أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (17)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (17)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 10:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا كان الإسلام قد نقل البشر (نقلة حضارية) كما يقول العروبيون والإسلاميون وأدعياء الليبرالية ، وأنّ الإسلام غيّر من طباع (كل) من آمن بالإسلام (وليس عرب الجاهلية فقط) فإذا كان هذا القول له مصدقية ، فلماذا لم يُـغير من عقلية عائشة (بنت أبى بكر وزوجة نبى الإسلام) فهى بعد الغدر بعثمان بن عفان (الخليفة الثالث) واغتياله ، قالت ((قــُـتل والله عثمان مظلومًا.. والله لأطلبنّ بدمه)) فقال لها ابن أم كلاب ((ولمَ ؟ فوالله إنّ أول من أمال حرفه (أى هاجمه) لأنتِ.. فقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر)) فقالت عائشة ((إنهم استتابوه ثم قتلوه.. وقد قلتُ وقالوا.. وقولى الأخير خيرٌ من قولى الأول)) فقال لها ابن أم كلاب :
منكِ البداءُ ونكِ الغيــر ومنكِ الرياحُ ومنك المطر
وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام وقلتِ لنا إنه قد كفـــــــــــر
(الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – ج3 – ص 477)
أما ابن قدامة السعدى فقال لها ((يا أم المؤمنين.. والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون.. عرضة للسلاح.. إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة.. فهتكتِ ستركِ وأبحتِ حرمتك.. إنّ من رأى قتالك (أى المشاركة فى المعركة) فقد رأى قتلك.. إنْ كنتِ قد أتيتِ طائعة فارجعى إلى منزلك))
وقال شاب من (بنى سعد) للزبير: أنت يا زبير كنتَ من حوارى الرسول.. وقال لطلحة : وأنت يا طلحة فوقيتَ الرسول بيدك.. وأرى أمكما (يقصد عائشة) معكما فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا. فقال الشاب : فما أنا منكما فى شىء واعتزل.. وقال السعدى :
صـُـنتم حلائلكم وقـُـدتم أمكــــم هذا لعمركَ قلة الإنصـاف
أمرتْ بجر ذيولها فى بيتهــــــــا فهوتْ تشق البيد بالإيجاف
هـُـتكتْ بطله والزبير ستورهــــا هذا المُـخبر عنهم والكافـى
أى أنّ طلحة والزبير (اللذيْن منحهما محمد تأشيرة دخول الجنة) هما اللذان تسبّـبا فى (هتك) ستور عائشة زوجة محمد ، وهذا الشعر- فى رأيى كشف الغطاء عن أحداث الفتنة الكبرى وما تلاها من (حرب أهلية – وفق المصطلح الحديث) بين (عرب مسلمين) ضد (عرب مسلمين) ليس ذلك فقط وإنما هو- أى ذلك الشعر- أكــّـد على أنّ آلية الحرب ودوافعها بين العرب قبل الإسلام ، لم تختلف عن آلية الحرب ودوافعها بعد الإسلام.. وكان مطلب الثأر من قتلة عثمان (الشماعة) التى علــّـقوا عليها أسباب الحرب لقتال على بن أبى طالب ومن معه.. بل إنّ عائشة (التى سبق لها تكفير عثمان) إذا بها تنضم للجيش الذذى سيُـقاتل على ، ولم تجلس فى بيتها فهتكتْ سترها كما فى شعر من عاتبوها وطلبوا منها العودة إلى بيتها. والسؤال الذى يتغافل عنه العروبيون والإسلاميون هو: هل كان على بن أبى طالب هو الذى قتل عثمان ، أو حتى حرّض على قتله ؟ إنّ كل من أرّخوا لتلك الأحداث (الطبرى وغيره) ينفون ذلك تمامًا ، بل إنه كان (واسطة خير) بلغتنا المُـعاصرة بين عثمان والمُــتمردين على عثمان. فإذا كان هذا هو واقع الحال ، وحتى لو كان على بن أبى طالب قد حرّض على قتل عثمان ، فهل ذلك السبب يستدعى تجهيز الجيوش والدخول فى معركة تسبّـبتْ فى قتل الآلاف من العرب المسلمين ، على أيدى عرب مسلمين ؟ وأليس ما حدث سببه أنّ عرب ما بعد الإسلام ، مثلهم مثل عرب ما قبل الإسلام لم يعرفوا ولم يسمعوا عن آلية اسمها (التحقيق) وجمع الأدلة والشهود.. إلخ لمعرفة القتلة الحقيقيين ؟ أى أنّ تعبير (الجاهلية) الذى أطلقه محمد على الفترة السابقة على دعوته ، ظلّ كما هو- دون أدنى تغيير- بعد أنْ دخل عرب قريش فى دين الله أفواجــًـا .
