قرأت لعالم آخر ينصح المسلمين بشرب الشاى والمثلجات فى كوز من الصفيح الصدأ حتى يدخلون الجنة ! وتكهرب جو النقاش ، وكادوا يتهموننى بالخروج من الملة ، وفضلت السلامة ، وابتعدت عن حديث التخلف العقلى من ناس يفترض فيهم انهم النخبة العقلية للوطن . والحكاية السابقة تترجم مناخ الهوس الدينى الذى نعيشه فى مصر ، وتعكس الاتجاه نحو المسيحيين من شريحة فى المجتمع المصرى يفترض فيها العقل فما بالك عامة الناس ! وعندما قرأت ما كتبه المثقفون المصريون وغيرهم فى مواقع الحوار المتمدن وشفاف الشرق الأوسط وإيلاف عن المسألة القبطية فى مصر طوال السنوات السابقة تعليقا وتحليلا على الأحداث الطائفية فى مصر مثل حوادث الكشح والزاوية الحمرا والخانكة والمرج وكفر دميان ، وأخيرا مهزلة الإسكندرية ، وجدت نفسى أتساءل معهم لماذا لا نعترف ان هناك علاقات ملتبسة ومحتقنة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر ، وان هذا الالتباس والاحتقان عادة مسكوتا عنه ، وينفجر على السطح كل حين !؟ لماذا لا نعترف ان كل طرف يعتقد اعتقادا راسخا انه يملك الحقيقة المطلقة ، ولا غبار على ذلك لأنه من طبيعة الأديان ، لكن الخطر ان تحاول الأغلبية الدينية فرض حقيقتها على الأقلية باستعمال كافة أشكال الضغط ؟!من خلال عمليات الاستعلاء والتمييز والإقصاء والتهميش ، وفى المقابل تنسحب الأقلية وتصبح فى حالة دفاع مستمرة عن حقيقتها ! لماذا لا نعترف بأكذوبة الشعار المرفوع فى مصر (الدين لله والوطن للجميع). لماذا لا نعترف ان الحضارة القبطية هى الحقيقة المصرية قبل العروبة الفاشية المزعومة !؟ لماذا لا نعترف ان هناك تمييزا فعليا واقعا فى مصر أساسه الدين ولصالح الأغلبية الدينية التى توحشت عن جهل على حساب الأقلية ؟! ولماذا لا نعترف ان الخطاب الدينى فى اجهزة الاعلام الرسمية والخطاب الثقافى يحمل فى مضمونة تحريضا على كراهية وعداوة الآخر ؟! لماذا لا نعترف ان فتاوى وتفسيرات معظم رجال الدين تشعل فتيل الكراهية بين الطرفين ؟! وتزداد العلاقات بينهما احتقانا والتباسا ، لكن مظاهر التعصب الدينى عند الطرف المسلم وهم الأغلبية يفوق أضعاف التعصب عند الطرف الثانى ، بل وصل لحد استعمال العنف ؟! وأزعم ان الفاعل الحقيقي لهذا الاحتقان هو المرجعيات الدينية التى تقود الشباب من الطرفين وأمثالهم من الأغبياء ويقنعونهم بأن الآخرين هم الأعداء والذين يجب محاربتهم وحصارهم . ويصبح هؤلاء الشباب مثل الدمى الغبية التي تحركها أيادي مرجعيات دينية تبث فيهم الكراهية. وهم أيضا ضحايا لمنظومة فكرية متأصلة فى التعليم تحمل فى مضمونها صورة ذهنية سلبية عن الطرف الآخر ، وتشجع الاستعلاء السلوكى ، والنزعة لتهميش الآخرين المخالفين فى الدين ، وكلها نواتج لمجتمع لا يحترم حرية التعبير ، وحرية العقيدة ، وحق الاختلاف ، وحرية التفكير .ونتساءل مع الأستاذ جورج كتن لماذا نرفض مناقشة المسالة القبطية ، ونعتبر حوادث الاحتقان والالتباس أعمالاً فردية، أو أنها نتيجة تدخلات خارجية تسعى لما يطلق عليه "فتنة طائفية"، ونصبح اسرى لفكرة المؤامرة ، وندفن رأسنا في الرمال، والحقيقة واضحة ،ناتجة من غياب العقل وأزمة الديمقراطية وأنتكاسة العلمانية ونتيجة لهيمنة السلطة الاستبدادية، وانتشار الحركات الأصولية بأجنحتها المعتدلة والإرهابية، وسيادة موجة الهوس الدينى لمواجهة القمع السياسي والاجتماعي . ولا يسعنا هنا الا ان نكرر مطالب المثقفين المهتمين بأحوال مصر بالتأكيد على احترام حقوق الإنسان وأولها حقه في حرية الاعتقاد هو ما يجب ان نتمسك به جميعا ، مع التأكيد علي حق المواطنة بصرف النظر عن الجنس او الدين ، وهو الطريق الوحيد لحماية الوطن من توحش الأغلبية الدينية ، ونصبح جميعا فعلا متساويين امام القانون حكاما ومحكومين .. أغنياء وفقراء .. أقباطا ومسلمين .. لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات فلن تكون هناك أي مشكلة.وهذا يتطلب فصل الدين عن الدولة وما يتطلب ذلك من تعديل للدستور لحماية حرية العقيدة ، والعمل على إعادة تأسيس مجتمع سياسى قائم على الديمقراطية ، وليس على الصراع الدينى .
#أحمد_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين ووسائل الاعلام
-
لماذا يحدث فى مصر ؟!
-
حزب التجمع الخاسر الأكبر فى انتخابات الرئاسة المصرية
-
الفساد وتبادل السلطة
-
متى تسقط بقية التماثيل؟!
-
انفجار الأزهر وحالة العنف فى مصر
-
هل تجلب الإنترنت الحرّية؟
-
الرأسمالية وأعظم حماقة تكنولوجية فى التاريخ
-
الليبراليون الجدد والإنترنت
-
الشيوخ والإنترنت والمرأة
-
احتلال العقول
-
إرادة الرفض عند المصريين
-
على هامش انفجارات طابا : شماعة المؤامرة
-
التخلف دائما فى العقول
-
الإنترنت والإستبداد
-
موتوا
-
التحرش الدينى
-
المثقفون وتحديات عصر المعلومات
-
ثقافة الدوجما
-
انتصار الفقر
المزيد.....
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|