أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إدريس ولد القابلة - حقوق الإنسان بالمغرب















المزيد.....



حقوق الإنسان بالمغرب


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1359 - 2005 / 10 / 26 - 12:37
المحور: حقوق الانسان
    


تطورات مهمة...خطابات رنانة...و "مرمطة" الصفقة الانسانية على أرض الواقع

أن الاشكالية الحقوقية بالمغرب لا زالت متشعبة و تخترق كل مجالات الحياة في المجتمع، و مرتبطة مع طبيعة النظام السياسي و التوجه الاقتصادي المعتمد و طبيعة علاقات المغرب مع محيطه الاقليمي و القاري و الدولي. و عموما يمكن القول أن معاينة الواقع في المجال الحقوقي تبين بجلاء أن المغرب مازال يعيش منظومة من المتناقضات الصارخة، أو على الأقل مستعصية الفهم.
فلازلنا نعاين مثلا أن عبد الله زعزع يجهر بميوله الجمهوري و هو مواطن بالمملكة المغربية، يصرح بمواقفه في هذا الصدد جماهيريا و بكل حرية دون أن يتبع ذلك أي إجراء أمني أو مساءلة واضحة، لكن نعاين بالمقابل استمرار عدم اعتراف الحكومة المغربية بجمعية المعطلين، الجمعية المغربية لحاملي الشهادات المعطلين، و تكريس استمرار إمطارهم الممنهج بالهروات الغليظة أمام ساحة البرلمان و في الساحات العمومية، لاسيما في الرباط و على أنظار الملأ... كما نعاين الحديث عن العلمانية و الحداثة و التحديث و كذلك تقبيل يد الملك تعبيرا عن الوفاء و الاخلاص في خدمة الوطن. علما أن البعض طالب بإلغائه، و لقيت هذه الدعوة تجاوبا كبيرا من طرف الكثير من المغاربة، إلا أنها لقيت تعارضا شديد اللهجة من بعض دوائر صنع القرار التي مازالت تعتبر تقبيل اليد يدخل ضمن ثقافة تضرب بجدورها في أعماق التاريخ المغربي. و للاشارة فإن العاهل السعودي ألغى تقبيل يده أو يد أحد أفراد العائلة المالكة باعتبار أنها ممارسة لا تقبلها النفس، إضافة إلى كونها تؤدي إلى الانحناء و هو أمر مخالف لشرع الله حسب قوله. و عموما إن الحديث عن الواقع الحقوقي بالمغرب يرتبط بالواقع الاقتصادي و الاجتماعي، لأنه هو الركح الذي يوضح الواقع الحقوقي على أرض الواقع المعيش بعيدا عن الخطابات الرسمية و الوصلات الدعائية التي لا تقنع أحدأ.
في الواقع إن التساؤلات ذات العلاقة بالوضع بالمغرب ترعبني حقا لأنها تجعل مستقبل المغرب مفتوحا على جميع الاحتمالات و أتمنى أن أكون مخطئا في هذا التحليل.
فوضعية حقوق الانسان بالمغرب مرتبطة أشد الارتباط بالواقع الاجتماعي و الاقتصادي، إذ لا مجال لاحترام الحقوق في وضعية تتميز بالتردي و الخصاص حتى ولو حضرت الإرادة لتحقيق ذلك. و عموما لازال الوضع بالمغرب يتميز بخصاص واضح في المجالات الاجتماعية بفعل الاعتناء بالاكراهات المالية و اللهث وراء الحفاظ على التوازنات المالية العامة بأي ثمن كأولوية الأولويات و لو دعا الأمر إلى التضحية بكل الباقي و هذا ما نصب فتح الله والعلو لخدمته منذ أن أصبح وزيرا للمالية بالرغم من أن كل الخطط و المنطلقات التي أثتت لمسؤوليته هذه تناقض بالتمام و الكمال كل كتاباته سواءا كإقتصادي أو كمناضل متحزب سابقا و هذا ما لم يتمكن المغاربة من فهمه إطلاقا .
هذا في ظل غياب الشروط الحد الأدنى الضروري لتحقيق نسبة نمو اقتصادي تمكن من إعطاء انطلاقة لصيرورة التنمية الشاملة المستدامة. و في ذات الوقت انكشف فيه و بشكل مفضوح عدم استجابة جملة من الآليات و القوانين (حتى المستحدثة منها) لمتطلبات الاقتصاد الوطني، بل و حتى لإمكانية أي تصور تنموي فعلي متراص واضح المعالم و محدد الأهداف و المقاصد. و هكذا فلا نحن حققنا النسبة المطلوبة من النمو الاقتصادي و لانحن استطعنا التخفيف من تزايد الفقر و استفحال البطالة و التصدي لانتشار السكن العشوائي و غير الائق، و لا نحن شرعنا فعلا و فعليا في التغيير الجدري لمنظومة تعليمنا المهترئة و لو على الأقل بالتخفيف من مهزلة المزيد من تخريج العاطلين و المعطلين و إنتاج و إعادة إنتاج البطالة المستدامة.
