|
ملاحظات حول - إعلان دمشق -
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 1359 - 2005 / 10 / 26 - 12:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أثار " إعلان دمشق " نقاشات كثيرة حادّة، و ربما يثير نقاشات أخرى. و لقد بدت هذه النقاشات و كأنها " إستقطابية " تنوس بين المؤيد المتحمّس و المعارض الرافض بعنف. و لم تخلُ من إشارات توحي بإستقطابات طائفية، و هذا هو أخطر ما في الإعلان و يجب أن يُنبّه إلى إشكال فيه. و ربما كانت هذه " الإستقطابية " نتاج اللحظة الراهنة ذاتها، التي تبدو و كأنها لحظة تحوّل عميق، و مفصل تغيير كبير ( بغضّ النظر كيف سيحدث هذا التغيير، و مَنْ سيُحدِثه ). الأمر الذي جعل النقاش يستند إلى خلفية ( ربما لاواعية ) تنطلق من أن البحث الآن يتعلّق بالشكل المستقبليّ للدولة و المجتمع، حيث أن اللحظة توحي بأن تغييراً سيحصل. و بغضّ النظر عن حدود التوافق مع الإعلان، حيث أصبحت المطالب الديمقراطية مجال توافق عام رغم إختلافات في فهم الديمقراطية، و بالتالي إختلافات حول الأسس التي يجب أن تُبنى عليها، فإن الإعلان إنطلاقاً من النقاشات التي يثيرها يشير إلى مرحلة تتسم بأنها مرحلة تفارق أكثر مما هي مرحلة توافق. مرحلة " إنقسام في الصفّ الواحد " ربما أكثر مما هي مرحلة تجميع قوى أكبر. و بالتالي فهي تحمل حساسية يجب أن تُلحظ ، تفترض الدقّة في فهمها و في تحديد ما هو مطلوب فيها. حيث أن الدور الأميركي في التغيير، الذي هو معلن و الذي يُترجم في خطوات عملية تحضيرية، يمكن أن يوظِّف كلّ عمل لا يتنبّه لحقائق الواقع. إنطلاقاً من كلّ هذه الهواجس سوف أناقش الإعلان حرصاً على قوى أحترمها و أجلّ نضالاتها، و إنطلاقاً من تشاركنا السجون معاً. لهذا سوف أتناول الإعلان في ثلاثة مستويات، المستوى الأوّل: ما الذي يحدّد التوافق؟ و المستوى الثاني: نصّ الإعلان و المشكلات التي تكتنفه، و المستوى الثاني: هو السياق الذي يوضع الإعلان فيه، و بالتالي الأخطار التي يمكن أن تنتج عن ذلك. و لسوف أقوم بتكثيف الملاحظات رغم أنها تحتاج إلى بحث طويل. المستوى الأوّل: ما الذي يحدِّد التوافق؟ لخّص الإعلان مسيرة سنوات من تبلور المواقف في إطار المعارضة السورية، حيث كان الإتجاه يميل إلى حصر المسألة في إطار ثنائية: إستبداد/ ديمقراطية، و كان الخطاب يتبلور في إطار الإغراق في ذكر مثالب الإستبداد من جهة، و التأكيد على ضرورة الديمقراطية من جهة أخرى. و بدا و كأنه يبلور حدود الديمقراطية المتوافق عليها، و هذا ما ظهر أخيراً في الإعلان. و بالتالي كان منطقياً أن يجمع كل الذين أسهموا في بلورة ذاك الخطاب فقط، رغم أنه ظلّ مفتوحاً لمن شاء الإنضمام، و إن كان ينطلق ممن أصبح برنامجه لا يخرج عن هذه الحدود. و بالتالي فقد بدا و كأنه يوحّد قوى متوافقة مسبقاً على رؤية يمكن أن نشير إلى أنها تنحصر في مسألة الديمقراطية، لكنها في الواقع تتوافق على ما هو أبعد من ذلك في الغالب ( أو في إطار النخب التي صاغت الإعلان على الأقل )، و أقصد هنا أنها في الغالب تتوافق على