طارق الحارس
الحوار المتمدن-العدد: 1360 - 2005 / 10 / 27 - 12:43
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم نكن نحلم في أن ياتي اليوم الذي نعيش فيه ونرى ساعة سقوط صدام ونظامه الدموي ، ولم نكن نحلم في أن يأتي اليوم الذي نعيش فيه ونرى صدام يسحل من داخل الجحر الذي كان مختبئا فيه كأي جرذ ، ولم نكن نحلم أن ياتي اليوم الذي نعيش فيه ونرى صدام مكبلا بالقيود ويقف أمام قاضي التحقيق الذي ينهره لأنه أساء الحديث في قاعة المحكمة ، ولم نكن نحلم في أن يأتي اليوم الذي يقف به صدام في قفص الاتهام ليسأله رئيس المحكمة عن اسمه وهويته ويحاكمه عن الجرائم التي ارتكبها ضدنا ، ولم نكن نحلم في أن يأتي اليوم الذي ننتخب فيه جمعية وطنية وبعدها يتم تشكيل حكومة وطنية وأخيرا وليس آخرا وبعد جهد جهيد وبعد أنهار من الدماء وبعد أن قدم شعبنا تضحيات لا يمكن عدها وحصرها أصبح للعراق دستور دائم .
أخيرا وليس آخرا ، فمسيرة التقدم والازدهار مستمرة ، جاء هذا الدستور من خلال استفتاء شعبي لم يشهد العراق ومنطقتنا الاقليمية مثيلا له . قال أبناء الشعب العراقي في هذا الاستفتاء كلمتهم بحرية تامة لم يشهد العراق ومنطقتنا الاقليمية مثيلا لها أيضا .
قال أغلب أبناء العراق (78,59% ) " نعم " لمسودة الدستور بالرغم من الأصوات الحاقدة التي كانت تطالبهم بالوقوف ضد مسودة الدستور وهي الأصوات نفسها التي أتعبت هذا الشعب بخطابها المنافق في زمن النظام المخلوع . قال أبناء الشعب كلمتهم بالرغم من السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي تلاحقهم في الشوارع والمستشفيات والمساجد والكنائس وحافلات نقل الركاب .
من حق أهل العراق أن يحتفلوا اليوم بدستورهم الدائم ، هذا الدستور الذي سيحفظ كرامتهم ، إذ لا رئيس جمهورية يتحكم بهم على هواه ومزاجه ويصدر القرارات كيفما يشاء ويبدد ثروات البلد على حروب خاسرة أو يمنحها لعائلته وعشيرته التي رفضت في الاستفتاء الشعبي الموافقة على مسودة الدستور ، ولها الحق في ذلك ، إذ أنها تعد نفسها أعلى قيمة وشأنا من أبناء العراق الآخرين من محافظة البصرة أو أربيل أو واسط أو دهوك .
لا شك أن الدستور لم يلب طموحات جميع العراقيين ، لكنه من المؤكد قد تمكن من اقناع أغلبيتهم ، إذ أنه ليس بالضرورة أن يرضي جميع الطموحات في بلد متعدد الأديان والقوميات والاتجاهات السياسية لأن تلبية جميع طموحات جهة ما سيؤثر على طموحات الجهات الأخرى وقد ظهر أثناء مناقشات مسودة الدستور ، تلك المناقشات التي لم تكن سهلة أبدا ، أن جهات عديدة قد أبدت مرونة عالية وتنازلت عن نقاط كانت تعدها من ثوابتها التي لا يمكن التنازل عنها .
لقد رفض الدستور من قبل فئة قليلة من أبناء العراق وهي الفئة نفسها التي رفضت المشاركة في الانتخابات البرلمانية ومن المؤكد أن الدستور سيحفظ كرامتهم كباقي العراقيين ، لكننا نعتقد أنهم خسروا فرصة كبيرة في عدم وقوفهم مع الأغلبية من أبناء العراق ومن المؤكد أنهم سيشعرون بالندم ، مثلما شعروا به يوم سمعوا خطاب الأصوات الحاقدة التي طالبتهم بعدم المشاركة بالانتخابات .. نعم ستثبت الأيام القادمة شعورهم بالندم لأنهم لم يكتبوا الكلمة المناسبة للدستور الدائم .
#طارق_الحارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