و ها نحن على مشارف نهاية سنة 2005 و لازال السؤال مطروحا: إلى أين نحن سائرون؟ و هو مطروح بحدة أكثر من أي وقت مضى، إذ أن الحصيلة العامة في شموليتها- و في هذا الصدد وجب التركيز على السلبيات اعتبارا لكون أن الانتظارات كبيرة و كبيرة جدا- تفيد بأن هناك غياب مؤشرات مقنعة يطمئن إليها القلب. بل على العكس من ذلك بدأ يتضح كأن التاريخ يعيد نفسه بالمغرب...قلق سياسي كبير...تردي الأوضاع في مختلف المجالات...آليات الاقصاء و التهميش لازالت مشتغلة...معطلون لا حق لهم في الاعتراف بجمعيتهم و مصيرهم الدائم و المستدام هو الهروات البوليسية في الساحات العمومية...حكومة لا يعرف المواطن المغربي ماذا تفعل بالنسبة إليه...قرارات جوهرية من صلب اختصاصاتها في المجال الاقتصادي و الاجتماعي و حتى الاستراتيجي تتخذ بعيدا عنها و بعيدا عن ممثلي الشعب...أحزاب سياسية تحتضر و أوضاع دائما في اتجاه التردي كل مرة بوتيرة أسرع و أوسع مدى من السابق...و وجوه و شخصيات ارتبطت أسماؤها بكل ما هو غير محمود سواء بالمغرب أو دوليا لازالت جالسة على كراسيها الدوارة تُنهي و تأمُر كل في مجاله...فئات واسعة طالها التهميش و الاقصاء و عُطلت طاقاتها رغما عنها...آليات في جملة من من القطاعات و المجالات تعطلت و لم تعد ذات جدوى...سياسات و برامج و خطط و اجراءات لم تفعل إلا المساهمة في المزيد من تردي الأوضاع و سوء الحال...
و بالتالي فلم نعد نواجه بالمغرب مشكلات و معضلات ، و إنما أضحينا نجد أمامنا منظومات-مشاكل و منظومات-معضلات و آليات تعيد إنتاج نفسها و في كل مرة أوسع مدى من السابق. و على سبيل المثال لا الحصر، لم نعد بالمغرب نعيش معضلة الفقر و إنما أصبحنا نواجه منظومة التفقير بآليات خاصة بها، و هذا ما أطلق عليه البروفسور المهدي المنجرة "الفقرقراطية" و نفس الشيء بالنسبة للفساد، فقد تجاوزنا معضلة الفساد و أصبح الأمر يتعلق بالفسادقراطية و قس على ذلك الرضوخ و الخوف و الذل...
لذلك فلن تنفع لا قوانين جديدة ولا سياسات ولا خطط عادية للتصدي لهذا الواقع. و الحجة على هذا هو أن مجمل خطط إصلاحات و مجمل النصوص القانونية و التدابير الاجرائية التي تمت بلورتها لمواجهة كل تلك المنظومات-المعضلات باءت بالفشل، لأنها تعاملت معها كمشكلات و معضلات في حين أنها أضحت منظومات-مشكلات و منظومات-معضلات و بالتالي فهي تستوجب ليس حلولا و إنما منظومات-حلول و منظومات-آليات تصحيحية جدرية و ليس شكلية و مظهرية أو مرصودة لتحسين الصورة ليس إلا. فهل يعقل التصدي للفقر بتوزيع المعونات و منح الصدقات دون ربط الأمر بآليات منظومة توزيع الثروة و الدخل و منظومة منح الامتيازات، و ما هذا إلا على سبيل المثال كذلك. و هل يعقل التصدي للبطالة بتوزيع رخص النقل أو احتلال الملك العمومي أو السماح بالتجارة المتجولة بدون مضايقة هنا و هناك دون التساؤل أيهما أفضل و مجدي، أن تستمر الدولة في أداء تعويضات طيطانيكية للوزراء السابقين حتى الذين لم يعمروا بوزاراتهم إلا أياما معدودات و تخصيص رواتب لنواب الأمة تثقل كاهل الميزانية أم تخصيص هذه المبالغ لميزانية التجهيز و الاستثمار و تمويل أشغال عمومية كبرى و متوسطة أو صغرى محلية أو جهوية تساهم كصمام أمان لامتصاص جزء من البطالة في انتظار تحقيق نسبة من النمو الاقتصادي تسمح على الأقل بالحفاظ على نسبة البطالة كما هي عليه دون استفحال؟ و هذا مجرد مثال كذلك.
و تزداد الصورة تعقيدا إن أضفنا إلى هذه التحديات الداخلية، التحديات الخارجية (ملف الصحراء، الشراكة مع أوروبا، الموقف من السلام في الشرق الأوسط). فهل مثل هذا الوضع يسمح بتكريس احترام حقوق الانسان، لاسيما الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، حتى و لو حضرت الارادة لتحقيق ذلك؟
علما أن المغرب تميز على صعيد الوطن العربي بتواجد مبكر و نشط لحركة حقوق الانسان سواء في شكلها غير الحكومي أو الحكومي. فالمغرب كان الأسبق على الصعيد العربي في هذا المجال، إذ تأسست العصبة المغربية لحقوق الانسان في 11 أبريل 1972 و تلتها جمعيات و منظمات و هيئات أخرى، لاسيما بعد مصادقة المغرب على العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق السياسية و المدنية و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية سنة 1979. و هناك حاليا بالمغرب عدة منظمات و هيئات تعنى بإشكالية حقوق الانسان. فهناك الجمعية المغربية لحقوق الانسان و منتدى الحقيقة و الانصاف و جمعية مناهضة الرشوة و المنظمة المغربية لحقوق الانسان و مركز حقوق الناس و المنظمة المغربية للدفاع عن حقوق السجناء و المرصد الوطني للسجون و المنظمة الحقوقية التابعة لحزب العدالة و التنمية و غيرها، إضافة للعصبة المذكورة سالفا. و للشهادة و التاريخ ، يُعتبر البروفسور المهدي المنجرة من المغاربة الأوائل الذين اهتموا بهذه الاشكالية بالمغرب. فقد كان وراء تأسيس العصبة المغربية لحقوق الانسان إلا أنه تخلى عنها بعد أن انحرفت عن المسار المخطط لها أصلا.
