|
الطفل بين تقبل الذات وتقبل الآخر- صورة المرآة
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1360 - 2005 / 10 / 27 - 13:07
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
دعونا سادتي الافاضل ان نتأمل طفلا لم يبلغ عمره العام بعد وهو ينظر الى المرأة ويرى نفسه ، ما هي افعاله وحركاته وهو يرى نفسه ،انه يلامس صورته التي تعكسها المرآة فيرى نفسه ،دققوا اكثر كيف تلامس يده المرآة وهو يرى نفسه،كاد يجن هذا الطفل المسكين وهو حال كل الاطفال ممن هم في نفس السن وهم يتأملون في المرأة وتعكس صورهم،يقول عالم النفس مصطفى زيور يظل الطفل حتى الشهر الثامن من العمر يمد يده الى صورته في المرآة اذا وقف امامها وتبدو عليه الدهشة عندما تلتقي يده بسطحها،وقد ينظر الى صورته في المرآة اذا نادته امه مما يدل على انه يرى في صورته وجوداً مماثلا لوجوده او ضربا من القرين ،وحوالي الشهر الثامن يبدو عليه اهتمام بالغ بصورته في المرآة ويفيض في الفرح امامها، انه اكتشف وجوده الحقيقي في المرآة التي تعكسه تماما ، انه آخر على نحو ما ،وهو نفسه بلا تغيير او تبدل او تشويه ، وخصوصا عندما يقرب رأسه الى المرآة ويضع لسانه على سطح المرآة ويرى نفسه. ترى الرؤية النفسية التحليلية ان الطفل منذ هذه اللحظة ادرك نفسه في صورة مرئية فهو بدأ يتقبل نفسه من الان وهو بذلك دخل مرحلة جدا مهمة من خلال ادراكه لنفسه ولصورته في المرآة وهو ايذان وبدء مرحلة حاسمة ومهمة في تطور الشخصية،فالذي يحدث ليس فقط التطور البيولوجي والنمو الجسدي لدى الطفل وانما يسيران معا وربما بشكل اسرع في النمو النفسي الانفعالي ونمو الشخصية وبدايات تكوينها،وقد يتسائل البعض ،كيف كان الطفل يرى نفسه قبل مرحلة ظهور المرآة للوجود وقبل اكتشافها في الازمان الماضيةً؟ ونقول: لو تتبعنا تطور الطفل في الانسان بعد ولادته حتى نضوجه لوجدنا تكرارا مشابها لما مر به الانسان في تطوره النفسي والاجتماعي منذ بدأ في الغاب، يرى في الحيوان الذي يعيش معه وبين اسرته ،فهو المرآة التي يدرك بها نفسه،ويقارن نفسه مع الكائنات الحية الاخرى. ان هذه المرحلة من حياة الطفل في الانسان تتميز بتفاضل صحيح للذات والآخر ونشأتهما معاً ،فهو يدرك الاخرين ممن يعيشون معه(امه،ابيه،اخوته،او المقربين)لكن ادراكه قبل ذلك كان قاصرا على احاسيس مباشرة ويقول زيور هو يفطن الى صورته المرئية حيث ينتزع من الوجود المباشر المتصف بالاندماج في الآخر،تنجذب فيه الذات ويتصف بالتواجد مع الآخر .ان هذه المرحلة من عمر الانسان تحمل من العمق والبناء النفسي الاجتماعي اكثر مما هي مرحلة عابرة ،ومن هنا فأننا لن نكتفي حينما نتحدث عن تطور الطفل النفسي بوصف تطور العوامل النفسية الداخلية فحسب،وانما ننظر اليها في اطار البيئة والمجتمع والاخرين، التي يتواجد بينهم الطفل وهذا سوف يدخلنا في رؤية اخرى للطفل حينما يلتقي بالاغراب في وسط داره وهم يزورون اسرته ،انه يقف خائفا من هؤلاء الزوار الذي تبدو وجوههم مسالمة ويتبادلون الحديث مع امه او ابوه او باقي افراد الاسرة ، انه لا يتقبلهم ويرغب ان يزيل الخوف حتى يكونوا اقرب الى ذاته التي لاتفهم مستوى هذه العلاقة ، وما ان يبدأ في التقرب اليهم ويتطبع شيئا فشيئا حتى يندمج مع الاطفال اولا ثم يلغي حاجز الخوف من الاخرين الكبار ،من الان بدأت مرحلة بزوغ العلاقات الاولى لحساسية اجتماعية ،فيكتشف الاخر كما يكتشف الكيان الذاتي تدريجياً،ويضيف زيور تسير العمليتان جنبا الى جنب ولا تبلغان درجة كافية من الارتقاء الا مع بدء السنة الرابعة من العمر ،ونستطيع ان نستوضح من بعض المواقف على ذلك من خلال استجابات الطفل لصورته في المرآة. فالتفاعل الذي يبدأ بين الطفل وافراد المجتمع منذ هذه اللحظة هو تفاعل متبادل مستمر ،وهو اعتراف بالغير الذين يتمايزون عنه في الشكل واللون والتفكير ، فهم