مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 1360 - 2005 / 10 / 27 - 12:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أن تطلق إعلاناً من قلب العاصمة السورية دمشق, بهذه القوى, والصرامة, باتجاه السلطة الحاكمة فيها, لهو أشبه بالبلاغ الصادر عن أي حكومة جديدة, قد انقلبت على التي قبلها, وتقوم بإذاعة بيانها الأول على المواطنين, تستأذنهم للمضي قدماً في عملية الإعداد لأول مرة لمشروعها البديل عن المشروع الحكومي القائم, هذا إذا كان يسمى مشروعاً, لا انتقاصاً من الاثنين, ولكن قراءات الواقع والمآسي التي آلت إليه أحوال السوريين لكن الثلاثة عقود الأخيرة, هي التي تعرف عن حالتها المسكينة, والتي حاولت, ولم تفلح لتكريس البشر, والحجر لعبادتها.
بقراءة متأنية للإعلان رقم واحد للتغير الوطني الديمقراطي في سورية, أو "إعلان دمشق" كما أراد المؤتمرين تسميته بهذا الاسم. تتخلص في مخيلتنا جملة من التساؤلات التي أعتقد بأنها مشروعة لي ولغيري بأن يتساءل عنها, لا سيما بأن العديد من المهتمين بالتغيير الديمقراطي الوطني في سورية قد أبدوا رؤاهم بأن الإعلان يفتقر إلى الكثير من الأساسيات الفكرية واللغوية والتلاعب بالألفاظ والمواربة الكلامية كما ظهر على موقف الإعلان من القضية الكردية في سورية حيث أدخل الإعلان عنوة الفقرة المتعلقة الكرد وكأنهم كما الحكومة يمننون الكرد بمواطنتهم السورية ويثير زوبعة في وجه القومويين العرب الرافضين بالأساس لشيء أخر غير العرب والعروبة فأدرجوا فقرتهم الآتية بخصوص الوجود الكردي في سورية "إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سورية. بما يضمن المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، على قاعدة وحدة سورية أرضاً وشعباً. ولابد من إعادة الجنسية وحقوق المواطنة للذين حرموا منها، وتسوية هذا الملف كلياً".
التشظي في عدة مواقع من جسد هذا البيان وخاصة في ما يتعلق بمسألة ربط التغيير بالدين الإسلامي لأن الإسلام هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب, وتغليب تكوين الحضارة السورية بأنها تشكلت من الحضارة العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، مع التنويه ولو بالقليل عن بالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في المجتمع وليس في الثقافة والتنويه إلى الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء. ولم يخلص الإعلان إلا إلى الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة.
الإعلان بصيغته البيانية ,والتجديدة رائع بدون منازع, وهو أول عمل توافقي للأغلبية المعارضة للنظام البعثي الحاكم, ولكنه بتقديري يفتقر إلى العديد من النقاط التي كان من واجب المؤتمرين إدخالها, وتعديل الصيغة النهائية للبيان. لكي يضحك الجميع وتطلع الصورة حلوة بأعين كافة الطيف السياسي ,والثقافي, والاجتماعي المناهض لهيمنة حزب البعث على سدة الحكم لعدة عقود, وحول الوطن إلى مزرعة بعثية, وبعثية فقط. ليس لغيرهم فيها حتى ورقة عشب واحدة ,وجميعنا فيها ملك لهم بدون أن تكون لنا آراء, أو حتى كلام أخر غير الذي حقن به المجتمع خلال العقود الماضية من هذا الحكم, والذي شهد به كافة المسؤولين من أكبرهم حتى أصغرهم بأنه تمت فيه تجاوزات كثيرة, وأخطاء بالجملة, ولكن لا زالت عربة الإصلاح, والتغيير, والتحديث بدون وقود لكي تسير في مشروعها الذي يتوق كل سوري آبي إلى أن ينفذ لينقذ الوطن من كل أخطاره, ولكن...!!!