و عموما إن الفضل في إبراز إشكالية حقوق الانسان بالمجتمع المغربي يعود بالأساس إلى مناضلي الحركة الماركسية-اللينينية المغربية و القوى الديمقراطية (اليسار) إلى أن وصلت الوضعية إلى ما هي عليه الآن. و تجدر الاشارة في هذا المجال الدور إلى الريادي الذي لعبته الجمعية المغربية لحقوق الانسان و منتدى الحقيقة و الانصاف.
و بجانب هذه الجمعيات عير الحكومية نشأت هيئات حكومية اهتمت بالشأن الحقوقي بالمغرب منها وزارة حقوق الانسان التي ألغيت و هناك المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الذي عرف تغييرات جوهرية في هيكلته و مكوناته و مهامه. إذن هناك تعدد المنظمات و الهيئات التي تعنى بموضوع حقوق الانسان بالمغرب. و هذا التعدد يعكس في حد ذاته عمق اهتمام المجتمع المغربي بالاشكالية الحقوقية سواء على صعيد الاهتمامات القطاعية كحقوق الطفل، المرأة، الخادمات القاصرات، الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، المستهلك...
كما أنه لا يمكن نكران أن تطورات مهمة سجلت في هذا المجال بالمغرب، و هذا بشهادة الجميع، مغربيا و افريقيا و عربيا و دوليا، إذ أضحت بلادنا، خلافا للسابق، تولي لحقوق الانسان، لاسيما السياسية و المدنية منها، أهمية خاصة سواء على مستوى الدولة أو المجتمع المدني. و قد بدأت هذه الصيرورة منذ 1990 عبر اتخاذ جملة من القرارات. و تكرست هذه الصيرورة أكثر في ظل العهد الجديد بعد اعتلاء الملك محمد السادس عرش البلاد. إلا أنه حسب المتتبعين للوضع الحقوقي بالمغرب، مازالت هذه الخطوات التي تم تحقيقها لم تتجسد بعد بالدرجة المطلوبة على أرض الواقع اليومي المعيش ليصبح احترام حقوق الانسان و تكريسها ثقافة حاضرة. كما أنه لازال الاهتمام يقتصر إلى حد كبير بالحقوق السياسية و المدنية دون الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، إذ أن الاهتمام بهذه الأخيرة على أرض الواقع مازال هامشيا جدا في المجتمع المغربي.
و مهما يكن من أمر وجب على الحركة الحقوقية المغربية إعادة النظر في التجربة و المسار لكي تتماشى مع التطورات الحاصلة. و تكفي الاشارة إلى إشكاليتين اثنتين للبرهنة على ضرورة المراجعة هذه، إشكالية طبيعة العمل الحقوقي و إشكالية مصداقية الجمعيات و الهيئات الحقوقية المغربية.
و بخصوص الاشكالية الأولى لازال العمل الحقوقي بالمغرب، على غرار العمل الجمعوي عموما، يرتكز على التطوع، إذ لا وجود للاحترافية الفعلية في هذا المجال. و لقد حان الوقت للنظر في هذه الاشكالية و التفكير في اعتماد مبدأ الاحترافية لتجنيد الطاقات الحقوقية بالمغرب. لقد أضحى من اللازم الآن على المنظمات و الجمعيات الحقوقية أن تعمل باحترافية على جميع الأصعدة، في التسيير و التدبير و إقرار البرامج و تتبع الوضع الحقوقي و تثمين الفعل في مجال التربية على حقوق الانسان الذي مازال ينتظره الكثير، لاسيما في العالم القروي. و ذلك بالعمل على مشاريع و برامج محددة لتكون المنظمات و الجمعيات الحقوقية بالمغرب جاهزة فعلا و فعليا للتأثير في السياسة العامة بالبلاد، فهذا هو السبيل للمساهمة في صيرورة التغيير الفعلي. لأن الاحترافية ستمكنها من القدرة على المراقبة و التوثيق و نشر الوعي الحقوقي على أوسع مدى (و هنا وجبت الإشارة مرة أخرى إلى أن العالم القروي مازال إلى حد الآن لم يدخل بعد ضمن اهتماماتها رغم أنه يحتضن أغلب المواطنين المغاربة، و هذا نقص فظيع و نقطة ضعف كبيرة جدا حان الوقت لتجاوزها رغم صعوبة المهمة).
و ما دام الهدف المرحلي هو القضاء على الانتهاكات و الهدف الاستراتيجي هو تكريس ثقافة حقوق الانسان لتصبح ثقافة سائدة في المجتمع و ممارسة يومية لتكاد تكون "فطرية" – أليس من الأجدى و الأفضل التفكير في نوع من التخصص في بعض الحقوق و التركيز عليها اعتبارا لتعدد الحقوق و كثرتها، علما أن هذا التخصص لا ينال من ترابطها و شموليتها كما قد يدعي البعض، علما أن التخصص هو الذي يطبع العمل الحقوقي في كل البلدان التي اعتمدت الاحترافية في هذا المجال.