ربط الديمقراطية بالليبرالية، لتمثِّل إتجاهاً طبقياً واحداً رغم التلوينات التي تُصبغ على كلّ حزب، و التي ستبدو هنا أنها هامشية، سواء كانت " يسارية " أو " قومية " ، فيما عدا جماعة الإخوان المسلمين التي تهدف إلى أبعد من ذلك، و أقصد " أسلمة المجتمع " في إطار ليبرالي. و من ثَمّ فهي تشكّل طيفاً واحداً و ليس أطياف مختلفة تتوافق على هدف واحد، رغم التلوينات التي تبدو أنها نابعة من الماضي أكثر مما هي صفة راهنة لهذه الأحزاب. هل هذه هي المسألة المركزية الوحيدة الآن؟ أظنّ أن المطلوب أوّلاً تحديد مشكلات الواقع، التي لا تنحصر في ثنائية: إستبداد/ ديمقراطية، رغم أهمية هذه المسألة و أولويتها إلى الآن. لكن لا يجوز أن نتجاهل الفعل الأميركي الذي يشير منذ سقوط النظام العراقي و إحتلال العراق إلى تغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة العربية، و ضمنها سوريا. و لا أن نتجاهل أن النغمة الأميركية الأساسية منذ بداية العام الجاري تتمثّل في التحضير لتغيير السلطة، و تعميم الروشيتة الأميركية لتحقيق " الحرية و الديمقراطية "، التي تنعكس في الوعي العام بما يجري على الأرض في العراق من فوضى و قتل و بشاعة و تدمير أميركي. و بالتالي فإن التأكيد على التغيير الوطني الديمقراطي يجب أن يرتبط بموقف واضح من السيناريو الأميركي و من كلّ التدخّلات الإمبريالية. و على التأكيد على ضرورة مواجهتها لأنها بالأساس ضد الشعب السوري، و ستأتي بوضع متفجّر يُطلق كلّ إحتقانات العقود الماضية التي لعبت السلطة كما لعبت جماعة الإخوان المسلمين دوراً أساسياً فيها. و بالتالي فإذا كان المطلوب هو التغيير الوطني الديمقراطي، فيجب أن يكون ذلك في تضاد مع التغيير الأميركي، من أجل تحقيق تغيير حقيقيّ يعبّر عن تطلعات الشعب السوري. هنا يتحدّد التمييز بين توافق وطني و آخر مائع لأنه ينطلق من مسألة الديمقراطية فحسب، و الدولة الأميركية و قواها المحلية تطرح هذه المسألة و تقبل التحالف على أساسها، مع تجاهل الخطر الأخر، أي الخطر الأميركي، الذي هو خطر حقيقيّ بغضّ النظر عن موقفنا من السلطة. لكنه في الواقع الراهن لا يفرض الإلتحاق بالسلطة، ليس لأنها مستبدّة فقط ، بل لأنها مارست و تمارس نهب المجتمع، و لأنها جهدت للتفاهم مع الدولة الأميركية دون جدوى، و بالتالي لأنها أوصلت سوريا إلى الوضع الصعب الذي هي فيه، و بالتالي وصلت إلى مرحلة يجب أن تنتهي فيها، لأنها باتت تشكّل عبئاً لا يُحتمل على المجتمع. و هذا يفرض أن تُطرح مشكلات الطبقات الشعبية التي هي قاعدة التغيير، و أساس تحويل القوى/ النخب إلى قوّة فعلية، مشكلات البطالة و الفقر، و تراجع التعليم و إنهيار الضمان الصحّي، و العجز عن العيش. إذن، هذه مسائل ثلاث تشكّل قاعدة أيّ تحالف واسع، لا ينحصر في نخبة سياسية ثقافية، بل يسعى لأن يستقطب الطبقات الإجتماعية المفقرة. و لاشكّ في أن طرح هذه المسائل يؤسِّس لتحالف آخر، حيث تبتعد القوى الليبرالية و الأصولية، و هذا ما لم يرده صانعو الإعلان. لكن دون ذلك لن يتحوّل الإعلان إلى أساس لإستقطاب الحراك المجتمعي، و أساس تشكيل قوّة فعل داخلية. و سأشير هنا إلى أن التوافق على نقطة يحدث حينما يكون الواقع مهيئاً لتحقيق خطوة عملية، حيث تصبح نقطة من برامج الأحزاب هي الأساسية، فيجري التوافق عليها، كما مسألة الديمقراطية في الإعلان ( رغم الملاحظات التي سوف تُذكر لاحقاً )، لكن السؤال هنا هو: هل أن هذا التوافق يقود إلى تشكيل قوّة قادرة على الفعل؟ أظنّ أن الجواب هو: لا، لأن ميزان القوى السياسي لازال مختلاً، و لأن هذه الأحزاب لم تسعَ لإستقطاب الطبقات الشعبية. المستوى الثاني: إذن، ألحظ بأن الإعلان لا يشكّل أساساً لبناء قوّة تغيير. لكن النصّ يحتاج إلى مناقشة كذلك، و إذا كان الموقف من السيناريو الأميركي غائباً رغم الإشارات إلى رفض الإستقواء بالخارج التي تربط بالتأكيد على " موضوعية الإرتباط بين الداخلي و الخارجي في مختلف التطوّرات السياسية "، و بالتالي توحي على الأقلّ بموقف غير رافض لسياسات " الخارج " ( و لقد وضعت كلمة الخارج المحايدة بدل كلمة أميركا العدو )، و رفض الإستقواء به. هنا يجري تجاهل الخطر القادم من " الخارج "، ربما بحجّة الضغط على السلطة، أو تركيز الجهود ضد السلطة. و هذه مبرّرات لا تستقيم مع موقف متماسك. و تتجاهل أنها كقوى وطنية يجب أن يكون لها موقفها الواضح من الدور الإمبريالي الأميركي. الملاحظة الأخرى التي إنصبّت التعليقات على مناقشتها تتعلق بالفقرة الخاصة بالإسلام، حيث سيلمس بوضوح أن الفقرة تعني بالإسلام الإسلام السنّي، خصوصاً أنها تؤكّد ليس على أن الإسلام هو دين الأكثرية، بل و عقيدتها كذلك، و هنا يتحدّد الإسلام السنّي بإتجاه واحد هو الذي حوّل الإسلام إلى عقيدة و بالتالي مشروع سياسي، أي جماعة الإخوان المسلمين. لهذا يضيف النصّ أن هؤلاء الذين يتبنّون هذا الشكل من الإسلام يحرصون على إحترام " عقائد الآخرين و ثقافتهم و خصوصيتهم أياً كانت إنتماءاتهم الدينية و المذهبية و الفكرية ". و بالتالي يُخرج من هذا الإسلام المذاهب الإسلامية الأخرى، و يجري التعامل مع الأديان الأخرى من منطلق الإحترام. و هذا هو موقف الإخوان المسلمين بالتحديد، لأنهم يعتبرون أنهم " الجماعة "، و يحدِّدون موقفهم من الأديان و المذاهب و الإتجاهات الفكرية الأخرى. الأمر الذي جعل كلّ الموقّعين على الإعلان ينطلقون في النظر إلى " مكوّنات الشعب السوري " من منظار الإخوان المسلمين. طبعاً ربما لأن الفقرة مأخوذة من مشروع الإخوان المسلمين، رغم أنها تحمّل كل الموقّعين وزرها. و يتعزّز الأمر في الإشارة إلى " مكوّنات الشعب السوري " التي سيبدو أن المقصود بها هو المكوّنات الدينية، و التي يقرّر الإعلان حقّها في العمل السياسي. و رغم أن النصّ يؤكد على مبدأ المواطنة فإن هذه الفقرات تشير إلى الإنطلاق من وعي ما قبل ديمقراطي، لا يؤسِّس للديمقراطية. إنها فقرة " أصولية " تتناقض مع كلّ المطالب الديمقراطية و تجبّها، فكيف يمكن أن نوفّق بين النظر إلى الشعب السوري من منظار أنه ملل و أديان، و بين أن نقرّ مبدأ المواطنة الذي يبتدئ من تجاوز الأديان و المذاهب بالمعنى السياسي أو في الحقل السياسي؟ و بالتالي فإن النصّ لا يتجاوز طرح مسألة العلمانية ( التي هي مسألة ضرورية و أساسية في الوضع السوري )، بل ينطلق من العكس، أي تكريس الطابع الديني للممارسة السياسية. إضافة إلى أنه ينطلق من النظر الديني لمكوّنات الشعب، لتبرز كمكوّنات دينية و مذهبية. الملاحظة الثالثة: يبدو أن الميل " السوروي " بدأ يتوضّح، حيث أن النصّ يشير إلى " المنظومة العربية "، و إلى " المتّحد الوطني السوري "، رغم الإشارة إلى " الأمة " و " طريق التوحّد ". و لاشكّ في أن النخبة باتت تميل إلى التأكيد على " سوريا أوّلاً " و " الوطنية السورية ". كلّ ذلك كردّ فعل على اللعب الأيديولوجي الذي مارسته السلطة بالقومية، لكنه يمكن أن يؤسِّس لنزع الطابع العربي عن سوريا كما فعل الأستاذ أنور البني في مسودة الدستور التي قدّمها. لهذا أشير إلى أن النصّ كُتب بمعزل عن الأخطار التي تواجه سوريا، و في إطار التكيّف مع الموجة الأصولية، و الإرتداد الداخلي السوري. دون أن تلمس المشكلات الحقيقية للطبقات الشعبية التي من المفترض أن بعض الأحزاب تمثّلها. المستوى الثالث: و هو المتعلّق بالسياق الذي أتى فيه الإعلان، حيث أن التغيير الأميركي، سوف يقود إلى جلب سلطة تطرح الديمقراطية " على الطريقة الأميركية "، أي وفق " النموذج العراقي " الذي أسّس لديمقراطية الطوائف و حكم الأغلبية بالمعنى الديني و الفيدرالية التي تقوم على أساس مذهبي. فما الموقف منه؟ و هل سيجري تجاهل أن السلطة الجديدة أتت ضمن الأجندة الأميركية؟ و أن هذه السلطة سوف تعمل على ربط الإقتصاد بآليات النهب الإمبريالي، حيث سوف تسرّع الخصخصة و الإفقار؟ و سوف تقيم " السلام " مع الدولة الصهيونية و تخوض " الحرب ضد الإرهاب "؟ الإعلان لا يجيب على هذه المسائل، لكنه يوحي بمواقف منها. اللحظة الراهنة حسّاسة، و يجب أن يصبّ أي برنامج ليس في مواجهة السلطة القائمة فقط، بل و في تحديد موقف من القادم.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروشيتة الأميركية من أجل الحرّية و الديمقراطية و الإصلاح
-
بوش كمخلِّص: جذور النظر الى أميركا
-
المقاومة و الإرهاب في العراق
-
غزة ... أخيراً
-
أوهام اللببرالية و خطاياها
-
العلمانية و الديمقراطية و أولوية السياسة
-
حول العلاقة بين الليبرالية و الديمقراطية دخول في النقاش السا
...
-
العلمانية كمطلب واقعي
-
حين تتجرّد الديمقراطية من علمانيتها
-
اليسار السوري في ميله الليبرالي
-
مناقشة - مشروع بيان غير شيوعي
-
منطق الإستبداد لحظة القرار الأميركي بالتغيير في سوريا
-
الماركسية و أفق البديل الإشتراكي: الماركسية في أزمة؟
-
مأزق اليسار الديمقراطي و إشكالية الإشتراكية الديمقراطية
-
دافوس البحر الميّت
-
سياسة أميركا
-
ورقة عن الحرب الإمبريالية الصهيونية في المنطقة العربية
-
الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن
-
مسار الخصخصة في سوريا
-
عودة الى الطبقة العاملة
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|