إحدى أبرز النقاط التي أغفلها المؤتمرون, سواءً غفوةً, أم تقصداً هو أن تكون الهيئة التحضيرية لهذا الإعلان قد تعمدت تجاهل شخصيات معارضة تنتمي لطوائف, وأقليات في سوريا كالكرد, والعلويين, والدروز, والأقليات, والطوائف الإثنية, والعرقية, والدينية الأخرى التي يشكلها الطيف الاجتماعي السوري، وعلقت على ما ذكرته بعض مصادر حقوقية سورية أن "الهيئة تعمدت تجاهل شخصيات علوية معارضة تحت ضغط أطراف إسلامية". فيما أكد مراقبون في العاصمة دمشق. أن السلطة كان لديها علم مسبق بفكرة الإعلان ولم تمنعه مشيرين إلى أن تدخلها في النهاية كان من باب "إثبات الحضور" بعد أن تجاهلتها المعارضة.
تساؤلات عديدة راجت حول غياب شخصيات رئيسة في المعارضة السورية, فضلاً عن أحزاب يسارية عن قائمة الأسماء, والأحزاب الموقعة على إعلان دمشق، وأعرب العديد من الحقوقيين السوريين عن قلقهم من العودة الطارئة, والمفاجئة للإخوان المسلمين عبر بوابة "إعلان دمشق" الأمر الذي أقلق جميع التيارات الليبرالية, والعلمانية التي باتت هي المسيطر على معظم الشارع السياسي السوري على الرغم من التخوف الحكومي الرسمي, ومن القوى العظمى الداعمة للتغير في سورية بأن القادم, والبديل هم الإخوان المسلمون بدون منازع.
وتمت أيضاً استئصال أحزاب, وهيئات, وشخصيات فاعلة من حوار إعلان دمشق ووصف أحدهم منطق هذا الحوار بأنه "استئصالي", وقد يكون هذا الاستئصال يرجع إلى "خلفية العلاقات ما بين الهيئات المستأصلة, والتجمع الوطني الديمقراطي المعارض"، أبرز الموقعين على إعلان دمشق، والخوف أن يكون هذا التجمع يرفض الناس هكذا لله بالله, والخشية أن يكون الرفض له قصته القديمة عندما كانوا يرفضون حضور أحزاب في التجمع, وفي أيام كان العديد منهم يتهمون فيها بالعمالة للحكومة, والمخابرات الروسية, أو ينتمون لأقليات, وطوائف أخرى مع العلم بأنه تم استدعاء كافة الطيف في حوارات الإعلان فلماذا هذه الازدواجية؟
فيما يتعلق بالقضية الكردية في سورية, وتلخيصها برؤية واحدة فقط, وهي مسألة المواطنة أبدت العديد من الهيئات الكردية, وهي الفاعلة حقاً في الشارع الكردي بكل أشكاله مع التقدير للأطرف الكردية الموقعة على الإعلان فالتهميش الذي طال أيضاً أحزاباً كردية قوية, وفاعلة, وتعتبر المحرك الرئيس للشارع الكردي, وكان ذلك واضحاً في عدة أشكال تعبيرية لتحرك الشارع لمناهضة الحكومة, وهم يكيتي وآزادي وتيار المستقبل الكردي وحزبي الاتحاد الديمقراطي والوفاق الكردي السوري.
هذا التهميش أولد لدى الكرد آراء مختلفة, ومتباينة تجاه هذا الإعلان, وكان هناك أطراف تقبل بمضمونه العام مع التحفظ على النقطة الرئيسية حول الوجود الكردي في سورية, وضرورة توضيح وجوده كقومية أخرى غير عربية على أرضه التاريخية, وعدم الاكتفاء بتعليق المصير الكردي بشماعة الوطنية السورية, وتقزيمها بمسألة حقوق المواطنة, والجنسية, ومنهم من رفض المشروع بأكمله.