أما بخصوص المصداقية، لامناص من طرح السؤال التالي: كيف يرى المواطن المغربي مصداقية و صدقية الجمعيات الحقوقية و الفاعلين الحقوقيين بالمغرب؟ إنه سؤال وجب أن تطرحه الجمعيات الحقوقية المغربية على أنفسها لأن الجواب عليه بنزاهة و موضوعية سيكشف لها الكثير، ما من شأنه أن يفزعها و يجعل فلسفتها و مختلف ادعاءاتها قاب قوسين أو أدنى. ففي الظاهر كل جمعية تدعي أن لها أجندة و مبادئ و مرتكزات و قناعات، لكن هل تعمل فعلا بها و هل يكرسها أعضاؤها فعلا على أرض الواقع اليومي، أم أنهم حقوقيون بارزون في المناسبات و الخطابات و غير ذلك بالتمام و الكمال في حياتهم العادية اليومية ؟ و هل تكرس ما تدعو إليه على أرض الواقع و في الممارسة اليومية؟
فمن مؤشرات الصدقية و المصداقية، التجدر أو التواجد وسط أوسع الجماهير أو على الأقل في جزء مهم من الرأي العام. و من المؤشرات كذلك ، علاقة الحقوقيين و تنظيماتهم مع مختلف المؤسسات و الهيئات (الاعلام، البرلمان، القضاة، الخبراء، الهيئات المهنية، مجموعات الضغط...). و يظل أهم مؤشر للصدقية و المضداقية توسيع قاعدة المنخرطين و المتعاطفين. لكن في واقع الأمر لازلنا بالمغرب إلى حد الآن نلاحظ نفس الوجوه و نفس الحضور في كل مناسبة أو نشاط كأن الأمر يتعلق باستنساخ و ليس حركية فاعلة، و هذا مضر كثيرا بالصدقية و المصداقية على مختلف الأصعدة، و الغريب في الأمر أن الحقوقيين المغاربة لم يريدوا بعد استخلاص ما وجب استخلاصه.
و من المؤشرات كذلك الصلاحية. فإذا كانت الجمعية أو المنظمة تهتم بكل الحقوق و بكافة المنظومة الحقوقية يصعب عليها أن تكون مجدية في عملها باعتبار أنها تجاوزت مرحلة النشأة. لكنها إذا تخصصت في مجال معين من الجالات الحقوقية فإن مصداقيتها ستتأكد بسهولة على أرض الواقع، لاسيما و أنها ستفرض نفسها كطرف لابد من اللجوء إليه في نطاق اهتمامه اعتبارا لتخصصه فيه و لدرايته به أكثر من غيره. لكن الواقع في المغرب يفيد أن الأغلبية الساحقة للجمعيات و المنظمات الحقوقية تهتم بكل الحقوق، الشيء الذي جعلها لم تتمكن بعد من أن تكتسب صفة الخبرة في أي مجال من المجالات الحقوقية، و هي أعلى مرحلة لتثبيت المصداقية و الصدقية، و مازلنا في المغرب بعيدين كثيرا عن هذا المستوى، لكن وجب التخطيط لبلوغه الآن قبل فوات الأوان.

و إن أكبر حدث حقوقي عرفه المغرب هو قضية طي ملف الماضي. و بهذا الخصوص لازلنا أمام مقاربتين . مقاربة تدعو إلى تجنب إثارة المسؤوليات فيما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان خلال سنوات الجمر أو السنوات الرصاصية. و مقاربة تعتبر أن إثارة المسؤولية هي الطريق الأنجع لكشف الحقيقة كاملة من أجل طي صفحة الماصي نهائيا و بلا رجعة.
فالمقاربة الأولى تسعى إلى تفادي الاعتراف الرسمي بمسؤولية الدولة في تلك الانتهاكات الجسيمة و ذلك سعيا لعدم إثارة روح الكراهية في المجتمع. أما المقاربة الثانية، فإنها ترى من الضروري إعادة الاعتبار إلى الضحايا و رد الاعتبار للشعب المغربي قاطبة لأن الأمر يهمه قبل غيره، و لن يكون لرد هذا الاعتبار معنى إلا باعتراف الدولة بمسؤوليتها عن تلك الانتهاكات و تقديم مرتكبيها للمساءلة و لمحاكمة و لو رمزية، علما أن القائمين اختاروا المقاربة الأولى و ظل جزء كبير من الحركة الحقوقية المغربية يدعو، و لازال، إلى اعتماد المقاربة الثانية.
كما يظل كذلك ملف الاختفاء القسري من القضايا البارزة حاليا في الركح الحقوقي بالمغرب. و عموما و بالرغم من التطورات التي عرفتها البلاد في المجال الحقوقي لازال هذا الملف موضوع جدال كبير، و مازالت كل حقائقه لم تكشف بعد، و لازالت عائلات المختفين تطالب بالحقيقة كاملة للتمكن من إقفال هذا الملف. و علاقة بالموضوع وجبت الاشارة إلى أن ابن المناضل اليساري ، أحد قياديي منظمة "إلى الأمام"، عرض على أنظار القضاء المغربي ملف والده الذي لقي حتفه و هو رهن الاعتقال رفقة زوجته بالمعتقل السري درب مولاي الشريف. و من المنتظر أن يثير التقرير النهائي المرتقب لهيئة المصالحة و الانصاف جدالا واسعا في الموضوع.
كما أنه لا يخفى على أحد في المغرب أن المخزن ظل حريصا أشد الحرص على إبعاد البادية المغربية و الفلاح المغربي عن السياسية و المساهمة في الركح السياسي، وذلك قصد الاستعمال كورقة ضغط ظلت دائما و أبدا بيد القصر في مواجهته للقوى المطالبة بضرورة التغيير بالمغرب. لهذا شدد النظام قبضته على العالم القروي بالمغرب و منع منعا كليا وممنهجا أي تواصل بينه و بين القوى السياسية الحية. وللإشارة، فهذا ما كان قد اعتمده الاستعمار الفرنسي بالتمام و الكمال. لهذا ظل و لازال العالم القروي بالمغرب بعيدا عن التحديث السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ، و عن إشكالية الديمقراطية و حرية المرأة و مشاركة الشباب، و ذلك رغم أنه فضاء يعيش فيه أكثر من نصف ساكنة البلاد، و هنا تكمن الأسباب الحقيقية لمعضلة التنمية بالمغرب.