ليسوا هو ، وهو ليس هم ، لانه رأى صورته في المرآة وادرك نفسه بانه هو وليس الاخرين ولكن في لقاءات اسرته مع الاخرين هم ليسوا هو ، والمقولة السيكولوجية ترى ليس الفرد هو الذي يخلق المجتمع ولا المجتمع هو الذي يكون الفرد انما كل منهما انعكاس للآخر يتأثر به ويؤثر فيه. ان الطفل كائنا بيولوجيا ،وهو امر لا شك فيه فمحور وجوده في بداية حياته ان يعيش ويحيا على المستوى العضوي البيولوجي ومشكلته الاساسية التي تؤرقه هي الحصول على الطعام والاحتماء من المخاطر الطبيعية ،فالطفل الانسان يولد ناقص هش ، بالمقارنة مع طفل الكائنات الحية الاخرى ، ولا نبالغ كثيرا اذا قلنا انه يعتمد في تكوين ذاته على البيئة اكثر من الفطرة بالمقارنة مع الحيوانات الاخرى لذا لزم علينا ان نصف تطور الانسان بشكل منطقي تطورا شاملا للدوافع البيولوجية اسوة بالمؤثرات البيئية الاجتماعية، وهو امر حتمي كما نراه فالذات الانسانية بوتقة فيها تنصهر القوتان المتفاعلتان البيولوجية والاجتماعية معا. ان الطفل مهما بلغ به النمو لن يسعه ان يبصر نفسه مباشرة الا في نظرة جزئية لبعض اجزاء جسمه(كل شئ يتعرف عليه من خلال فمه في سنته الاولى)، ولن يشاطره ادراك الاخر الا بوجوده وحضوره مع الاخرين ، واول حضور له يكون مع الاغراب الذين سيمسون اقرباء بعد ادراكهم ادراكا موجبا مستحبا لذاته غير الواعية بوجود الاخرين . ان الطفل عاجز حتى ذلك الوقت عن ان يدرك لنفسه حدوداً مكانية مرئية وبالتالي فهو عاجز عن ان يقيم حاجزا يفصل بين ما يعيشه هو وما يعيشه الاخرون ، فهو رأى نفسه اولا وادركها ثم رأى الاخرين وادركهم ، وهي علاقة انفصال عن الذات وعلاقة تواصل بنفس الوقت مع الاخرين ،وهو تواجد مع الاخر حالا يعد به من التوازن العاطفي الذي لا يستقر الا بقدر ما تستقر خبرته الانفعالية ازاء الاخرين ، فليس من المستغرب ان يستغرب الطفل من هؤلاء الناس الغرباء بعد ان تمايزت صورته المرآوية عن صورته الحقيقية ولدينا من الادلة ما يشهد بان طفل الانسان في بادئ الامر لا يقف من الاشياء الا من وجهة نظر غرباء عني ، اقرباء لاهلي ، حتى تمسي الصورة الذاتية لديه ، قرباء من اهلي ، قرباء مني ، وهي صورة جديدة لتكوين تنشئة اسرية بها من الوعي اكثر مما بها من التقليد ، بها من التوحد(التعيين والتعيين الذاتي) بهم لا شعوريا اكثر من المحاكاة ، وهي عملية اندماج القيم الاسرية في تكوين رؤية جديدة نحو الاخر في تقبله وفي رفضه، فاذا تقبلت الاسرة اي من كان، كان تقبله ايجابيا، واذا نفت الاسرة الاخر ، كان تقبله سلبيا ، فصيغة النفي هنا للاخر هي صيغة تكوين السلوك العدواني مستقبلا لدى هذا الطفل او ابناء الاسرة الاخرين، والنفي هنا يعد الدعامة التي ترتكز عليها نشأة الوعي والمعرفة وهو في كل الاحوال نزوع الى طرد الاخر وافناءه من الوجود الذاتي ، وهو بنفس الوقت قمة الافناء للاخر وعدم الاعتراف به.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يبكي الجسد-الاضطرابات النفسجسمية-
-
المرض النفسي ..بين الالم والهروب من المواجهة
-
الاسرة واحوال الطفولة
-
النقاط الرخوة في النفس .. ادراك ام هروب؟
-
التفاعل العائلي بين الاضطراب والتوازن العاطفي
-
قلق الطفولة
-
احلام اليقظة ..تسوية موفقة ام انسحاب انهزامي!!
-
التوافق المهني انعكاس للتوافق النفسي
-
الانفعال والجسد
-
حياتنا والضغوط النفسية
-
انه الفصام-الشيزوفرينيا-ما اقساه
-
العلاقة الزوجية.. نضوج الدوافع وتوافق الحاجات
-
الميول الانثوية عند الرجال.. بين الرغبة والدفاع
-
الجنس..الرغبة والدفاع
-
التوافق الديني..ونقيضه
-
التوافق والصحة النفسية
-
الضغوط النفسية ونتائجها المرضية
-
الحاجة للآخر ..ضرورة!!
-
القلق وقرحة المعدة
-
الطفل بين القبول والرفض والرفض في الاسرة
المزيد.....
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|