وأعتقد أنّ قراءة كتب التاريخ مُـلهمة للعقل الحر كى يتأمل ويستنتج العبرة ، من ذلك ما ذكره الطبرى حيث كتب : أقبل غلام من (جهينة) على محمد بن طلحة.. وكان محمد رجلا عابدًا.. وقال له الغلام أخبرنى عن قتلة عثمان.. فقال محد بن طلحة : دم عثمان ثلاثة أثلاث : ثلث على صاحبة الهودج (عائشة) وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعنى طلحة. وثلث على على بن أبى طالب.. فضحك الغلام وقال أنى أرانى على ضلال ؟ ولحق بعلى وقال :
سألتُ ابن طلحة عن هالك بحوف المدينة لم يُــقـبر
فقال ثلاثة رهط هـُـــــــــــمُ أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلثٌ على تلك فى خدرهــــا وثلث على راكب الأحمــر
وثلث على ابن أبى طالـــــب ونحن بدوية قرقــــــــــــــر
فقلتُ صدقتَ على الأوليـْــــن وأخطأتَ فى الثالث الأزهــر
( المصدر السابق – ص 428، 438)
وأعتقد أنّ كلام محمد بن طلحة ، شهادة دامغة ضد والده طلحة حيث أدان والده واعتبره أحد المُـحرّضين على الحرب القادمة ، خاصة وأنّ الطبرى وصف محمد بن طلحة بأنه ((كان رجلا عابدًا) أى تفرّغ للعبادة وابتعد عن السياسة وأطماعها.. كما أنه لم يستثن على بن أبى طالب ، وهو هنا كان حكيمـًا فى رأيه ، لأنّ ابن أبى طالب استسلم لنداء السلطة وشهوة الحكم والرغبة فى الجلوس على عرش الخلافة.. وبالتالى لم يهتم بالدماء التى سوف تسيل من (عرب/ مسلمين) عندما يخوض المعركة (العسكرية) ضد لابسى (قميص عثمان) وتبعًا لذلك يرى العقل الحر أنّ جميع الأطراف انحازوا لأهوائهم (سواء لأسباب عاطفية/ دينية أو سياسية/ أيديولوجية) وفى كل الأحوال فإنهم (جميعـًا) لم يهتموا بالدماء التى سوف تــُـراق فى تلك المعركة المجنونة.