أما الحقوقيون المغاربة فمازالوا غير مهتمين بالعالم القروي، ولم نعاين إلى حد الآن أي جمعية و منظمة حقوقية تعنى بهذا العالم و أي برنامج حقوقي خاص به خلافا مثلا لما هو عليه الأمر بمصر حيث توجد العديد من المنظمات و الهيئات الحقوقية المهتمة بالفلاح المصري و بالبادية المصرية و المرأة الريفية. و هذا أمر يدعو فعليا إلى التساؤل، كيف يمكن تكريس ثقافة حقوق الانسان بالمجتمع المغربي و أكثر من نصفه هو خارج نطاق التغطية الحقوقية و مقصي عمليا و فعليا من اهتمامات المنظمات و الجمعيات الحقوقية. هذا في الوقت الذي يقر فيه الجميع بأن هناك علاقة وطيدة بين حقوق الانسان و الديمقراطية. فالديمقراطية شرط جوهري لحقوق الانسان ، لكن أكثر من نصف الساكنة بالمغرب غير معنية بالديمقراطية. علما أن الديمقراطية غير ممكنة في ظل غياب حقوق الانسان، كما أن حقوق الانسان لا يمكن تكريسها فعلا وفعليا دون ديمقراطية. فالمواطنون لا يمكنهم الاستفادة من حقوقهم الأساسية دون تمتعهم بحقهم في المشاركة السياسية و تقريرمصير مجتمعهم. و عندنا بالمغرب أكثر من نصف الساكنة غير معنية لا بهذه المشاركة و لا بتقرير مصير المجتمع؟
أما بخصوص مفهوم المساواة الذي يلغط به الجميع حاليا بالمغرب، نلاحظ بجلاء أن هذا المفهوم مازال يعتريه النقصان و يكفي النظر إلى تصادمه مع مطالب المواطنين المغاربة الاجتماعية و الاقتصادية، و خصوصا في حدها الأدنى و تكافئ فرص الاندماج في المجتمع و التمكن من ايجاد مكان تحت شمسه.
و كما سبق الاشارة لذلك ، فالواقع المعيش يبين أن هناك فرق شاسع بين الخطابات و بين المعيش اليومي، و هذا يعني مما يعنيه أن هناك معوقات. و لتقريب الصورة يمكن الوقوف على أهمها. فهناك الفقر، و الفقر بالمغرب أصبح فقرا مركبا يتضمن الحرمان من جملة من المقومات الضرورية للحياة. و هذا الفقر لا يعود إلى كون أن الثروات الوطنية قد تقلصت أو تراجعت، و إنما يعود بالأساس (البعض يقولون لتنامي الديمغرافية) إلى تفعيل آليات تمركز تلك الثروات و مصادرها بيد قلة قليلة لا تكاد تبين على حساب حرمان الأغلبية الساحقة للمغاربة. و لا يخفى على أحد أن اختلال ميزان العدالة الاجتماعية بشكل مفضوح و غير مقبول و محتمل، كما هو الحال عندنا، من شأنه أن يحول البلاد إلى بؤرة للاجرام و اللاأمن ما دام هناك أفتقاد الانسان للشعور بوجوده العادل و بحقه الانساني في الوجود الكريم، الشيء الذي يغرقه في اليأس، و آنذاك سيكون مستعدا لأي شيء، وهذا ما على القائمين على الأمور وضعه نصب أعينهم باعتبار أن مغاربة اليوم ليسوا هم مغاربة الأمس...و لعل الذكرى تنفع المومنين.
لم نعد بالمغرب نعاين فقرا و إنما فقرقراطية، لأنه هناك علاقة وثيقة بين أنماط التدبير السائدة- حتى حاليا- في بلورة السياسات العمومية من جهة، و بين تطور الفقرمن جهة أخرى. فالدولة أضحت غير قادرة على تهييء المناخ المناسب للاستثمار الذي له تأثير مباشر و رأسي على ظاهرة الفقر، بحيث يُمكٌن من خلق فرص للشغل يسنفيد منها الفقراء، و لأن الدولة أصبحت غير قادرة كذلك على تغطية الحاجيات في مجال الخدمات الأساسية بدرجة كافية و مجدية في ميدان التعليم و الصحة و الرياضة و الثقافة و غيرها تساعد الفقراء على اكتساب الشروط الضرورية و اللازمة للتفاعل مع السوق و التمكن من ضمان دخل كاف لمواجهة المتطلبات الحيوية للحياة. و لأن الدولة فشلت في تدبير مختلف برامج محاربة الفقر والتصدي لآثاره و مسبباته بالمغرب.
و أتحدث هنا عن الفقرقراطية و ليس عن الفقر لأن الفقر عندنا لم يعد ظاهرة طبيعية و إنما معضلة دائمة تهم أوسع الفئات، و لأنه نتاج اختيارات و سياسات اقتصادية و اجتماعية انتهجت مند عقود و لازالت جملة من آلياتها فاعلة إلى حد الآن.