كان من الضروري أن يتضمن الإعلان اعترافاًَ واضحاً, وصريحاً بالتعدد القومي, والديني بحكم أنها مكونات أساسية في المجتمع السوري, وجزء مهم من مكونات هذا البلد.ومن المفترض أن يكون أي مشروع للتغيير الوطني, والديمقراطي أن يستند إلى القانون الدولي كأرضية للتغير, وخاصة في ما يتعلق بحقوق الأفراد, والشعوب المكونة لهذا النسيج, وتطرقه لمسألة الدين الإسلامي, واعتباره المكون الأبرز في حياة الأمة والشعب.
كان من المفترض أن لا يتطرق هذا الإعلان إلى مسألة الأغلبية الدينية في المجتمع السوري, واحترام كافة الأديان على قلتها, وأكثريتها, وضمان حرية العبادة, والمساواة بغض النظر عن أكثرية دين, أو أقلية أخر, وأي مشروع للتغير الديمقراطي يجب فيها الفصل تماماً بين الدين, والدولة, وعدم إبراز الثقافة الإسلامية, والعربية على المكون الثقافي السوري. لأن الثقافة السورية مكونة من مزيج مختلط من عشرات الثقافات, والحضارات التي تناوبت على حكم المنطقة, والإسلام واحد من تلك الثقافات التي تعتبر جزءً من هذه الثقافة, والحضارة العربية واحدة من الحضارات التي تتكون منها الحضارة السورية.
الوجود الكردي على أرضه التاريخية كقومية أخرى غير ممكن المساومة عليه, وإذا كان قد مرر هكذا على الأطراف الكردية الموقعة على الإعلان سواءً برضاهم, أو بعدمه, أو بعلمهم, أو بدونه لما تعني الفقرة التي تتكلم عن الكرد ,ووجوده في سورية إلا أن ذلك لا يعبر بان الأمر قد حسم في هذه المسألة, وإن الأطراف التي وقعت عليه هي فقط المخول, والآمر الناهي بمسألة تتعلق بالمصير الكردي كشعب في سورية, وليس فقط اختصارها بهوية تهب إلينا صدقة على أرواح الميتين, ولكنها مسألة دقيقة, ومعقدة يجب الوقوف عليها, وقراءتها بتمعن أكثر, ورؤية أكثر دقة.
الإعلان بمفهومه العام للتغير الوطني, والديموقراطي في سورية يعتبر خطوة جريئة على طريق تحرير الإنسان السوري من براثن الفردنة في السلطة, وتعبير جديد للخروج من عتمة التسمية إلى نور الوجود بأن هناك شعب حقيقي يريد العيش كباقي شعوب العالم يتمتع بإنسانيته الحقيقية, ويمارس كافة صلاحيته كإنسان, ويفي بكل ما يتوجب عليه من حقوق لا أن يظل حبيس أنفاس بعثية قد ولى زمنه, وطالت مدته أكثر من اللازم.
هذا التأله في السيطرة على مكونات الشعب السوري بكل ألوانه, وكأن الشعب السوري كله قاصر عمره أقل من سن الحضانة, والبعث فقط وصي عليه, ولا يحق لهذا الشعب أن يكبر, ويرى الوجود على حقيقته, ويحاسب المواطن السوري كل من سالت له نفه المساس بالوطن الذي يضم بين طياته كل السوريين بدون استثناء, وحان الوقت لكي يعاد القطار إلى سكته للمضي من جديد في رحلة قد تكون هناك محطات تمنع تقدمه, وتعيق مسيرته في التغيير الديمقراطي, والوطني, والطريق بكل تأكيد طويل, وشاق ولكن دائماً مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة بشرط أن تكون الخطوة صحيحة, وأن يكون الذين يخطون بعلم تام أين يضعوا أقدامهم لكي لا تنزلق بهم, وننتقل من مصيبة إلى كوارث تحل على سورية, وكل السوريين.
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