وصل الأمر فى تلك الحرب أنّ أحد الأشخاص اسمه (حكيم بن جبلة) سبّ عائشة سبابًا فاحشـًا.. فقال له رجل (من عبد القيس) يا ابن الخبيثة ألأم المؤمنين عائشة تقول هذا ؟ فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله. وإذا كان أى إنسان (مُــتحضر) يرفض أسلوب الهجاء والسب ، فلماذا ينتهى التلاسن بالقتل ؟ أليستْ تلك عقلية (عرب ما قبل الإسلام) ؟ بل إنّ الأمر وصل لدرجة أنّ القتال بن أطراف الصراع دار داخل أحد المساجد.. بل إنّ عائشة أصدرتْ أمرًا شديد القسوة ضد أحد أتباع على بن أبى طالب اسمه (عثمان بن حنيف) فقالت لأتباعها ((احبسوه ولا تقتلوه)) فضربوه أربعين سوطــًا ونتفوا شعر رأسه وشعر لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه (مصدر سابق – ص 485) فهل تلك القسوة تختلف عن قسوة (عرب ما قبل الإسلام) فى التعامل مع الخصوم ؟ كما أنّ مصير هذا الرجل (عثمان بن حنيف) انتهى بقتله فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا.. فقال : فهل جاءكم منى كتاب فى شأنه ؟ ثم ذكر قتل عثمان بن عفان.. فقام إليه رجل من (عبد القيس) فقال : أيها الرجل.. أنصتْ حتى نتكلم.. فقال عبد الله بن الزبير ومالك والكلام ؟ فقال (العبدى) يا معشر المُـهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله.. ثم دخل الناس فى الإسلام كما دخلتم.. فلما توفى الرسول بايعتم رجلا منكم.. والله ما استأمرتونا فى شىء من ذلك فرضينا واتبعناكم.. فجعل الله عزّ وجل للمسلمين فى إمارته بركة ثم مات.. واستخلف عليكم رجلا منكم فلم تــُـشاورونا فى ذلك فرضينا وسلــّـمنا.. فلما توفى جعل الأمر إلى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورة منا.. ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئــًا فقتلتموه عن غير مشورة منا.. ثم بايعتم عليـًا عن غير مشورة منا.. فما الذى نقمتم عليه فنــُـقاتله ؟ هل استأثر بفىء أو عمل بغير الحق أو عمل شيئــًا تنكرونه.. فنكون معكم عليه ؟ وإلاّ فما هذا)) أى أنه إذا لم يُــقـدّموا دليل الإدانه ضد على ، فإنهم لن يشتركوا معهم فى القتال ، فكان مصيره القتل هو وسبعين رجلا كانوا معه (مصدر سابق – ص468)
أعتقد أنّ هذا النص غاية فى الأهمية لأنه كاشف عن 1- أنّ تعيين الخلفاء الذين تولوا الحكم بعد موت محمد ، كان من خلال سلطة غاشمة (سلطة قريش) سلطة لا تعترف بالجماهر (أى الرعية فى المصطلح العربى) وهذا ما عبّرعنه الرجل عندما كرّر جملة أنّ الخلفاء (من أبى بكر، حتى على بن أبى طالب) تمّ تعيينهم ((دون مشورة منا)) أى بالأمر المُـباشر وفق المصطلح الحديث ، أو (التعيين) من (فوق) بمعرفة الخليفة الواحد الأحد الذى يقول (كنْ فيكون) 2- فهل هذا الأداء لتنصيب (خليفة المسلمين) يختلف عن أداء تنصيب (زعيم القبيلة) قبل الإسلام ؟ 3- مغزى النهاية المأساوية لذلك الرجل ، لمجرد أنه امتلك شجاعة الإفصاح عن المسكوت عنه فى أسلول تنصيب الخلفاء ، فكان مصيره القتل هو ومن كان معه.
وعلى العقل الحر أنْ يتأمل ما قاله طلحة وكرّره الزبير ((الحمد الله الذى جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة.. اللهم لا تبق منهم أحدا.. وأقد منهم اليوم.. فاقتلهم)) والمغزى أنّ آفة (الثأر) التى كانت سائدة قبل الإسلام ، ظلــّـت كما هى بعد الإسلام 2- الطلب من (الله) أنْ يتولى قتلهم.