أتحدث عن الفقرقراطية و ليس عن الفقر لأن هناك حاليا بالمغرب فقر و تفقير عبر آليات الفعل السياسي و الفعل الاقتصادي و الفعل الاجتماعي. فعندما يجد المواطن المغربي البسيط نفسه أمام الادارة لقضاء مآربه أو لاجئا للقضاء للمطالبة حقه المسلوب أو مضطرا لطلب الاستفادة من إحدى الخدمات العلاجية أو الاجتماعية، آنذاك يلمس بجلاء، و يعاين بأم عينه الدلالات الحقيقية ، ليس للفقر، و إنما للفقرقراطية ببلاده. آنذاك تتضح له الصورة، كون الفقر بالمغرب حاليا ليست ظاهرة يمكن تجاوزها، , إنما هو معطى ثابت و دائم و حالة بنيوية بفعل آليات تعيد إنتاجه المستدام. ففي المغرب ، كما قال البروفسور المهدي النجرة ، أضحى الفقراء يلدون فقراء أكثر فقرا و الأغنياء يلدون أغنياء أكثر غنى، هذه هي مأساة المغرب. و هذا في نظري تعريف مركز و مختزل ببراعة للفقرقراطية.
فهل و الحالة هذه يمكن الحديث عن تكريس فعلي لحقوق الانسان في ظل سيادة الفقرقراطية؟ علما أن الأمر ليس وليد اليوم ، و إنما هو نتيجة لصيرورة منذ أن حصلت البلاد على استقلالها في أواسط خمسينات القرن الماضي ، و على امتداد 5 عقود و الحكومات المتعاقبة على المغرب تتحدث عن وضع سياسات و خطط و تحدد الميزانيات و تنفق الأموال قصد تحقيق التنمية لتحسين مستوى المعيشة و التصدي للفقر، و بُذلت جهود و صُرفت الأموال الطائلة، و بُلورت أكوام من السياسات و الخطط، و لكن كل هذا لم يزد الفقر بالمغرب إلا تكريسا و استفحالا و اتساعا لدوائره و ترسيخ آليات إعادة إنتاجه إلى أن وصل الحال إلى ما هو عليه الآن. و بالرغم من أن كل الفئات الشعبية بذلت الجهود تلو الجهود و تكبدت الحرمان و سغف العيش و أُثقلت كهولها بالضرائب العادية منها و الاستثنائية و التضامنية، فإنها ظلت و لازالت تعاين تدهور أحوالها المعيشية ، لاسيما منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي حيث ازداد الفقر توسعا بشكل لم يسبق له مثيل. فهل النمو الاقتصادي المحقق على مدى كل السنوات الفارطة تحقق بالأساس على حساب الفئات الشعبية و من خلال تدهور مستوى معيشتها على الدوام و على حساب توسيع الفقر؟ فأين ذهبت ثمار ذلك النمو الاقتصادي؟
إذا حضرت الشجاعة و النزاهة السياسية للجواب على هذا السؤال، يمكن آنذاك فهم تعثر تكريس حقوق الانسان بالمغرب على أرض الواقع المعيش. و هذه إحدى المعوقات.
و تتضح الصورة أكثر جلاء إذا تناولنا إشكالية الأجور بالمغرب. ففي واقع الأمر هناك مغربان على الأقل و ليس ومغرب واحد: المغرب- الجزيرة و المغرب- المحيط. و لعل أحسن صورة لهذا التمايز هي الرواتب و الأجور في القطاع العمومي المغربي. فهناك أجور و رواتب المغرب-الجزيرة و أجور و رواتب المغرب-المحيط. في الأول هناك موظفون يتقاضون ما بين 200 و 500 ألف درهما شهريا، و في الثاني موظفون و مستخدمون أقنان يعانون بفعل عدم كفاية رواتبهم و أجورهم حتى لتوفير الضروريات الحيوية. فإذا أخذنا بعين الاعتبار، بكل نزاهة و موضوعية، الأوضاع المتأزمة التي تعيشها البلاد منذ مدة و نسبة نمو اقتصادنا الوطني و وتيرة إنتاج الثروات المضافة و طبيعة الاختلالات البنيوية التي تتخبط فيها و لازالت مؤهلة للبقاء على هذا الحال، اعتبارا لكل هذا فإنه من غير المعقول قطعا الاستمرار في قبول هذا الحال مهما كانت التبريرات و مهما اجتهد المجتهدون لتبريرها. فمهما يكن العمل الذي يضطلع به أي موظف من هؤلاء مهما كان و في أي مجال، فإن ضخامة الرواتب المطبقة في نطاق المغرب الجزيرة لا تتناسب مع مردوديته للبلاد و العباد و لا تتناسب و طاقة تحمل ميزانية الدولة التي ينتظرها الكثير بخصوص النواقص التي يعيشها المغرب-المحيط. خصوصا و أن تلك الرواتب لا تسقط من السماء و لا ينتجها أولائك الموظفون و إنما تقتطع اقتطاعا من المالية العامة أي من مال الشعب المغربي، و ربما على حساب جوع و حرمان فئات واسعة منه، فئات المغرب-المحيط، مغرب الأجور المتدنية التي لا تكاد تكفي حد لسد الجاجيات الحيوية و مغرب البطالة و العطالة و الشباب المهمش. و هنا تحضرني هزالة الرواتب التي لا تكاد تبين التي يتقاضاها أغلب مستخدمو و مستخدمات التعاون الوطني بالمغرب ( قد سبق لي أن أنجزت موضوعا حولهم تحت عنوان "أقنان القرن الواحد و العشرين") و التي هي في واقع الأمر وصمة عار علي جبين الحكومة باعتبار أن أغلبهم قضوا عمرهم، أكثر من 30 سنة في الخدمة، بل أن وزير المالية كان قد اقترح بكل وقاحة الاستغناء عنهم جملة و تفصيلا.
قد يتفهم المرء ضخامة الأجور إذا كانت مطبقة في القطاع الخاص، إنها في الواقع علامة على أن الأمور بخير، لكن في القطاع العمومي و من مال الشعب الذي ظلت و لازالت أوسع فئاته تنظر تحسين أوضاعها المعيشية و جملة من الخدمات منذ أن حصلت البلاد على الاستقلال ، فهذا ما لا يمكن أن يتقبله عقل سليم. و هذا كذلك معوق من المعوقات.
