زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 4964 - 2015 / 10 / 23 - 15:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مقابلة قديمة مع جريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 14 جوان 1978 كشف المفكر الملتزم فلاديمير يانكلفيتش عن قدر مسلط على الإنسان في وجوده السياسي مرتبط بأجهزة الدولة ومنظومة الحكم التي تسيرها وبالقوى المتصارعة حول المواقع والمنافع، وتبعا لذلك أوضح صعوبة إيجاد مخرج من هذه العبثية. هذه الوضعية الهشة لم تكن ناتجة عن سوء تقدير من قبل الماسكين بزمام السلطة ولا عن التباس وسوء فهم لوظيفة الدولة في زمن التحولات بل الجميع كان مع العفوية الثورية ووقف الكل ضد عودة الطغيان.
لم الشعب سيء الحظ حينما وجود نفسه في مناخ اقتصادي متدهور زمن التقلبات ولم يتأسف عن ضياع الشعور بالمتعة وحصد المنافع زمن الاستبداد بل جعل من تركيز السلطة الجديدة نصرا على كل محال.
غير أن الشعور البرجوازي المتشائم الذي ظهر في الأثناء وعبر عنه نفسه في استحالة الاستقرار في الأفق القريب كشف عن واقع نفسي مهتز تعاني منه النخب المثقفة جعلها تشكك في كل الخطوات الواثقة التي قطعها الشعب وصبره عليهم وتقلب محبة الوطن إلى كراهية المصير والنقمة على الأخلاق الثورية. والحق أنه لا يجب أن تنحرف السلطة الثورية حسب يانكلفيتش إلى استبداد بيروقراطي جديد ولا ينبغي أن تعيد إنتاج أشكال الهيمنة بل منى المفروض أن تمنح الكيان السياسي المنبثق من رحم الحراك وجودا تاريخيا.
يتسلح يانكلفيتش بالنزعة الريبية ويعلق الحكم ويؤكد على أن الطريقة التقريبية اللاّمتناهية التي يتبعها لا تمنع من التحدث والتعبير والشعور بالأمل وخلق المقاصد والعمل على تحقيقها وبناء أفعال بشرية غائية.
غير أنه يصطدم ببؤس ميتافيزيقي يتسم به الوضع البشري وينتج هذا البؤس من حاجة الأمل إلى التهيكل في جسد من أجل التحقق والبلورة ولكن جهاز الدولة يستولي بسرعة على هذا الجسد ويوظفه لمصالحه.
بناء على ذلك يتم الادغام والاختراق والاستقطاب قبل أن يشتد عود هذا الجسد الاجتماعي الفتي وقبل أن يتطور ويتصالح مع نفسه ويحقق انتظارات أعضائه مثلما حلموا بها ويقع الهيمنة عليه وافقاده البوصلة.
يكشف يانكلفيتش عن وجود تعارض تام بين منطق الثورة ومنطق الدولة وبين عقلية الحقوق والحريات بوصفها مسلك مطلبي شرعي وعقلية الأمن والبيروقراطية وأجهزة الرقابة وما تسببه من عنف ورعب.
في اللحظة التي تأخذ فيها الثورة السلطة فإنها تصبح صورة كاريكاتورية وهذا ليس سببا كافيا لكي نحرم فرسان الثورة من بناء سلطة حاكمة متلائمة مع منطقهم وكفيلة بتحقيق مطالبهم العاجلة ، والآية على ذلك أن الإنسان يفعل دائما الأصلح على الرغم من البؤس الميتافيزيقي الذي يتسم به وضعه السياسي ، كما أن وجود أجهزة متماسكة للدولة في ظل زمن التقلبات هو شر ضروري للتغلب على التحديات. فهل يتسبب هذا البؤس الميتافيزيقي للوضع الإنساني في تعثر الثورات أم هو عامل مساعد على قيامها؟
المصدر:
V.Jankélévitch, Entretien , le Monde, 14 juin 1978, Propos recueillis par Robert Maggiori.
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