ووصل الأمر بالمُــتهمين بقتل عثمان بن عفان أنْ تجاسروا وقالوا نأخذ عائشة (زوجة النبى) رهينة (أى أسيرة) حتى تأمر أتباعها بالحق ، ولكنهم لم يتمكــّـنوا من تحقيق رغبتهم فى أسرها ، فكتبتْ عائشة إلى أهل الكوفة مع رسول من طرفهم : أما بعد.. فإنى أذكــّـركم الله عزّ وجل والإسلام.. أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه.. اتقوا الله واعتصموا بحبله وكونوا مع كتابه.. فإنــّـا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله.. بإقامة حدوده.. فأجابنا الصالحون إلى ذلك.. واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح (لأنهم) عاندوا وشهدوا علينا بالكفر.. فقرأنا عليهم آية ((يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم)) فأذعن لى البعض واختلفوا فيما بينهم فتركناهم.. وحرضهم عثمان بن حنيف على قتالى.. حتى متــّـعنى الله عزّ وجل بالصالحين فردّ كيدهم فى نحورهم.. ومكثنا ستــًا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده وهو حقن الدماء.. وغادونى فى الغلس (أى ظلمة آخر الليل) ليقتلونى.. وطاف بهم المسلمون فقتلوهم..فإذا قــَتــَـلنا بثأرنا وسعنا العذر.. إلخ.
وهذا النص كاشف عن الآفة الخطيرة التى بدأتْ منذ أكثر من 14 قرنــًا واستمرت حتى لحظتنا الراهنة فى عام 2015، أى آفة (حرب النصوص) حيث أنّ 1- أطراف الصراع يُـحاربون بعضهم البعض وفى جعبتهم سلاح (الاحتكام إلى كتاب الله) 2- أطراف الصراع يُـكفــّـرون بعضهم البعض رغم أنهم على دين واحد 3- قول عائشة (المهم والخطير) طاف بهم المسلمون فقتلوهم (وبأسلوب المُـخالفة كما يقول القانونيون) فإنّ القتلى غير مسلمين ، رغم أنهم – كما سبق توضيحه – آمنوا بالإسلام ودخلوا فيه أفواجـًا ، وحرصهم على الاستشهاد بالقرآن 4- قول عائشة ((فإذا قـَـتـَـلنا بثأرنا وسعنا العذر)) أى الاستمرار فى ممارسة آفة (الثأر) التى ورثوها عن الفترة الى أطلق محمد (النبى) عليها (الجاهلية) فهل يوجد أى فرق بين هذا الذى حدث من (عرب ما بعد الإسلام) و(عرب ما قبل الإسلام) ؟
وتستمر تلك التراجيديا ومع الجميع أسلحة القتل وأسلحة التبرير، من ذلك ما قاله أحد أتباع على بن أبى طالب (حكيم بن جبلة) لخصومه أتباع عائشة وطلحة والزبير، قال : لستُ أخاف الله إنْ لم أنصره.. وجاءتْ فى جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل.. فأتى ابن الزبير (مدينة الرزق) فقال مالك يا حكيم ؟ قال : نــُـريد أنْ نرتزق من هذا الطعام.. وأنْ تــُـخلوا سبيل عثمان بن حنيف حتى يأتى على بن أبى طالب.. والله لو أجد أعوانــًا عليكم أخبطكم بهم.. حتى أقتلكم بمن قتلتم.. ولقد أصبحتم وإنّ دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا.. أما تخافون الله عزّ وجل)) فاقتتلوا قتالا شديدًا وضرب رجلٌ ساق حكيم فقطعها فأخذ حكيم ساقه فرماه بها.. وأصاب عنقه فصرعه ثم حبا إليه فقتله.. وقــُـتل سبعون رجلا من عبد القيس.