و من المعوقات كذلك، و هذا تحدث بصدده الكثيرون، استمرار حضور العقلية المخزنية بقوة على جميع المستويات و في مختلف المجالات . فالمخزن بالمغرب، كانت و لازالت له وظائف اقتصادية و هي وظائف تجلت سلبياتها سابقا على مستوى انعكاساتها الاجتماعية. و الآن ، نجد أنفسنا في حيص بيص عندما نريد تحديد طبيعة الاقتصاد المغربي، فهو ليس باقتصاد الدولة و لا باقتصاد ليبرالي محض و لا باقتصاد اجتماعي تتحكم الدولة في دوليبه الأساسية، و لا باقتصاد السوق بالمفهوم الليبرالي، فما هي طبيعة اقتصادنا بالضبط؟ لقد استعصى علي الأمر حقا.
المهم، منذ سنوات و المغاربة ينتظرون حدوث انفتاح على السوق و خلق اقتصاد اجتماعي كما تم الترويج لذك لكن عاينوا انفتاح كل شيء و لم يعاينوا إلى حد الآن علامات الاقتصاد الاجتماعي. و اليوم أصبحنا نلاحظ، و بقوة، تواجد سلطة المخزن، ليس كإطار أمني تسييري فقط، و لكن كإطار اقتصادي و هذا وضع قل نظيره جدا في العالم. و هذا كذلك من المعوقات.
و هناك اشكالية الفساد و التصدي إليه. في واقع الأمر يحتار المرء بالمغرب عندما يعاين نهج تعاطي القائمين على الأمور مع جملة من القضايا، و من ضمنها الفساد. فهناك جملة من الموظفين الصغار المأمورين أدينوا من طرف محكمة العدل الخاصة (التي تم الاقرار الضمني الواضح بعدم دستوريتها و كونها كانت بعيدة ، بعد السماء عن الأرض، عن توفير أدنى شروط المحاكمة العادلة و تكريس العدل و العدالة و النزاهة و الاستقلالية) و شردت عائلات و كانوا كلهم متهمين باختلاس مبالغ زهيدة لا تكاد تبين هزالتها مقابل الملايير المنهوبة من القرض الفلاحي و الضمان الاجتماعي و البنك الشعبي و وكالة المغرب العربي للأنباء و القرض السياحي و العقاري و شركة كوماناف و شركتي صوديا و صوجيطا و بنك الانماء الاقتصادي و الجمارك و المطاعم المدرسية و مؤسسات مالية عمومية أخرى، لم يطل أصحابها القانون و من أطالهم تم البحث عن طريق من الطرق لتخليصهم منه. و هذا، أقل ما يمكن وصفه، هو حيف في حق أكباش ضحية محكمة العدل الخاصة، علما أن عددا لا يستهان به منهم أدينوا ظلما و عدوانا، و هذا أمر يستوجب الالتفاتة إليه لجبر ما يمكن جبره من ضرر. و بالتالي فإن نهج التصدي للفساد هو كذلك أحد المعوقات.
و هناك إشكالية التعاطي مع قضية الشباب بالمغرب. فإن الشباب المغربي، بالرغم من ظروف التهميش و الاقصاء و آليات التفقير... بالرغم من كل هذا يجب أن تكون الكلمة كلمتهم لأنهم أقرب إلى روح العصر من احزابنا السياسية التي فشلت فشلا ذريعا في احتواء الشباب و التواصل معهم. إنه لمن المؤسف حقا أن يعاين المرء بالمغرب شعور فئات واسعة من الشباب بالدونية لأنه لم يُسمح لهم باحتلال مكان تحت شمس وطنهم بفعل الاستمرار في التشبت بتلك العقلية و بتلك الأساليب و بتلك المناهج التي دمرت و لازالت تدمر حياة فئات واسعة من الشباب المغربي و أداقتهم الذل و أعاقت مساهمتهم الفعلية في تطور بلادهم. و قد تصاعد هذا الشعور لدرجة أنه قضى على حياة فئات واسعة منهم أمضوا أجمل سنوات عمرهم مهمشين كليا. أحسن ما في العمر، بين 25 و 35 سنة، قضوه علة على المجتمع و لم يُسمح لهم بالمساهمة الصادقة و النزيهة و المسؤولة في بناء غد أفضل لوطنهم ما دامت الظروف لم تسعفهم على الزواج للتفكير في مستقبل أبنائهم. و هذا كذلك معوق من المعوقات.
و هناك إشكالية العلاقة بين السياسة الأمنية المعتمدة و حقوق الانسان بالمغرب. فمؤخرا اعتمد المغرب سياسة القرب في المجال الأمني باعتبار أنها سياسة أتبثت نجاعتها نسبيا بفرنسا التي تعتبر أن الحق في الأمن أحد الحقوق الملزمة للدولة، لاسيما و أن مكونات المجتمع أضحت معنية بهذا الحق عبر تكريس سياسة التطويق و التدخل الاستباقي للتصدي للعنف و الارهاب. إلا أن القضية الأمنية و الحق في الأمن بالغرب من المفروض أن يظلا مرتبطين بخدمة مصالح المواطنين اليومية و احترام حقوقهم و العمل على تمكينهم من الاستفاذة من حقهم في الصحة و الشغل و من احتلال مكان تحت شمس وطنهم يحفظ لهم كرامتهم الانسانية قبل مواطنتهم. علما أنه، خلافا للمغرب، أسست فرنسا سياستها الأمنية ليس على استعراض عضلات جهازها الأمني، و إنما على الاعتناء بالمطالب الاجتماعية أولا و على تجديد النسيج العمراني و تخفيض الكثافة السكانية بالأحياء الهامشية و تحسين الخدمات الاجتماعية. وبالتالي فإن السياسة الأمنية المعتمدة قد تمثل هي كذلك إحدى المعوقات. وهده من أهم معوقات تكريس حقوق الانسان على أرض الواقع بالمغرب.
