|
عن حلم الديمقراطية
رفعت السعيد
الحوار المتمدن-العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 10:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ونبدأ الحديث عن هذا الحلم بعبارة لمفكر إنجليزى هو روبرت داهل أوردها فى كتابه «الديمقراطية » يقول فيها «إن طريق الديمقراطية منذ العصور القديمة يتبدى كصحراء جرداء وممتدة، تسير فيها الشعوب، بينما تتخللها واحات صغيرة تستقر فيها الشعوب والحكومات لأمد زمنى ما، وقد تعود إلى التيه مرة أخرى» وهو يلفت نظرنا إلى حقيقة جوهرية كثيراً ما تغيب عنا فالديمقراطية ليست شيئاً يجرى اختراعه فيبقى على الدوام، فهى تخترع، تنمو، تزدهر فإذا لم نستمر فى منحها مقومات الحياة لا تلبث أن تذبل أو حتى تختفى. إنها ليست آلة تخترع وتستقر وتطور نفسها من خلال ممارسة الإنسان لإدارتها، لكنها معركة اجتماعية مستمرة تعيش فى خضم متناقضات قد تتقدم بها أو تتراجع بسببها. والنموذج واضح تماماً ففى 25 يناير كان ميدان التحرير وغيره من الميادين موطناً لصخب جارف يتبدى وكأنه حرية بلا حدود ثم تحول على أيدى عدد محدود [مدفوعين أو مدفوع لهم] إلى فوضى أو شبه فوضى، وانعكس ذلك كله مجتمعياً على مناخ اجتماعى فيه قدر من التمرد على أى انتهاك للديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم هدأ الصخب وها نحن نخوض انتخابات بلا مذاق ويعلوها صخب صاخب ويكسوها غبار متأسلم وتغلفها أموال بلا حدود. وأتذكر حكمة إغريقية قديمة تقول «كل مواطن يعشق الديمقراطية وكل منا يتعلق بسحرها الأخاذ، يتنازعونها فتتمزق بين أيديهم». وتعانى ديمقراطيتنا مما أسمية تبادل أزياء. ففى القرن الماضى كان المصريون يخوضون معارك التحرر الوطنى ومساندة الشعوب الساعية للتحرر [الدور الناصرى فى إفريقيا] وكانوا يصرخون دفاعاً عن الحرية وعداءً للمستغلين والمستعمرين الإمبرياليين ناهبى أقوات الشعوب وحريتها واستقلالها، ثم تبدلت الأزياء فالدول التى حصلت على استقلالها دخلت فى متاهات الصحراء التى تحدث عنها روبرت داهل وتحكم فيها وعلى المدى الأفريقى حكام كسروا قيود الإمبرياليين عن شعوبهم ثم وضعوا مكانها قيوداً أخرى محلية الصنع. ويتمادى تبادل الأزياء المفتعل فالإمبرياليون القدامى تخلوا شكلياً عن أشكال الاستعمار المباشر والذى لم يعد ملائماً للعصر، لكنهم ظلوا ينهبون ثروات أفريقيا عبر آليات تجارية تمتص مواردها ويفرضون بالعولمة استغلالا صعباً لأسواقنا وحقوقنا حتى فى ثورتنا ويعرقلون تطورنا الصناعى والزراعى عبر آليات غير متكافئة سواء فى التجارة أو الجات أو الديون. ومن ثم فإنهم يمارسون ضغوطاً شرسة بزعم أنهم يمتلكون الحق فى إقرار ما هو حق فى بلادنا، وليس فى بلادهم وأن الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات أصبح مهمة إنسانية يمتلكون صلاحية التدخل للدفاع عنها فى كل العالم.