هنا أيضًا اللجوء إلى (الله) فى قوله ((لستُ أخاف الله)) ومع ذلك يُـبرّر الاستمرار فى القتال قائلا ((إنّ دماءكم لنا لحلال)) ويختتم كلامه بالرجوع إلى (الله) من جديد ((أما تخافون الله)) ؟
وتتواصل تلك التراجيديا برسالة من عائشة إلى (زيد بن صوحان) قالت فيها : من عائشة ابنة أبى بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله.. إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان.. أما بعد.. فإذا أتاك كتابى هذا فأقدم وانصرنا على أمرنا.. فإنْ لم تفعل فخذل الناس عن على بن أبى طالب (أى يُـقنعهم بالتخلى عن على) فكتب إليها قائلا : من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبى بكر. حبيبة رسول الله.. أما بعد.. فأنا ابنك الخالص.. إنْ اعتزلتِ هذا الأمر ورجعتِ إلى بيتك.. وإلاّ فأنا أول من نابذك)) وذكر الطبرى (وغيره) أنّ زيد بن صوحان قال : رحم الله أم المؤمنين.. نزل الأمر بأنْ تلزم بيتها.. ونزل الأمر بأنْ نــُـقاتل.. قتركتْ ما أمرتْ به وأمرتنا به. وصنعتْ ما أمرنا به ونهتنا عنه))
إنّ موقف هذا الشخص (زيد بن صوحان) يصلح لتفعيل عناصر الدراما فى تلك التراجيديا ، لأنه يكاد يكون (صوتـــًا مُـنفردًا) حيث امتلك شجاعة الاختلاف مع عائشة التى توسّـمت فيه (الطاعة) وأنه سينضم إلى جيشها لمحاربة على بن أبى طالب ، خاصة وأنها اعتبرته (ابنها) ولكنه لم ينخدع بهذا الأسلوب فردّ عليها بكل حسم ووضوح : إنْ لم ترجع وتتراجع عما هى فيه من قتال على ((فأنا أول من نابذك)) مع مراعاة أنّ كلمة (نبذ) فى قواميس اللغة العربية تعنى : تــَـرك ، تجاهل وابتعد إلخ أى أنه سيتخلى عنها تمامًا ، ثم أعطاها درسًا (والمُـفترض أنها كانت تحفظه جيدًا) بأنّ مكانك البيت وأنّ القتال للرجال.. وأنّ تلك هى أوامر (الله) ولكنها ((تركتْ ما أمرتْ به.. وأمرتنا به.. وصنعتْ ما أمرنا به ونهتنا عنه))
وعناصر الدراما كثيرة فى تلك التراجيديا ، من ذلك أنّ على بن أبى طالب خرج للمعركة ومعه سبعمائة وستون رجلا (مُـقاتلا) وأيضًا (راجز لعلى) أى (بوق دعاية) وفق التعبير الحديث حيث أنشد قائلا :
سيروا أبابيل وحثوا السيـرا إذ عزم السيرُ وقولوا خيرا
حتى يُـلاقوا وتــُـلاقوا خيرا نغزو بها طلحة والزبيــــرا
ومعنى هذا الكلام (الذى لا علاقة له بالشعر) أنّ القتل والقتال (خير) ولكن الأهم هو استخدام لفظ (الغزو) فجيش على بن أبى طالب سيغزو جيش طلحة والزبير، أى أنّ جيش (عربى) سوف يغزو (جيشــًا عربيًا) كما حدث فى عام 2015 عندما غزتْ السعودية (العربية) دولة اليمن (العربية) وكما سبق عندما غزا جيش العراق (العربى) دولة الكويت (العربية)
ومن أقوال على بن أبى طالب المهمة : ((طلحة بايعنى.. والزبير بايعنى.. ثم نكثا بيعتى وألــّـبا الناس علىّ.. ومن العجب انقيادهما لأبى بكر وعمر.. وخلافهما علىّ.. اللهم عافنى مما ابتليتُ به طلحة والزبير من قتل المسلمين)) هنا تتصاعد عناصر الدراما حيث أنّ الثلاثة حصلوا على تأشيرة دخول الجنة من محمد ، فكيف سيكون حل (هذه الاشكالية) ؟
ووسط هذا القتل والدمار قال ابن عباس لأهل الكوفة : أنتم وليتم شوكة العجم (أى الشعوب غير العربية و= البهائم وفق قواميس اللغة العربية) وملوكهم وقضضتم جموعهم حتى صارتْ إليكم مواريثهم فاغتنيتم)) (المصدر السابق – ص 502) هنا اعتراف صريح من ابن عباس بأنّ الغزوات العربية ضد الشعوب المُـتحضرة ، كانت السبب في نهب موارد تلك الشعوب ، لتنتقل إلى أهالى قريش وكل من ساهم فى الغزو. فإذا كان هذا قد حدث ضد الشعوب غير العربية ، فلماذا يحدث بين عرب ضد عرب ؟ بل مسلمين ضد مسلمين ، والأخطر من ذلك ما قاله طلحة وكرّره الزبير، عن قتل قتلة عثمان بن عفان ، وكان تبريرهما : إنّ ترك هذا الأمر وعدم الأخذ بالثأر من قتلة عثمان معناه أنّ ((تركه تركٌ لقرآن.. والعمل به إحياءٌ للقرآن)) (المصدر السابق – ص503) هكذا يكون القتل تنفيذا لتعليمات القرآن والعمل به إحياءً للقرآن . هذا مع ملاحظة أنّ عدد القتلى (من العرب المسلمين) والمُـتهمين بقتل الخليفة عثمان وصل إلى رقم ستمائة ، بخلاف عدد القتلى فى صفوف جيش عائشة.