و الحالة هذه، و هذا يتفق عليه الكثيرون، أن السبيل الأجدى و الأنجع لإعداد مستقبل أفضل هو اعتماد استراتيجية متوجهة إلى الذات و معتمدة بالأساس و بالدرجة الأولى على عوامل داخلية يتم التحكم فيها، عوض جعلها ترتكز على عوامل خارجية لا يمكن التحكم فيها كما هو حاصل إلى حد الآن بالمغرب بشهادة أغلب المحللين الاقتصاديين . و على هذه الاستراتيجية أن تأخذ في حسبانها القيم الاجتماعية و الثقافية و حاجيات المجتمع كما هي معبر عليها ديمقراطيا عوض الاكتفاء بالعناية بحاجيات و مطالب الأقلية (أي مغرب-الجزيرة). ولا يمكن التفكير في المستقبل حاليا دون وجوب الإقرار الواضح و الشفاف بالإرادة اللازمة لإصلاح عميق لمنظومة توزيع الثروات و الدخل بطريقة لا يلعب فيها الدور الأساسي ، لا الانتماء الحزبي و لا الاجتماعي و لا العشائري و لا الزبوني و لا اعتبار الولاء، و هذا لتقريب الهوة السحيقة القائمة بين المغرب-الجزيرة و المغرب- المحيط لتسير البلاد نحو الانصهار في مغرب واحد تقبل به أغلبية الشعب المغربي.
و كما سبق للبروفسور المهدي المنجرة أن بين بجلاء أنه ليس هناك مستقبل واحد بل هناك تعدد في المستقبلات الممكنة، لذلك كان من الواجب الاختيار للتهييء للغد البارحة و ليس اليوم. و مستقبل المغرب اعتبارا للواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و الحقوقي الحالي يظل خاضعا لصيرورة عامة لم تعد تخفى على أحد الآن، و هي صيرورة تتشكل من البحث على الاستقرار و ابقاء دار لقمان على حالها، ثم السعي وراء الاصلاح لمحاولة التصدي إلى التصدعات و تسكين الآلام أو إخفاؤها و التستر عليها و لو مؤقتا، ثم فرض التغيير بعد استفحال آليات الفقرقراطية و المكر السياسي و سياسة المكر و سيادة فقدان الثقة في آليات الدولة و أليات المجتمع و انكشاف الأمور.
لهذا فلا مناص للمغرب، إن هو أراد أن يكون له وجود فعلي و محترم بين دول هذا العالم مستقبلا، لا مناص من بلورة رؤية مستقبلية واضحة المقاصد و محددة الأهداف، و هي رؤية مازال يفتقدها المغرب إلى حد الآن. و استمرار غيابها من شأنه أن يشكل خطرا إن لم يتم تدارك الأمر. و هذه الرؤية لابد و أن تعتني بالمواطن البسيط و الواقع الفعلي المعيش و ليس القفز عليه كما ظل يجري إلى حد الآن. لأنه بالرغم من كل ما يقال و يداع، فإن المواطن المغربي البسيط مازال لم يستفد بعد من ما يسمى بالتغيير، و هذه إشكالية جوهرية تعتبر من بين العوامل المحددة لمستقبل المغرب. و في ظل غياب مثل هذه الرؤية الواضحة المقاصد و المحددة الأهداف، لا مستقبل في المغرب، حسب صيغة البروفسور المهدي المنجرة، إلا لشيء واحد في المغرب، ألا و هو الفقر و الفقرقراطية.
لكن حاليا، مع الأسف الشديد، لازال المغرب يفتقد مثل هذه الرؤية. و أما إن كان للقائمين على الأمور رؤية، في هذا المجال، فإنها مازالت محجوبة على المواطن و لا يعلمها، و بالتالي وجب الافصاح عليها في حالة وجودها.
إدريس ولد القابلة



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشباب المغربي و تحدي هجرة الكفاءات
- أي مستقبل للإسلام في الديار الأوروبية؟؟؟
- مجرد كلمة
- المغرب: المطلوب توحيد اليساريين المغاربة و ليس وحدة القيادات
- اتحاد كتاب الانترنت العرب على الدرب يسير
- خصخصة صناعة السكر بالمغرب
- البطالة بالمغرب
- مجرد كلمة...هل من تغيير وزاري بالمغرب؟
- ليس هناك دخان بدون نار...
- الجهوية و التنمية
- الميلودي زكريا ضحية الضربة الاستباقية
- حول العمل النسائي و العنف ضد النساء بالقنيطرة
- اختلاف بخصوص نسبة النمو بالمغرب
- تدبير القصور الملكية بالمغرب لم ينج من الفساد
- متى ستحضر الإرادة الفعلية للتصدي للفساد؟؟
- موقف حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي المغربي(1) من مشروع ق ...
- المغرب: هل الاقتصاد بخير؟
- الديموقراطية في العالم العربي في نظر الدكتور المهدي المنجرة
- الحصيلة الرسمية لأداء الحكومة المغربية
- الصحة و المغادرة الطوعية بالمغرب


المزيد.....




- إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و ...
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال ...
- مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إدريس ولد القابلة - حقوق الإنسان بالمغرب