والمثير للدهشة أن منظمة الأمم المتحدة قد استيقظت ووعت هذه الحقائق منذ زمن فأصدرت تقريراً بعنوان «الديمقراطية فى عالم مفتت» جاء فيه «إن المشاركة السياسية الديمقراطية تتطلب ما هو أكثر من التعددية ومن الانتخابات، فالسياسة الديمقراطية تتطلب حقوقاً مدنية وسياسية تتيح للشعوب إمكانية المشاركة الفعالة، وتعطى هذه الشعوب القدرة على بناء نفسها دون عوائق آتية من الخارج»، ثم يمضى التقرير فى صراحة مثيرة للدهشة مدينا الضغط الخارجى على المجتمعات الفقيرة والتى تحاول الإفلات من الفقر بمزاعم العولمة وحرية التجارة قائلاً: «إن الجمهور فى هذه البلدان يصبح أكثر ميلًا لتأييد إجراءات لتقييد الحريات والحقوق المدنية والسياسية بأمل الإسراع فى تحقيق التقدم».
ونضيف إلى هذه الأسباب إحساس الشعوب بأن المستغلين الأجانب يسعون – وقد نجحوا بالفعل – فى تفتيت عدد من الدول وتحويلها إلى كانتونات صغيرة متناحرة وطاردة للسكان ليصبحوا أجراء مستعبدين وبلا حقوق فى أسواق العمل الأوروبية، وتصرخ بعض الدول الأوروبية صراخاً مفتعلاً من عبء اللاجئين (النسخة الحديثة لأرقاء الزمن القديم) بينما هم يمارسون السياسيات التى تزيد من هجرة المهاجرين. ونعود إلى تقرير لجنة التنمية البشرية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة لنقرأ عبارة شديدة الصراحة تقول «إن العالم لم يكن فى أى وقت مضى أكثر حرية فى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية ولكنه أيضاً لم يكن أبداً أكثر ظلماً مما هو عليه الآن».
ونعود لنؤكد نحن نريد حرية لأننا نستحقها، وليس لأن البعض يزعم أنه يريدها لنا، ونحن نريدها لنبنى أنفسنا ومؤسساتنا التشريعية بما يمكننا من مواجهة محاولات الهيمنة الأجنبية التى هى معادية لنا بالأساس ونرفض طروحاتها التى تحاول خداعنا، ونريد بناء وطن حر، ديمقراطياً وعادلاً.. ويقيم المجتمع العادل مجتمع الحرية والمواطنة والمساواة والعدل الاجتماعى نريده ليس لأن الغرب يضغط علينا وإنما لكى نضغط نحن عليه ضد محاولاته لافتراسنا.
#رفعت_السعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كى تحيا مصر
-
الفضائيات والفضائيون.. إلى أين؟
-
إلى الرئيس إليك درساً من عرابى
-
حذار.. حذار من جوعى
-
جولن أو أردوغان الإسلام أو التأسلم
-
فهمى- أمريكا- الزواج
-
قطر وإسرائيل
-
محلب.. أمريكا.. الإخوان
-
قانون الرئاسة.. غير قانونى
-
عن التحرش ورئيس الجامعة
-
أخطأت يا سيادة الرئيس
-
أكثر من تحذير للرئيس القادم
-
عن الإخوان ومدارسهم
-
رفعت السعيد ولماذا 86.. وحدها؟
-
هل الإخوان جماعة إرهابية؟
-
منى مينا.. والعمدة إيفا
-
الإخوان.. والأقباط «2»
-
الإخوان والأقباط «1»
-
عن مبطلات شفافية الانتخابات
-
إصلاحات أردوجان.. غير صالحة
المزيد.....
-
رغم تحذير الجيش الإسرائيلي.. لبنانيون يبدأون بالعودة لمناطقه
...
-
مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق: وقف إطلاق النار اختبار للبنا
...
-
الداخلية الكويتية تعلن ضبط مواطن ووافد سوري ضمن تشكيل عصابي
...
-
مصر: اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان يجب أن يكون توطئة لوقف إ
...
-
ما هي أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان؟
-
بسبب تكلفة اختيار المقعد.. شركات طيران تحقق أرباحا بالمليارا
...
-
خبير ألماني: -الإسلامويّون- يفضلون استخدام السكاكين في اعتدا
...
-
تحديد علامة رئيسية للاضطراب النفسي
-
الرقابة الروسية تحذر من خطورة تفشي فيروس -نورو-
-
مسؤول كبير في -حماس-: الحركة مستعدة للتوصل إلى اتفاق بعد -وق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|