ومن عوامل التوتر الدرامى فى تلك التراجيديا المواجهة بين عائشة وشقيقها محمد بن أبى بكر، الذى قال عن شقيقته ((لقد ازدنا كراهية لتلك المرأة.. فانتهينا إلى على بن أبى طالب.. إلخ)) (المصدر السابق 505) وأعتقد أنّ هذا المشهد سينمائى أكثر منه روائى ، حيث أنّ الشقيقيْن يقفان فى معسكريْن مُــتحاربيْن : محمد فى معسكر المُـتهمين بقتل عثمان بن عفان ، وشقيقته عائشة فى معسكر الثأر من قتلة عثمان . ومن عناصر الدراما أيضًا ما قاله (حرقوص بن زهير) لعلى بن أبى طالب ((يا على إنّ قومنا بالبصرة يزعمون أنك إنْ ظهرتَ عليهم غدًا فإنك تقتل رجالهم وتسبى نساءهم)) فقال على ((ما مثلى يخاف هذا منه.. وهل يحل هذا إلاّ ممن تولى وكفر؟ وهم قوم مسلمون.. ثم استشهد بآية من القرآن)) (المصدر السابق – 510) لهذه الدرجة كان أهل البصرة يتخوّفون من أنّ على بن أبى طالب (قد) يقتل رجالهم ويسبى نساءهم ، فهل هذا معناه عدم الثقة فى خليفة المسلمين الرابع (على بن أبى طالب) ؟ ويفعل بهم ما فعله العرب عندما غزوا الشعوب غير العربية من قتل الرجال وسبى النساء ؟ ولماذا تصوّروا إمكانية حدوث ذلك ؟ وهل هو تراث الفترة السابقة على الإسلام ، الذى انتقل إلى عرب ما بعد الإسلام ؟ سؤال (ضمن أسئلة كثيرة مطمورة فى رمال التاريخ العربى/ الإسلامى) يتجاهلها العروبيون والإسلاميون وأدعياء الليبرالية.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (16)
- العرب قبل وبعد الإسلام (15)
- العرب قبل وبعد الإسلام (14)
- العرب قبل وبعد الإسلام (13)
- العرب قبل وبعد الإسلام (12)
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم


المزيد.....




- هيئة البث الاسرائيلية:اندلاع النيران في كنيس يهودي بمدينة مو ...
- تونس.. تسعة معالم دينية في القيروان مهددة بالانهيار
- بزشكيان:العلاقات الطيبة بين البلدان الاسلامية تحبط مؤامرات ا ...
- “ارسمي الفرحة على وجه البيبي الصغير” استقبل حالا تردد قناة ط ...
- الرئيس بزشكيان: على الدول الاسلامي التعاون ووضع الخلافات جان ...
- هل أحاديث النبي محمد عن الجيش المصري صحيحة؟.. الإفتاء ترد
- المكتبة الخُتَنيّة.. دار للعلم والفقه بالمسجد الأقصى
- “خلي أطفالك مبسوطين” شغّل المحتوي الخاص بالأولاد علي تردد قن ...
- قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (17)